الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستستطيع البلدان العربية اللحاق بالمستقبل الجديد للثورات ؟ 6/3: متغيرات الشارع السياسى الدولى ليست بالضرورة خطية

محمد رؤوف حامد

2021 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يمكن الجزم، الى حد كبير، بأن المتغيرات الأمريكية المرتقبة، والتى قد بدأ ظهورها بالفعل، ستكون لها إنعكاسات إيجابية على الساحة العالمية.

بيروقراطية الديمقراطية – ميزة نسبية أمريكية:

هذا الحس لايتأسس على وضعية ومتغيرات العناصر التقليدية المكونة لقوة الدول ولقدر نفوذها (أو تواجدها) على الساحة الدولية (مثل العلم والتكنولوجيا والإقتصاد ...الخ)، وإنما يرتكز على ماتتميز به الولايات المتحدة من مأسسة نسبية للديمقراطية (أو ما يمكن اعتباره "بيروقراطية الديمقراطية"). الأمر الذى مكّنها من عبور معقول لعنق الزجاجة "الترامباوية"، فضلا عن تخطى مايبدو "شعبوية".

فى هذا الإتجاه يمكن اعتبار ماظهر من نجاح للمأسسة الديمقراطية الأمريكية مُجِسدَا -فى نفس الوقت- لتحد كبير لأنظمة الحكم فى بلدان أخرى، على رأسها روسيا والصين. ذلك أن القوة الدولية المتصاعدة لكليهما تنتج من (أو تتوازى الى حد كبير مع) تركزية قوية للسلطة القيادية العليا فى الدولتين.

تحولات مرتقبة:

فى هذا الخصوص يمكن توقع بزوغ قدر من الصدى (أو الإنعكاسات) للمتغيرات التحولية الأمريكية على توجهات ومواقف أنظمة الحكم فى الصين، وروسيا، ودول أخرى.

الأشكال الممكنة للصدى (أو للإنعكاسات) تبدأ من مستوى مجرد التأمل والتحسب، وقد تصل الى مقاربات تغييرية وتحوُلية فى العلاقات الدولية، وفى الأمور المتعلقة بالتحكم فى الأوضاع المحلية.

بمعنى آخر، يمكن القول بأن مسارات (وحركيات) القوة والعلاقات على المستويات الدولية، وبالذات بالنسبة للدول الكبرى، كانت (وتظل) خاضعة للتغير والتحول، وأنها لاتكون أبدا خطية (أو متغيرة بسرعة ثابتة) بشكل مطلق أو مستديم.

يتجسد ذلك -كمثال- فى التحولات والتغييرات فى وضعية السلطة، وكذلك فى العلاقات والأوزان الدولية، لكل من الصين وروسيا (والإتحاد السوفيتى الذى كان) واليابان وألمانيا، منذ مابعد الحرب العالمية الثانية. تماما كما يتجسد فى الشأن الأمريكى فى العقد الأخير.

نفس الشىء يمكن أن يُرصد بشأن كيانات أخرى مثل إيران والهند واسرائيل.
بالنسبة لإيران، من المحتمل أن تجتهد فى استخدام خبراتها الدبلوماسية فى الخروج مما جرى حياكته لها من مأزق إقليمى ودولى من خلال التحالف الإسرائيلى الترامبى. ذلك إضافة الى إحتمالية إقدامها على تغييرات (أو تهدءات) فى حركياتها الإقليمية.

وأما عن إسرائيل فإن رحيل "ترامب" يشكل علامة فارقة فيما يتعلق بأوضاع أذرعتها الإقليمية، وأيضا بالنسبة لاستقرارية السلطة الحاكمة فيها. هنا يستوجب الأمر الإنتباه الى أن اللوبى الصهيونى لم يستطع الحفاظ على استمرارية ترامب، مما قد يعود (جزئيا) الى إرتقاء فى الإدراكيات ذات الصلة عند اليهود الأمريكيين.

من جانب آخر، متابعة الشارع السياسى الإسرائيلى توضح أن تطاولات السلطات الإسرائيلية على أوضاع الفلسطينيين، وكذلك ركوبها على الدبلوماسية العربية فى منطقة الخليج، قد ساهما فى دفع بعض المفكرين الإسرائيليين الى استشراف خطورة هذا التطرف على مستقبليات اسرائيل نفسها.

أما عن الهند فهى - فى ظننا- الدولة التى ستقدم على ممارسة نماذج جديدة من التغييرات والتحولات كرد فعل على ما كشفته جائحة الكورونا من سلبيات، وما أدت اليه من مفاهيم وحركيات (م. ر. حامد – انعكاسات كورونا على حركية المعرفة – حلول للسياسات البديلة – الجامعة الأمريكية – القاهرة https://aps.eucegypt.edu/ar/articles/568 )

وهكذا، لايمكن أن تنحصر الأوضاع، لا بالنسبة للولايات المتحدة، ولا بالنسبة للقوى البارزة على الساح الدولية، فقط فى علاقات خطية إضطرادية Linear ، حيث المتغيرات، والأفعال وردود الأفعال، يمكن أن تكون لها عزومات Momenta فى اتجاهات (وبأوزان) ليست فى الحسبان.

ذلك يعنى أن القوى البارزة على الساحة الدولية تتغير أوضاعها (وتوجهاتها وقدراتها وما تواجهه من تحديات) بشكل غير خطى، أو "لاخطى" ( أى Non linear ). وبتحديد أكثر دقة فإن علاقاتها مع الزمن لاتكون ثابتة فى المكان، أو فى مستوى وتوجهات أنشطتها وحركياتها. إنها تتبدل فى أحوالها وتتنوع فى إمكاناتها، وبالتبدلات والتنوعات تجتهد فى أن تفتح لمستقبلياتها ماتستطيعه من إمكانات وفرص وتمكنات.

فى ضوء هكذا أوضاع وتحولات على الساحة العالمية، ماذا يمكن أن تكون عليه الأوضاع والمستقبليات بشأن المنطقة العربية؟

رجوعية المستقبليات العربية:

فى مقابل ما تمر به القوى البارزة فى العالم من حركيات "لاخطية" نجد عموم بلداننا العربية حبيسة الأوضاع الحياتية الثابتة فى كافة أبعادها السياسية، الأمر الذى يأتى كإنعكاس لدرجة عالية جدا من الإستمرار الجمودى لأنظمة الحكم. وعليه، تغيب الديمقراطية عن عموم البلدان العربية ، حيث ليس لها وزن مرجعى مناسب، لا فى الأوضاع والعلاقات داخل نظم الحكم، ولا فى روتينيات الحياة العادية. وفى المقابل، تحفل هذه الروتينيات بالمماراسات الإتباعية للسلطات (على كافة المستويات) كضمان لإستمرارية الحياة (الراكدة).

هذا الوضع الإتباعى المحافظ يباعد باستمرار بين البلدان العربية وإمكانات التقدم، حيث الإستمرار الجمودى لأنظمة الحكم، وما تحفل به (ويحيط بها) من إتباعيات، يؤدى الى قهر التنوع الفكرى (و/أو السياسى)، مما يقود الى تعويقات مزمنة للإبداع، ووئد قياسى للكفاءات والفرص.

النتيجة الطبيعية لذلك الوضع تتجسد فيما يعم المنطقة العربية من إتباعية الحاضر للماضى، وإتباعية المستقبل لهذا الحاضر( التابع)، وبالتالى موات سياسى/إستراتيجى.

فى ظل هذه الحالة يعانى مرور الزمن فى منطقتنا العربية من العلاقة الخطية (الأفقية أو السلبية ) مابين الأوضاع والأحداث المحلية وبعضها، مما يصنع الجمود. وأيضا يعانى الزمن عندنا من التدهورات فى درجات الحرية المتاحة ، مما يصنع التخلف .

وهكذا، من شأن إستمرارية هذا التشرنق العربى، بين الجمود والتخلف، تواصل الإستفحال لموانع التقدم. لقد بلغت ضخامة هذا الإستفحال قدرا مهولا حتى أن تخيل العودة الى الماضى يرجع بأذهاننا الى ما هو أحسن مما نحن عليه فى الحاضر. بمعنى آخر، تصبح العودة الى الوراء (أو الرجوعية) أقرب الى التقدم مما نحن عليه الأن.

هنا يجدر الإنتباه الى أن بعض الإنتفاضات التى عُرفت ب "الربيع العربى" كانت ترمى للتوصل الى إنجاز "القفز" فوق الإستمرار الجمودى لأنظمة الحكم، وبالتالى إنجاز علاقة تقدمية (غير خطية) مع الزمن. غير أن الطبيعة الشرسة للسياقات الإتباعية المحيطة (وللمستفيدين منها) قد حالت بين الشارع السياسى العربى (والذى يعانى من التقزم نتيجة الجمود والتخلف) من جانب، والممارسات اللاخطية التى تؤهل للقفز وللتقدم، من جانب آخر.

المحطة التى نعيشها:

ذلك يأتى بنا الى محطة "المتاهة العربية" التى نعيشها، والتى تحول بيننا وإبداع التحول الى الأحسن، وتمنعنا من التمتع بممارسة "لاخطية" حركيات التقدم .

وهكذا، عن المتاهة العربية وسيناريوهات الخروج منها ينتقل الطرح الى جزء تال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح