الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسس الطبقية الطائفية للكيانية اللبنانية الموالية للامبريالية والصهيونية

جورج حداد

2021 / 3 / 10
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


تدعي اليهودية العالمية، ومن ثم حركتها "القومية" المصطنعة: الصهيونية، ان لها حقوقا "قومية ـ وطنية" في فلسطين، استنادا الى الخرافات الدينية حول "شعب اسرائيل". ولكن التوراة اليهودية ذاتها تقول ان "المملكة اليهودية الموحدة" (التي ملك عليها شاول وداود وسليمان التوراتيون) نشأت على ارض كنعان (اي فلسطين) سنة 1050ق.م، وذلك بعد مرور اكثر من 300 سنة على فتح اليهود ارض كنعان بالقوة سنة 1400ق.م، قادمين من سيناء، بعد ان فروا من وجه الشعب المصري، حيث كانوا (بفضل المشعوذ اليهودي "يوسف" التوراتي) جزءا من الطبقة المتسلطة الفرعونية ويعملون نظار عبيد وجباة لدى الفرعون. اي ان اليهود القدماء، كما اليهود المعاصرون، قد غزوا فلسطين بالقوة، متذرعين بما سموه "وعد يهوه". وقد نشأت اسرائيل الحالية بارادة وقوة الغزو الاستعماري للشرق العربي، واتفاقية سايكس ـ بيكو، ووعد بلفور، وقرار تقسيم فلسطين، والدعم الاستعماري البريطاني والاميركي والعالمي للصهيونية واليهودية العالمية.
ولكن السؤال هو: هل ان الكيان الصهيوني وحده هو الذي نشأ بارادة وقوة الاستعمار؟
ان الوقائع التاريخية تجيب بأن جميع الكيانات القطرية العربية نشأت ضد ارادة جماهير الامة العربية، وفقط بارادة الدول الاستعمارية، ولمصلحة الاستعمار والطبقات الحاكمة في انظمة الكيانات القطرية العربية الموالية للاستعمار، موضوعيا او ذاتيا او كليهما معا.
وكل ذلك ينطبق تماما على "جمهورية الجنرال غورو" التي سماها بنفسه: دولة لبنان الكبير!
وقد قامت الكيانية المصطنعة للدولة اللبنانية على قاعدتين سلبيتين هما:
اولا ـ إلحاق مناطق بيروت والبقاع والجنوب والشمال بـ"متصرفية جبل لبنان" السابقة، الموروثة من العهد العثماني.
وثانيا ـ فصل كل الكيان اللبناني الجديد عن بيئته العربية القريبة خاصة (سوريا، فلسطين، الاردن والعراق)، وعن بيئته القومية العربية عامة.
وكما ان جمع علامتين سلبيتين ( ــ ) + ( ــ ) لا يعطي علامة ايجابية ( + ) بل يعطي علامة سلبية ( ــ ) مضاعفة، فإن جمع قاعدتين سلبيتين لا يبني " دولة ـ وطنا"، بل يبني "كيانية دولة ـ نقيض وطن". وهذا لا يعني ابدا عدم انتماء الانسان "اللبناني" الى ارضه والى جماعته الانسانية، بل بالعكس؛ فهو يعني ان "الكيانية اللبنانية" المتمثلة في "الدولة اللبنانية" هي ظاهرة معادية لـ"الوطنية اللبنانية" اي معادية لانتماء الانسان "اللبناني" الى ارضه والى "شعبه" اي جماعته الانسانية "اللبنانية".
وبكلمات اخرى ان "الكيانية اللبنانية المصطنعة"، او "دولة لبنان الكبير" لمؤسسها الجنرال غورو، قد نشأت ضد ارادة الغالبية الساحقة من سكان او شعب هذه الكيانية. وبالتعبير الطائفي فإن "دولة الجنرال غورو" قد نشأت ضد ارادة الغالبية الساحقة من المسلمين (السنة والشيعة والدروز)، والمسيحيين الاورثوذوكس والكاثوليك وغيرهم، وقسم كبير من المسيحيين الموارنة، وربما اكثر من نصفهم.
واذا راجعنا كل تاريخ وجود "دولة لبنان الكبير"، بكل تفاصيله، نتأكد بالملموس ان "الكيانية اللبنانية"، المتجسدة في"الدولة اللبنانية"، كانت على الدوام ظاهرة مغايرة ومعادية لـ"الانسان اللبناني" و"الشعب اللبناني"، وموالية للغرب الاستعماري الذي أوجدها.
وتأييد البطريرك الياس الحويك حينذاك لمشروع "دولة لبنان الكبير" لا يعني البتة انه هو منشئ تلك "الدولة". فكل دوره لا يتعدى تأييد مشروع صنعه الاستعمار الفرنسي بدعم من قبل الاستعمار البريطاني بموجب تقسيمات اتفاقية سايكس ـ بيكو.
والادارة الاستعمارية الفرنسية كانت تدرك تماما حقيقة ان هذه "الكيانية اللبنانية" قد أقيمت بقوة المدافع الفرنسية وحراب المرتزقة السنغاليين المجندين حينذاك في الجيش الاستعماري الفرنسي. ومن ثم كانت تدرك انها كيانية مصطنعة، وليس لها اي شعبية لدى الغالبية الساحقة من الشعب "اللبناني". كما كانت تلك الادارة تدرك تماما خطورة قيام الثورة الاشتراكية في روسيا حينذاك بفضح اتفاقية سايكس ـ بيكو لتقسيم البلاد العربية، وان الكيانية "اللبنانية" المصطنعة تناقض تماما مبادئ حق تقرير المصير للشعوب التي طرحها في حينه دجلا الرئيس الاميركي حينذاك وودرو ويلسون؛ وتدرك من ثم ان لاشعبية هذه "الكيانية اللبنانية" المصطنعة ستؤدي الى تفاقم المقاومة "الشعبية اللبنانية" بكل اشكالها السياسية والمسلحة، ضد الوجود الاستعماري الفرنسي والانكليزي وتقسيماته الاستعمارية في لبنان وسوريا والشرق العربي كله.
ولكنه لم يكن من المنتظر طبعا من الادارة الاستعمارية ان تستسلم لواقع لاشعبية الكيانية اللبنانية. وهي كانت تمتلك تجربة غنية في الاساليب الملتوية لحكم البلدان المستعمرة في المغرب العربي وافريقيا والشرق الاقصى. وقد طبقت تجربتها الاستعمارية في الحكم، في تقسيمات اتفاقية سايكس ـ بيكو، وكيفية ادارة الكيانات الناشئة عن تلك التقسيمات، ومنها "الكيانية اللبنانية" التي بنيت على اسس طبقية ـ طائفية تؤمن المصالح الاستعمارية، وتتناقض مع مصالح "الشعب اللبناني" اي شعب تلك الكيانية.
ومع ان فرنسا هي دولة "غربية"، مولودة من رحم الثورة الفرنسية، ومن ثم فهي معادية للاقطاع وللسلطة الاكليروسية، وتفصل تماما بين الدين والدولة، فإنها ــ من اجل تحقيق اهدافها الاستعمارية ــ طبقت في "لبنان" سياسة "شرقية" تماما، هي نسخة مطورة عن نظام الاقطاعيات والملل العثماني. ومن المعبر ان نذكر هنا ان احد المفوضين السامين الفرنسيين (وكان معروفا في فرنسا بمعارضته الشديدة للاكليروس) شوهد يحضر قداسا في لبنان، فسأله عن ذلك احد الصحفيين الفرنسيين متعجبا، فأجابه "ان فرنسا تستأهل قداسا!" (اي انه يحضر القداس ليس ايمانا بالطقوس المسيحية، بل لترسيخ النزعة الطائفية لدى "اللبنانيين"، لاجل مصلحة فرنسا).
وانطلاقا من مصالحها الاستعمارية، ولتأمين "الشعبية" للكيانية اللبنانية المصطنعة، طبقت الادارة الفرنسية في لبنان سياسة استعمارية طويلة الامد في منتهى الخبث، قامت على الاسس التتالية:
ـ1ـ المحافظة على الطابع الطبقي التقليدي للدولة الجديدة، من خلال المحافظة على القيمة الاعتبارية المميزة للمقامات العائلية الاقطاعية، الموروثة من العهد العثماني (بيك وباشا ومير وشيخ الخ)، حتى ولو كان بعض الزعماء والوجهاء التقليديين مناوئين للانتداب، وذلك من اجل استمالة هؤلاء الزعماء والوجهاء وإشعارهم بأن "هذه الدولة" هي "دولتهم"، وان مكانتهم ومصالحهم ستبقى مصانة في "النظام الكياني = الدولوي الجديد"، كما كانت في العهد العثماني واكثر. وقد عززت الادارة الاستعمارية مكانة الزعامات التقليدية بالمزاوجة العضوية بينها وبين الاقتصاد الرأسمالي للبلاد، وخاصة من خلال التنفيعات والرشوات الكبيرة والتمويل، بالاستناد الى الهيمنة الاستعمارية على الحياة الاقتصادية والدورة المالية والبنوك واصدار العملة المحلية (الليرة) وربطها بالفرنك الفرنسي في حينه، تماما كما تم في المرحلة المعاصرة ربط الليرة اللبنانية بالدولار الاميركي وما نتج عنه من كارثة اقتصادية راهنة في لبنان.
ـ2ـ التكريس القانوني للدور الاجتماعي للاكليروس الخاص لجميع الطوائف المسيحية والاسلامية، ولا سيما تثبيت الطابع الديني المتعدد، الممزِّق لوحدة المجتمع، للاحوال الشخصية، كالقيد الطائفي للهوية والولادة والوفاة والزواج والطلاق والتوريث والوصاية على الاولاد وغيرها، على النقيض تماما من القوانين المدنية الوطنية الموحدة، المطبقة في فرنسا ذاتها. هذا مع العلم انه بامكان الحقوقيين ورجال الدين المتنورين والصادقين، من مختلف الطوائف، ان يجتمعوا ويتباحثوا ويتوافقوا ويضعوا بسهولة قانونا مدنيا وطنيا موحدا، للاحوال الشخصية، يأخذ في الاعتبار مبادئ المواطنية الموحدة والحرية الشخصية الانسانية للمواطنين، من جهة، والاعتبارات الدينية الخاصة بكل طائفة، من جهة اخرى.
ـ3ـ العمل لتضليل النخب المثقفة ولا سيما الشباب بأكذوبة وجود "قومية لبنانية" عمرها آلاف السنين، وان المسيحيين اللبنانيين وبالاخص الموارنة هم الورثة الاوائل لتلك "القومية"، وان فرنسا الاستعمارية ـ المسيحية هي الام الحنون التي اعادت توليد "الامة اللبنانية" المزعومة، وان المسيحيين هم جزء من الغرب "المسيحي". وتعتمد هذه الاكذوبة على الربط الاسطوري المتخيل بين "دولة لبنان الكبير" وبين امارة فخر الدين المعني الثاني، كما تخلط بين الموارنة و"الامة اللبنانية" المزعومة وبين الكنعانيين والفينيقيين والاراميين. ولكن وقائع التاريخ تقول ان امارة فخر الدين لم تقتصر على جبل لبنان، بل امتدت من بيروت الى جنوب فلسطين والى شمال حلب، وان فخر الدين نفسه لم يكن مارونيا او مسيحيا بل درزيا، ولم يكن حتى من اصل عربي، بل كان ايوبيا (كرديا). وان القديس مار مارون (الذي تسمى الطائفة المارونية الكريمة على اسمه) لم يكن كاثوليكيا وتابعا لروما، بل كان سريانيا اورثوذوكسيا مناوئا لروما ولبيزنطية المترومنة، وانه لم يكن "لبنانيا" بل "سوريا" من شمال سوريا، وان الموارنة قدموا الى جبل لبنان من شمال سوريا، ولا تزال السريانية الى اليوم لغة طقسية مقدسة في الكنيسة المارونية، وان البطريركية المارونية ومقرها في جبل لبنان لا تزال تسمى "بطريركية انطاكية وسائر المشرق" (وانطاكية هي المدينة المسيحية العظيمة في شمال سوريا، وتحتلها اليوم تركيا). كما ان الفينيقيين والكنعانيين لم يكونوا "لبنانيين" فقط بل كانوا "سوريين" و"فلسطينيين" ايضا. وان الارامية لم تكن خاصة بـ"اللبنانيين" فقط، بل كانت رابطة لغوية ـ ثقافية انتشرت في غالبية منطقة الحضارة الهيلينستية القديمة من مصر وشمال افريقيا الى عراق العرب وعراق العجم. وان السيد المسيح ذاته كان عبراني النسب، الا انه كان فلسطيني المولد والانتماء، وارامي اللغة والثقافة والرسالة. فبأي مسيح يؤمن ادعياء المارونية ـ إمعات غورو وشارون وعوكر؟ ومن المؤسف القول ان بعض المثقفين المسيحيين الكبار، امثال فؤاد افرام البستاني وميشال شيحا وشارل مالك وسعيد عقل قد تزحلقوا بأكذوبة "القومية اللبنانية".
ـ4ـ تركيب الدولة "اللبنانية" على اسس طائفية بالكامل، من اصغر موظف الى رأس الهرم. واعطاء الطائفة المارونية وضعا اوليا مميزا في التركيبة الطائفية اللبنانية. وذلك من اجل دفع الطائفة المارونية الكريمة الى التمسك بالعلاقة مع فرنسا الاستعمارية خاصة، ومع الغرب الاستعماري عامة، والإيحاء المضلل بأن موارنة لبنان هم جزء من "الغرب المسيحي". ولعجيب "الصدف!" ان هذه النظرة "التغريبية" الكاذبة والمناقضة للتاريخ، للموارنة والمسيحيين، تلتقي تماما (كطنجرة وغطاها) مع النظرة التكفيرية الاسلاموية "البن لادنية" و"الداعشية"، للمسيحيين الشرقيين، بأنهم "جالية غربية" في الارض العربية.
والهدف الاساسي لاعطاء الطائفة المارونية الاولوية في النظام الطائفي اللبناني هو ايجاد تيار شعبوي ماروني خاصة ومسيحي عامة، موال للغرب الامبريالي والصهيونية، وذلك من خلال استغلال ما يسمى "عقدة الخوف" عند المسيحيين، الناشئة عن اضطهاد المسيحيين واذلالهم، في العهود السابقة، من قبل انظمة الحكم والسلطنات والقوى الاقطاعية والعشائرية، المسماة "اسلامية"، والزعم الوهمي بأن فرنسا والغرب الاستعماري "المسيحي"، هو منقذ وحام للمسيحيين. مع ان كل وقائع التاريخ تكذب هذا الزعم، وتؤكد ان الدول الغربية الاستعمارية، بالاشتراك مع اليهودية العالمية، كانت على الدوام تتآمر مع السلطات العثمانية والتركية والاقطاع الكردي لذبح وتشريد المسيحيين الشرقيين: اللبنانيين والسريان والاشوريين والارمن واليونانيين والاقباط الخ.
وتدخل في هذا السياق العملية المستدامة لاغراء المسيحيين بالهجرة الى الغرب، مع الاحتفاظ بوضعهم المميز في النظام الطائفي للكيانية اللبنانية، وذلك من اجل جعلهم اقلية ضعيفة تشعر بالخوف من الاكثرية الاسلامية وتطالب بالحماية من الدول الغربية ومن نظام الانظمة العربية الرجعية والدكتاتورية، المتحالفة سرا او علنا مع الامبريالية العالمية والصهيونية.
وبواقع ان اليهودية العالمية تمثل مكونا رئيسيا من مكونات الامبريالية العالمية، ولا سيما الاميركية، فإن اسرائيل تضطلع بدور حجر الاساس في نظام التقسيم الاستعماري للبلدان العربية. ولكن جميع الانظمة القطرية العربية بدون استثناء هي مرتبطة وجوديا بالنظام الامبريالي العالمي. وقد اثبتت التجربة التاريخية ان جميع القوى السياسية العربية، بما فيها الوطنية والاسلامية والتقدمية والثورية، التي وصلت الى السلطة في اي قطر عربي، كانت "مضطرة" موضوعيا الى مسايرة النظام الامبريالي العالمي و"التفاهم" و"التكيف" معه، ومن ثم التخاذل والانهزام الخياني امام اسرائيل، من اجل ان تبقى في السلطة.
ونظرا للدور المركزي لوجود اسرائيل في هذا النظام التقسيمي الاستعماري للمنطقة العربية، فإن المقياس العملي الرئيسي للوطنية يصبح بالتحديد: المقاومة والكفاح لاجل تحطيم الحجر الاساسي للتقسيم الاستعماري، المتمثل في الدولة الاسرائيلية.
وكل ازمة لبنان الراهنة ليست سوى مظهر للصراع بين "الكيانية اللبنانية" الموالية للغرب الامبريالي والصهيونية، وبين "الوطنية اللبنانية" الحقيقية، القائمة على مقاومة الامبريالية واليهودية العالمية وحجرها الاساسي في المنطقة: اسرائيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي