الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاثار الاقتصادية للعجز المالي المستمر

محمد رضا عباس

2021 / 3 / 18
الادارة و الاقتصاد


السبب بمعارضة استمرار العجز المالي المستمر من قبل الاقتصاديين هو الخوف على مستقبل الاقتصاد الوطني في الأمد البعيد. لتوضيح هذه الفكرة، فان القروض التجارية التي تقدم للأهالي والشركات اساسها هو ادخارات المواطنين والشركات في البنوك التجارية. هذه الادخارات (Savings)لا تبقى في خزائن البنوك وانما تقوم هذه البنوك بإقراضها الى المواطنين والشركات التي يحتاجونها من اجل الاستثمار. الا ان دخول الدولة بالاقتراض من البنوك التجارية من اجل سد العجز في ميزانيتها، فأنها بالحقيقة تقلص حجم القروض المعدة للأفراد والشركات المحتاجة لها، وهكذا يقل عرض القروض وترفع أسعار الفائدة عليها، وهي حالة تؤدي الى عدم تشجيع المواطنين على بناء بيوت لهم (بسبب ارتفاع سعر الفائدة) وسوف لن تشجع الشركات على الاقتراض من اجل التوسع وتأسيس شركة إنتاجية أخرى (Crowd out Effect). وهكذا عندما تقوم الدولة تمويل العجز المالي التي تعاني منه من المصادر الداخلية، فأنها بالحقيقة تضيق على القطاع الأهلي التوسع في الاستثمار، وهو شرط أساسي لازدهار أي بلد.
المشكلة الثانية مع استمرار العجز المالي، هو تأثيره على التجارة الخارجية للبلد. لان اقتراض الدولة من المصادر الداخلية لسد العجز في الميزانية العامة، كما لاحظنا سابقا يؤدي الى ارتفاع سعر الفائدة في الداخل، والذي يؤدي بدوره الى زيادة الطلب الخارجي على النقد. هذا الاجراء يودي الى ارتفاع سعر الصرف للعملة المحلية في الخارج، مما يؤدي الى ارتفاع أسعار السلع المحلية المصدرة للخارج وبذلك سوف تتقلص صادرات البلد من السلع والخدمات. بالمقابل فان ارتفاع سعر الصرف للعملة المحلية يشجع المستهلك المحلي بشراء البضائع الأجنبية لإنها ستكون أرخص سعرا من الإنتاج المحلي، ونتيجة الى ذلك تزداد الاستيرادات على الصادرات وظهور العجز التجاري. هذا ما يسميه الاقتصاديون ثنائية العجز او (Twin Deficits).
المشكلة الثالثة مع استمرار العجز المالي هو تسرب الثروة الوطنية الى الخارج، لان القروض التي تستخدمها الدولة لسد العجز تتطلب دفع فوائد عليها، واقتصاد مثل الاقتصاد الأمريكي يتحمل فوائد سنوية ضخمة على قروضه الخارجية. الاقتصاديون وصناع القرار لا يبالون كثيرة بالفائدة التي تدفعها الدولة على قروضها الداخلية، لان هذه الفوائد سوف يستفاد منها حملة السندات الحكومية المحليين وأنها ستبقى داخل البلد وبالأخير سوف تصرف داخل البلد. ولكن الاقتصاديون وصناع القرار يحذرون من القروض الخارجية كون ان الفائدة على هذه القروض لا تبقى داخل البلد وانما ترحل الى البلد المشتري للسندات وبالتالي فان هذا البلد سيكون المستفيد الأول من الفائدة.
المشكلة الرابعة هو ان زيادة الضرائب من اجل تمويل ميزانية الدولة غير مرحب به من قبل المواطنين في الدول الصناعية وكل سياسي يطالب برفع الضرائب تعد عملية انتحار سياسي له، فيما ان زيادة المصاريف الحكومية على المشاريع مرغوبا ومرحب به، وبذلك أصبحت هناك قاعدة هو ان من يريد الفوز بالانتخابات القادمة يجب ان لا يدعو الى زيادة الضرائب، وانما التوعد بزيادة الخدمات الحكومية. بكلام اخر يصبح العجز المالي من الأمور التي لا يكترث به كثيرا زاد ام نقص طالما وان السياسيين يضمون مواقعهم السياسية. الا ان العجز المالي يؤشر الى ان هناك ديون على الحكومة يجب ان تدفع الى أصحابها في الوقت المحدد مع الفائدة المترتبة عليها. وهكذا أصبح من العادة الاقتراض من اجل دفع الديون القديمة مع الفائدة المستحقة عليها، مما يحمل خزينة الدولة تكاليف باهظة، وقد يصبح من الصعب على البلد دفع ديونه المستحقة (Default)، وهذا هو سبب مشكلة الديون في اليونان.
المشكلة الخامسة هو ان استمرار العجز الحكومي يكبل يد الحكومة في محاربة التراجع الاقتصادي. تذكر، ان أحد الأدوات الحكومية في محاربة التراجع الاقتصادي هي زيادة مصاريفها التشغيلية والرأسمالية، ولكن العجز المالي سوف لن يسمح لها بالصرف، وهكذا يصبح عمر الركود الاقتصادي أطول وأعمق ومن الصعوبة الخروج منه.
المشكلة السادسة، ان استمرار العجز المالي يكبل يد الحكومة من دعم اقتصادها حتى أيام ازدهاره، لان في زمن الازدهار الاقتصادي يحتاج البلد الى المصاريف الحكومية وخاصة المصاريف على البنى التحتية، لإنه كلما تطور البلد زادت حاجاته الى البنى التحتية، وان غياب هذه البنى بدون شك سوف يعرقل التنمية. ارتفاع مستوى المواطن المعاشي سوف يدعو الى تأسيس مجمعات سكنية جديدة تحتاج الى طرق حديثة، مدارس ومستشفيات، توصيل الطاقة الكهربائية والماء الصالح للشرب، وشبكة مجاري، وشبكة انترنيت. ومن يعيش في العراق يعرف جيدا أهمية هذه الأمور.
المشكلة السابعة وهي الأخطر، عندما يضغط السياسيون على البنوك المركزية بأطلاق مكائن طبع النقود من اجل تمويل العجز. هذا الاجراء وقعت به كثير من الحكومات، خاصة في أوقات الحروب والأزمات السياسية، وكانت النتيجة الحتمية ارتفاع نسبة التضخم في البلاد والذي يكوي بحرارته الصغير والكبير في البلد.
المشكلة الثامنة هو ان الدولة قد تفرض زيادة في نسبة الضرائب على الأهالي والشركات من اجل التخفيف من حجم العجز المالي. هذه السياسة قد تؤدي الى انزعاج الشارع وهيجانه خاصة إذا لم يواكب زيادة الضرائب ارتفاع محسوس في الخدمات الحكومية. المثل الحي على هذه الحالة، هو رفض المجتمع العراقي تقليص منافع الموظفين والمتقاعدين بحجة سد العجز المالي، خاصة وان العراقيين لم يلاحظوا تحسن في الخدمات الحكومية.
المشكلة التاسعة وهو ان العجز المالي يكبل يد الحكومة على الصرف في أوقات الكوارث الطبيعية او الحروب الخارجية او الداخلية. الحكومة العراقية اضطرت الى تجميد جميع المشاريع الحكومية والاقتراض من المصادر الخارجية من اجل محاربة عصابات داعش في سنوات 2014-2017 بسبب قلة مواردها المالية وزيادة العجز في ميزانيتها.
المشكلة العاشرة، هو ان العجز المالي يضغط على تكوين رأسمال. ارتفاع سعر الفائدة يقلص حركة الاستثمار، وباستمرار العجز يستمر انخفاض الاستثمارات المحلية ومعه يقلل من الادخار الوطني ويزيد الاعتماد على استيرادات السلع والخدمات وفي الأخير يصبح رأسمال مادة نادرة في البلد وتزداد نسبة العاطلين. ان السبب الرئيسي لعدم استطاعت العراق بالبدء بعملية التنمية الاقتصادية، بجانب أمور كثيرة، هو ندرة المال المعد للاستثمار ولو توفر المال لتوفر الاستثمار، لزادت ثروة البلد (انشاء عمارة سكنية تعد رأسمال) ولزاد الطلب على العمال ولتقلص نسبة العاطلين عن العمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110