الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسألة وجود الله-1- المقدمة

طوني سماحة

2021 / 3 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مسألة وجود الله- مقدمة
في الثامن من نيسان (ابريل) 1966، نشرت مجلة التايمز الأمريكية على غلافها عنوانا أحمر اللون على خلفية سوداء "هل مات الله Is God dead/"؟ بعد سنوات قليلة على نشر غلافها الأول، قامت التايمز مجددا بإصدار عدد جديد، كتبت على غلافه بالأحمر الصارخ على خلفية سوداء، "هل عاد الله الى الحياةIs God coming back to life/"؟ في ثمانينات القرن الماضي، طرحت التايمز مجددا جدلية وجود الله في زمن الحداثة "Modernizing the case for God ". تقول التايمز، "خلال عقدين من الزمن، ما كان لأحد أن يتوقع عودة الله، في إطار ثورة فكرية وجدلية. الملفت للنظر أن عودة الله ليست محصورة في الدوائر الدينية واللاهوتية، ولا في أوساط المؤمنين العاديين، إنما هي قد أحدثت خرقا في الدوائر الفلسفية والأكاديمية التي كانت محظورة عليه" (بتصرف).
إثر الثورة الفكرية التي أحدثها عصر التنوير، طرح كارل ماركس (1818-1883) الذي تدين له الكثير من الحركات المعاصرة بالوجود، مثل الاشتراكية والشيوعية، مسألة وجود الله. لا زالت كلماته ترن حتى اليوم في آذاننا "الدين أفيون الشعوب". تلقفت الطبقات الفقيرة في اوروبا صرخة ماركس واحدثت تغييرا فكريا وثقافيا ودينيا واجتماعيا وقضائيا في الكثير من الدول أبرزها أوروبا وأميركا روسيا والصين. لكن سرعان ما أثبت لينين وبعده ستالين (1878-1953) أن أفيون الشعوب ليس محصورا بالدين، وأن ثمة أفيونا أيدولوجيا آخر، أشد قتلا وقساوة، يسمح للطبقات الحاكمة بالسيطرة على الشعوب. قتل ستالين ما يزيد عن عشرين مليونا (مقارنة بمليون ونصف مقاتل في الحروب الصليبية من الطرفين). في أوائل ستينات القرن الماضي، تسببت قوانين ماو تسي بمقتل ما يزيد عن خمسة واربعين مليونا من مواطنيه، بعد إصراره على تغيير النظام الاقتصادي الصيني من زراعي الى صناعي. تسببت الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين بمقتل ما يزيد على 60 مليون انسانا، دون ان ننسى ستة ملايين يهوديا قضى عليهم هتلر في معسكرات التعذيب.
تأثرت اوروبا واميركا بالأفكار التي طرحها المفكر الغربي مثل ماركس Marx)) وكانت (Kant) وفولتير (Voltaire). تناقص عدد المؤمنيين في اوروبا واميركا بشكل ملفت منذ عصر التنوير وحتى يومنا هذا وأصبح الإلحاد تيارا إيمانيا وفكريا وثقافيا لا يمكن لأحد تجاوزه في المجتمعات العالمية كافة وكان لهذا الفكر تأثير واضح في المدرسة والجامعة والمجتمع والعمل. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل الإلحاد وليد عصر التنوير أم أن جذوره ضاربة في التاريخ كما يتم تصويره في بعض الدراسات الحديثة؟
لا شك أن الدين قديم قدم البشرية نفسها. كان الإنسان الأول متدينا في كل الثقافات بدأ من بلاد ما بين النهرين مرورا بالمجتمعات الكنعانية والمصرية واليونانية والرومانية والهندية والصينية والأفريقية. حتى الحضارات التي اكتشفت حديثا مثل الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلاندا وغيرها مارست طقوسا دينية مختلفة مثل عبادة الأجداد وعبادة الأرواح أو الآلهة. لكن، هل نملك أدلة على وجود الإلحاد في التاريخ القديم؟
نشرت بعض الدراسات الحديثة أبحاثا توحي أن الألحاد عاصر البشر منذ ما لا يقل عن ألفي عاما وتحديدا في المجتمعين الروماني والإغريقي. قد يحمل هذا الكلام بعض الصحة، إلا أنه مضلل في طريقة طرحه. عندما نتكلم عن تاريخ الإلحاد، تتجه الأنظار مباشرة الى أربعة فلاسفة عاشوا في أزمنة قبل الميلاد ألا وهم أبيكوروس 341-270 ((Epicurus، ديمكريتوس ((Democritus ، لوكريتوس (Lucretius) وأرسطو ((Aristotle. من المؤكد أن هؤلاء الفلاسفة تمايزوا عن معاصريهم في فهمهم للدين والألوهة، إلا أنهم لم يلغوا وجود الله بالمطلق. كان أبيكوروس من أوائل المنادين بالمادية. آمن أبيكوروس ان المادة هي جوهر الوجود وأن الروح مادة. ما أن يموت الإنسان تموت الروح معه. قال أبيكوروس أن الآلهة قد يكونوا موجودين، إلا أن وجودهم لا يتقاطع مع وجود الإنسان. سار لوكريتويوس على خط أبيكوروس لكنه قال ان تعاسة الإنسان ليست سوى وليدة الخوف من الله وفهم الإنسان للألوهة. وبالتالي لم ينف لوكريتيوس فكرة وجود الله. قد يكون أرسطو على قائمة الدلائل التي يسوقها بعض الدراسين للدلالة على قدم تاريخ الإلحاد. لكن أرسطو) 348-322 قبل الميلاد) وقبله أفلاطون وسقراط لم يكونوا ملحدين بالمعنى الدقيق للكلمة. على العكس، في عمله "الماورائيات" (Metaphysics)، ناقش أرسطو فكرة وجود الله، ووصفه بأنه المحرك الأول (First Mover) المسؤول عن وحدة الكون والغاية من وجوده. بالطبع شكك أرسطو بالمفهوم المتداول للألوهة في عصره لكنه هو أيضا لم يلغ فكرة وجود الله. فهو القائل مثلا "الصلوات والذبائح هي دون جدوى" ، و "الإنسان هو من يخلق الله ليس بالشكل فقط وإنما بنمط وأسلوب حياة الإله".
قد يصح القول أن القليل من الفلاسفة زرعوا بعض بذور اللاأدرية (( Agnosticism في المجتمع الإغريقي بالتحديد، قبل الميلاد. لكن المؤكد قوله أن الإلحاد بصورته المعاصرة هو وليد المجتمع الأوروبي في عصر التنوير الذي تلا الإصلاح البروتستانتي. عندما قارع مارتن لوثر الكنيسة، سأل أسئلة لم تكن تسأل من قبل. هو من ترجم الإنجيل الى الألمانية وبالتالي سمح للمواطن العادي بالاطلاع على جوهر إيمانه بعد أن كان الفلاح يستمد إيمانه من رجل الدين. كان صراع مارتن لوثر مع الكنيسة هو السابقة التي سمحت لكل إنسان في المجتمع الأوروبي أن يسائل السلطات أكانت كنسية أم سياسية. الثورة على الموروث الثقافي في أوروبا كان المدخل الذي بنى أرضية خصبة للحرية والمساءلة والرغبة في التغيير. وليس من الصدفة بشيء أن يكون الإلحاد قد نما في هذا الجزء من العالم وليس في أي بقعة أخرى. فالقيم التي بنيت عليها أوروبا الحديثة من تسامح وقبول الآخر والمساواة والعدالة وحرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة هي هي القيم التي لن تمنع، لا بل سوف تسمح لأي تيار فكري بالتعبير عن نفسه أكان شيوعيا أم رأسماليا، إلحاديا أم دينيا، متحررا أم محافظا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل من ادعوا موت الله ماتوا والدوام لله
عبد الله اغونان ( 2021 / 3 / 8 - 13:09 )
في اعتقاد المؤمنين الله حي لااااااااااااااايموت
في اعتقاد ل البشر المؤمن والكافر أن كل انسان فان وميت رغم أنفه
شيئ مؤكد أن نيتشه القائل بموت الإله قد مات فعلا
بينما الله تعالى حي ويسير الحياة كلها
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

اخر الافلام

.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف


.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب




.. مأزق العقل العربي الراهن


.. #shorts - 80- Al-baqarah




.. #shorts -72- Al-baqarah