الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


براءةُ أطفالنا … في رقبة من؟

فاطمة ناعوت

2021 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial

بعد واقعة التحرّش الأخيرة بطفلة المعادي على يد أحد الأشقياء، حاولتُ أن أتخيّل مدى رعب كلّ أمٍّ لديها طفلة. أوقنُ أن الهلعَ يسكنُ الآن كلَّ بيت مصري يضمُّ بين جدرانه طفلةً، خوفًا على براءتها من الخدش والعبث. براءةُ الأطفال هي اللؤلؤةُ المُشعّة التي ننهلُ من عذوبتها في قصائد الشعراء ولوحات التشكيليين وحكايانا وأسمارنا وطرائفنا. ولأنها حجرٌ كريم هشٌّ وسريع الزوال، نحاول أن نحمي أطفالنا من شظايا الواقع التي تجرحُ تلك الجوهرة قبل أوان انطفائها. نحاولُ إطالة زمن البراءة في أرواح أطفالنا قدر الإمكان، لكي يحيوا حياةً صحيّة مبهجة، قبل نضوج وعيهم وتراكم طبقات المعارف فوق سطح تلك الجوهرة النقية حتى يخبو بريقُها، حين يصيرُ الصغارُ كبارًا، يعرفون عن الواقع ما كنّا نخفيه عنهم؛ لكيلا ينطفئ البريقُ قبل الأوان.
بعض الرخصاء مرضى البيدوفيليا (عشق الأطفال الجسدي)، يُشوّهون جوهرة البراءة في لحظة (بفعلٍ)؛ حين يتحرّشون بطفلة أو طفل؛ كما فعل متحرشُ المعادي، وآلافٌ غيره لم تكشفهم كاميرا سيدة مثقفة مثل "أوجيني أسامة" التي فضحت المتحرش صوتًا وصورة. وبعضُهم يفعلون ذلك (بكلمةٍ) خسيسة غير ناضجة، حين يظهر شخصٌ على شاشة أو صفحة سوشيال ميديا قائلا إن (الطفلةَ يجوز نكاحُها، إن كانت "مربربة" تتحمل الوطء)! حين يسمعُ الأطفالُ هذه الكلمات، لن يفهموا المعنى، لكنهم سوف يستنتجون من أحاديث الكبار أن النكاحَ هو الزواج، والوطء هو انسحاقُ جسد طفلة تحت ثِقَل رجل ضخم. تتكونُ في مخيلة الأطفال صورةٌ مرعبة من حكايا الساحرات الشريرات اللواتي يخطفن البنات ويقدّمنهن للوحش المخيف. لكنّ مع هذه الصورة البشعة، ستستقرُّ عدةُ مفاهيمَ مخيفة في ذهن كلٍّ من: الطفلة، الطفل، والرجال.
أما الطفلةُ فسوف تنجرحُ براءتُها وتدرك أن شرًّا مرعبًا ينتظرها في مقبل الأيام، فترخُصُ قيمةُ جسدها في وعيها الصغير. وأما الطفلُ فسوف ينظرُ إلى شقيقته وزميلته في الفصل بنظرة دونية، ويتنامى داخله شعورٌ، يكبرُ مع الأيام، بأن البنات خُلقن ليكُنّ لُعبةَ لهوٍ وعبث لأجساد الذكور. وأما الرجالُ غير الأسوياء، فسوف تُريحُ تلك الفتوى ضمائرَهم، فيوقنون أن العبثَ بجسد أي طفلة أمرٌ عاديٌّ لا تهتزُّ له الجبالُ. يُقرّه الشرعُ إن كان بورقة زواج. ولا تنهدمُ به أركانُ المجتمع إن كان دون ورقة؛ مادام في الخفاء بعيدًا عن عيون الناس، في مدخل عمارة أو شقة مهجورة أو حافلة ركّاب!
انتفضَ المجتمعُ المصريُّ بكامله بعد واقعة تحرش "ذَكَرٍ" رخيص بطفلة تبيعُ المناديل، في مدخل عمارة بحيّ المعادي. هذه الانتفاضةُ لها دلالةٌ طيبة تشي بأن ضمير الوعي الجمعي يقظٌ وسليمٌ. وتلك نقطةٌ بيضاءُ في اللوحة السوداء الكابية. النقطةُ البيضاءُ الأخرى صنعها ترتيبُ الله الذي شاء أن يفضح شخصًا من أولئك الذين يتّخذون "الدينَ" ستارًا يخفون خلفه أوساخَهم. المتحرشُ المجرم صفحته الشخصية حاشدة بآيات القرآن الكريم، وصورٍ التقطها لنفسه في الحرم الشريف، لكي يوهمَ الناسَ أنه تقيٌّ ورعٌ يخافُ الله. وربما بالفعل يقيمُ فروضَ الله من صلاة وصيام، ولكنه من أولئك الذين صدّقوا قول "أدعياء الدين" الذين يفتون بشرعية "نكاح الطفلة المربربة التي تتحمّل الوطء". فإن كان لا يستطيع الزواجَ الشرعيّ بورقة ومأذون، فلا بأس أن يعبثَ بجسدها الصغير بعيدًا عن عيون الناس!
ولأن "براءة الأطفال" قيمةٌ شديدةُ الخطورة لبناء مجتمع صحيّ غير متهدّم الأركان، أنشأ العالمُ منظمة "اليونيسيف" UNICEF لحماية الطفل، وأعلنتِ الأممُ المتحدة اتفاقية حقوق الطفل، وإعلان جنيف عام 1924، وفي جميع دساتير العالم ثمّة مادة تشير إلى حقوق الطفل في المجتمع. وفي الدستور المصري الجديد تنصُّ المادة (80) على (التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكل العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسيّ والتجاريّ.) ونتساءلُ هنا: هل الإساءةُ للطفل تنحصرُ فقط في التحرش الجسدي "بالفعل"، أم كذلك "بالقول"؟ هل يحاكمُ القانونُ المتحرشَ (بذات الفعل )، ويتركُ من أجاز انتهاكَ جسد الطفلة (بالقول)؟!
المجتمعُ الذي أشار بإصبع غاضب في وجه المتحرش الرخيص، لابد كذلك أن يشير بإصبع أشدّ غضبًا في وجه أدعياء يزعمون أنهم رجالُ دين، ويفتون بشرعية زواج الصغيرة! ففضلا عمّا بأقوالهم المريضة تلك من هتك لبراءة الأطفال وتقويض أركان المجتمع، إلا أنهم كذلك يُخرجون "الزواج" من مضمونه "المقدس" بوصفه "السكن والرحمة"، إلى كونه مجرد شراء جسد للهو والعبث والوطء، ويخرج العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة من إطار المشاعر الراقية، إلى عتمة الشهوات الرخيصة؛ ومن طرف واحد "يستمتع"، بينما الطرفُ الآخر يئن ويتألم وينزف ويتوجّع وتتدمر حواسُّه ومشاعره! “الدينُ لله والوطنُ لمَن يُكرمُ أطفالَ الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليست الطفولة فقط بل المرأة بشكل عام
johnhabil ( 2021 / 3 / 15 - 09:21 )

ولماذا مصر أم الدنيا؟؟؟
لآنه هناك مؤسسة دينية تكفرُ الأخرين - وجدي غنيم - اسحق الحويني - ابو اسلام - وليد اسماعيل و نجم التكفير ( عبدالله رشدي ) وآلاف الشيوخ وغيرهم ينشرون الكراهية والعنصرية ضد المرأة بشكل خاص فهي عورة وجاهلة يجب تأديبها وهي للمتعة فقط بإجماع الأئمة الأربعة ... ولهذا
تزداد نسبة الطلاق في مصر عن غيرها من الدول إلى نسبة تقضي على القيم والأخلاق الإجتماعية والإنسانية وقتل الطبيبة المصرية من قبل صاحب العقار وزوجته دليل على الحالة الإجتماعية المتردية بين جماعات القطيع المتطرف والمتسلط
القرآن : لا يوصي بالختان ولا زواج الطفلة ولا إشتهاء الطفلة فوق الفطيم ولا باللمس والمفاخذة إنما هو التراث المزيف وتعاليم الأزهر.


2 - انحراف فكرى شديد
هانى شاكر ( 2021 / 3 / 15 - 12:28 )

انحراف فكرى شديد
_______

تمثل هذه المقالة صورة صارخة للانحراف الفكرى الشديد

لقد تحلل المجتمع المصرى تماما ؛ و الفضل كل الفضل يرجع الى العسكرية الريفية و فسادها الاسطورى ... مدعومة من الازهر و السلفيين

اموال مصر المنهوبة منذ 1952 كانت كافية لبناء دولة حديثة قوية ... بالتعليم و الصحة و مستوى المعيشة الانسانى ... لا محل فيه لطفلة ذات سبع سنوات تجوب الشوارع لتتسول او تبيع مناديل

المقال مكتوب للدفاع عن عصابة العسكرية الريفية ؛ و ليس للدفاع عن الطفلة الضحية

....

اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو