الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدل سبيلا- للعدالة

ناجي سابق

2021 / 3 / 8
دراسات وابحاث قانونية


انطلاقاً من أن القانون الطبيعي هو مجموعة قواعد عامة أزلية أودعها الله في خلقه في هذه الدنيا الواسعة لمثل العدالة وجوهرها الثابت في حياة الإنسان الذي ميزه الله بنعمة العقل الذي يتمكن بفعله أن يشرع ويسن القوانين الوضعية التي تحكم العلاقات بين البشر وتحقق الأمن والعدل والاستقرار في المجتمع خوفاً من أن تسود شريعة الغاب ويستوفي كل إنسان حقه بيده تحت تأثير الأطماع والمصالح الفردية.
إن فكرة العدل من أقدم الفضائل الإنسانية التي تعبر عن رغبة أصيلة لدى الإنسان في إحقاق الحق ورد الظلم في كل زمان ومكان، فتم استنباط المبادئ القانونية السامية التي تتمثل بالعدل الجوهري والمساواة والحرية وعدم التمييز وحق الدفاع عن النفس والتعاون بحسن نية وضرورة احترام حقوق الإنسان والحفاظ على حياته وحياة أسرته واحترام كرامته الإنسانية بعيداً عن الإكراه والعنف والأذى الجسدي والنفسي وحق المحاكمة العادلة بناءً للمسؤولية الشخصية القائمة على مبدأ المشروعية في التجريم والعقاب. وقد تطورت هذه المبادئ والقواعد القانونية وفقاً لمتغيرات وحاجات المجتمعات من زمن لآخر ومن مكان لآخر، فجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كتعبير عن المبادئ العامة للقانون الوضعي ليؤكد في مادته الأولى أنه يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
والإنسان الذي وجد القانون لحمايته وتنظيم حياته والذي كرمته جميع الأديان السماوية: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" ونادت بحمايته الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي اعتبرت أن حق الحياة مقدس والحرية الشخصية مصانة وحرية الفكر والوجدان والدين في حمى القانون والحق في الصحة والعمل والتربية والتعليم وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي كفلتها الدساتير في الدول وفقاً لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة لعام 1966 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، إضافة إلى الالتزام بمبادئ سامية لقانون الحرب والقانون الدولي الإنساني الذي نصت عليه اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولان الاضافيان لعام 1977 وكذلك القانون الدولي الجنائي الذي جاء مقنناً في نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لعام 1998 والتي تسعى لملاحقة الأفراد المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية لعدم إفلاتهم الإفلات من العقاب.
وبناءً لما تقدم جاءت القوانين لتكون وعاءً للقيم والمبادئ العامة التي تقوم على المثل الأخلاقية والإنسانية والسياسية التي تنظم حياة الأفراد في المجتمع والتي ترتكز على المساواة وعدم التمييز واحترام إنسانية الإنسان، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، الذي جعل العدل سبيلاً للعدالة الرحيمة وإعطاء كل ذي حق حقه والتزام ذلك على وجه الدوام والاستمرار. فالقواعد القانونية قواعد عامة مجردة ملزمة غايتها الأساسية تحقيق الأمن والعدل الاجتماعي واستقرار المعاملات بين الناس ودعم التطور والتقدم، مرتكزة على مبادئ جوهرية (مبدأ المشروعية والشخصية ومبدأ المساواة ومبدأ حق الدفاع والوجاهية ومبدأ حسن النية وعدم التعسف في استعمال الحق، ومبدأ التزام الصمت وعدم إجبار أحد على الكلام تحت الضغط أو الإكراه، ومبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة ومبدأ المحاكمة العادلة ومبدأ التسبيب والتعليل في الأحكام ومبدأ المواجهة والإثبات بالدليل) وغيرها من المبادئ التي تحقق أهداف القانون وغاياته الجوهرية.
عليه وفي ظل الأطماع البشرية وحق الدولة في الحفاظ على مصالحها العليا وأمنها واستقرارها ارتكبت وما تزال ترتكب الجرائم الدولية من جرائم حرب وما يلازمها من انتهاكات جسيمة على الفئات والأعيان المحمية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية رغم أن القوانين والمواثيق والأعراف الدولية ودساتير جميع الدول نادت بالمبادئ الإنسانية واحترام حقوق الإنسان في كل زمان ومكان، لذلك كان لا بد لنا من إعادة التذكير بالمثل والقيم الإنسانية العليا وضمانات المحاكمة العادلة ومبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي وقانون حقوق الإنسان والقوانين الوضعية الوطنية التي تعطي الضمانات للأفراد في ملاحقتهم ومحاكمتهم أمام القضاء الوطني والقضاء الدولي في حالات الاضطرابات والعنف والشغب وحالات النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، إضافة إلى ضرورة احترام إنسانية الإنسان، وعدم انتهاك الحرمة الشخصية والحريات العامة تحت ذريعة الضرورات العسكرية والأمنية والحفاظ على النظام العام الوطني والدولي لأن التعارض الأساسي بين الإنسانية والضرورات هو المأساة الخالدة الذي تقدم مصالح الدول واستقرارها الداخلي والخارجي على حساب إنسانية الفرد وحقوقه المشروعة مع الزامية تأمين الحد الأدنى من الضمانات الإنسانية في وقت السلم والحرب على حد سواء ليتابع حياته ضمن احترام الكرامة الفردية وصيانة الحرمات الشخصية في حياته وسلامته الجسدية والمعنوية والابتعاد عن الانتهاكات الخطيرة التي تعيدنا إلى العصور البربرية المتوحشة والانحطاط إلى ما دون الإنسان. فمهما كانت الحالات الاستراتيجية الدولية والوطنية التي تحكمها المصالح والضرورات يبقى الإنسان بريئاً إلى أن تثبت إدانته في حكم صادر عن محكمة قانونية تتسم بالحياد وتكفل جميع الضمانات القضائية الجوهرية في نظر الشعوب المتمدنة حيث يبقى شخص الإنسان في حمى المبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام في كل زمان ومكان حتى في الحالات التي لا تشملها القوانين.

ا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا