الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشجرة المقلوبة

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2021 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تصنع المخيلة صورة مقلوبة لشجرة تفاح. يصعد في الهواء ساق الشجرة الغليظ وفي نهايته الجذور المتفرعة في كل اتجاه . بينما القسم الأخضر منها، بأغصانه وفروعه وأوراقه وثماره مدفون في أعماق التراب.
يعيش هناك شخص أعمى ، لديه أيضاً بيت في أعماق التربة، قرب حقول التفاح. ولديه مزرعة صغيرة يربي فيها طيور البط، التي يبيع أكبادها الدسمة للمطاعم الفرنسية.
وأين هذه المطاعم؟
إنها في أعماق التربة، حيث الظلام والرطوبة والحشرات والديدان. يتواصل الجميع فيما بينهم بعد أن طوروا أنوفاً مدببة طويلة ، تستطيع التقاط أدق الروائح، وآذاناً مثلها تسمع أصوات السمك الموجود في محيطات التربة، ورئاتاً تتنفس التراب، وتأخذ منه ما تحتاجه إلى الحياة.
كم هو عالم غريب إذاً!
وكم هو غامض بالنسبة إلى جذور الشجرة التي تصعد في الهواء لتلتقط الرطوبة الجوية وأشعة الشمس، والأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون ، فتقوم بالتركيب الضوئي، وتصنع الغذاء الذي تنقله ساق الشجرة نحو التربة العميقة، فتفرح الأغصان، وتظهر البراعم والأوراق والثمار.
يتساءل ذات الرجل عن سبب ظهور الثمار، يحاول الحفر نحو الأعلى لاكتشاف الأسرار. غير أنه لا يبلغ قراراً ، كأن سماكة طبقات التراب فوقه لا نهائية.
يتعرف على الأشياء حوله باللمس ، والرائحة. ولا يجد تفسيراً مقنعاً لظهور الثمار تلك الكتل الكروية شهية المذاق والرائحة، وبعد أن يصيبه اليأس . يخمن أن هناك كائناً في الأعلى هو المسؤول عن ذلك. فيبدأ في محاولة التقرب منه، وتقديم الهدايا الثمينة. يبدأ أولاً، بذبح بطة له كل أسبوع، ثم يضاعف البطة إلى بطتين. ثم يقدم له براميل النبيذ التفاحي اللذيذ. وبعد مدة، تشكلت جماعات تشارك الرجل نفس اعتقاده.
غير أن رجلاً آخر ، كان يسكن بالجوار ، ولديه مناجم يحصل منها على السُّكر، عازض ذلك بشدة ، ورأى أن الاحترام والتقدير يليقان بكائن يسكن تحت مناجم السُّكر. فهو من يوفر لهم أساس الحياة. ولم ينتبه إلى حقيقة خطأ مزاعم الرجلين إلا فتى ، صار يقطّع غصون التفاح ، ويشرّح مكوناتها، واستنتج أن ثمر التفاح تصنعه الشجرة ذاتها، ولا يوجد أحد في الأعلى سوى كائنات تخص الشجرة وهي من توفر لها المواد اللازمة.
هل كان حدس الفتى صائباً؟
ربما، لكن ما فاته أن هناك طفيليات وديدان تعيش بالتناغم فوق تلك الجذور. وهي تعتقد أيضاً بأن هناك في الأعلى في الهواء كائنات تقدم لها وللجذور الرطوبة الضرورية والهواء والشمس.
لا شيء منطقي إذاً في صورة الشجرة المقلوبة!
لا شيء سوى أن الحواس عاجزة عن ادراك الحقيقة المطلقة. قد يقترب العقل منها قليلاً، بالحدود التي تسمح له بيئته بذلك.
لكن هل توجد فعلاً تلك الحقيقة المطلقة؟
أليست محاولة إيجادها هي مخرج من مخرجات تصورنا عنها؟
ماذا لو كانت غير قابلة للقياس أو للحدس أو للاستقراء؟
ماذا لو أنها غير خاضعة لقوانين بيئة الكائنات التي تبحث عنها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س