الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة وقصيدة - سرطان البروستات

بهجت عباس

2021 / 3 / 18
سيرة ذاتية


هل يُمكن التخلّص من سرطان البروستات؟
نعم ولا. أمّا وكيف؟ فذلك يعتمد على المرحلة التي وصل إليها والتعامل معها. ذلك إنّه يبدأ من خلية عادية يُصيب جيناتها خلل/تشوّه لأسباب عدّة فتتحول إلى خلية سرطانية تنقسم بسرعة لامتناهية ومن دون سيطرة فيتكوّن ورم أو أورام داخلها (البروستات) . وقد يخترق هذا الورم البروستات فيستقرّ على سطحها الخارجي. وهنا إنْ انفصلت بعض خلاياه وانحدرت إلى الحويصلات المنوية Seminal vesicles المجاورة ومن ثّمَّ إلى الجهاز اللمفاوي ومجرى الدم، فتكون الطّامّة الكبرى، حيث تجري في الدم إلى أعضاء الجسم الأخرى، أيّا كانت، كالعظام والكبد والرئتين فيكون الانتشار metastasis ومع هذا فإنّه ليس نهاية الحياة في بعض الأحوال، فقد يمكن التعامل معه (انظرالهامش في نهاية المقالة*). أمّا إذا بقي الورم محصوراً داخلها أو إذا كان بطيء النموّ/التكاثر فقد يستمر طيلة حياة الرجل وليس ثمّة خطر منه.
وقبل أن أدخل بتفاصيل قصّتي عن هذا السّرطان الغامض المضلِّل أحبّ أن أذكر بعض الشيء عن البروستات التي هي غدّةَ جهاز التنـاسل في الذكر، تشبه الكستناء أو الجوزة شكلاً وحجماً وتقع مباشرةً تحت المثانة وأمام الشرج محيطةً بالجزء الأول من الإحليل (مجرى البو ل). أما تركيبها، فيتكون من 30% أنسجة عضلية و 70% أنسجة غُـدِّية بمنطـقـتين رئيستـين، داخلية (تفرز سوائلَ لترطيب البطانة الداخلية لمجرى البول) وخارجية (تنتج إفرازاتٍ مَـنَويّـة). السوائل التي تفرزها هذه الغدة ضرورية للحيامن (خلايا الذكر الجنسية)، فهي (السوائل) تغـذّي هذه الحيامن وتنشِّـطها، كما أنَّ الحيامن تمـرّ ُمن خلال قناة البروستات إلى مجرى البول، ومن ثَـمَّ تُطرح خارجَ الجسم. وتمـرّ قنوات القذف من الحويصلات (الأكياس) المنوية بالبروستات لتدخلَ مجرى البول. تزن البروستات بضعة غرامات عند الولادة وتتضاعف عند البلوغ نتيجة الهورمونات الذكرية (أندروجينات) وتستمر بالنمو ليصل وزنها 20 غراماً عند سن العشرين وتتضاعف عند سنِّ الخامسة والعشرين مستمرة بالنمو حتى منتصف الأربعين، فيتوقف النمو مؤقتاً، ويستمر بعدئذ حتى نهاية عمر الفرد.
البروتين Prostate specific antigen (PSA)
بعتبر هذا البروتين الذي تفرزه خلايا البروستات فقط قياساً لتضخّم البروستات. ولكنّه عادة يفرز إلى المنيّ ليساعد عملية الإخصاب (حيث يمنع تخثّر المنيّ). وعندما تكون قناة البروستات التي عادة تفرز هذا البروتين إلى مجرى البول مسدودة أو ضيقة الفتحة نتيجة ورم خبيث، تنضح كمية كبيرة منه خارج البروستات إلى الدم، فيرتفع مستواه في الدم. إن ارتفاع هذا المستوى لا يعود إلى ورم خبيث فحسب بل إلى أسباب أخرى. ولكن بعض الأدوية والأعشاب تزيد من مستواه أيضاً مما يعطي نتائج كاذبة. لذا يمكن القول إنَّ مستوى هذا البروتين العالي في الدم يرتبط بسرطان البروستات وليس دائماً. أمّا مستوى تركيزه الطبيعي في الدم فهو بين 0-4 نانوغرام لكل مليلتر من الدم (نانوغرام = 1 من البليون- تسعة أصفار).
أمّا قصّتي فتبدأ في السنة الأخيرة من القرن العشرين حينما أخذ البروتين PSA يتصاعد شيئاً فشيئاً كلّ سنة عند الفحص المختبري. كان طبيب العائلة صديقي منذ أنْ كنت أعمل في الصيدلية وله خبرة في ممارسة الطبّ. فعندما فحص البروستات قال : إنّها صغيرة كبروستات طفل. صدّقته وفرحت إذ لمْ تكنْ لي خيرة بعد في هذا المضمار حينذاك. ولكنّ قلقي أخذ يظهر حينما قارب الـ PSA 4 نانوغرام/ مليلتر وأخذ يزداد كلّ عام. ففي عام 2004 قارب 5 نانوغرام، فكان لزاماً أنْ تُجرى عملية أخْذِ نسيجٍ حيّ Biopsy وفحصه، وهذا ما جرى، وعند التحليل شخّصه الطبيب المختص بالمجاري البولية والذي هو بروفيسور في جامعة تورنتو على أنَّ ثمّة (بثرة) صغيرة في البروستات لا تستوجب القلق بالرغم من وجود بعض التضخّم الذي قد يكون التهاباً وكان العلاجُ تناولَ مضادّ الحياة ، فإن لم ينفع فقد يكون سرطاناً. لم ينفع العلاج. وبعد فترة أُجريت عملية الـ Biopsy مرّة أخرى فكانت النتيجة ذاتها، وجود (بُثر) صغيرة، وفي أواخر 2005 بلغ الـ PSA (5.5) والبروفيسور المختص لم يُبد اهتماماً أو قلقاً بل قال علينا أنْ ننتظر ونراقب! ولكنّ عام 2006 لم يأتِ بشيء حسن بل أخذ هذا البروتين اللعين يزداد فكان الفحص بآلة التموجات فوق الصوتية Ultrasound التي أجراها إختصاصي قدير في مستشفى مختص بالسرطانيات والنتيجة هي وجود (حبيبات) سرطانية منتشرة في البروستات (لم يُخبرني أنّها أخذت تخترق البروستات لتظهر على سطحها) ولكنْ اقترح إجراء عمليّة جراحيّة ولا زرع حبيبات مشعّة للقضاء عليها. راجعت صاحبي البروفيسور الذي قال إنّها (بثر) غير سرطانية فوافق على إجراء العملية الجراحية. كان موعدي معه في منتصف شباط من عام 2007 لتحديد موعد العمليّة فلم يكنْ موجوداً ذلك اليوم بل مساعده والذي هو أستاذ مساعد في جامعة تورنتو وجرّاح أيضاً. قال لي بعد أن قرأ التقرير إنّ لديّ سرطاناً! كانت مفاجأة صادمة حقّاً، إذ أنني حتّى قبل موعد الفحص بدقيقة كنتُ أعتقد أنْ لا سرطان لديّ! لذا اقترح أن يقوم بإجراء العملية بنفسه فقال إنّه سيقوم بها بواسطة الناظور Laparoscopy وستسغرق مدّة ثلاث أو أربع ساعات وإنْ لم تنجح فستكون العملية بفتح البطن وهذه ستستغرق مدة خمس ساعات أخر! يعني أنني سأبقى تحت مشرطه الغبيّ ثماني ساعات أو أكثر! واقترح موعد العملية بعد بضعة أشهر. صمّمتُ ألاّ أضع حياتي تحت مشرط هذا (الجرّاح) عديم الخبرة وعامل الزمن! لذا كان عليّ البحث في الانترنت عن جراح ماهر في أميركا، فهناك أطبّاء يُمكن الاعتماد عليهم. وبدأت أبحث في الشبكة العنكبوتية بعد أن قال لي طبيب العائلة إن ّ بعض المستشفيات في أميركا تجري عملية البروستات بالـ(كمبيوتر!) لم يطُل البحث كثيراً فقد وجدتُ ضالّتي في (خبير) في هذا المجال في مدينة ديترويت وفي مستشفى هنري فورد وكان الدكتور ماني مَنَن. إتّصلت بالدكتور مَنن تلفونياً فأخذ المعلومات الضرورية في هذا الشأن، ولمّا لم يكنْ لديّ ضمان صحّي Health insurance حيث الحكومة الكندية سوف لا تدفع لي أيَّ سنت، وأنني سأدفع التكاليف من جيبي، حصلت على تخفيض 35% وثبّتنا موعد العمليّة في 15 آذار 2007. أجرِيَت العمليّة التي دامت ساعتين ونصف السّاعة صباحاً وبذل الدكتور ماني مَنَنْ كل جهده حيث التقط كل خلية سرطانية ، كما قال، وأصبح الموضع نظيفاً! وفي المساء أخذت أتمشّى في ردهة المستشفى وبعد أسبوع غادرتُ ديترويت إلى تورنتو.
استعمال الروبوت في عملية استئصال البروستات
يجلس الجراح أمام الكمبيوتر والكيبورد بينما المريض الذي تُجرى له العملية ممدّد على طاولة تبعد متريْن أو ثلاثة أمتار تقريباً عن الجراح، يشرف عليها مساعدون يُدخِلون آلات جراحية دقيقة جداً لا تتجاوز السنتيمتر الواحد حجماً مع كاميرا صغيرة جداً في جوف المريض خلال فتحات صغيرة في بدنه . تبدأ العملية بتحريك الطبيب هذه الآلات بواسطة الكمبيوتر والكيبورد فيبدأ المشرط باستئصال الشحوم والأنسجة الزائدة ليصل إلى موطن العضو المصاب ، يساعده الملقط الذي يُمسك بها بينما (المساعد) يلتقطها ويمتص الفضلات ويطرحها خارج الجسم ويغسل الجرح الداخلي ثم تستمر عملية الاستئصال أو الجراحة مع (خياطة) الجرح الداخلي بواسطة هذه الأدوات الدقيقة ، فتتم العملية بدقة تامة دون أن تلمس يد الجراح جسم المريض. فالرؤية المكبَّـرة ذات الأبعاد الثلاثة ، وليس البعديْـن ، تُمكِّن الجراح من إجراء عملية مضبوطة معقَّدة خلال فتحات صغيرة . هذه الأجهزة لا تتحرك تلقائيّـاً بل بأوامر الجراح . فعندما يحرّك الجراح المقود مثلاً نحو اليمين ، تتحرك يد الروبوت حَدْساً / بدهيّاً نحو اليمين . والنقطة الهامّة في هذا الأمر هو أن يدَ أحسنِ الجراحين قد ترتعش أو ترتجف أحياناً ، وهذا ما يؤثـِّـر على نتيجة العملية كثيراً أو قليلاً ، ولكنَّ يدَ الروبوت ثابتة تماماً ممّـا تعطي نتائج مضبوطة . وهذا يعتمد طبعاً على مهارة الجراح في تحريك المقود والذي تكون عيناه ملتصقتين بجهاز الرصد الذي يُريه الصورة المُلتَقطةَ بالكاميرا مكبّرة المشهد. ليس من الضرورة أن يكون هذا الجهاز أسرع من العمليات التقليدية ، ولكنّ الشفاء باستعمال الروبوت أسرع وأوفر حظّاً. وبعد عام تماماً، أيْ في شباط 2008 تتّصل سكرتيرة الجرّاح في تورنتو بالبيت، ولم أكنْ موجوداً حينذاك، لتحدد موعد إجراء العمليّة! فأخبرتها زوجتي بأنّ العملية أُجريت قبل عام وفي مستشفى هنري فورد فهنأتها السكرتيرة وقالت حسناً ما فعل!.
الآن وبعد مرور أربعة عشر عاماً، وليس خمسة أعوام للبقاء على قيد الحياة بعد العمليّة ، كما اعتقد الجراح البائس مساعد البروفيسور، لا تزال الحياة تجري، وليس ثمّة علائم رجوع السرطان إلى صباه حتّى اليوم على أكثر الاحتمال والأعمار بيد الله. وهنا لعب الحظّ دوره، فلو كان البروفيسور هو، وليس مساعده، من قرر إجراء العملية وأعطاني موعداً قريباً لوافقت وستكون الكارثة، لأنها ستكون بأيد غير مكترثة وبطريقة تقليدية (فتح البطن) التي لنْ تكون بدقّة كما الروبوت، ولولا طبيب العائلة لم يُعلمْني ويُخبرْني بعمليّة استعمال الروبوت (التي سمّاها الكمبيوتر) لما بحثتُ ووجدت الدكتور مَنن، الخبير العالمي بإجراء هذه العملية والذي تدرّب على يديه كثير من الجراحين في إنكلترا وألمانيا وسنغافورة وغيرها، وقد أجرى حتّى ذلك الحين (2007) أكثر من ألف عملية استئصال بروستات بواسطة الروبوت. م
بعد العملية مع الدكتور ماني منن ومساعده (ديتروت آذار 2007)
وعدت الدكتور ماني منن وأنا على سرير المرض (بعد العملية) أنْ أنظم قصيدة في حقّه فكانت (النطاسيّ والروبوت - بلغتين) فسرّ الدكتور ماني مَنَنْ بها وقال إنّها أحسن هدية تسلمها.
بطعام معتدل وممارسة تمارين بدنية بصورة منتظمة واتّخاذ تدابير صحيّة سارت الأمور في طريقها المطلوب. وفي كل سنة أقيس تركيز الـ PSA في الدم مرة أو مرتين يكون أقل من 0.02 نانوغرام أو بالآحرى لا يمكن رؤينه أو قياسه وهو رقم تقديري. وآخر مرة كانت في الثامن من آذار 2021 والنتيجة ذاتها لم تتغيّر.

*ملحق: تحتاج الخلايا السّرطانية إلى راحة (سبات) بين فترة وأخرى فلا تتكاثر، ولكنّها تستيقظ من سباتها فتنقسم وتتكاثر والمصاب هو مَنْ يسبّب إيقاظها أو إطالة نومها من دون أن يدري، وكيف؟ بالغذاء والنشاط البدني يطول سباتها، كما يقول بعض الباحثين. وإيقاظها يكون بتناول اللحوم الحمراء والدهون والسكّريات وتلوّث البيئة (المحيط) من هواء ردئ مليء بغازات سامة من أكاسيد الكاربون والنتروجين والكبريت وغيرها والخمول الجسدي والنوم الكثير. أمّأ (قتلها) فيكون بواسطة الأوكسجين (الهواء الطلق) بصورة خاصة والمواد الكيميائية ضدّ التأكسد الموجودة في بعض الأغذية التي تقتلها أو تُطيل سباتها (نومها) وأهمها تلك التي تحويها التوابل بصورة خاصّة مثل: الكركم والفلفل الأسود والزنجبيل (جنجر) والشاي الأخضر والموجودة في الخضروات كالقرنابيط واللهانة والبصل والطماطم والفجل الأبيض والفلفل بكل ألوانه وفي الحبوب كالذرة والرز الأسمر والماش والفاصولياء الحمراء. وقد وُجد أخيراً أنّ الذرة الصفراء أو الدخْن، الذي كنّا نستعمله كطعام للدجاج والطيور،غنّي بالألياف الذائبة وغير الذائبة، ويعمل ضدّ السّرطان كما أنّه أنفع من الرز للمصاب من مرض السكّر، حيث يكون هضمه بطيئاً مما يُبطئُ (تحرّر) السكّر منه في الأمعاء ومن ثّمَّ امتصاصه تدريجيّاً. وهذا لا يعني أن يحرم المصاب، بالسرطان أو السكر، نفسه من التلذّذ بقطعة حلوى أو شريحة لحم أو أيّ غذاء آخر بين حين وحين، فالاعتدال جميل وغير ضارّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة