الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستستطيع البلدان العربية اللحاق بالمستقبل الجديد للثورات ؟ 6/4 – متاهة البلدان العربية

محمد رؤوف حامد

2021 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بينما ظروف وسياقات متنوعة يمكن أن تدفع بلدانا عديدة الى مايمكن اعتباره "مسار مستقبلى للثورات"، كما جرت الإشارة فى أوقات سابقة ("مستقبل جديد للثورات: ثورة المفكرين" – الحوار المتمدن- 2/3/2013 – 3994، و"الأمريكيون يقتربون من المسار المستقبلى للثورات" – الحوار المتمدن- 11/11/2016 – 5340، و "مابعد الشعبوية.. الأمريكيون يقتربون أكثر من المسار الجديد للثورات" – الحوار المتمدن- 5/6/2020- 6584، و "مستقبليات أمريكا-بايدن" – الشروق- 22/1/2021)، فإن مصائر الشعوب العربية تدور (وتُدار) داخل متاهة (أو دوامة) لايمكن الخروج منها إلا بالتنقيب المعرفى عن أسباب، ومعالم، وتضاريس هذه المتاهة.

وبينما من المفترض أن يجرى هذا التنقيب بآليات تعتمد على تكاملية جماعية من أصحاب الفكر والرأى والخبرة، فقد يكون من المناسب هنا أن نشير الى ملمحين ، أو سببين، رئيسيين يتعلقا بتضاريس هذه المتاهة (أو الدوامة)، والتى ثبت تاريخيا أن مخرجاتها تدفع بشعوب المنطقة، تدريجيا، الى مستويات أدنى وأدنى من الإستقرار والعيش الكريم والطموح.

أحد هذين السببين كانت قد جرت إشارة اليه فى وقت سابق،باعتباره "السر الأجنبى وراء إزمانية التدهور العربى" (نحو فهم أعمق لخلفيات العداء الأجنبى للمنطقة العربية – الحوار المتمدن- 14/11/2017 -5698). يأتى مصدر هذا السر من الغرب الإستعمارى.

فى هذا الخصوص علينا أن نتذكر أن إتفاقية سايكس بيكو (1916) ، والتى فتتت الوطن العربى الى دويلات، كانت قد سبقت ظهور النفط والغاز فى المنطقة، حيث لم تكن مسألة البترول قد تجلت.

يكون السؤال إذن: ما السبب الرئيسى وراء إندفاع الغرب الإستعمارى الى العداء الشرس، طويل المدى، للمنطقة العربية، بحيث يُقزمها ويُعرقل إمكانات تقدمها على مدى أجيال وأجيال، وعلى وجه الخصوص منذ بدايات القرن العشرين؟

السبب، فى تقديرنا، يكمن فى الوعى العميق، من جانب الغرب الإستعمارى، للسر الكونى العظيم الكامن فى المنطقة العربية.

يتمثل هذا السر فى أن هذه المنطقة تُعَد من أكثر (أو بالفعل هى أكثر) مناطق العالم تميزا فى خلفيات تاريخية/إنسانية/ إستنهاضية أصيلة. إنها المنطقة التى تنفرد بالجمع بين أمرين كونيين عظيمين، باعتبارها مهد الحضارات، ومهبط الديانات.

هذه هى المسألة، أن خصوصية المنطقة العربية (وبالتالى خصوصية شعوبها) تجعلها على الدوام الأكثر تأهلا للتحول الى مارد إنسانى إستنهاضى كبير، متى تهيأت لها الظروف، الأمر الذى يدركه الغرب الإستعمارى، ولايريده، ويعاديه بشكل مطلق (المرجع السابق).

هذا الفهم، من جانب الغرب الإستعمارى، يدفعه لأن يكون مستعدا -على الدوام- بالسيناريوهات المناسبة للتدخل فى أى وقت من أجل ركوب أية أحداث تصنع له الفرص لإضعافنا، و/أو للسيطرة علينا، و/أو لدفعنا للإنحراف، مثلما حدث بين العراق و إيران، ثم بين العراق والكويت، ثم فى بعض زوايا وأبعاد "الربيع العربى".

وعليه، لم تكن "سايكس بيكو" إلا إحدى البدايات (أو الأدوات) المؤامراتية الإستراتيجية الحديثة .

وإذا كان أحد السببين يتمثل فى التوجهات العدائية الشرسة والمخططة من جانب الغرب الإستعمارى، فماذا عن السبب الآخر؟

فى تقديرنا، يكمن السبب الآخر فى القيادات العربية من منظور كونها عمليا، والى حد ليس بالقليل، عاملا مساعدا للتدخلات الأجنبية.

وهكذا، السببين، الأول (والخاص بالعداء الغربى الإستعمارى)، و الثانى (والخاص بالقيادات العربية)، يتكاملا ويتضافرا معا، سواء بقصد أو بدون قصد، فى تمديد وتعميق المتاهة العربية.

فى هذا الخصوص، وبإيجاز شديد، نجذب الإنتباه الى مايلى:
1) أن قادة الحركيات التغييرية العربية، على المستويين الوطنى و/أو الإقليمى, قد درج كل منهم (مهما بدا من تقدميته) على أن يقود شعبه – أساسا (والى حد كبير) – من منظور رؤاه الشخصية، وليس إعتماداً على رؤى وحوارات جماعية، حرة ومتواصلة، فى المستويات التنظيمية القيادية لهذه الحركيات.
2) ومع إعتذارنا عن الإشارة الى أن هذا الإعتبار يمكن تطبيقه على قيادات تاريخية مثل جمال عبد الناصر، وصدام حسين، ومعمر القذافى، فإن لذلك دلالاته على ماصاحب الحركيات التغييرية من سلطوية، برغم ما كان قد بدا فيها من نقاء.
3) ومع السلطوية إنتعش التزييف فى الشارع السياسى، من خلال طبول التملق والإسترزاق من جانب الأتباع والإتباعيين، فضلا عن إغتيال الديمقراطية عند مواجهة أصحاب الرؤى المختلفة و/أو المعارضة.
4) ولقد أدى تقويض الحريات - تلقائيا - الى تقويض الإبداع، والذى بطبيعته يتضائل فى غياب حد أدنى مناسب من درجات الحرية.
5) وبرغم عمق الإنتمائية الوطنية للشعوب، وإستعدادها لبذل الغالى من الأنفس والأموال فى سبيل نصرة الأوطان، وكذلك برغم نجاح حقيقى للشعوب العربية فى تخطى وتصحيح نكسات تسببت فيها قياداتها، كما تجسد فى نجاحات حربى الإستنزاف و أكتوبر (1967 – 1973)، إلا أن الإنغلاق الديمقراطى يظل هو الأكثر فاعلية فى "جرجرة" الإمكانيات الوطنية الى الوراء. من الأمثلة على ذلك ما حدث من جرّاء الإنفتاح الإقتصادى (1974), والذى قاد الى تجريف متواصل لما كان قد بدأ من تنمية فى مصر.
6) نفس الإعتبار السابق يمكن تطبيقه على كثير من البلدان العربية، نفطية أو غير نفطية (ليبيا – العراق – السعودية – السودان ... الخ)، الأمر الذى أدى الى استمرار التصاعد لتناقضات بين الشعوب وأنظمة الحكم، والى إعاقة للتنمية الأمثل, مما نجم عنه فرار للكثير من الكوادر الى خارج البلاد.
7) هذا، وغنى عن البيان أن زعامة القادة, طبقا للسياق المذكور أعلاه، والذى يتميز بالفردانية، و/أو الجهل بالأساليب الرشيدة للقيادة، تكون منزلقا مساعدا على إحداث تداعيين جسيمى الخطورة.
8) التداعى الأول يتمثل فى تنامى التغريب بين كل من الشعب و القائد والوطن، وأما التداعى الثانى فيتمثل فى قدرات الآخر الأجنبى (والذى يمكن أن يكون معاديا) على لف الحبال حول مخططات الزعيم (حالة القذافى)، أو حول رقبته (حالة صدام حسين), رحمهما الله.
9) وهكذا، فى ظل إنغلاق الديمقراطية، ومايصاحب ذلك من غياب للشارع السياسى وتدهور للإبداع، لايصبح لدى الشعوب عندما يبلغ اليأس مداه إلا "رد الفعل" التلقائى (أو العفوى) ،الى حد كبير، مثلما كانت عليه الأمور فى بدايات بعض ماعُرف بإنتفاضات الربيع العربى.
10) هذا، ويمكن الإشارة، إضافة الى ماسبق ذكره، الى أن إشكالية الحكام فى المنطقة العربية تتفاقم مع إتجاه البعض منهم الى الإعمار فى منصبه (أو فى مناصبة) لأطول فترة ممكنة، الأمر الذى يعطى الفرص لتراكمات فى الأخطاء، وفى عمليات فقدان الثقة. وبمرور الزمن تتولد عداءات وتخوفات بين الحكانم من جهة، والشعوب من جهة أخرى، مما يؤدى الى التصاعد فى الإحتراسات البينية، و بالتالى التفاقم فى"غلق المستقبليات"، .. وصولا الى مسلسل الإستفحال للمتاهات و الدوامات.
وإذا كان ماسبق فى هنا، الجزء 6/4، يتناول بعض التضاريس الرئيسية لحالة المتاهة العربية، فهل من الممكن إيجاد مسارات للخروج من هذه المتاهة. إنه أمر يحتاج الى تناول خاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل