الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية لنص - نزاع - للقاص فاضل حمود... بقلم / رائد الحسْن

رائد الحسْن

2021 / 3 / 8
الادب والفن


نزاع
قررت أن أقتل من كان السبب، هرعت إليه مسرعاً، دنوت من غفلته، أردت طعنه من الخلف. كلما مددت يدي لم تصل ظهري.
____________________________________________
العنوان:
نِزاع هو أسم، جمعه نزاعات ومصدره نزَعَ ومنازعة وهي الخصومة والصراع
بين أفراد أو جماعات قد تقتصر على تبادل الشتائم وقد تمتدّ إلى التماسك بالأيدي أو استخدام أداة ما في المشاجرة أو تُفضي إلى حروب بين الدول.
أو تعني: حالة المريض المشرف على الموت، أي الاحتضار عند الموت.
المتن:
يبدأ النص بكلمةِ قرَّرتُ، والقرار هنا جاء من شخصٍ يتحدَّث إلينا، البطل الذي قرَّر القيام بفعل القتل، لكن قتل من؟ الجواب: لإنسانٍ ما، كان هو السبب؛ ما سبب القتل؟ لا نعلم! السبب مجهول لحد هذه اللحظة، لكن على ما يبدو أن الشخص المُراد قتله استوجبَ التفكير بالتخلص منه واستحقَّ الموت وكان مُدانًا بعين الشخص الذي اتخذ القرار.
وبالرغم من عدم معرفتنا لسبب قرار القتل، لكن على ما يبدو أنه كان سبباً كبيرًا، لأن القرار ليس سهلًا، ويترتَّب عليه أمورًا كثيرة.
فالقتل هو جريمة، وإزهاق نفس، وحرَّم الله قتلها إلاّ بالحقَّ كما جاء في كتابه تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ( سورة الإسراء آية 33 ).
نُكمِلُ قراءة النص الذي تتصاعد أحداثه بعد اتخاذ القرار؛ فهرع إليه مُسرِعًا وسببْ التوجّه إليه بسرعة هو الاقتراب منه وربح عامل المفاجأة من خلال مباغتته والانقضاض عليه وهذا ما يؤكد إلى ما ذهبنا إليه من خلال قراءة الجملة - دنوت من غفلته - وكلمة الغفلة هنا بالرغم من أنها تعطي معاني عديدة مثل: قليل الفِطنة، قصير النَّظَّر، عديم التَّبصُّر؛ لكني أرى معناها هنا الغفلة الآنية في تلك اللحظة، وكان الشخص الذي سيُغدَر به في موقفٍ من اللا انتباه والتراخي وكأنه متهيئ لتلقي الضربة.
وكما يروي لنا الكاتب على لسانِ القاتل ويقول: أردتُ طعنه من الخلف، والطعن من الخلف له دلالات ومعانٍ عديدة، أهمَّها أنها تُقرَن بالغدر وربما اختار الشارع بالقتل هذا المكان من جسد المنتظر الغدر به حتى يحقّق المباغتة - كما أسلفنا الذكر - والهجوم من جهة الخلف - الظهر - يكون أسهل وأسرع وأكثر ضمانًا لإنهاء الفعل بنجاح، خاصة عندما تكون الضحية أقوى جسديًا مِن القاتل.
وهنا يكون القاتل قد ضمنَ فعلته بأسرع وقت وبأقل مخاطر ويكون قد نأى بنفسه عن أية مفاجأة غير متوقَّعة تُفشِل مخطَّطه.
الآن وصلنا إلى الجملة الأخيرة مِن النص، وهي : كلما مددت يدي لم تصل ظهري،
والتي كانت منعطفا مهما ستغير تغييرا كبيرا لفهمنا للنص وتقلب فكرنا نحوه، فتوضّح لنا بأن القاتل هو نفسه الشخص المزمع قتله! وهناك عملية انتحار، وهنا الكاتب حقَّق لنا مباغتة كبيرة تُحسَب له.
هل هي عملية انتحار، ومعاقبة الذات؟
إنه نزاع داخلي وصراع شخصي بحيث أوصل الحال أن يكون الجاني هو نفسه المُجنى عليه، انه شعور داخلي نفسي رهيب عندما يشعر الإنسان أنه الشخص الذي آذى نفسه ويستحق أن تعاقب النفسُ، نفسَها بنفسِها، وهذا العقاب يصل إلى حد إفناء الجسد والنفس.
هل هذا الانتحار سببه هو اليأس أو اضطراب نفسي أو وجود مشكلة عويصة؟
يعيش المنتحِر لحالة أو أكثر من الحالات النفسية الصعبة التالية:
1. الاستسلام لليأس ويرى أن لا قيمة حقيقية للحياة، هي والموت تُرى عنده سيّان، ما عادت تهمّه الحياة، وما عادت تجذبه، ولا تَعنيه بشيء، آخر جرعة من الأمل ضاعت، وانتهت أية بارقة لها عنده.
2. النزوع نحو الانتقام لشخصٍ ما في مخيلته سبّبَ له ألمًا معنويًا ونفسيًا عميقًا، بحيث يكون قتل الشخص لنفسه في هذه الحالة هو قتل للشخص الذي يحيا بداخله، فيوجّه ضربته إلى ذلك الإنسان عن طريق قتل الذات.
3. يُقدِمُ الشخصُ على الانتحار بدافع الرغبة بالقتل، أي العدوانية، التي هي الرغبة في ممارسةِ العنف ضد الآخر حتى لو كان ذلك العنف ضد الذات نفسها.
إجمالًا، إن اغلب حالات الانتحار هي للذين يعانون مِن مشكلة نفسية أو أكثر، فالمُنتحر يعاني من آلام نفسية لا يقوى على احتمالها؛ فيقرّر وضع حد لحياته؛ فيرى نفسه بين قوَّتين متضادَّتين، قوة وإصرار القاتل وضعف ووهن القتيل ومعاناته الفظيعة وألمه الحاد، وبالتالي سيجنَح في اختيارِ إحدى حالاتها أعلاه.
النزاعُ في نصَّنا هذا، كان صراعًا، ما أدى إلى القتل والموت، بل كان مجرَّد خِصامًا، بالرغم من أن قرار الشخص كان هو القتل، لكنه لم يتم!
وهنا نلج بعمقٍ للجملة الأخيرة والتي اختارها الكاتب بعناية وسعى بها إلى التكثيف،
كلما مدَد يده، أي جعلهما ممدودة حتى ينال - بها - مِن ظهره لكنها لم تصل!
لم تصل، لأنها أقصر من أن تصل يد المرء إلى ظهره، انه تعبير وتصوير حقيقي ودقيق لقصر اليد وعجزها من نيل الإنسان لظهره.
عجز فسيولوجي أولًا وربما عجز في إرادة القتل والتراجع في القرار الذي اتخذه سابقًا.
ونلاحظ لكلمة - كلَّما - وهذا يعني تكرار محاولة الوصول - بأداة القتل - إلى الظهر، أعاد المحاولة لكنه فشل، وبالتالي ما حصلت العملية!.
سأترك كل معنى للانتحار، وأكتفي بتعريفه حسب رأيي وأقول : الانتحار هو قرار شجاع للقيام بعمل جبان! وبين الشجاعة والجبن تناقض وتضاد، والعمل قد يتلكأ ولا يحدث بسبب قرار تم اتخاذه، لأكثر من سبب.
كان النزاع صراعًا شخصيًا وداخليًا لم ينتهي بموتِ المُجنَى عليه والذي هو الجاني - بذات الوقت - ولم نشهد النزاع بمعناه الآخر - نزاع الموت - لأن الموت ما حضر، والانتحار لم يتم.
ما وصلتْ اليد للظهر، لأنها - طولًا - أقصر من أن تصل، وإرادةً، أضعف مِن أن تُنفّذ، رغم تكرار المحاولة!.
ملخص لفكرة النص:
قرَّر إنسان يائس من الحياة بسبب مشكلة ما، أن ينتحر وينتقم من شخص هو ذاته، عندما رآها هي السبب فيما وصل إليه من حالة البؤس والفشل ورأى الحل هو في التخلص من حياته التي ما عادت تهمه، بعد أن سئم منها ووصل إلى نقطة اللا عودة، فالقرار مُخطَّط له وليس وليد تلك اللحظة.
فاختار أن يطعن نفسه وينتحر، لكن طريقة الانتحار رأيناها كانت غير مُجدية ولا تؤدي إلى الموت، وما تمّت. الكاتب أراد تسليط الضوء على قرار الانتحار، بالرغم من أنها لم تتم، لأسبابٍ ذكرناها، لأن لو أُريد لها أن تنجح لاختار لها طرقاً أخرى، تحقق الهدف.
وتبقى النفس عزيزة، وحسنًا فعل بطلنا، وكما أرادها له كاتبنا، ولم تتم الجريمة المزدوجة، ففي اللحظاتِ الأخيرة، ربما يدرك الإنسان حلاوة الحياة وبشاعة الانتحار المؤدي للموت وكل تداعياته ويتراجع عن قرار الموت، مُردِّدًا قول الطغرائي في لامية العجم:
غالى بنفســــــــــــــــــــــــي عِرْفاني بقيمتها
فصــــــــــــــــــنتها عن رخيص القدْرِ مبتذَلِ

رؤية نهائية
يبدأ النص بعنوان لا يشي بمعناه بالتحديد، لكنه يلمّح، تتصاعَد أفعال النص التي تبدأ بجملة فعلية وتشدّنا إلى لحظةٍ حاسمة تتأزم، وتضعنا في مفترق طرق يغيّر مسار الأحداث؛ لينتهي بقفلة جميلة جدًا.
بالرغم من أن الكاتب توخَّى التكثيف بشكل جميل، لكن جملة - هرعت إليه مسرعًا، أرى أنه كان بالإمكان تكثيفها أكثر لأن معنى هُرِعَ يُهرَع ، هَرَعًا، أي أسرع وهرول، فكان من الممكن أن يكتفي ويقول: هرعتُ إليه ، بدون مسرعًا.
ثم إن النص كان سيزداد وضوحًا وجمالًا لو زيّن بحركات التشكيل.
النص جميل جدًا، واخترته من بين نصوص جميلة أخرى، به حبكة وحكاية تتصاعد أحداثها، عبّر عنها بكلماتٍ دقيقة صوّرتها بقلمٍ متمكن، راعى فيه قاصّنا وبحرفية عالية شروط فن القصة قصيرة جدًا.
أجاد الكاتب في استخدام علامات الترقيم؛ فاستخدامها - مُهم جدًا - في نصوص القصة القصيرة جدًا، لتساعدنا على فهم النص وزمن الأحداث؛ فمثلُا، وضعْ النقطة - التي تدل على وقفة زمنية طويلة - في نهاية الجملة ما قبل الأخيرة، هو وجود وقت أطول بين أحداثها وأحداث الجملة الأخيرة، عندما حاول البطل القيام بحركته الأخيرة والتي أراد بها طعن ظهره، ويعطينا هذا تصوّرًا أن محاولات الانتحار تكرَّرت لأكثر مِن مرة وربما ليس بهذا الموقف فقط بل لمراتٍ عديدة.
أخيرًا، فكرة النص تعطينا صورة عن صراع نفسي داخلي يتعرَّض له الكثير من الناس وبدرجات مختلفة وفي وقتٍ مِن الأوقات ومرحلة من مراحل الحياة، يضعف فيها الإنسان ويتعرَّض للابتزاز الذاتي والتهديد الشخصي والتفريط بأهم هِبة من هبات الله له، ألا وهي الحياة، وأفضل قرار ضد رغبة الموت وقتل الذات هو القرار المضاد، قرار الحياة، والتشبّث بها وبالأمل من أجل العيش والاستمتاع بها، بالرغم من كل مصاعبها ومشاكلها.
__________________________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه