الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحالفات الديموقراطية السورية، سطور في رمال

راتب شعبو

2021 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


مع اقتراب الذكرى العاشرة للثورة السورية يتساءل المرء عن أسباب التعثر المتكرر لمحاولات تجميع القوى الديموقراطية السورية، بين الذاتي والموضوعي. هل المشكلة في أن السوريين لا يجيدون العمل المشترك فيما ينجحون كأفراد؟ أم أن الحدود الموضوعية (تعقد الموضوع السوري وهامشية تأثير السوريين على موضوعهم وشأنهم الخاص، بعد تحول سوريا إلى مناطق نفوذ، وتوضع قوى سورية مسيطرة على الأرض من طبيعة متشابهة وتشكل موطئ قدم لنفوذات خارجية مباشرة ..الخ) تثقل على المحاولات وعلى النفوس وتحبطها عن العمل؟
ماذا يمكن للذات السورية التي تهدف إلى تحرير الدولة السورية من قبضة سلطة تستعمرها وتسخرها لمصالحها الضيقة، كي تعود (الدولة) إلى كونها مؤسسة عامة، وتريد تحرير سورية من سيطرة القوى الأجنبية، وتحرير الانسان السوري من سيطرة جماعات محلية تفرض نفسها بالقوة، ماذا يمكن لهذه الذات أن تفعل في مثل الظروف المتاحة اليوم؟ من أين تبدأ، من تثقيل حضورها السوري كي تتمكن من بناء علاقة متوازنة مع قوى خارجية من موقع غير تابع؟ ولكن هل تستطيع في الظروف القائمة أن تعزز ثقلها السوري دون مساندة ودعم من قوى خارجية؟ أم تبدأ ببناء علاقة مع قوى خارجية بحيث تستثمر هذه العلاقة بتثقيل حضورها السوري؟ ولكن هل تستطيع أن تحافظ على استقلالها ونزاهتها في علاقتها مع الخارج فيما هي لا تملك ثقلاً سورياً؟ أليس هذا حال الهيئات الرسمية للمعارضة السورية التي تشكل تبعيتها المبرر العام لسعي الديموقراطيين السوريين للبحث عن بديل؟
ما سبق يشكل خلفية التعثر المتكرر للمحاولات التنظيمية السياسية للديموقراطيين السوريين في الخارج. ومن النماذج التي يمكن عرضها عن هذه الحال تجربة اللقاء السوري الديموقراطي، وهو إحدى المحاولات المشار إليها.
في تموز 2018 التقى في باريس ممثلو 24 مجموعة سياسية ومدنية سورية بمبادرة من "حركة ضمير" غير السياسية، والتي تحركت بدافع "ضميري" سياسي لتفعيل عمل مشترك بين مجموعات لا يوجد ما يبرر تناثرها وتباعدها وربما جهلها لبعضها البعض. لدينا ما يدفعنا إلى الاعتقاد أن كون حركة ضمير حركة غير سياسية، فضلاً عن القيمة المعنوية لأفرادها وجهدهم في التواصل والتنسيق مع المجموعات، كان من أهم أسباب نجاحها في لم شمل هذه المجموعات التي كان يمكن أن تتردد، باعتقادنا، لو جاءت الدعوة من طرف سياسي قد تبدو دعوته في عيون البعض مسعى للبروز وتحقيق القيمة التي يستجرها بشكل تلقائي مجرد السعي لجمع إرادة السوريين.
على أي حال، رأت القوى المجتمعة أن التشكيلات المعارضة السورية المعترف بها دولياً واقعة تحت تأثير الدول التي تحتضنها وغير مستقلة في قرارها ولا يمكنها بالتالي أن تمثل الشعب السوري في سعيه للتحرر. على هذا، تم الاتفاق على تشكيل جسم تحالفي مستقل في قراره وفي تمويله (تمويل ذاتي)، يسعى إلى ملء ما اعتبروه فراغاً أو شبه فراغ للمكان الديموقراطي في اللوحة السورية التي سيطر عليها النظام من جهة والقوى الإسلامية والكردية غير الديموقراطية من جهة ثانية.
على تفاوت حجم وثقل وتاريخ هذه المجموعات، كان لديها ما يكفي من التقاطعات ومن الحماس للعمل المشترك، وعبر بعضها عما يتجاوز العمل المشترك إلى أفق الاندماج، أو حتى الاندماج المباشر، ولاسيما أن التباين السياسي بينها ليس كبيراً ولا يتعدى ما يمكن وجوده بين أعضاء الجماعة الواحدة.
سمت المجموعات لقاءها الأول "اللقاء التشاوري" بما يدل على طبيعته بوصفه محطة للتشاور والتفكير بالعلاقة التي يمكن صياغتها فيما بينها، وبما يمكن التوافق عليه وما يمكن عمله ..الخ. بعد سنة ونصف من هذا، وبعد وضع ورقة سياسية مشتركة ونظام داخلي (استغرق وضعها الكثير من العمل والاجتماعات، وقد وقع العبء الأساسي على كاهل بضع أفراد تجاوزوا الجميع في جهدهم ومثابرتهم وحرصهم على نجاح اللقاء) نجحت هذه القوى بعقد مؤتمرها الأول في باريس أيضاً، في يناير/كانون الثاني 2020. خلال هذه الفترة انسحبت بضع قوى، منها من انقطع عن التواصل دون سبب واضح، ومنها من اعترض على الورقة السياسية، وهذا شمل بوجه خاص القوى الكردية التي كانت مشاركة في اللقاء التشاوري، فوصل اللقاء إلى مؤتمره الأول ناقصاً في عدد القوى وخالياً من أي قوة كردية.
انتخب المؤتمر هيئة تنفيذية، وسرعان ما برزت أمامه مشكلة لم تكن في الحسبان، وهي ان الهيئة التنفيذية اختارت لموقع منسق اللقاء شخصية نشيطة ولكن لها مشاركة في اللجنة الدستورية وفي مبادرة سورية الاتحادية التي كان لها حضور في ذلك الوقت، وهما محط خلاف بين القوى المعارضة. رأت القوى المتحالفة أن هذا الاختيار سوف يعطي للقاء هوية محددة، لا تعكس هويته، على اعتبار أن هوية الشخص الأول في أي تشكيل تؤخذ على أنها هوية التشكيل.
حين حاولت القوى معالجة الأمر في اجتماع استثنائي وافق فيه الجميع (ما عدا المكون الذي تنتمي إليه الشخصية المشار إليها) على استبعاد هذه الشخصية من الموقع الأول في اللقاء، انسحبت الشخصية ومكونها من اللقاء. فاستكملت الهيئة التنفيذية واختير شخص آخر ذو خبرة ليكون منسق اللقاء. بعد أسابيع قليلة استقال هذا الشخص فجأة دون أن يوضح السبب ثم انسحبت الجماعة التي ينتمي إليها من اللقاء. ليتبين لاحقاً أن السبب هو خلاف شخصي مع أحد أعضاء الهيئة التنفيذية. بعد ذلك أعيد انتخاب هيئة تنفيذية جديدة بمنسق جديد تولت العمل حتى المؤتمر الثاني الذي عقد في 24 فبراير/شباط 2021.
يمكن عزو التعثر المذكور إلى أن اللقاءات تحتاج بعض الوقت كي تستقر. ولكن السنة الفاصلة بين المؤتمرين تميزت بضعف النشاط والحماس، وكانت كافية لأن يصبح عدد القوى المشاركة عشرة فقط، ولأن تفك القوى في المؤتمر الثاني تحالفها وتتحول إلى منصة أو ملتقى للنقاش وتبادل الرأي وربما الاتفاق على بيان أو حملة مناصرة أو ما شابه، دون قيادة ودون التزام متبادل.
نموذج عن محاولة استهلكت الوقت والمال والجهود وانتهت دون أن تترك أثراً في الموضوع الذي تصدت له، كأنها خطت سطراً في رمال. يبقى ما يلفت النظر، أن القوى التي شاركت في هذا التحالف تستمر في نشاطها، وكانت غالبيتها، طوال الوقت، أكثر حضوراً من اللقاء السوري الديموقراطي نفسه. كما لو أنه كلما اتجهنا صوب الفردية كلما كان الأداء أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر