الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قفاز

علي قاسم مهدي

2021 / 3 / 10
الادب والفن


قدري قادني قادها لا يهم، هكذا دون حسابات، صدفة تعجز هوليود عن ان تأتي بمثلها .ذات مساء بارد وبينما قدماي تقوداني الى مكاني المعتاد ،الذي اتنفس به مفرغا همومي وتعبي بأقداح القهوة التي اشربها. مقهى قديم في احدى شوارع بغداد الغاصة بالسيارات والضجيج، المكان الذي اجدني كل مرة اقرر بيني وبين نفسي بان لا اعود اليه لبعده اضافة لذالك يتعب جيبي الفارغ دوما على الرغم من اعتدال أسعاره، لكن دون جدوى تجرني رغبتي اليه من حيث لا اشعر. قبل وصولي بقليل لفحني هواء بارد تغلغل الى عظامي بقوة وبدأت السماء ترسل صيحاتها منذرة امثالي الراجلين بان المطر نازلا لا محال،وبالفعل نزلت اولى القطرات بقوة، اسرعت بالخطى وقع بصري على مكان طالما كرهته ،كوفي شوب ذات نزعة برجوازية عالية رواده من المتخمين بالمال والأفكار الخاوية ،التي لا تناسب مزاجي هكذا اتصوره دوما.
- ياله من مساء تعيس، دخلت بعد ان دفعت الباب دون رغبة ، راسلا نظري بحثا عن طاولة فارغة ، وقع بصري على مكان تجلس فيه امراة اربعينية ترتدي ملابس حدادٍ، امامها كرسيا فارغا، تقدمت سحبت الكرسي بعد اخذ موافقتها بالجلوس .
- تفضل
- شكرا
مددت يدي بجيب سترتي ابحث عن منديلي لأمسح بللي لم اجده بحثت بجيب البنطلون دون جدوى، ارتبكت.
وبهدوء اخرجت منديلا من حقيبتها بعد ان وضعت على الطاولة قفازها الذي كانت ترتديه، كان قفازا بلون أزرق مطرزا عليه حرف (اي) بالإنكليزية .لا ادري انذاك عما حصل لي في التفكير جراء هذا القفاز وهو يغادر يدها الملائكية. راودني لحظتها عندما دفعت بمنديلها لي ان التهم أصابعها، ولم اتمالك منع نفسي عن رفع القفاز مندهشا بخفته ، بدا لي انه سيمسح عن بللي وتعبي .
قالت :تفضل المنديل.
لم تمضي لحظة حتى انتبهت لحالي واعدت نسق اتزاني ، اخذت المنديل وبدأت امسح وجهي، تغلغلت الى مساماتي رائحة منديلها . انها المرة الاولى التي اشم عطر امرأة ،تيقنت مما كنت اقوله باستمرار بان رائحة النساء هي رائحة لورد الجنة، وان عطر المرأة عطر كوني . لقد كان كل شيء يبدو لي حلما، ان تجلس امامي امرأة طالما تمنيتها. بوجهها الطفولي، بياضه الممزوج بحمرة دافئة، العينان فيهما ذبول على الرغم من تباعد الحاجبان المنفردان بالطول عنهما، هما النوع الذي افضله . وتمنيت ان يطول حلمي، لكنها لم تدع لي الوقت الكافي بان استلذ بلحظتي عندما وقفت تهم بالخروج.
عندها وللمرة الاولى سرت بروحي وثبة الانطلاق ولم اشعر بالخوف او التردد ، وهو ما لم اتوقعه من نفسي ، مستجيبا الى مسعى قلبي وأدركت بأنني أمارس موهبة غريبة اعرفها منذ زمن طويل، موهبة الاقناع ،جعلتني اتظاهر بالغموض، لم يشق عليّ اقناعها وبشكل سريع ان تبقى، وجدتها بالغة الغرابة والحيرة من موقفي، عندما رفعت عيناها باتجاهي ، كان عليّ ان اجدد روح المغامرة .
قلت :- انا اعترف بضعفي ازاء ملابس الحداد حد الانزعاج لما في اعماقي من ألم تزدحم مخيلتي به.
قالت منزعجة
- ماذا؟
للحظة ادركت ان موقفي هذا من بين كل المواقف التي مررت بها، قد يكون من المحتمل اكثر فشلا . لم استسلم لان عينيها لن تحيدا عن عيني.
قلت :بسبب غربة روحي وموقد جمرها احقد على السواد لأنه يسلبنا ويجردنا من الفرح والسعادة .
لاحت على محياها ابتسامة عطف،
- حسنا سأجلس .
هذا اللحظة تؤكد لي بأنني اسير نحو الجنون واضعا الحجر الاول كما يقال ،لتجربة ليس بوسعكم ان تتخيلوها، معترفا بان في اخر الامر شيء لا يروق لكم جميعا عندما اعلن نهاية القصة بعد قليل . لقد حدث لي ان تفاعلت مع ما سردت من احداث فيها، تفاصيل شكلت بؤسي بسبب حرماني من النساء في الحياة التي اعيشها .لهذا احب كثيرا من يمتلكون روح المغامرة ولي اصدقاء كثير منهم، استمع اليهم بشغف عند حديثهم عن تجاربهم مع النساء، وابرر لهم نزقِهم بان المرأة هي المخلوقة التي تملك حتمية موحية بأنها هي الحياة كلها بتفاصيلها، هي الهبة الاعظم من بين كل الموجودات . لقد بكيت لفكرة ان ابقى وحيدا دون امرأة، وفي اللحظة ذاتها ندمت لأنني ملكت النساء كلهن من خلال احساسي بهن، ولم التقي المرأة التي اريد . لهذا دوما اخطها وارسمها وأتخيلها فقط في كتاباتي. سيكون انطباعكم بعد القراءة بأنني مختلف وفاقد للتفكير احاول واهما ان استعرض قُدرتي على الكتابة وهذا شأنا عائدا اليكم . وفي النهاية نتفق او لا نتفق، بان الوقائع محزنة لأننا كلنا سنغادر الحياة ولم يستطع اي منا ان يفهم المرأة .
- سيدي تفضل قهوتك
- شكر
- اخبرني سيدي لمن الكوب الثاني
- ضعه هنا قرب القفاز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا