الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيتشه الجينالوجي

عبدالله محمد ابو شحاتة

2021 / 3 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا شك أن نيتشه قد قرأ كتاب شوبينهاور "فن أن تكون دائماً على صواب"، أنه يجيد خدعة تمرير ما يقدم فرضياته كما لو كانت حقائق مثبته، فتترسخ بذلك كحقائق في ذهن القارئ لا كفرضيات. تلك الثقة النيتشاوية الكبيرة الموضوعة في عنوان" جينيالوجيا الأخلاق". نيتشه الجينالوجي الذي ظن أنه قد أدرك أصول الأخلاق. وكذلك هو يخبرنا في هذا الكتاب وما سبقه وما تلاه أن أخلاق المسيحية كلها فاسدة بلا استثناء، وهي مبالغة بلا شك . فالأخلاق المسيحية أستطيع ان اقول انها خليط من الغث والثمين، وإن كان الغث هو الغالب بطبيعة الحال. ولكن المفاجأة الكبرى والانحراف النيتشاوي الغريب جاء في محاولة تفسير أصول تلك الأخلاقيات بأنها من صنع الضعفاء، بأنها ردة فعل حاقدة من الضعفاء ضد الأخلاق الأرستقراطية، هذا التفسير الذي لا أعرف كيف تفتق عنه عقل نيتشه، ذاك التفسير الذي فشل نيتشه في إعطاء أي دليل عليه في كل كتاباته، أنه فقط يكتفي بعرضه، أو على أقصى تقدير يلجأ لعلم اللسانيات فيقتبس كلمة من هنا وكلمة من هناك ليقول أن أصول الكلمات التي تدل على الضعيف والعامي والبسيط متشابها مع تلك التي تأتي بمعنى "شرير أو فاسد " ليبين أن أصل الأخلاق أرستقراطياً، ولا بد أن العامة قلبوها لتصبح كلمة شرير تعني أرستقراطيا مُتفرداً وقوياً. إن نيتشه يتعامل مع الأخلاق كما لو كانت مجرد مفاهيم، ولكن الأخلاق عملية بالأساس، ولفهم أصولها علينا بالنظر للجانب العملي لا عن طريق فقط عرض لمفاهيم مجردة ومصطلحات لغوية. ولهذا فبالنظر العملي على جينيالوجيا الأخلاق يظهر امامي تهافت الادعاءات النيتشاوية. أخلاق الضعف والتساهل والاستسلام ومن لطمك على خدك الأيمن حول له الأيسر، هي اخلاق صنعها الضعفاء حقداً على الأقوياء والارستقراطيين وذوي السلطة، هذا ادعاء سخيف بل إنه بالغ السخافة، فأي انتقام هذا الذي يصب في صالح المُنتقم منه ؟ . العقل العملي يقول حين تُريد أن تعرف المصدر أنظر لصاحب المصلحة، وصاحب المصلحة في تلك الأخلاقيات ليس سوى الأرستقراطي كما تصور ماركس بنظرته العملية، فلا يوجد ما يخدم مصالحه أكثر من صبر الضعفاء ورعونتهم، إنه لا يريد أكثر من أن يلطمهم على خدهم الأيمن فيحولوا له الأيسر، وليوصف حينها بالشرير فليس هذا بذي أهمية لديه، إنها مجرد شعارات فارغة. فالأخلاق المسيحية لا يمكن أن تكون سوى وليدة الأرستقراطية والطبقات المسيطرة وليس العكس، فهل كان رجل الدين يوماً حليفاً سوى لمن يملك القوة سواء أكان اقطاعي أو رأسمالي، و هل تحالف يوماً ما مع الضعفاء ! . لقد عاد نيتشه بالتاريخ ليخبرنا أن المسيحية استمدت أصولها من اليهود الضعفاء والمُهانين ولذلك فأخلاقيتها هي اخلاق الضعفاء، ولكن بنظرة فاحصة أكثر يمكننا أن نرى المسيحية كوليدة الإمبراطورية الرومانية، كوليدة للرواقية فلسفة الملوك والقادة ( ماركوس أوريليوس، سينيكا...). نراها وقد أعلاها ودعمها وتبناها قسطنطين الذي لم يكن يعلي فيها سوى مصالحه السياسية على ما يبدو. وهكذا تُبين لنا النظرة التاريخية والنظرة العملية الواقعية كون اصل أخلاق الضعف لا يمكن أن يكون سوى أرستقراطي المنشأ، سلطوي المنشأ، نراه جيداً في تزاوج رجال الدين ورجال السلطة. ولا شك أن لماركس السبق على نيتشه في سبر أغوار البناء الأخلاقي والقيمي ورده الى منبته الحقيقي الطبقي. لقد أراد نيتشه بنزعة أرستقراطية ساذجة أن يلقي بكل انحطاطات البشرية على كاهل الطبقات الضعيفة والدنيا، فقلبهم بشكل كوميدي من مستضعفين إلى جبارين استطاعوا أن يفرضوا قيمهم الخاصة على الجميع بمن فيهم الإرستقراطي نفسه. تلك الرؤية المتناقضة الغريبة، أخلاق الضعفاء تنتصر على الأقوياء، الضعف ينتصر على القوة ( تناقض هزلي). فأخلاق الضعفاء ليست سوى انتصار لمصالح الأقوياء، ليست سوى خدعة وفخ نصبته الطبقات المسيطرة، هكذا يُفهم الأمر ولا يمكن أن يُفهم إلا هكذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية