الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضع التساؤل وانفتاح الدلالات للنسق الداخلي لقصيدة(نكوص) للشاعر كامل الديليمي مقاربة نقدية

طالب عمران المعموري

2021 / 3 / 11
الادب والفن


قبل الدخول الى عالم النص لابد في النظر والتحليل والتأويل لعتبته النصية الاولى وليس بمقدوري ان اتجاوزها وذلك لفرط حضورها البنائي والجمالي والسيميائي، وهو نصا موازيا للنص الاصلي (المتن) ذلك العنوان الجميل اللافت الذي هو بمثابة الطٌّعُم الذي يوقع القارئ في حبائله 1 الذي جاء بعنون (نكوص) والنكوص هو التراجع عما كان عليه ، نكص عن الأمر : أحجم وامتنع نكص عن تحمل المسؤولية، والنكوص ايضاً الرجوعُ إِلى وراء وهو القَهْقَرَى ، ومن خلال تلك العنونة التأبيرية الموحية والمكثفة التي تشكلت تشكلا سردي ودرامي ملمحة لمناخات القصيدة، ذات المعنى المقصود الذي يكشف عن غائيته في القصيدة الذي يدفع المتلقي نحو الادراك والتصور وفق ذائقته الجمالية .
ابدع في اختيار العنوان بما له من دلالة حضورية وواقعية مؤثرة، حيث ينفتح متن النص في القصيدة على بنية استهلال بفعل من افعال المقاربة والرجاء وهي تدل على قرب وقوع الخبر ، استهلال ذات دلالات موحية لصورة حزينة تعبر عن ألم ووجد ، حالة نفسية تعبر عن نكوص وتراجع بما يخص سيكولوجية الشاعر او ممن يعيش معه على ارض الوطن من حيث ارتباطه بالواقع الاجتماعي ، فمهما حاولت بعض المناهج النقدية عزل النص عن سياقه الاجتماعي لم تستطع فقد اثبت الواقع ان النص لا يمكن عزله عن المجتمع والبيئة فبقدر ما يكون الاهتمام بالبنية اللغوية يكون الاهتمام بسياقه الاجتماعي الخارجي 2 :
كدت لها أنتصر
تلك المرآة
أرتني كل عيوبي
استطاع الشاعر بهذا الاستهلال توظيف الجمالية في شعره توظيفا يشد انتباه القارئ ويجعله على توافق مع نصه الشعري الذي يبعد عنه الرتابة والملل
استخدم الشاعر اسلوب التكرار3 نراه جليا في فعل المقاربة (كدت) كما في:
كدت لها أنتصر/ كدت احتضنها بحرارة / كدت أكلمها لكن لسان القول / كدت أقبلها لو كان الفجر له ملمح
اسهم التكرار بإبراز فاعلية الحدث وتعميق الصورة البلاغية ويعبر عن أقصى حالات الانفعال العاطفي في نفس الشاعر كما في المفارقة اللفظية التالي:
احتضنها بحرارة / أقبلها لو كان الفجر له ملمح.
حاول الشاعر أن يلفت انتباه المتلقي بطبيعة واهمية الصورة في البناء الشعري لقصيدته من خلا تراكم الافعال التي اضفت الطابع الحركي للصورة بما ينطوي عليه الفعل من قوة يكاد هذا الطابع الحركي هو الغالب والذي يعطي قيمة دلالية وجمالية للنص كما في :
كدت / أرتني / احب / تعكس / تزين / ترتجز/ يجلد / يفترشون / يبيعون / يجلس / يتصيد / يشق /
استطاع الشاعر عبر منولوج داخلي اتخذ من المرآة رمزا في نبش ذاكرة الزمان بطريقة (فلاش باك) وبهاجس سردي محافظا على لغته الشعرية يقوم على الماضي يضفي عليه طابع الانفعال الداخلي العميق ، تدور فيه مجموعة من الدوال والمفردات التي أحسن الشاعر في استخدامها كما في نصه:
تلك المرآة
أرتني كل عيوبي
أولها أعشق بيتي...
المزروع بخاصرة الصحراء
لوحاتي التي أكل العمر عليها
صورتي الشمسية التي فقدت بريقها
وقائمة الحروب التي ودعت
خنادقها المترعة بالأرواح
واحب أوسمتي
وهي تعكس لون دمي
وتزين ما تبقى من جلد حائط النسيان
استطاع الشاعر ان يضع بصمته كشاعر تجديدي من خلال الايقاع الداخلي وتوظيف لغة الانزياح خروجا عن المألوف من أنسنه الاشياء والامكنة والمفارقة اللفظية والتي يسهم بنائها في تشعب الدلالات وانفتاحها ، ينقل عن (غوته) ان ( المفارقة هي ذرة الملح التي تجعل الطبق شهيا ، عليه ان يدرك ان بعض اطباق الحلوى ستفسدها ذرة الملح هذه يتجلى ذلك في المفردات التالية:
بخاصرة الصحراء/ أكل العمر عليها / خنادقها المترعة بالأرواح / حائط النسيان أوسمتي هرمت / يشق قميص الموت
جسد لنا الشاعر بلغة شعرية جميلة الذي يتجلى عشقه للوطن بكل تفاصيله وحالة النكوص معبرا عن شكواه وجع الوطن وماحل به من فواجع وما خلفتها الحروب والطائفية من خراب حرمان ، فقد العدالة ، الفقر ، الفساد ، والويلات والفوضى مترامية الاطراف يعيشها البلد ، تجلى ذلك في :
تلك المرآة كل صباح تقرأ
على مسامعي بيانات الحروب
وترتجز بصوت مشروخ...
" نموت ويحيا الوطن"
عشنا ومات الوطن...
والأرصفة لم تعد تحتمل الخطى
والحدائق بلا عشاق
وفي نصه :
" كم أكره طلعتها الصفراء
كدت احتضنها بحرارة...
تلك المرآة كل صباح تقرأ
على مسامعي بيانات الحروب
وترتجز بصوت مشروخ...
" نموت ويحيا الوطن"
عشنا ومات الوطن...

أحسن الناص في قصيدته التجديدية من خلال حواره الداخلي المضمر وتشكيلها الدرامي في بناء نصه وانفتاحه الدلالي.
نكوص!

......
كدت لها أنتصر
تلك المرآة
أرتني كل عيوبي
أولها أعشق بيتي...
المزروع بخاصرة الصحراء
لوحاته التي أكل العمر عليها
صورتي الشمسية التي فقدت بريقها
وقائمة الحروب التي ودعت
خنادقها المترعة بالأرواح
واحب أوسمتي
وهي تعكس لون دمي
وتزين ما تبقى من جلد حائط النسيان
أوسمتي هرمت... سخفت... حتى بأن الخوف على خديها
كم أكره طلعتها الصفراء
كدت احتضنها بحرارة...
تلك المرآة كل صباح تقرأ
على مسامعي بيانات الحروب
وترتجز بصوت مشروخ...
" نموت ويحيا الوطن"
عشنا ومات الوطن...
والأرصفة لم تعد تحتمل الخطى
والحدائق بلا عشاق
يجلدها الخريف والخرف
والعصافير ألسنتها حداد
لم يعد لبائع العلكة ما يقايض به
فالصوف اكلته المواقد
العطارون الرؤساء... الوزراء... الخلفاء
في كل مكان
يفترشون الوطن... خرائطه
ويبيعون...
كدت أكلمها لكن لسان القول
كثوب بنياب جراء
والعسس ذئاب جائعة
أسماء تتبع أسماء
حتى ظلي كاد ينازعني
مد لذاكرتي... كف رياء
خذ... فلعمرك لا شيء بمخبأتي
غير بطاقة ميلاد كاذبة
وروايات عن ألف مقدس
أو "رهبر"
يجلس خلف حبالي الصوتية
يتصيد أنباء
خذ لا شيء بمخبأتي... غير هتافات تافهة...
وتراتيل تهز بعجمتها الأسماع
ونصف هويه
عين داستها الأفيال
والراء أغار الأعراب عليها
والباء على فمها دار ذباب الكون
وياء عرجاء!!!
كدت أقبلها لو كان الفجر له ملمح
تلك المرآة تريني وجه أبي
وهو يشق قميص الموت ويسألني
عن خاتمه الفضي
عكازته... مهرته البيضاء
عن الجيران أفاعيهم وعقاربهم
وأنا أطرق خجلا....
ياه... أبتي الأوطان حفاة
وأنا... من غير حذاء ...!!!

المصادر
1- جميل حمداوي ،السيميلوجيا بين النظرية والتطبيق، الوراق للطباعة والنشر ، عمان ، الاردن ،ط1 .
2- سيسيولوجيا النص تاريخ المنهج واجراءاته ، رسالة ماجستير الباحثة نعيمة بولكعيبات ، الجزائر، جامعة الحاج لخضير، باتنه، كلية الآداب ،قسم اللغة العربية،2011.
3- الخصائص الاسلوبية (رسالة ماجستير)، فوزية بنت محمد بت ابراهيم، كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية / المملكة العربية السعودية.
4- جمالية التلقي والتأثير، الباحث اعداد الطالب خالد وهاب ، اطروحة دكتوراه، الجزائر جامعة محمد بوضياف، كلية الآداب ، قسم اللغة والادب العربي، 2016 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج