الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجين حاقد يقلع عين الرئيس

راتب شعبو

2021 / 3 / 14
الادب والفن


تسبب السيد ابراهيم بمشكلة كبيرة جداً في الجناح السياسي من سجن عدرا، كان يمكن تفاديها بكل بساطة فقط لو أنه كان أقل "جلاقة"، فقط لو أنه سكت ولم يتكلم. وقد قال ابو مالك بعد تلك الحادثة إن من سجن السيد ابراهيم محق تماماً ولكن كان عليه أن يسجنه في مكان آخر. وحين سأله أبو مروان وهو يشد شعر شواربه كعادته: "وين بتقصد يعني؟" قال ابو مالك: "مع الأحداث لأنه وَلَد".
والسيد ابراهيم سبق له أن أظهر قدراً غير قليل من الجلاقة كان يكفي، لذوي الألباب، لإعفائه نهائياً من استلام الفاتورة. القصة هي أن ابراهيم اشترى ذات يوم كيلو من النشاء لغاية في نفسه لا يعرفها إلا الذي خلقه. ولكنه لسبب لا يعرفه ايضاً إلا الذي خلقه، عدل عن تلك الغاية وصار يريد أن يتخلص من كيلو النشاء الذي اشتراه من حر ماله وأن يستعيد ثمنه. فانقسم نهاره لذلك إلى أطوار متتالية، طور نشاط يقوم فيه بجولة على كل المهاجع الستة حيث يقف في باب المهجع ويصيح بصوت عال وبلغة عربية مكسرة: "يا شباب لو سمحتم، حدا يريد يشتري كيلو نشا؟" وحين لا يتلقى رداً يقوم بالتوجه بالسؤال إلى أفراد المهجع واحداً واحداً. "يا أبو محمد، أقول تريد تشتري كيلو نشا؟"، "يا أبو اسماعيل، تريد تشتري كيلو نشا أخوي؟"، "يا راكان، أريد اسألك ما تريد تشتري كيلو نشا؟" ..الخ. ثم ينتقل إلى المهجع التالي وهكذا. يلي ذلك طور همود بفعل التعب الذي يسببه طور النشاط، فيعود ابراهيم إلى مهجعه ويسترخي على سريره بانتظار تجدد طاقته استعداداً لطور النشاط التالي.
المأساة التي ألمت بالجناح أن أحداً لم يشتر كيلو النشاء. وهذا ما جعل العقوبة مستمرة على شكل رجل يقف كل ساعة في باب المهجع ويعيد السؤال نفسه على المهجع ككل ثم على كل فرد فيه، دون كلل أو ملل.
في أحد الأيام وبعد أن أنهى ابراهيم طور النشاط وعاد إلى طور الهمود، نهض أبو صطيف عن سريره بهدوء وانتعل شحاطه أبو الإصبع وأمسك جلابيته بيده من الأمام واتجه إلى مهجع ابراهيم تحدوه أصوات تشحيط الشحاط في الكوريدور الطويل. وحين بلغ باب المهجع رقم 2 حيث يوجد سرير السيد ابراهيم، وقف ابو صطيف في الباب وصاح: يا شباب، زكاتكن، حدا عندو كيلو نشا للبيع؟ فنهض ابراهيم من هموده على الفور وصاح بفرح: إي إي ابو صطيف، أنا عندي أخوي، بالله تريد تشتري؟ بصلاة النبي تريد كيلو نشا؟
يومها اشترى ابو صطيف كيلو النشاء بكامل إرادته وأصر أن يرميه في الزبالة كما هو قائلاً: لك خاي ما بيتشري الواحد راحتو بحق كيلو نشا؟
لكن أهل الجناح لم يعتبروا من هذه الحادثة، وسلموا السيد ابراهيم فاتورة الجناح مثله مثل غيره. الحقيقة، من هذه الزاوية، فإن أهل الجناح (أو نزلاء الجناح الثاني حسب اللغة الرسمية للسجن التي تعامل السجناء كأنهم زبائن في فندق) يستحقون ما حل بهم. فمشكلة النشاء تبقى بعد كل شيء مشكلة غير سياسية في جناح سياسي، وتقتصر أضرارها على إقلاق الراحة لا أكثر ولا أقل. لكن مشكلة الليرة المعدنية أم الصورة (التي تحمل على وجهها صورة الرئيس) فهي مشكلة سياسية لا جدال في ذلك، ومشكلة قابلة إلى أن تنمو وتتفاعل وتقلب حياة أهل الجناح جحيماً وجهنماً، ومع ذلك فإن جلاقة ابراهيم لا تفرق بين هذه وتلك، الشيء الذي أورثه لعنات تكفيه لولد الولد، لحقتها لعنات أخرى تطال والد الذي سلمه الفاتورة ثم والد الذي سجنه وجعله على قيد السجناء السياسيين.
القصة وما فيها أن ابراهيم وبينما هو منهمك في حساب ما جمعه من مصاري من المهاجع لمقارنته مع المبلغ الذي حصل عليه من جمع قيمة فواتير المهاجع، وجد ليرة معدنية من تلك التي تحمل صورة الرئيس الخالد، قبل أن يصبح خالداً، على أحد وجهيها. ولكن ابراهيم لاحظ على هذه الليرة شيئاً غريباً لم يشأ أن يغض النظر عنه. حيث يبدو أن هناك من حاول ثقب عين الرئيس فوضع رأس مسمار على عين الرئيس شخصياً وطرقه بحيث دخل جزء من المسمار في مكان العين وتشوهت الصورة التي على الليرة وتشوهت الليرة بالتالي. فما كان من ابراهيم، مدفوعاً بدافع لا يعلمه أيضاً غير الذي خلقه، إلا أن حمل الليرة ام الصورة هذه وصاح، بنفس طريقة صياحه القديمة لبيع كيلو النشاء: يا شباب، رجاء يا شباب، مين اللي عطاني الليرة هذي؟ ثم انتقل من مهجع إلى آخر بنفس السؤال حتى وصل الأمر إلى المفرزة عن طريق فاعلي الخير، فتم الحجر على الليرة كقرينة إثبات، ووضع الجناح بالكامل في حالة طوارئ بانتظار قرارات رئيس الفرع التي لم تتأخر:
القرار رقم 1: يحرم الجناح السياسي من الفاتورة نهائياً
القرار رقم 2: يحقق مع أفراد الجناح فرداً فرداً حتى الوصول إلى المجرم الحاقد الذي تجرأ على عين سيادة الرئيس
القرار رقم 3: بعد اكتشاف المجرم الحاقد، فإنه ينقل إلى زنازين الفرع لينال العقاب الذي يستحق
أبو صطيف الذي أنقذ الجناح ذات مرة من مشكلة كيلو النشاء، وقف عاجزاً اليوم أمام هذه المشكلة. أما أبو مالك فقد توجه وهو مسترخ على سريره، إلى ابراهيم بالسؤال: "حبيبي ابراهيم، حلمي أن أفهم لماذا تسببت بهذه المصيبة، هل آلمك قلبك على عين الرئيس؟ والله لا أدري لماذا أنت في سجن السياسيين". فوجد ابراهيم فرصة لشرح موقفه أكثر: "عمي أبو مالك، هل تعتقد أن عين الرئيس تهمني؟ أنا ضد الرئيس قبل أن يضعني في السجن، فكيف بعد أن سجنني؟ لكن الليرة المشوهة تفقد قيمتها، هل تعلم"؟
بدأت استدعاءات المساجين واحداً واحداً، وبدأ صوت الاستغاثات يعلو ممزوجاً بصوت الكرابيج والخيزرانات، فيما راح ابراهيم يكرر أمام "نزلاء" الجناح الثاني المصدومين: ياخي والله مو مستاهلة، والله انا ما كنت أدري انو هيك راح يصير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با