الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبل التوزيع العادل للثروة

حاتم بن رجيبة

2021 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


من أقدم المشاغل البشرية وأكثرها تعقيدا هي التوزيع العادل للثروة. فكيف يقتسم الصيادون الطرائد بعدل مثلا؟و من يحدد ما هو عدل وما هو ظلم؟ فلكل حجته. فيستطيع الذي اصطاد أن يعتبر ما اصطاده ملكه ولا حق للآخرين بالقسمة معه. فيحاج غيره أن ذلك عمل أناني وأن هناك في القبيلة من لا يستطيع الصيد لسبب خارج عن إرادته كالسن أو المرض أو الضعف والوهن...فيقترح قسم آخر أن يستأثر الصياد بأحسن ما في الطريدة ويقسم ما تبقى على الجميع. ومن لا يرضى بما اتفق عليه الأغلبية يمكنه أن يغادر ويستقل بنفسه وهو حل لن يسلكه إلا المتهور لأن حال الإنسان لا يستقيم إلا في المجموعة، بدونها يصبح أضعف من الدودة.

هذا المثال لمعالجة معضلة التقسيم العادل للثروة هو نموذج من نماذج متعددة كلها تدعي العدل. لكن الجلي هو أن سواد الحلول المقدمة عبر التاريخ هي غير عادلة فلو كانت كذلك لما كان البؤس والفقر المدقع لسواد البشرية في كل العصور سمة مشتركة.

فالعيب الكبير في البشر يكمن في طبيعتهم الإجتماعية. فهذه الطبيعة التي يشتركون فيها مع الكثير من حيوانات السرب والقطيع تجعلهم يبحثون دائما عن قائد. تختلف التسميات مثل شيخ، والي، سلطان، ملك، قيصر، شاه...لكن ذلك المنصب دائما موجود حتى في المجموعات القليلة العدد. كل تجمع بشري يحتاج إلا قائد، أبينا أم أحببنا، فكما نولد بأنوف ومنتصبي القامة نولد برغبة غريزية في البحث عن قائد. دون قائد تهلك الجماعة!!حقيقة مثل إثنان ضارب إثنان يساوي أربعة.

ومن هنا تبدأ المشاكل! فكيف تستطيع المجموعة أن تتخلص من القائد إن هو لم يقد إلى توزيع عادل للثروة؟ إن جار وظلم؟؟ كيف إن كان هذا القائد من الخبث والمكر أن يؤلب البعض ضد البعض أو أن يحرك غرائز الطمع والأنانية في بعض الرجال الأقوياء والأشداء أو أن يوظف رجال الدين ليستأثر معهم بالقسط الأوفر من الثروة على حساب الآخرين الضعفاء؟؟؟ فيكون القائد جيشا من الموالين ليحكم بالحديد والنار وتستعبد الثلة القليلة الثرية وحاملة السلاح الأغلبية الضعيفة المسالمة.

تاريخ البشرية يشهد أن تعاسة المجتمعات تكمن في خروج سادة القوم عن المنحى السوي في الحكم فيستولي الأقوياء من المحاربين والكهنة على الثروة ويتحول الباقون إلى عبيد.

المعضلة الثانية هي الإستعمار. فعندما يستعمر شعب شعبا آخر يستولي على ثرواته ويتحصل محاربوه أو حتى عبيده على أحسن أراضي المنهزم ويحولون المجتمع المغلوب إلى عبيد لهم. والظاهر أن نزعة استعمار الآخر هي أيضا غريزية ومتجذرة فينا، فكلما فطنا إلا ضعف الشعوب المجاورة أسرعنا إلى احتلالها والإستحواذ على خيراتها، وكان للأقوياء منا: المحاربون والقادة النصيب الأوفر من الغنائم. فنستولي على أخصب الأراضي ونطرد أصحابها الأصليين إلى الجبال والصحاري أو نجعلهم خدما لنا.

إذا والحال كما هي عليه كان واجبا على كل مجتمع أن يخلق نظاما يمنع فيه القادة من التجبر والدكترة كأن يكون الحاكم لفترة مؤقتة وينتخب في السر من طرف الجميع و لا تتجمع السلطات في يده أبدا وأن يكون له مراقبون يترصدونه ويحاسبونه وأن يكون العديد من القادة حسب هرم من قادة الحي إلى البلدية إلى الولاية إلى المقاطعة إلى الدولة المركزية كهم ينتخبون سرا ومن الجميع وما الأنظمة الديمقراطية والفيدرالية الغربية إلا أسوة يمكن اعتمادها وتحسينها باستمرار. فوجود أحزاب وجمعيات عديدة و صحافة حرة تحرس بعضها بعضا كما حكومة مركزية إلى جانب العديد من الحكومات الإقليمية ببرلمانات مستقلة كما مؤسسات مسلحة مختلفة تمنع أيا منها بالهيمنة كشرط إقليمية وأخرى مركزية كما جيوش مختلفة بقيادات منفصلة تخضع لسلطة برلمان به أحزاب متعددة عوامل أخرى للوقاية من إرساء الدكتاتورية فردية كانت أم جماعية.

هذا التنظيم السياسي هو بحد ذاته يضمن توزيعا أعدل للثروة. أما إذا أضفنا إليه الطابع الإجتماعي و نظاما جبائيا تصاعديا يعفي الضعفاء من الضرائب ويجحفها على الأثرياء حتى يتسلق المعوزون المصعد الإجتماعي ويلتحقون بالأثرياء عندما تمكنهم المجموعة بالأموال المنتزعة من الأثرياء من تعليم جيد يحرزون به وظائف راقية تدر عليهم دخلا مرتفعا.

هذه المجتمعات بديمقراطيتها ونظامها الجبائي تنتج اقتصادا قويا ذا جيش منيع ومواطنين يستميتون في الدفاع عنه لانصهارهم فيه مما يقلص خطر تعرضهم للإستعمار وضياع الثروة و الإستعباد من الغير.

كل المحاولات الأخرى التي سلكت لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل باءت بالفشل الذريع مثلما صار في روسيا والصين وكوبا ومصر الناصرية وغيرها من التجارب الإشتراكية والشيوعية حينما قتل الإقطاعيون وانتزعت أراضيهم ثم وزعت على الفلاحين أو استحوذت عليها الدولة كما استحوذت على كل الثروات كمصانع وثروات طبيعية. فالساسة الشيوعيون أصبحوا الإقطاعيين الجدد وتحول كل الشعب الباقي إلا عبيد رغم كل الشعارات الفضفاضة.

فالتجربة أثبتت أن الملكية الخاصة حاجة ضرورية لتحفيز همة الفرد للإنتاج والعمل. فما أنتجه الفلاحون الروس في حدائقهم الخاصة الضيقة والصغيرة تعدى بكثير ما أنتجوه في الحقول الشاسعة التابعة للدولة. كما أن دكتاتورية القائد وتفرده بالحكم جعلت قراراته اعتباطية و غير موضوعية مما ساق تلك المجتمعات للهلاك والإهدار المخيف للثروات العامة. فقد تسببت مثلا قرارات ستالين بتصدير محاصيل القمح الأوكرانية على حساب الإستهلاك المحلي لاستيراد احتياجات التصنيع بموت 14 مليون أوكراني جوعا. كما نفق 55 مليون صيني في أكبر مجاعة في تاريخ البشرية إثر قرارات اعتباطية من ماوتسي تونغ بتسخير اليد العاملة الفلاحية في التصنيع وانتزاع الأرض من الفلاحين أو تهجير الخمير الحمر لسكان المدن واستعمال وسائل إنتاج بدائية ليهلك الملايين جوعا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة