الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين وقْعِ انتخاباتٍ بالمغرب وتوقيعِ عزوف..

عبد السلام انويكًة
باحث

2021 / 3 / 9
دراسات وابحاث قانونية


أي تحول صوب ديمقراطية وشفافية ومصداقية وحكامة جيدة وانسان مناسب في مكان مناسب وربط مسؤولية بمحاسبة وغيرها من نبل ورش، دون اشراكٍ وتشارك ومشاركة سياسية؟. وهل يمكن بلوغ هذا وذاك من تطلع مجتمع، دون فهم طبيعة علاقة بين أفراد ومؤسسات وأحزاب سياسية من جهة وبين هؤلاء والدولة في اطار دستور من جهة أخرى دون قاعدةٍ ووقعِ مشاركةٍ انتخابية ونسبةٍ معبرة مقنعةٍ لفرز ما ينبغي من وعي.؟ وأي حديث عن شأن سياسي انتخابي وما هو عليه من آليات تدبير وظواهر دون بحث علمي شافٍ وموضوعية خلاصات من شأنها تحقيق فهم أهم لِما هو واقع ومؤمل لفائدة بلادٍ وعباد؟.
في علاقة بهذا وذاك وغير بعيد عن محطة انتخابية مغربية خلال فترة نهاية السنة، ومن ذخيرة نصوص خزانة المغرب العلمية القانونية، ارتأينا بعض الضوء حول مؤلَّف رصين موسوم ب"العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية بالمغرب". مؤلف صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط في طبعة أولى بأزيد من أربعمائة صفحة، هو في الأصل أطروحة جامعية باللغة الفرنسية كان قد تقدم بها الباحث غسان الأمراني أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، لنيل شهادة دكتوراه في القانون، تحت اشراف الأستاذ عبد الله ساعف المثقف والفكر والنهج والاسم الغني عن التعريف في الوسط البحثي الأكاديمي الاجتماعي والسياسي بالمغرب.
"إن ما سُجل من خيار عدم تدخل السلطة بالمغرب في أول محطة انتخابية خلال الألفية الثالثة، خلافاً لِما طبع سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لم يمنع من وقع عزوف أبان عن عدم رضى حول شأن البلاد الانتخابي. وإذا كانت الظاهرة تتحدد أولاً بعدم التسجيل في لوائح انتخابية ترى مساحة هامة من المواطنين أنها دون أهمية ولا فائدة كعملية، وثانياً بما يرتبط بمن هم مسجلين لكنهم لا يحضرون لمكاتب التصويت. فإن ما هي عليه العملية الانتخابية من ضعف مشاركة وما هو مسجل حولها من نسب وأرقام، يدعو للسؤال حول كون الكائن أمر غير عادٍ ولا عابرٍ بل ظاهرة قائمة تزداد خطورة من محطة لأخرى".
بهذه الاشارات وغيرها استهل الباحث تقديما لمؤلفه" العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية في المغرب"، مشيراً لضعف المشاركة في الانتخابات كإشكالية يقول بإمكانية تحديدها من خلال جملة مؤشرات. أولاً: ما يتعلق بتطور نسبة هذه المشاركة منذ بداية ستينات القرن الماضي حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، مع أهمية الاشارة الى أن ما سُجل من نسب تخصها في محطات أخيرة تعد الأضعف في تاريخ الانتخابات المغربية. ثانياً: ما يهم نسب المشاركة المسجلة خلال نفس الفترة الزمنية بدول أخرى كما الحال مثلاً بالنسبة لتونس عربياً وفرنسا أروبيا، الوضع الذي تتبين معه فروقات على مستوى ما هو مسجل من أرقام وبالتالي ضعف اقبال خلال هذه المحطات من الاستحقاقات. ثالثاً: ما يتصل بطبيعة أرقام معلن عنها حول مشاركة المواطنين في محطات البلاد الانتخابية الأخيرة والتي لم تتجاوز الخمسين بالمائة، وهنا يطرح سؤال المعدل الانتخابي ثم إشكال ضعف المشاركة في العملية، كذا سبب غياب المنتخبين على نطاق معبر خلال الاستحقاقات السياسية الانتخابية الأخيرة سواء التشريعية أو الجماعية.
في هذا الاطار وبقراءة نتائج بحث ميداني يخص الشأن في علاقة بالأحزاب السياسية- يضيف الباحث-، يتبين أن هناك شعور بعدم رضى من قِبل المواطنين تجاه العملية الانتخابية والأحزاب السياسية عموماً، ومن تمة اتساع خطاب عام يقول بأنانية مكونات وأعضاء هذه الأحزاب فضلاً عما هناك من محسوبية، ناهيك عما بات متداولاً حول كون هؤلاء مجرد (لصوص) مدافعين عن مصالح خاصة لا غير، وبالتالي قناعة المواطنين وقولهم بعدم الفائدة من الانتخابات والتصويت لا على هذا ولا ذاك ما دام أنهم متشابهين.
وحول وقع وواقع نسبة عزوف المغاربة الانتخابي ما بات جلياً تزايده مع كل محطة استحقاقية، يتساءل الباحث حول هل المسألة في حد ذاتها ترجمة لمعارضة سلبية من قِبل طبقة واسعة من المنتخبين للعمل السياسي بكل تكويناته دولة وأحزاب سياسية وانتخابات، وهل الواقع أمراً عادياً لا يحتوي سخطاً سياسياً ولا يعكس عدم مبالاة تجاه ما هو سياسي. إن ما حصل في انتخابات البلاد الأخيرة من حيث نتائجها ونسب مشاركة المواطنين فيها كذا ما طبعها من أصوات ملغاة وبطائق فارغة، يسمح بالقول- يضيف- أن هناك وضع أزمة تهم درجة الاقبال وتهم الدولة والأحزاب السياسية معاً.
واقع سلبية تناوله الباحث من خلال جوانب عدة مستحضراً جملة معطيات سياسية واعتبارات تنظيمية ومؤسساتية، معرجاً عما عرف ب" الربيع العربي" الذي كان نتاج غياب حياة ديمقراطية حقيقية وحرية وتنافسية مؤسسة على انتخابات باعتبارها آلية تنظيم المجتمع. وعليه، فالبحث في مسألة العزوف الانتخابي مساحة على قدر عالٍ من الأهمية الاجتماعية والسياسية لطرح تساؤلات، فضلاً عن مزيد من تفكير ورأي ومقترح وتحليل وتنوير من أجل مستقبل البلاد، علماً أن الشك الذي بات يتقوى لدى شريحة واسعة من المواطنين، يعكس أزمة ثقة ومسؤولية ومشروعية لا يمكن أن يترتب عنها سوى أزمات اجتماعية وسياسية على مدى بعيد، يقول الباحث في"العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية بالمغرب".
وبناء على فرضية كون تراجع نسبة المشاركة في انتخابات البلاد التشريعية والجماعية هي تعبير عن استياء وشك على قدر من الاتساع، فإن هناك موقفاً سلبياً تجاه السياسة والدولة والأحزاب السياسية ومعها العملية الانتخابية. وهنا أهمية السؤال حول الأسباب الواقعية لهذا الموقف، ولماذا فقد المواطن كل جذب وثقة في السياسة والعملية الانتخابية، ولماذا هذا الرفض تجاه الأحزاب السياسية وما سر فقدان هذه الأخيرة لوقعها وتوقيعها ومصداقيتها ومنخرطيها وجماهيرها- يضيف الباحث- بخلاف ما كان عليه الأمر في الماضي.
لقد توجه مؤلف" العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية في المغرب" بعنايته لدراسة الظاهرة في أبعادها السياسية، باعتبارها موقفاً سلبياً صوب واقع سياسي في أفق ايجاد أجوبة كافية وشافية حول الإشكال. وعليه، فقد ارتكز بحثه على نتائج دقيقة خصت مختلف محطات البلاد الانتخابية منذ استقلالها أي قبل حوالي ستة عقود من الزمن حتى الآن. رغم ما يسجل من نقص معبر في مراجع ووثائق وأسناد، علما أن نتائج عدد من المحطات الانتخابية لم يتم نشرها فضلاً عما هناك من بياضات فيما نشر منها.
وبقدر ما تأسس هذا العمل العلمي على ما توفر من ببليوغرافيا منذ ظهور أول حزب سياسي بالمغرب بداية ثلاثينات القرن الماضي، بقدر ما تعزز برؤية ونظر أحزاب مغربية عدة تجاه فعل البلاد الانتخابي، وما هناك من أحداث هامة طبعت تاريخها السياسي الحديث سواء تعلق الأمر بما هو يسار أو يمين. وذلك لرصد ما شهده المجال السياسي الانتخابي من تطورات وتنافس بين مختلف التيارات، فضلاً عما يحكم العملية من اتجاهات تصويت ودرجة أصالة وواقع قوى سياسية وأساليب وغيرها. وعليه، فإن ما اعتمده الباحث من نهج مقابلات حول ظاهرة العزوف السياسي والاحزاب السياسية بالمغرب، كان بأثر معبر في اغناء هذا العمل بقراءات واشارات واستنتاجات وتحليلات على قدر عال من الأهمية. وهو ما شمل مساحة واسعة من سياسيين وفاعلين ومسؤولين حزبيين مغاربة، منهم محمد بوستة ومحمد المساري وسعيد السعدي ومحمد اوجار ومحمد الكًحص وعبد الهادي خيرات، كذا عبد الكريم بن عتيق ومحمد الساسي ونبيلة منيب وعبد الله الحريف..، فضلاً عما تم التفاعل معهم من مهتمين وباحثين أكاديميين وسياسيين ونشطاء ومناضلين ومواطنين، هذا ضمن بحث ميداني رغم ما يحيط به من صعاب على أكثر من جانب.
يُذكر أن مؤلَّف" العزوف الانتخابي والأحزاب السياسية بالمغرب" تقاسمته ثلاثة فصول كبرى، خُصص الأول منها لمسألة المشاركة السياسية الانتخابية بالمغرب من خلال تناول عبر مبحثين لِما حصل من تطور في وثيرتها منذ بداية ستينات القرن الماضي الى غاية نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وما اتصل بسسيولوجيتها أيضاً في علاقتها بالمجال الحضري والمدن الكبرى والمتوسطة كذا القروي والمراكز الصغرى. وفي فصل ثان تمحور حول ما تراكم من معطيات وحقائق تخص المسألة، تمت مقاربة ما حصل من عبث بإرادة شعب تماشياً مع حركة وطنية من جهة ومعارضة من جهة ثانية فضلاً عما تم إحداثه من أحزاب سياسية إدارية، الى جانب مناقشة ما طبع خط الحركة الوطنية من فشل وتداعيات وغياب أفق، دون قفز عما عرفه الخط السياسي الاشتراكي من افلاس ونهاية تعبئة اديولوجية، وعما حصل من تمدن وترييف لمدن البلاد وثقافة هوامش وسكن هش وشباب لا مبال وتطرف.
وفي علاقة بالأحزاب السياسية وقضية العزوف الانتخابي، تم في فصل ثالث تناول الإشكال من خلال ما نعت بالتقليد السطحي وما هناك من تأثير أجنبي ونموذج استعماري وتشكيل وتكوين متناقض والتباس اديولوجي. مع توجيه العناية لخاصية نشاط هذه الأحزاب من خلال ما هو تنظيمي ومقرات ومنخرطين وانشقاقات وقرب من السلطة، كذا لِما نعته الباحث ب" تجدير التشارك" عبر ما حصل من تعاطف ظرفي(المقاومة من أجل الاستقلال) وما هناك من مؤشرات هشاشة، ومن تمة انتهاء عمل الباحث الى أن أحزاب المغرب السياسية مجرد آلات انتخابية لا غير، فضلاً عن أزمة ثقافةِ نضالٍ وظاهرة أعيان واستثناء حزبِ عدالةٍ وتنمية.
يبقى بقدر ما هي عليه العملية الانتخابية من علاقة بمتغيراتِ ذات صلة بداخل البلاد وخارجها فضلاً عن ماض وإرث وتطلع وطبيعة مجتمعٍ، بقدر ما يحكمها من هواجس تدبير وسلوك وأدوار وعلائق وخيارات وقراءات وقانون ومؤسسات. وإذا كان غير خاف عن مهتم وفاعل ما يكتنف مكون السياسة بالمغرب من صعوبة فهمٍ ومن تمة طبيعة نسق لا شك أن الانتخابات من قضاياه الأكثر جدلاً. فإن ما أثارته استحقاقات البلاد من أسئلة قبل حوالي العقد من الزمن وما طبعها من نسبة عزوف، أبان عن تراجع يعود لتسعينات القرن الماضي متى عرف المغرب مساحة حرية على مستوى هامش دمقرطة وتعبير كذا إجراء انتخابات وفق تعاقد وقيم رافعةٍ اعتبرت يومئذ أهم ورش من أجل وطن.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا


.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين




.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب




.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا