الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية في فأرستان

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 3 / 7
الادب والفن


حكاية

كانت ماوسلاند Mouseland أو بلاد الفئران مكانًا جميلا وغنيا بوسائل الحياة، تعيش فيه جميع الفئران الصغيرة بأمان وسعادة، تأكل وتشرب، تعمل وتلعب وتحتفل وتولد وتموت. وقد عاشوا حياة روتينية ومملة تمامًا كما تعيش أأغلب الكائنات على كوكب الأرض.
حتى جاء ذلك اليوم الذي اكتشف فيه أحد القطط المغامرة أحد مداخل هذه البلاد وبدأ في إستكشافها والتلصص على سكانها وثرواتها. ومنذ ذلك اليوم بدأ حضور القطط يزداد يوما بعد يوم في شوارع البلاد وأزقتها وأصبحت القطط تتحكم في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بحياة الفئران وأحالت حياتهم الوديعة إلى جحيم من الخوف والذعر. غير أن الفئران لم تتقبل هذا الأمر وبدأت في المقاومة ومحاولة إيجاد مخرج من سلطة القطط التعسفية والعنصرية. وبعد مفاوضات طويلة ومؤتمرات ولقائات وإجتماعات متعددة ووساطة من العديد من الجهات، توصلت الفئران والقطط لمشروع مجتمع "ديموقراطي"، يكفل الحياة للجميع عن طريق ما سموه بـ "البرلمان" وتكوين حكومة توافقية تدير أمور ماوسلاند.
أول ما أتفقوا علىه هو إجراء انتخابات برلمانية مرة في كل عام. واعتادت الفئران التوجه مسرورة إلى صناديق الاقتراع والقيام بواجبهم والإدلاء بأصواتهم، وفي كل عام، في يوم الانتخابات الموعود، كانت جميع الفئران الصغيرة تذهب إلى صناديق الاقتراع وتشارك في إنتخاب الحكومة، وكانت الحكومة في العادة مكونة من قطط سوداء كبيرة وسمينة.
وليس هناك ما يمكن أن يقال ضد القطط السوداء السمينة، فلقد أدارت حكومتهم بشجاعة وبراعة وذكاء، وأصدروا عدة قوانين جيدة وافق عليها البرلمان بالإجماع - أي قوانين جيدة للقطط بطبيعة الحال. لكن القوانين التي كانت جيدة للقطط لم تكن بالضرورة جيدة للفئران. يقر أحد هذه القوانين على سبيل المثال أن تكون فتحات حفر الفئران كبيرة بما يكفي حتى تتمكن القطة أو القط من إدخال مخلب من مخالبها. وينص قانون آخر على تحديد سرعة الفئران، أي ان الفئران لا يمكنها التحرك أو الجري إلا بسرعات محدودة معينة، بحيث يمكن للقط أن يحصل على فطوره دون بذل الكثير من الجهد، كما حرم على الفئران تسلق الأسطح الملساء أو الدخول في الشقوق الضيقة التي لا تتسع لمخالب القطط. كل القوانين كانت قوانين جيدة للقطط، لكن أغلبها كانت قاسية وظالمة للفئران. وأصبحت الحياة تزداد صعوبة ومأساوية. وفي النهاية وعندما لم تعد الفئران قادرة على تحمل كل هذا القهر، قرروا أنه يجب الثورة والقيام بشيء ما حيال ذلك الوضع. فذهبوا في الإنتخابات التالية بأعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع، وبدل التصويت للقطط السوداء كما هي العادة، صوتوا للقطط البيضاء وكلفوها بتشكيل الحكومة. وللحق فقد قامت القطط البيضاء بحملة إنتخابية رائعة بطريقة جديدة ومبدعة، قالوا: "كل ما تحتاجه ماوس لاند هو " الرؤية المستقبلية " وقالوا: "المشكلة مع ماوسلاند هي تلك الثقوب الدائرية الصغيرة أمام بيوت الفئران. إذا أنتخبنا ووصلنا للسلطة، أول ما سنقوم به هو تشريع يفرض الفتحات المربعة في كل البيوت التابعة للماوسلاند ". وقد نفذوا فعلا وعودهم الإنتخابية، وكانت فجوات الفئران المربعة أكبر بمرتين من الفتحات المستديرة، مما يمكن للقط أن يدخل مخلبيه الإثنين، وحتى رأسه في بعض الحالات. وأصبحت الحياة أكثر رعبا وأشد قساوة وأصعب من أي وقت مضى في التاريخ الطويل لبلد الفئران. وعندما وصلت المعاناة حدها الأقصى، ولم يعد بالإمكان أحتمال هذا الوضع بعد الآن، قاموا، في الإنتخابات الجديدة، بالتصويت ضد القطط البيضاء وأعادوا القطط السوداء للحكم مرة أخرى، ثم عادوا إلى القطط البيضاء، ثم إلى القطط السوداء وهو ما سموه بالتبادل السلمي للسلطة. حتى أنهم جربوا القطط التي نصفها أسود ونصفها أبيض، وقد أطلقوا على هذا إسم "حكومة التحالف". لقد جربوا جميع الإحتمالات لدرجة أنهم انتخبوا حكومة مكونة من قطط مرقطة ببقع بيضاء وسوداء وهي نوع فريد من القطط التي تتكلم مثل الفئران وتأكل مثل القطط.
وذات يوم بينما كانت الفئران في إجتماع كبير تتشاور وتتدبر في كيفية حل هذه الأزمة، رفعت فأرة صغيرة يدها قائلة بصوت مرتعش : لدي فكرة، لدي فكرة. وعندما سمحوا لها في النهاية، قبل نهاية الإجتماع بإدلاء رأيها، قالت : "انظروا أيها الرفاق، الحل في منتهى البساطة، لماذا نستمر في انتخاب حكومة مكونة من القطط ؟ لماذا لا ننتخب حكومة مكونة من الفئران؟ " في البداية عم صمت كصمت الأموات استمر لعدة لخظات، ثم همهمة خفيفة، ثم صاحوا بصوت واحد : بولشيفية .. شيوعية .. شيوعية. وانقضوا عليها كالقطط وقادوها إلى السجن.
كما ترون، أيها الرفاق والرفيقات، لم تكن المشكلة في لون القطط. المشكلة أنهم كانوا قطط. ولأنهم كانوا قطط ، فقد اعتادوا الإهتمام بأمور القطط بشكل طبيعي بدلاً من الفئران.

هذه القصة مستوحاة من حكاية سياسية كتبها السياسي الكندي Clarence Gillis، ثم تلاها Tommy Douglas ١٩٠٤١٩٨٦، الإشتراكي الكندي بصوته في عدة لقاءات إنتخابية وإجتماعات سياسية ابتداء من سنة ١٩٤٤ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع