الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة المعادلاتية والقوانين الطبيعية

حسن عجمي

2021 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية ، القوانين الطبيعية هي معادلات رياضية بين كليات مجرّدة وانتظام الأحداث و ذلك على النحو التالي : القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات مجرّدة × انتظام الأحداث في الكون المادي. لهذا التحليل فضائل عديدة منها التوحيد بين النموذجيْن الفلسفيين الأساسيين والمتنافسيْن حيال تحليل القوانين الطبيعية فحلّ الخلاف بينهما.

يوجد مذهبان فلسفيان أساسيان في تحليل القوانين الطبيعية ألا و هما تحليل القوانين الطبيعية على أنها علاقات مجرّدة بين كليات معيّنة و تحليل آخر يقول إنَّ القوانين الطبيعية ليست سوى انتظام الأحداث في عالَمنا الواقعي. مثل ذلك أنَّ الفيلسوف ديفيد أرمسترونغ يُحلِّل القوانين الطبيعية على أنها علاقات بين كليات كالعلاقة الرياضية بين القوة والكتلة والتسارع في قانون نيوتن العلمي القائل بأنَّ القوة تساوي الكتلة مضروبة رياضياً بالتسارع. فالقوة والتسارع والكتلة كليات مجرّدة (لكونها لا تدلّ على قوة أو كتلة معيّنة أو تسارع معيّن بل تشير إلى القوة والكتلة والتسارع بشكل عام) والعلاقة الرياضية السابقة التي تجمع بين تلك الكليات تُشكِّل قانوناً طبيعياً نشير إليه على أنه قانون نيوتن العلمي. لكن الفيلسوف ديفيد هيوم يُقدِّم تحليلاً آخر ألا و هو أنَّ القوانين الطبيعية ليست سوى انتظام الأحداث في عالَمنا الواقعي المادي كأن يكون قانون نيوتن السابق ليس سوى أنه حيثما وُجِدت قوة معيّنة فلا بدّ من وجود كتلة معيّنة وتسارع معيّن والعكس صحيح.

لكن معادلة القوانين الطبيعية توحِّد بين هذيْن المذهبيْن الفلسفيين المتنافسين فتحلّ الخلاف بينهما ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الكبرى الدالة على صدقها. فبما أنَّ القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات مجرّدة × انتظام الأحداث في عالَمنا، إذن القوانين الطبيعية علاقات بين كليات مجرّدة تماماً كما يقول أرمسترونغ والقوانين الطبيعية هي أيضاً انتظام أحداث عالَمنا تماماً كما يقول هيوم. وبذلك تتضمن معادلة القوانين الطبيعية المذهبيْن الفلسفيين السابقين المتصارعين حيال تحليل القوانين الطبيعية فتوحِّد بينهما وبذلك تحلّ الخلاف القائم بينهما ما يمكّنها من اكتساب هذه الفضيلة الجوهرية. حلّ الخلاف الفلسفي دلالة على نجاح معادلة القوانين الطبيعية و نجاحها دليل على صدقها.

كما تنجح هذه المعادلة في الربط بين مجرّدية القوانين الطبيعية و واقعية ومادية الأحداث في عالَمنا. فبما أنَّ القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات مجرّدة × انتظام الأحداث في عالَمنا ، والعلاقات الرياضية مجرّدة تماماً كما أنَّ الكليات مجرّدة بينما الأحداث في عالَمنا واقعية ومادية ، إذن تتضمن معادلة القوانين الطبيعية أنَّ القوانين الطبيعية مجرّدة بكونها علاقات رياضية بين كليات مجرّدة و مرتبطة بالضرورة بالأحداث الواقعية والمادية في عالَمنا الواقعي لأنها أيضاً تلك الأحداث عينها تماماً كما هي تلك العلاقات الرياضية بين كليات معيّنة. من هنا ، تنجح معادلة القوانين الطبيعية في التعبير عن مجرّدية القوانين وارتباطها الضروري بالأحداث المادية الواقعية في عالَمنا الواقعي والمادي وبذلك تكتسب هذه الفضيلة المعرفية الأساسية.

بالإضافة إلى ذلك ، إذا كانت القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات × انتظام الأحداث في الكون المادي ، و علماً بأنَّ الأحداث في عالَمنا لا تنتظم سوى بعلاقات معيّنة كالعلاقات السببية والشرطية ، فحينها تتضمن معادلة القوانين الطبيعية ضرورة وجود العلاقات السببية والشرطية التي من خلالها تنتظم الأحداث. هكذا تنجح معادلة القوانين في التعبير عن لزومية وجود العلاقات السببية والشرطية ما يعزِّز مصداقيتها. بكلامٍ آخر ، بما أنَّ القوانين الطبيعية مُعرَّفة من خلال انتظام الأحداث كما هي مُعرَّفة من خلال العلاقات الرياضية بين كليات معيّنة ، و لا تنتظم الأحداث سوى بالعلاقات السببية والشرطية كما أنَّ العلاقات الرياضية تتضمن بالضرورة العلاقات السببية والشرطية (كتضمن العلاقة الرياضية القائلة بأنَّ "القوة = الكتلة × التسارع" للعلاقة السببية التي مفادها أنَّ تزايد قوة شيء معيّن يسبِّب تزايد كتلة ذاك الشيء المعيّن أو تزايد تسارعه أو تزايد كتلته وتسارعه في آن) ، إذن من الضروري أن تَسُود العلاقات السببية والشرطية و تحكم أحداث عالَمنا الواقعي. من هنا ، تُفسِّر معادلة القوانين الطبيعية لماذا توجد العلاقات السببية والشرطية و لماذا تحكم عالَمنا. وبذلك تمتلك معادلة القوانين الطبيعية هذه القدرة التفسيرية الناجحة ما يدلّ على أنها معادلة صادقة.

من جهة أخرى ، إن كانت القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات × انتظام الأحداث فحينئذٍ من المتوقع أن تكون القوانين الطبيعية علاقات رياضية وبذلك من الطبيعي أن تكون القوانين الطبيعية مكتوبة بلغة الرياضيات أي من الطبيعي أن تكون القوانين الطبيعية عبارة عن معادلات رياضية كمعادلة أنَّ القوة تساوي الكتلة مضروبة رياضياً بالتسارع المُعبِّرة عن قانون نيوتن العلمي. هكذا تنجح معادلة القوانين في التعبير عن حقيقة أنَّ القوانين الطبيعية مكتوبة بلغة الرياضيات و تفسِّرها ما يمكِّن هذه المعادلة من اكتساب هذه الفضيلة المعرفية الأساسية فيدلّ على نجاحها فصدقها. إن لم تكن القوانين الطبيعية علاقات رياضية بين كليات بالإضافة إلى كونها انتظام الأحداث كما تقول معادلة القوانين فحينئذٍ سيكون من المُستغرَب والمُستبعَد أن تكون القوانين الطبيعية مكتوبة بمعادلات رياضية بدلاً من أن تكون مكتوبة بلغات أخرى مختلفة عن لغة الرياضيات. لذلك لا بدّ من أن تكون القوانين الطبيعية علاقات رياضية بين كليات تماماً كما تعبِّر عن ذلك معادلة القوانين و إلا لم تكن القوانين الطبيعية مكتوبة بمعادلات رياضية ما يخالف الواقع.

كما إن لم تكن القوانين الطبيعية معرَّفة من خلال انتظام الأحداث أيضاً لزال حينها الارتباط الضروري بين القوانين الطبيعية المجرّدة وانتظام الأحداث الواقعية في عالَمنا. لذا لا بدّ أيضاً من تحليل القوانين من خلال انتظام الأحداث تماماً كما تفعل معادلة القوانين الطبيعية. على ضوء هذه الاعتبارات ، من الضروري تحليل القوانين من خلال علاقات رياضية بين كليات و من خلال انتظام الأحداث في آن. و هذا ما تنجح معادلة القوانين بالقيام به بفضل اعتبارها أنَّ القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات × انتظام الأحداث. و هذا النجاح دليل على صدق معادلة القوانين الطبيعية.

معادلة القوانين تُحرِّر القوانين الطبيعية بعدم سجنها في علاقات رياضية بين كليات مجرّدة فقط و عدم سجنها في انتظام الأحداث فقط. وبذلك تكتسب هذه المعادلة فضائل تحليل القوانين الطبيعية على أنها علاقات رياضية بين كليات كما تكتسب فضائل تحليل القوانين على أنها انتظام الأحداث من خلال التوحيد بين هذيْن النموذجيْن التحليلييْن فتتجنب بذلك أيضاً مشاكلهما كمشكلة ارتباط القوانين الطبيعية بالأحداث الواقعية المادية رغم مجرّدية القوانين الطبيعية من حيثية كونها علاقات رياضية بين كليات مجرّدة. هكذا تحرير القوانين الطبيعية بفضل عدم سجنها في نموذج تحليلي مُحدَّد عبارة أيضاً عن مكاسب وفضائل معرفية أساسية ما يُعزِّز مصداقية تحليل القوانين من خلال علاقات رياضية بين كليات وانتظام الأحداث في آن.

تنجح معادلة القوانين أيضاً في التعبير عن غياب الزمن في القوانين الطبيعية العليا الخالية من الزمن كما يؤكِّد الفيزيائيون (كبعض المعادلات العلمية ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ) و تنجح في التعبير عن حضور الزمن في القوانين الطبيعية الدنيا (كقانون السرعة القائل بأنَّ السرعة تساوي المسافة مقسومة رياضياً بالزمن). فبما أنَّ القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات × انتظام الأحداث في عالَمنا الواقعي ، والعلاقات الرياضية مجرّدة بمجرّدية الرياضيات فخالية من الزمن تماماً كما الرياضيات ومعادلاتها ، إذن من المتوقع أن يغيب الزمن ومفهومه عن الحضور في قوانين طبيعية معيّنة التي نشير إليها بالقوانين الطبيعية العليا لمجرّديتها القصوى. لكن بما أنَّ القوانين الطبيعية = علاقات رياضية بين كليات × انتظام الأحداث في عالَمنا الواقعي ، و لا انتظام لأحداث بلا زمن فالأحداث تنتظم في الزمن ، إذن من المتوقع أن يوجد الزمن في عالَمنا و في قوانين طبيعية أخرى المشار إليها بالقوانين الطبيعية الدنيا من جراء تضاؤل مجرّديتها. هكذا تنجح معادلة القوانين الطبيعية في التعبير عن غياب الزمن في القوانين الطبيعية العليا و حضوره في القوانين الطبيعية الدنيا و في عالَمنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص