الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ها قد أصبحنا من الطبقة الأرستقراطية

شيروان ملا إبراهيم
صحفي

(Shirwan Ibrahim)

2021 / 3 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


عام 2013 وبينما كنت في حيرة من أمري حول إقامة حفل صغير بمناسبة خطوبتي، في وقتٍ تشتت فيه أقربائي ومعارفي بين عدة دول، كحال غالبية العائلات السورية، استيقظت صباح عيد الأضحى على خبر بثه تنظيم داعش، يعلن فيه استهدافه حاجزاً لوحدات حماية الشعب (اسم القوات المسلحة للإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا)، وما ان جاءت التفاصيل لاحقاً حتى علمت أن أحد الذين تم قتلهم بدم بارد في تلك العملية، هو (حزني) أحد أولاد عمومتي وصديقي أيام الصبا وشقيق صهري، اتصلت بأقاربي لمعرفة تفاصيل أكثر، فصُدمت بنبأ آخر، وهو وفاة أحد أولاد أخوالي (حسين) برصاص عنصر من قوات الآساييش (قوات الأمن الداخلي التي تتبع للإدارة الكردية) بعد مشادة نشبت بينه وبين دورية لتلك القوات، أثناء دخولهم قريته "لطيفية" شرقي القامشلي.
وبذلك خسرنا في ذات اليوم، واحداً من أولاد العمومة تاركاً خلفه زوجة وطفلين، وآخر من أولاد الأخوال هو أيضاً ترك خلفه زوجة وطفلين، أحدهما ولد بعد وفاته، وللمصادفة، كانت تجمع المغدوران الاثنان علاقة صداقة، لكن المفارقة أن أحدهما فقد حياته لأنه كان يحمل سلاح "الإدارة الذاتية"، والآخر فقد حياته بسلاح الإدارة ذاتها، بغض النظر عن اختلاف أسباب ومكان وطريقة وفاتهما.
بعد فاجعة حزني وحسين التي صادفت يوم العيد، وقبلهما (شيندار) أحد أولاد أخوالي الذي فقد حياته ببداية الأحداث عندما كان جندياً في الخدمة الإلزامية لجيش النظام السوري ولم يتجاوز عمره العشرين عاماً، وأمثلة شبيهة أخرى في زمنٍ باتت فيه وتيرة الصراع المسلّح في سوريا تزداد من أقصاها إلى أقصاها، أصبحت دائرة التفكير بالهجرة إلى كردستان العراق بين أقربائي الشباب تتوسّع، حالهم كحال أمثالهم من شباب المنطقة، حيث فيها الأمان، وربما فرص العمل أيضاً، لكن! وما إن انتهت أربعينية كليهما، حتى صُدمنا بخبر وفاة ابن عمتي (عارف) بكردستان العراق إثر حادث سير. عارف الوسيم الهادئ، الذي ترك دراسته الجامعية بسبب الأحداث وهو على مشارف التخرج كي لا يساق إلى التجنيد الإجباري في الجيش الحكومي، رافضاً حمل سلاح أي من الأطراف المتصارعة أو يُقتل بإحداها، رضي أن يكون عاملاً في الأشغال الشاقة كونه لم يجد ما يناسب دراسته وتعليمه، لكن ذلك لم يغيب عنه الموت المؤلم، لتتالى فيما بعد أخبار مقتل وإصابة الشباب اللاجئين في كردستان العراق التي تكثر فيها نسبة حوادث السير بشكل لافت بحسب إحصائيات حكومية.
في ذلك الحين، وبعد مسلسلات القتل والموت غير العادي، كان لا بد من أن تكون الوجهة المتبقية للعيش بعيداً عن هذه المخاوف، هي السفر نحو أوروبا، أي عبر تركيا ومن ثم عبر بحار اليونان، أو غابات دول أوروبا الشرقية، ليدخل الموت السوري المؤلم مسلسلاً إضافياً آخر، وهو حوادث الغرق في البحار أو الموت في الغابات بسبب البرد، عدا عصابات قطاع الطرق الذين كانوا أحيانا أفراداً من القوات المسلحة والأمنية لتلك الدول نفسها، تلك العصابات التي كانت تضرب وتقتل وتقوم بتشليح اللاجئين المساكين دون وجود رقابة تذكر، أو الغرق بين الحدود العراقية التركية، او التعرض لرصاص القوات التركية على الحدود مع سوريا... الخ.
بعد وفاة، (عارف) بسنوات، قرر شقيقه واسمه (حكم) الذي كان أيضاً مقيماً في إقليم كردستان العراق، قرر ترك حياة اللجوء، ليعود مجدداً إلى مدينته (القامشلي) التي باتت تشهد أماناً نسبياً، ولكي يتمكن من علاج آلام ظهره التي كانت ستكلفه الكثير لو بقي في كردستان العراق. ذهب (حكم) إلى المشفى الوطني بالقامشلي، وهناك اعتقلته دورية حكومية بالقرب من المطار، وسيق لخدمة الاحتياط في الجيش النظامي مع أنه كان قدم خدم في الجيش قبل الأحداث وكان تقريره الطبي حول آلام ظهره بيده، ليعود بعدها بأيام، جثة هامدة بدون الكشف حتى عن سبب مقتله.
كل ما سبق، كان مجرد أرقام موت غير عادي بين أقربائي (فقط)، من القامشلي (فقط)، لكن مئات آلاف أمثلة شبيهة من المناطق الأخرى كانت ومازلت تحدث حتى هذه اللحظة.
أما في أوروبا التي وصل أليها مئات الآلاف من اللاجئين إلى بر الأمان بعد رحلات مليئة بالمخاطر، قرر أحد أولاد أخوالي واسمه (كيوان) قبل أقل من سنة، إقامة حفل زفافه في ألمانيا التي يقيم فيها مؤخراً، لكن قبل موعد عرسه بيومين توفي أحد أقربائه في البلد، لهذا أضطر إلى تأجيل عرسه لحين انتهاء أربعينية المتوفي، وهنا تذكرت حفلة خطوبتي التي أُلغيت بسبب فاجعة (حزني وحسين) وصدمتنا بفاجعة (عارف) في أربعينيتهما. حينها قلت في نفسي، "ليت الأمر يمر بسلام وأن لا يلاقي (كيوان) في عرسه ما لاقيته أنا في فترة حفلة خطوبتي التي لم تحدث بسبب الوفيات"، وبالفعل تم إقرار موعد جديد لزفافه، لكن! هذه المرة لم يتوفَّ أو يُقتل قريب آخر كما حصل معي، بل كانت بداية وصول الجائحة العالمية "كورونا" إلى ألمانيا..!!
لذا، حتى في أوروبا أيضاً، يستمر قدرنا الممزوج بالخوف من الموت غير العادي أينما كنا. لكن هذه المرة، لم تعد مخاوفنا من الموت بالقصف والسلاح والطيران وقطع الرؤوس التي شهدناها في السنوات العشر الفائتة، بل تطورنا وارتفعنا إلى مستويات ارستقراطية ورئاسية وملكية في شعورنا، فلم نعد نخشى أن نموت كمواطنين عاديين، بل باتت خشيتنا بنفس سوية مخاوف العائلة الملكية البريطانية على صحة ولي عهدها ورئيس وزرائها، وبتنا نعيش نفس حالة أفراد عائلة الرئيس الصيني، وندرك أن المصابين منا سيتعالجون بنفس الطريقة التي يريدها الرئيس الروسي من أجل أفراد عائلته، وصار خوفنا على أقربائنا تماماً مثل خوف الرئيس الأميركي على المقربين منه، وغيرهم.
إذاً، وأخيراً أصبحنا نعيش شعور قادة ومالكي الكوكب، بدون أن نملك مثلهم جيوشاً جبارة ولا مليارات الأموال، فقد بتنا نخاف مثلهم من ذات الفيروس، ونتعالج بذات الطريقة وبنفس الأدوية والعقاقير التي يتعاطونها، بلا زيادة، أو نقصان عمّا يتلقونه حول هذا الفيروس. إذاً وأخيراً، فبعد عشر سنوات من خشيتنا من الموت بطريقة قهرية، بتنا نخشاه هذه المرة، على طريقة الطبقة المخملية، والأرستقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!