الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينها أدركت بأنني كردي

محمد حبش كنو

2021 / 3 / 21
الادب والفن


حينها أدركت بأنني كردي ..!!!!!

المشهد صباح ربيعي هادئ مشوب بالسكون ملبد بالغيوم ونفحات من برد الصباح .

وقفنا في باحة المدرسة الإبتدائية في الإجتماع الصباحي كعادة كل يوم ننفخ في أكفنا الصغيرة من البرد ونتمنى أن تطل الشمس برأسها من بين الغيوم فتبعث بعض الدفئ لكنني لاحظت حركة غريبة وجلبة غير معهودة .

من هؤلاء الرجال الأغراب الذين دخلوا المدرسة ..؟؟؟

مدرسة المحدثة الإبتدائية في الثمانينات لم يكن بها معلمون ذكور بل معلمات إناث فقط لكننا لمحنا بضعة رجال يحضرون لخطب غريب ..!!!!!

حضروا إلى الإجتماع ونظروا إلينا وقال أحدهم بأن من يذكر إسمه فعليه الخروج وبدأ بترتيل الأسماء وفجأة سمعت إسمي بين المدعوين فخرجت موجسا خيفة لكن لا أعلم هل هي جائزة أم عقوبة لشيئ ما .

كنا طابورا طويلا من التلاميذ ومن تبقى في الإجتماع ممن لم يظهر اسمه كانوا ينظرون إلينا .. ربما كانوا يحسدوننا لأننا سنحصل على جائزة أو يشفقون علينا من عقوبة على الأبواب .

نادى المنادي أنتم غبتم البارحة عن المدرسة وذهبتم إلى عيد النوروز وسيكون عقابكم عسيرا وسحبوا الطفل الأول إلى الفلقة عبر إمساك أحدهم برجليه والآخر كان يضرب بكل ما أوتي من قوة بعصا غليظة على قدميه .

كنا مصطفين كاليتامى أمام الحائط ننتظر دورنا ودوي صوت الأقدام يصل إلى الحارات المجاورة مع سكون الصباح .

ثلاثة رجال كانوا يقومون بالمهمة وقد قدموا من خارج المدرسة ( ربما كانوا من المخابرات ) ورجل رابع كان واقفا يتابع المشهد فقط .. كان رجلا طويلا بشوارب سوداء وقميص أسود و طقم أسود وقلب أسود .. كان يضع حزاما بنيا مرقطا كظهر سلحفاة برية ويلبس حذاء أسود يلمع كخنفساء تلطخت بالزيت وينظر بعيون جاحظة كأنها عيون سحلية قربت أن تموت من العطش ظهيرة صيف .

كان منظر جواربنا المرقعة أشد ألما من ضربات العصي وهو ما لحظته و أحسست به لدى جميع الأطفال فقد كنا نشعر وكأن عوراتنا انكشفت لدى الجميع فأن يرى صديقك أو معلمتك جواربك التي رقعتها أمك أشد مضاضة وخجلا وحزنا من ألم خلفته العصي وسيزول بعد حين .

كطفل في السابعة من عمره لم أكن أعرف ما هو عيد النوروز ولم يكن يهمنا منه إلا اللعب على جبل مشتنور بين المساحات الخضراء وشراء بوظة رديئة مصنوعة من السكر وملح الليمون وصبغة كانت تستخدم أساسا للنسيج لكنها كانت منتهى آمالنا وأحلامنا .

مثله مثل عيد الفطر وعيد الأضحى كان يهمنا اللعب وخرجية بسيطة وبضع سكاكر وحلويات ولحم مشوي في بيت جدتي دون أن ندرك ما هو الفطر وما هو الأضحى وما هو النوروز وما هو الدين وما هي القومية .

في ذلك الإجتماع الصباحي علمت أنني شيئ مختلف وأن هناك سببا لضربنا فأنظمة هذه الدول عبر قمع الكرد أشعروهم بكرديتهم وإلا لو كانت هناك دولة مواطنة متساوية فربما اضمحل الكرد في بوتقة تلك الدول فالعدل في الآخر أساس كل شيئ .

بضع رجال أتوا ليعاقبونا كأطفال لا يفهمون شيئا لأننا ذهبنا إلى نوروز .. لم يأتوا يوما لبناء مرحاض للمدرسة التي كانت بلا مراحيض وكنا نتبول على حوائط المدرسة ولا أتوا لحل مشكلة الفصول المكتظة و انعدام الخدمات بل كنا نردد فقط شعارات القومية والإشتراكية وفلسطين والأمة العربية الواحدة والرسالة الخالدة والوليد والرشيد والعربيد .

خيالات كثيرة كانت في رأسي وأنا في آخر الطابور أرتجف خوفا وبردا وعندما أتى دوري ناداني الرجل ( تعى ولاك ) وكانت أسنانه تصطك من الغل كأنني نكحت أمه وبدأت أول عصا تهبط على قدمي الغضتين من السماء .. حينها فقط أدركت أنني كردي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج