الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسار متجدد لحرب باردة لم تنتهي

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2021 / 3 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


تصور البعض ان انهيار القطبية الثنائية في العام90 سيترتب عليه دخول العالم في علاقات هادئة تختفي مظاهر الحرب الباردة التي كانت مشتعلة خلال الفترة 45-90 ما بعد الحرب العالمية الثانية ..وهو تصور غير واقعي لان طبيعة العلاقات الدولية تعتمد على التنافس والتضارب في المصالح الامر الذي يدفع باستخدام كل الأساليب بما في ذلك التهديد بالحرب ناهيك عن خوض حروب صغيرة من خلال بؤر نزاع إقليمية ..ومع بداية الحقبة الثالثة من الالفية الجديدة لم تظهر العلاقات الدولية أي استقرار او هدوء بين الدول الكبيرة او الدول الصغيرة والإقليمية بل يسود فيها كل مظاهر الحرب الباردة التي كانت في أوجها حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
ومعنى ذلك ان تزايد بؤر النزاع الإقليمية وهي من صناعة الدول الكبيرة التي تخوض ذاتها سباق محموم في التنافس الاقتصادي والتكنولوجي خاصة مع تطورات نوعية في مجال الاتصالات والميديا وصولا الى ما فرضته الجائحة كورونا من تحديات في التطور الطبي الأمر الذي اظهر خمس أنواع من اللقاحات فقط بينها تنافس لا حدود له من خلال تشكيك الشركات والدول بلقاحات بعضها البعض خاصة الدور الأمريكي بالتشكيك بجدوي اللقاحات الروسية والصينية في حين انها عمليا تلقي قبول ونجاح غير محدود وفقا لما تقرر المرجعيات الاوربية في مجال الصحة.
في هذا السياق حدث تطور دراماتيكي في العلاقات الامريكية الروسية وصولا الى استدعاء روسيا سفيرها بواشطن ( للتشاور) واتهام غير مسبوق للرئيس الروسي من نظيره الامريكي ، كما سبق وان تم اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الامريكية ناهيك عن اتهام قراصنة روس بتهكير حسابات لمؤسسات امنية وقومية .
الجديد ان الرئيس بايدن وقد اعلن في يوم تنصيبه انه سيعتمد سياسة انفتاحيه في العلاقات الدولية ضدا من رؤية خصمه في الانتخابات ترامب ..يأتي هذا التطور في الاتهامات باعتباره صورة لنمط العلاقات فيما بعد انهيار القطبية الثنائية والتي تحاول امريكا منع – إيقاف - فعالية وحضور دول منافسة للدور والحضور الامريكي(منع حضور اقطاب جديدة منافسة ) .
امريكا اعلنت في بداية الألفية انها تقود العالم ولا يوجد منافس لها ، وان القرن الحادي والعشرين قرن امريكا مثلما كان القرن التاسع عشر ونصف العشرين لأوروبا ...لكن التطورات الاقتصادية ومعها تطور في البحث العلمي وظهور نمط جديد من القيادات والإدارة السياسية في الصين وروسيا هز فكرة وقناعة امريكا بغياب منافسين لها .
اليوم اكبر منافس اقتصادي لأمريكا هو الصين التي تتمدد استثماراتها في القارة الافريقية وفي أمريكا اللاتينية ولها حضور في الشرق الأوسط ،، وروسيا لها حضور عسكري في اكثر مكان ..واذا كان الامريكان والسوفييت تواجهوا عسكريا بشكل غير مباشر في افغانستان في حقبة السبعينات من القرن الماضي فهم اليوم يتواجهون بشكل مباشر وغير مباشر في سوريا ضمن قواعد اشتباك تحددها روسيا وتتحكم بمساراتها الى حد كبير .
الاختلاف ان امريكا كانت تقود اللعبة السياسية والعسكرية في افغانستان منفردة ،، اليوم روسيا تقود نفس اللعبة في سوريا بل واكثر من مكان اخر .. معنى ذلك انه لن تهنأ امريكا بانفراد قيادتها للعالم ، فالتنافس كبير خاصة مع الجائحة كورونا وما ارتبط بها من ازمات اقتصادية كبيرة .
روسيا ترصد باهتمام تغلغل امريكا في دول مستقلة من الاتحاد السوفيتي المنهار مثل اوكرانيا ووضع صواريخ تطال العمق الروسي في بولندا التي كانت عاصمة لحلف وارسوا أيام السوفييت ، لكن روسيا لم تفقد الحضور في حرب ارمينيا واذربيجان ، ولها حضور فاعل في افغانستان و ليبيا و فنزويلا ،، حيث تخسر امريكا حضورها وتزداد علاقاتها سوءا مع كراكاس ، كما تدعم روسيا ايران في اكثر من ملف مما يعقد مرونتها مع امريكا..
روسيا اليوم تجدد حضورها بهوية وطنية -قومية - وتمكنت من تطور اقتصادي وسياسي مع الفارق ان امريكا لاتزال تمتلك تفوقا عسكريا واقتصاديا على روسيا ، فالموازنة العسكرية الامريكية تفوق مثيلتها الروسية أربعة اضعاف مما يجعلها مهيمنة الى وقت طويل . هنا امريكا تخوض حروب ومواجهات جديدة مع الصين وروسيا ومع حلفائها في القارة العجوز .. وهناك ملفات كثيرة ممكن استخدامها داخل امريكا لخلق حالة من عدم الاستقرار مثل ملف التمييز العنصري والهجرة ..
الصراع بين امريكا وروسيا والصين في جوهره صراع جيوبولتيك تعزيزا لحضور كل دولة خلال الثلاثين سنة القادمة ويأخذ هذا الصراع صور متعددة سواء في منطقة الشرق الاوسط او في حدود روسيا التي تعتبرها مجالا حيويا. وذات الصراع الامريكي مع الصين في بحرها الجنوبي والشرقي مما دفع الصين في العالم الفائت قبل كورونا لإجراء اكبر استعراض عسكري موجه لأمريكا وحلفائها في القارة الاسيوية تضمن عرض اسلحة صاروخية وطائرات وغواصات لأول مرة يتم الاعلان عنها ..
الاجواء مشحونة بالصراعات لكنها لن تصل الى مواجهة عسكرية خاصة وان الجائحة كورونا هزت الاقتصاد العالمي والامريكي في المقدمة.. لكنها -حرب باردة جديدة - تشكل استمرار للحرب الباردة التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية وتنفس العالم الصعداء بانتهائها عام 90 أي بانهيار القطبية الثنائية واعلان امريكا عالم جديد مع انه لم تعمل الدول الكبيرة في استعادة التوازن الدولي لجعل النظام العالمي فاعلا من خلال مواثيق واتفاقات دولية بل اظهرت امريكا خروجا على تلك الاتفاقات وارسلت جنودها في غير مكان من الكرة الارضية و فشلها مع اعوانها في التدخل لإسقاط النظام السوري لكنها شوهت مسار الحركة الثورية هناك كما شوهت مسار الربيع العربي في كل البلدان بل وعززت عدم الاستقرار في دول الشرق الاوسط .
الحرب الباردة لم تنتهي - ولن تنتهي - لكنها الاسلوب الافضل والخيار الوحيد في الصراعات السياسية وصراع المخابرات والتنافس الاقتصادي للشركات العولمية .. وهي البديل الوحيد دون مواجهات عسكرية مدمرة والجميع يعرف هذا الامر ، ولهذا يتصف النظام الدولي بسمات تعكس الواقعية والفوضوية ضمن مسارات اقتصادية تنافسية بل واحتكارية ونزوع كولونيالي تتجدد ملامحه بالحضور الفرنسي والبريطاني في اكثر من مكان داخل القارة السمراء وحضورهم جميعا مع أمريكا وخصومها في منطقة الشرق الأوسط .. من هنا اقول لن تنتهي الحرب الباردة ، لكنها ستأخذ صورة ومظاهر متجددة وفقا لطبيعة المرحلة الراهنة بكل متغيراتها اقليميا ودوليا ..
كنا نقول ان الرئيس ترامب ازعر ونزق سياسيا ويصف خصومه بصفات قاسية ، اليوم بايدن يصف الرئيس الروسي بانه قاتل مع ان التهمة ذاتها اسهل لكل الادارات الامريكية التي خاضت تدخلات مباشرة في العراق وافغانستان والصومال واليمن (طائرات الدرونز التي تقتل المدنيين) .
الجدير بالذكر ان هذه الحرب الباردة والعرب لايزالون غير مدركين لأهمية الدور الصيني في المستقبل القريب والمنظور بل وحتى منتصف القرن الراهن ..ومعها ادوار مهمة لروسيا في المنطقة وكنت كتبت سابقا لماذا لا يصك العرب والخليج خصوصا علاقات متينة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا مع الصين وروسيا لتخفيف حدة الصلف الامريكي في ممارساته داخل المنطقة العربية ، فكل دولة لا يجب ان تضع علاقاتها ومصالحها بيد دولة واحدة مهما بدت كبيرة وعظيمة بل لابد من تعدد العلاقات والمصالح تحسبا لمتغيرات المشهد السياسي اقليميا ودوليا ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على