الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصاد العراق الاقتصادي في ثمانية عشر عاما

عادل عبد الزهرة شبيب

2021 / 3 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مرت ثمانية عشر عاما على تغيير النظام الدكتاتوري السابق والاحتلال الأمريكي للعراق الذي خيم على العراقيين منذ عام 2003 بهدف السيطرة على منابع النفط في العراق ومن ثم المنطقة . ومع ان 18 سنة كانت كافية لبناء تجربة حكم ناجحة تعتمد التفاعل والتآخي والتنمية وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي , الا ان ما حصل في العراق خلال هذه الفترة من عمر العراق هو تدمير شامل للبلد حيث تفشى الفساد بكافة اشكاله ليحتل العراق المراتب الاولى فيه من بين دول العالم , مع سوء الادارة وبشكل ليس له مثيل في دول العالم . وقد فشل الاسلام الشيعي الذي حكم البلاد خلال هذه الفترة فشلا ذريعا في الحكم وادارة البلد وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتخليص الشعب من معاناته التي ازدادت في عهده ولم يقدم الخدمات والعمران وبناء البلد وسيادة القانون والديمقراطية الحقيقية وليست ( المقزمة ). وقد قصرت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم في توفير الخدمات حتى في المحافظات الجنوبية على الرغم من بيع نحو 3, ونصف مليون برميل نفط يوميا .
وعلى الرغم من ان ثروات العراق الهائلة والمتنوعة تكفل له مستوى متقدما بين دول العالم الا ان الفساد وسوء الادارة للحكومات المتعاقبة منذ 2003 اوصلت البلد الى حافة الافلاس والغرق في الأزمات الاقتصادية والديون . وخلال هذه الفترة ازداد تدهور الاقتصاد العراقي وازدادت مديونيته, واصبح العراق معروفا عالميا بكونه من بين اكثر عشرة بلدان فسادا جراء قيام احزاب متنفذة في السلطة بنهب مليارات الدولارات لصالحها وعلى حساب مصلحة الشعب , واستغلت تلك الأموال عبر وسائل شيطانية منها المشاريع الوهمية وتهريبها للخارج وتسخير ميزانيات الوزارات لخدمتها والرشى وغيرها . وفي نموذج لهدر اموال الشعب اعلن البنك المركزي العراقي ان مبيعاته من الدولار للمصارف الخاصة بلغت في عام 2015 اكثر من 44 مليار دولار , وبلغت في عام 2016 اكثر من 33 مليار دولار و 523 مليون دولار تم تحويل معظمها الى الخارج لحساب الأحزاب المتنفذة ومافيات الفساد . ويأتي ذلك في وقت ارتفعت فيه نسبة الفقر في العراق حسب وزارة التخطيط التي اعلنت ان نسبة الفقر في العراق بلغت 30% بعد ان كانت 19% . كما تشير الاحصائيات الى ان سكان العشوائيات في العراق بلغوا عام 2018 اكثر من 13% من سكان العراق . اما من الناحية الاجتماعية فيتفق الجميع على ان البلاد قد شهدت بعد غزوها عام 2003 تفككا مجتمعيا من خلال بروز ظواهر شاذة ابرزها الطائفية التي خلقتها قوى سياسية كوسيلة للسيطرة على السلطة والتي تطورت ولأول مرة في تاريخ العراق الى حرب طائفية أزهقت ارواح مئات الآلاف من العراقيين وهجرت الملايين داخل وخارج العراق وخاصة في الفترة بين 2005 و2009 , وشهدت الأوضاع الاجتماعية سلسلة من الانهيارات عبر تفشي ظواهر سلبية عديدة مثل ازدياد حالات الطلاق وانتشار المخدرات والجريمة المنظمة وعمليات الخطف للانتقام او الحصول على فدية مالية اضافة الى الاغتيالات ولأسباب متعددة في ظل عجز الحكومات المتعاقبة عن فرض القانون . لقد فتح الغزو الأمريكي للعراق ابواب الجحيم على العراق وساعدت القوى الاسلامية المتنفذة التي جاءت بها القوات الأمريكية على سوء الأوضاع وتدهورها .
اما فيما يتعلق بموازنات العراق طيلة الثمانية عشر عاما فكانت موازنات فلكية لكنها لم تنعكس على رفاهية الشعب وتوفير الخدمات والعمران وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء المشاريع الصناعية وتطوير الزراعة وتطوير القطاعات الاقتصادية الاخرى وبناء المدارس والمستشفيات والطرق وغيرها . وتشير الأرقام الى ان موازنات العراق خلال الفترة من 2004 – 2017 بلغت ألف مليار دولار , ومع ذلك وبسبب الفساد المستشري وسوء الادارة فاقمت نسبة الفقر من 9% عام 2004 الى 33% عام 2018 , ويحصل العراقيون على ست ساعات من التغذية الكهربائية , وان 41% من مناطق العراق لا تصل اليها المياه النقية النظيفة , وان مياه محافظة البصرة لا تزال غير صالحة للشرب حيث ترتفع فيها الأملاح والملوثات دون ان تضع الحكومات المتعاقبة الحلول الجذرية المناسبة .
ويلاحظ انه في كل موازنة سنوية في العراق منذ دخول الاحتلال الأمريكي في 2003 والى اليوم تنفجر خلافات حزبية ضيقة حولها بسبب النظام المتبع وتهميش الكثير من القطاعات فيها . كما اشعلت موازنة 2019 خلافات جديدة بسبب الحصص المخصصة للمحافظات والمؤسسات وللإقليم لا سيما المناطق المنكوبة التي تعاني من الاهمال وغياب الدعم لإعادة اعمارها .
في عام 2014 تأثر الاقتصاد العراقي باثنين من التحديات الرئيسية وهما : هجمات داعش الارهابي وهبوط اسعار النفط العالمية , حيث ادت هجمات داعش الى فرض ضغوط على الموازنة العامة من خلال زيادة الانفاق على الاحتياجات العسكرية والانسانية كما هددت أمن المرافق النفطية , كما اتسمت تداعيات هبوط اسعار النفط على الاقتصاد بالقوة نظرا لأن هيكل الاقتصاد العراقي لا يتسم بالتنوع حيث ان الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي وحيد الجانب .
وفي عام 2015 أخذت آثار هجمات داعش واحتلالها لثلث الأراضي العراقية وهبوط اسعار النفط تتكشف بالكامل , ونظرا لأن العراق يمتلك خامس اكبر احتياطيات النفط الخام المثبتة فهو من اهم منتجي ومصدري النفط الخام , وهو ثاني اكبر منتج للنفط في منظمة اوبك بعد المملكة العربية السعودية , ويمتلك العراق امكانات هائلة تسمح له بزيادة مساهمته في امدادات النفط العالمية حيث ان معظم مناطقه لم يتم التنقيب فيها بالقدر الكافي مقارنة بغيره من كبرى البلدان المنتجة للنفط , كما ان تكلفة انتاج النفط في العراق من اقل مستويات التكلفة في العالم نظرا لطبيعته الجيولوجية غير المعقدة نسبيا ولتعدد حقوله النفطية العملاقة وانتشار مواقعها داخليا وقربها من الموانئ البحرية .
وخلال هذه الفترة منذ 2003 والى اليوم فإن معدل البطالة في ازدياد مستمر وخاصة بين الشباب وخريجي الجامعات واصحاب الشهادات العليا, وبهذا الصدد فقد اعلن صندوق النقد الدولي ان معدل بطالة الشباب في العراق تبلغ اكثر من 40% , وقال صندوق النقد ان بطالة الشباب مرتفعة بالمعايير الدولية فيما تبلغ النساء خارج القوى العاملة فيه ما يقارب من 85% . يذكر ان وزارة التخطيط في العراق قد اشارت الى ارتفاع نسبة الفقر في العراق الى 30% بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها بعض المحافظات العراقية.
وفي عام 2018 عانى العراق من ازمة اقتصادية كبيرة بسبب فشل وعجز الحكومة وقد انعكست هذه الأزمة سلبا على شؤون البلاد وعلى حياة الشعب بالرغم من ان العراق يعد اغنى تاسع بلد في العالم بموارده الطبيعية من نفط وغاز طبيعي ومواد معدنية مختلفة ووفرة المياه وخصوبة الأرض. الا ان هذه الثروات تم تبديدها ولم يتم استغلالها بالشكل الصحيح بسبب تفشي الفساد المالي والاداري وسوء التخطيط.
وفي عام 2018 ازدادت ديون العراق وفوائدها والتي تقدر بملايين الدولارات الى جانب حجم الدمار الكبير الذي خلفته العمليات العسكرية والذي عجزت الدولة عن اعمار المناطق المحررة لحد الان على ايدي مافيات الفساد والأحزاب المتنفذة والتي كان لها الدور الكبير في التأثير على مشاريع البلاد والخدمات وجميع القطاعات الاخرى من تجارة وزراعة وتعليم وصحة وغيرها . سيخسر العراق امواله على صفقات ومشاريع الاعمار الفاسدة والوهمية وتعتبر هذه الصفقات الفاسدة هدرا للمال العام واحد المنابع الرئيسية للسراق في نهب اموال العراق . ولم تقدم كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم سياسات اقتصادية فاعلة لتنويع مصادر ايرادات الموازنة في ظل مديونية كبيرة في تزايد مستمر . وتوزعت الديون بين اقتراض ومتأخرات وديون لشركات نفطية من المفترض ان التعاقد معها كان من اجل تحسين الاقتصاد لا زيادة تدهوره . والأدهى ان هذه القروض تذهب لجيوب الفاسدين فلم يستفد الشعب والبلد منها شيئا يذكر . ويعتبر ملف النفط من اكثر الملفات غموضا في الاقتصاد العراقي حيث لم يتم اطلاع الرأي العام على العقود التي تبرمها الوزارة , وبلغت خسائر العراق من تهريب النفط منذ سنة 2003 قرابة 120 مليار دولار , وموضوع تهريب النفط ما زال في تزايد في ظل سلطة الميليشيات وادارتها لمؤسسات الدولة .
وهناك دور اساسي في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق تقوم به المنافذ الحكومية والفساد المستشري فيها , اذ اصبحت المنافذ الحدودية في العراق آفة ينخر فيها الفساد وتتوغل مافيات مختصة تتعامل بصورة مباشرة على ادارة المنافذ للسيطرة على الواردات ونهبها. وما يجري عند المنافذ الحدودية يؤثر على قطاعات الصحة والمال والأمن , واصبحت المنافذ الحدودية مرتعا كبيرا للفساد المالي والاداري . وكانت ابرز التحديات التي واجهت الاقتصاد العراقي لعام 2018 هي ارتفاع الديون والفساد المستشري والانهيار الأمني وكلفة اعمار المدن المدمرة والبطالة والاقتصاد الريعي في ظل نظام المحاصصة الطائفية , في الوقت الذي شهد الاقتصاد غير النفطي انكماشا حادا ومازال 10% من العراقيين يعانون التشرد والنزوح بسبب استمرار الاضطرابات . وما تزال البطالة تمثل احد التحديات الكبيرة التي تواجه العراقيين فقد اعلن الجهاز المركزي للإحصاء ان نسبة البطالة بين الشباب في العراق بلغت 22,6 % وان نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 – 29 سنة بلغت 22,6% بارتفاع عن المعدل بلغ 74 % مشيرا الى ان البطالة لدى الذكور لهذه الفئة بلغت 18,1 %في حين بلغت البطالة لدى الاناث نسبة 56,3 % , وقد تفاقمت مشكلة البطالة في العراق خلال السنوات الأخيرة بسبب غياب الخطط الحكومية التي تهدف الى توفير فرص عمل للعاطلين من خلال تفعيل القطاع الخاص كما يتخرج سنويا من الجامعات الاف الطلاب دون ان يجدوا وظائف لهم في الدولة مما يجعل البطالة في ارتفاع مستمر وسط غياب الحلول والمعالجات . وكل هذه الأوضاع السلبية دفعت الجماهير الشعبية المتضرر الأول من السياسات الحكومية الى الانتفاضة مطالبة بتحسين الأوضاع والاصلاح والتغيير .لكن السلطة واجهتم بالقوة المفرطة حيث استشهد اكثر من 700 شهيد واكثر من 25 ألف جريح ومصاب اضافة الى الاعتقالات والتغييب ثم جاءت جائحة كورونا لتزيد من معاناة العراقيين وخصوصا الفقراء والكادحين والكسبة واصحاب الدخل المحدود في ظل المنظومة الصحية الضعيفة وفي ظل عجز الحكومة وعدم تقديمها المساعدات الانسانية لمن يحتاجها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة