الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنا ... والآخر في ( لحظة موج) قصيدة للشاعر رياض ابراهيم الديلمي .. اقتراب نصي

طالب عمران المعموري

2021 / 3 / 16
الادب والفن


وانا اقف عند هذا النص محاولا الاقتراب منه سياقيا ، محاولة لفهم النص ونسقيا من خلال تحليل بنية النص وتشريحه ورصد (الرؤيا ، اللغة، الطريقة) التعبيرية في لحظة عصف ذهني يتمخض لنا الشاعر بنص يشد الذات القارئة في عنونة (لحظة موج ) التي تشكلت بالصيغة الظرفية الزمانية كعتبة اولى ونصا موازيا لما يحتويه من دلالات فنية وجمالية ذات دلالة سيميائية تحمل في طياتها قيما اخلاقية واجتماعية وايديولوجية ، نص يضمر ثنائية العلاقة بين الشرق والغرب تيمة ليست جديدة لكن الشاعر اراد تضمنها بطريقة مختلفة باختلاف زاوية النظر، وفي لحظة تلاطم المياه المتقاذفة بالتتابع وبلغة انزياحية ومفارقة لفظية يشكل لنا صورة جمالية، حيث ينفتح النص على بنية استهلال جميلة اقرب الى النص الوجيز (الهايكو) بين شرق وغرب- يكتب الحوت؛ مسلاته! ، لقطة سردية مكثفة موحية وبشعرية طاغية يعبر عن الرؤية الفلسفية حول الأنا والآخر كما في نصه:
بين شرقٍ وغربٍ
يَكتبُ الحوتُ مسلاتهِ
بِلّونِ جفنٍ ازرقٍ
يَميلُ في لحظةِ الوهجِ
إلى ألوانٍ سبعْ .
((.. "الأنا" هي "أنا" الغرب، هي الغرب ذاته، عالياً، متفوقاً، متميزاً، راقياً.. و"الأخر" هو بالنسبة لأنا الغرب، هو كل الشعوب الأخرى غير الغرب والتي تصبح موضوعاً للاستعمار والاستغلال والتحقير.)1
تجلى في النص الانزياح في الابنية المفارقة في قصيدته كما في :
يكتب الحوت/ اغتصب الموج / هدر دم الجوز/ فساتين الثعابين/ جلودنا المقهورة / بُكارةِ الشواطئ/ وقد جاء في نصه:
يقصُ حكايةَ مآتمِ
سواحلَ الأطلسِ
وكيفَ اِغتصبَ الموجَ
وهدرَ دمَ الجوزِ والبلوطِ .
يحكي
عن أجسادٍ شرقيَّةٍ تَسَمنتْ باليودِ
وبمساحيقِ فساتينِ الثعابينْ
لقد حَمّرتْ الأطلسياتُ شفاههنَّ بِلونِ الطحالبِ الحُمرِ .
استطاع الشاعر المزج بين عمق الفكرة وجمالية اللغة بهاجس سردي شعري ان يبين مقدرته الابداعية في التشكيل اللغوي يعتمد الاسلوب التصويري الايحائي الذي يضفي على النص طاقة تأثير عالية يصف لنا حضارة الشرق بملامحها الروحانية الغامضة، مع بساطتها وتشعبها كصحراء مقفرة كما في نصه:
لم يسمعْ الشرقيُّ صوتَ أنثى
أو عقربةً صحراويَّةً عانساً ،
تنادي هيتَ لكْ ....
صرخوا
جئنا إليكنَّ بِجلودِنا المقهورةِ
وعيونٍ جَفَّ دمعُها
ساهرةً على حيتانِ الأنبياءِ
وشقاوةِ الآلهةِ
ومن خلال المعاني والصور الذهنية التي ينقلها لنا الشاعر شخصية المهاجر التقليدي من الدول المستعمرة إلى عالم الغرب المستعمر , شخصية يرتطم في وضع جنساني منفتح بعيد كل البعد عن عالمه المتزمت ، ومن خلال النص الذي ينحو الى التعبير الرمزي دون الاشارات المباشرة موظفا الرموز والاساطير التراثية والدينية والتناص، يتجلى ذلك في المفردات : الحوت/ هيت لك/ الزقورات/ الاسفار/الاذكار/ طارق ، ونراه واضحا جليا في نصه:
جئنا
بِوجوهِنا المكفهرّةِ
وعشقِنا لسمرةِ التينِ ،
نلوذُ بأرواحِنا التي أُنتهكتْ في حضرةِ الأنبياءِ
وقداسةِ الزقوراتِ
أُنتهكتْ باسمِ الإسفارِ
والأذكارِ
باسمِ نُعومةِ العَنبرِ
وعطورِ القشِ والطلعِ
ومراضاةِ الآلهة
ومن الآليات التي اعتمدها الشاعر في بناء نصه النثري توليد الايقاع الداخلي وذلك بتوظيفه اسلوب التكرار وهو من الظواهر الاسلوبية ذات القيمة العالية الذي يمنح النص جمالا ويكسبه ثراءً دلالياً ( ويضفي ضربات ايقاعية مميزة لا تحس بها الاذن فقط ، بل ينفعل معها الوجدان كله ، وهذا ينفي أن يكون هذا التكرار ضعفا في طبع الشاعر او نقصا في ادواته الفنية )2 كما في :
لحظة موج / لحظة الوهج ، بين شرقٍ وغربٍ
يَكتبُ الحوتُ مسلاتهِ/ بين شرقٍ وغربٍ لاجئاً من غزارةِ المطرِ، جئنا إليكنَّ / جئنا
بِوجوهِنا، جئنا يا بناتُ طارق/
استعاد الشاعر أمجاد العرب وفتوحاتهم والتاريخ العريق بأسلوب شيق دقيق الوصف، مُناخٌ مُحيطيٌّ حيثُ ينهمرُ المطر بغزارة على مدار السنة وينتج عنه نُشوء مزارع غنيَّة، والحدائق الغناء فكانت قبلة للناظرين وما تركوه وخلفوه لنا من اثار ينطق بالعظمة والجلال . دافعا للهجرة يبحث عن وطن وسلام وحياة لا تشبه حياتنا من وطن أرهقته الأحزان ودمرته الحروب واستولوا عليه لصوص السياسة وعصابات القتل والإرهاب كان لابد من ملاذ امن ورحلة:
جئنا يا بناتُ طارق
عندَ مضايقِ البحارِ
نتوسدُ الطحالبَ
هنا
نبحثُ عن وطنٍ مهاجرٍ
مثلنا
بين شرقٍ وغربٍ
لاجئاً من غزارةِ المطرِ
وحِلكةِ ليلٍ .
نهربُ من حروبِ الثلجِ والنهرِ
وحروبِ طيورِ الزاجلِ .
حين انظر الى هذا النص من وجه نظري كمتلقي سياقيا يظهر نوع العلاقة بين الشرق والغرب علاقة قوة وتحد يتجلى من خلال ثنائية الرجولة والانوثة المضمرة ونمط العلاقة مابين هذين الرمزين (المذكرة)،و (المؤنثة) 3علاقة فعل وانفعال، ايجاب وسلب . كما في نصه:
نحن الفاتحونَ لِبُكارةِ
الشواطئ
والممراتِ ،
ستشفعُ لنا الكمنجاتُ
ودفوفُ البرّبرِ
وقممُ الأطلس ْ
نرطبُ شفاهَنا
بالغيومِ والسماواتِ البيضِ
نُعففُ جِلودَنا المحترقةَ من طغيانِ شهرِ آب ْ
بسهادِ الأطلسِ
ومناقيرِ الببغاواتِ
وحسناواتِ البحرْ
ابدع الشاعر الذي شرع في اختيار مفردات لغته حيث غادر دلالتها الرتيبة وقفز الى افاق من المجاز والاستعارة ، تبقى محاوله المتلقي من مقاربة افكار الشاعر الا ان هناك (المقاصد فوق النصية) وقد يراد معنى آخر او كما يعبر عنه في النقد العربي القديم (المعنى في قلب الشاعر) والمعنى الكلي الذي تتركه القصيدة في نفس القارئ بعد الفراغ من قراءتها ،(معنى قد لا يوجد في اجزاء النص وفواصله ،بل يبنى بطريقة تراكمية في زاوية من وعي القارئ الى جانب المعنى العام للنص)4
لحظةُ موج
بين شرقٍ وغربٍ
يَكتبُ الحوتُ مسلاتهِ
بِلّونِ جفنٍ ازرقٍ
يَميلُ في لحظةِ الوهجِ
إلى ألوانٍ سبعْ .
يقصُ حكايةَ مآتمِ
سواحلَ الأطلسِ
وكيفَ اِغتصبَ الموجَ
وهدرَ دمَ الجوزِ والبلوطِ .
يحكي
عن أجسادٍ شرقيَّةٍ تَسَمنتْ باليودِ
وبمساحيقِ فساتينِ الثعابينْ
لقد حَمّرتْ الأطلسياتُ شفاههنَّ بِلونِ الطحالبِ الحُمرِ .
لم يسمعْ الشرقيُّ صوتَ أنثى
أو عقربةً صحراويَّةً عانساً ،
تنادي هيتَ لكْ ....
صرخوا
جئنا إليكنَّ بِجلودِنا المقهورةِ
وعيونٍ جَفَّ دمعُها
ساهرةً على حيتانِ الأنبياءِ
وشقاوةِ الآلهةِ .
جئنا
بِوجوهِنا المكفهرّةِ
وعشقِنا لسمرةِ التينِ ،
نلوذُ بأرواحِنا التي أُنتهكتْ في حضرةِ الأنبياءِ
وقداسةِ الزقوراتِ
أُنتهكتْ باسمِ الإسفارِ
والأذكارِ
باسمِ نُعومةِ العَنبرِ
وعطورِ القشِ والطلعِ
ومراضاةِ الآلهةِ .
جئنا يا بناتُ طارق
عندَ مضايقِ البحارِ
نتوسدُ الطحالبَ
هنا
نبحثُ عن وطنٍ مهاجرٍ
مثلنا
بين شرقٍ وغربٍ
لاجئاً من غزارةِ المطرِ
وحِلكةِ ليلٍ .
نهربُ من حروبِ الثلجِ والنهرِ
وحروبِ طيورِ الزاجلِ .
نكحّلُ الشرقَ بسوادِ الكرومِ
ومزاجِ الرِّمالِ
بهشاشةِ مراكبَ لا تنجي أحداً ،
نرطبُ شفاهَنا
بالغيومِ والسماواتِ البيضِ
نُعففُ جِلودَنا المحترقةَ من طغيانِ شهرِ آب ْ
بسهادِ الأطلسِ
ومناقيرِ الببغاواتِ
وحسناواتِ البحرْ .
نحن الفاتحونَ لِبُكارةِ
الشواطئ
والممراتِ ،
ستشفعُ لنا الكمنجاتُ
ودفوفُ البرّبرِ
وقممُ الأطلس ْ
المصادر
1- جدل الانا والآخر قراءات نقدية، د احمد عبد الحليم عطيه ى،ط1 مكتبة مدبولي الصغير ،القاهرة ، 1997 .
2- الاسلوبية الصوفية في شعر الحلاج ، اماني داود، ط2 ، دار مجدلاوي، عمان ،2002 .
3- شرق وغرب رجولة وانوثة: دراسة في ازمة الجنس والحضارة، جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1988 .
4- المقاصد فوق النصية، أ. د وسن عبد المنعم، الاديب الثقافية، السنة السابعة عشرة ، العدد 237 في ا كانون الاول 2020 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد