الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للسوريين عبرة في مأساة فلسطسن

سماح هدايا

2021 / 3 / 22
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا
ولكن الشقاء الكامل أن يكون حاضرنا أفضل
من غدنا
يا لهاويتنا كم هي واسعة

محمود درويش





فلسطينُ كتجربةٍ تحرّريّةٍ ضدّ حالةٍ احتلاليّةٍ عدوانيّة عنصريّة قمعيّة، مثالٌ نموذجيّ لقراءةِ الصّراع القائم في المنطقة العربيّة واستخلاصِ العبر لاستحداثِ المستقبل. هذا مجالٌ واسعٌ للبحث والكتابة، سأقتصرُ على جزئيّةٍ محدّدة وهي النّزاعُ الأهليّ وأثرُه في إضعافِ النّضال التّحرّريّ، وانعكاسُه في تجربة سوريا.
صناعةُ النّزاع الأهليّ وسيلة فاعلة لإحكام السّيطرة. التّفتيتُ البنيويّ الذي حصل للفلسطينيين وقضيتهم كان خطوةً استعماريّةً ماكرة، نجحَ اختبارُها وتنفيذُها في فلسطين، ويجري العملُ على تطبيقِها بالقسرٍ والحرب في المنطقة المحيطة بفلسطين بتقسيمِها وتفتيتِها ودعم النّزاع. احتلالُ فلسطين يهدفُ إلىى ماهو أبعد من فلسطين، إلى الهيمنةِ الكاملة على الأرضِ العربيّة وتفتيتِها وتمزيقِ شعبِها الناطقِ بالعربيّة والحاملِ للوجدان العربيّ وتحويله لجماعات ٍ ومجموعاتٍ وفئاتٍ منفصلة متناحرةٍ بأيدولوجيّات كثيرة. والأدلّةُ على ذلك كثيرةٌ في الواقع الحاضر .
صناعةُ الكيانِ الإسرائيليّ ودعمُه سياسيّاً وعسكريّاً لم يكنْ لذاتِه، أو حبّاً باليهود المضّطهدين، بل لوظيفةٍ كبيرةٍ وهي إشعال النّزاع السّياسيّ وتكريس التّقسيم، وإحداث التّغيير الاجتماعيّ والديموغرافيّ وتذويب هويّة المجتمع. وكلّه امتدادٌ لخطّةِ سايكس بيكو وتمكينٌ لها وتوسيع.
لم يصبحْ الاحتلالُ الإسرائيليّ أمراً واقعاً إلا بدعمِ القوى الدّوليّة وضعفِ الأنظمةِ العربيّةِ الحاكمةِ البعيدة عن شعوبِها والغائبةِ عن مسؤوليّات العملِ الوطنيّ. فالشّعاراتُ المرفوعة عربيّاً وإسلاميّاً والقراراتُ الدّوليّة مجرّدُ أوهامٍ وادّعاءٍ وعبث؛ لأنّها لم تلجمْ الاحتلال والعدوان الخارجيّ، ولم تمنعْ التّهجير والتّغيير الدّيمغرافيّ، ولم تكبحْ الممارساتِ الاستيطانيّةً وطمسَ الهويّة العربيّة والدينيّة للفلسطينيين، ولم توقفْ ارتكابَ المجازرِ بالنّاس وترويعَهم، كما لم تكنْ جديّةً في ردعِه، وتَركتْه يتعامل مع نضال التّحرّرِ الفلسطينيّ على أنّه إرهابٌ لا شرعيّة له. وتركتْ التّقسيم والنّزاع يتّسعان بدعمٍ لنشوءِ كياناتٍ جديدةٍ متناحرة؛ السّلطة الفلسطينيّة وسلطة حماس.
عمليّةُ تذويبِ المجتمع الفلسطينيّ كانت جزءاً من محاربتِه لتمييع قضيّتِه ومحاربةِ أحراره لحرف مسارهم نحو قضايا أخرى. ولجأتْ إلى ذلك بوسائل مختلفة، أحدها تهجيرُ الشّعب بالعنف والقهر، وتشريدُه في العالم كلاجئين ومهاجرين لخلقِ مشاكلٍ جديدة وتلوين أفرادِه بألوانِ البلاد التي ذهبوا إليها وبمشاكلها، فصاروا يعيشون تجارب جديدةً خاصّة وفرديّة خارج فلسطين في البلاد العربيّة وفي العالم؛ من تشيلي إلى روسيا. حتى المجتمع الفلسطينيّ في الدّاخل والمخيّمات مشتّتٌ في محتمعات كثيرة وفئات وجماعات وأحزاب وفصائل. ولم يخلُ النّزاع الدّاخلي وحتى الخارجيّ، من عنفٍ وصدامٍ واغتيالاتٍ وتصفياتٍ وفوضى سلاح ومرجعيّات وحروب وكالة. الانقسام التّصارعي الفلسطينيّ منذ النكبة حتى الآن تحرّكه الأيدي الكثيرة محليّا عربيّا وإقليميّا ودوليّا، أتعب الفلسطينين الذي ثاروا على المحتل وقدّموا أعظم البطولات والتّضحيات، وأضعف قدراتهم، خصوصاً وهم يعيشون الظّروف المعيشيّة والسّياسيّة الصّعبة من تحكّم الاحتلال والحصار ونزاع سلطات وكيانات ومرجعيات وفساد قوى على حساب النّضال التحرّري، على استرجاع الحقوق، والعودة.
أعيدتْ التجربةُ الفلسطينيّة في نزاعاتِ المشهد العراقيّ الدمويّ بعد الاحتلال بإرهاب السّلاح والاقتتال الداخلي وتعيين سلطةٍ مستقوية على الشّعب متحالفةٍ مع ميليشيات طائفيّة تقتل وترتكب المجازرـ وبالتّدخّل الخارجيّ الدوليّ لمحاربة إرهاب داعش وتكريس النّزاع. اتّسعت التّجربة وتعمقّت في السّاحة السّورية، بحرب نظامٍ مستبدٍّ لشعبه، يحكمه بالعنف والقمع، ويسلبه حرياتِه وحقوقَه ثم يقرّر تحطيمَه لأنّه تجرّأ وطالبَ بحرّيّته، ولا يخجل من اتهامهِ بالإرهاب ليشرعن حربه عليه؛ فأعمل فيه القتلَ وارتكبَ المجازرَ لترويعه وبثّ الذعر ِ والوهن في قلبه. وذلك كلّه والعالم العربيّ والدولي يكتفيان بتصعيد الانتقاد أو تخفيفه، يندّدون ويصدرون القرارات التي لا تنفيذ لها، والشعبُ ينهار، والنّظام يقوى ويعمل على تذويبِ المجتمع السّوريّ وعلى التّغيير الدّيموغرافي وطمسِ الهوية المحليّة بالتّهجير والتشريد. التّهجير امتدّ على مساحةِ موتٍ مخيفٍ، أكلَ بحرُه وبرُّه أجسادَ اللاجئين أطفالاً ونساءً وشباباً ورجالاً، وأكلَ أرواحَهم المغتربة، ونشر الأسى في مخيّماتِ نزوحٍ بائسةٍ داخلَ البلاد وخارجَها، وشتّتَ الناسَ في غربتِها بعيداَ وطنها وعائلاتها.
النزاع وبّاءٌ فتّاكٌ مازال يلاحق السّوريين أينما ذهبوا واتجهوا ويفكّك روابطهم ويحولهم لجماعات متناحرة: نزاع طائفيّ، مذهبيّ، عرقيّ، ، مناطقيّ. اقتتال بين الفصائل والجماعات وفوضى سلاح. نزاعٌ بين مؤيّد ومعارض، بين داخلٍ وخارج، بين معارضٍ ومعارض، بين ثائرٍ ومعارض، بين دينيّ وعلمانيّ وقوميّ، وبين موالٍ لتلك الدّولة أو ذلك النظام، وتابع لتلك الجهة الأوروبية أو لتلك الأمريكيّة. لا مرجعيّة سياسيّة جامعة يقبل بها المعارضون وتلبّي تطلّعاتهم، وإنما كإعادةٍ لتدوير الوجوه نفسها والأساليب ذاتِها. ويصبح المنقذ الوحيدُ من الهلاك والضّلال منظّمات أجنبيّةُ جاهزة لملء الفراغ الإغاثي والخدماتيّ والسّياسيّ بشرعيّةٍ إنسانيّةٍ بديلةٍ لشرعيّة الدول، فتحتوي الشّباب والناشطين وتزيد في التّقسيم. وتقوّي الاستقطاب، فيتأجّج الصرّاع لنزاعٍ أعمق وأشدّ ولاقتتالٍ أشرس.
وبدل أنْ يتعلّم السّوريون من التّجربة الموجعة للقضيّة الفلسطينيّة التي تجمّدَ حقّها الوطنيّ في محادثات السّلام وقرارات الأمم المتّحدة الخجولة، يعيدون تدوير فصولِها في المشهد السوريّ؛ فيهدرون الحقّ السّوري بمسار محادثات ومفاوضات لا ينتهي بحلٍّ او مكسب وطنيّ سياديّ. من أممٍّ متّحدة لأستانة، ومن سلّة لسلّة، ومن قضيّة لاجئين لقضية معتقلين، لقضية أسرى، لقضيّة إرهابٍ وإرهابيين.. وتمتدّ التّغريبة السّوريّة في خطّ التغريبة الفلسطينيّة ...ومن يقود المسير مختارون بذكاء. ربما كما أشار لهم غسان كنفاني رمزيا في روايته رجال في الشمس
حرفُ مسارِ الثّورة السوريّة التّحرّريّة بنزاعات أهليّة وجانبيّة حادّة، جزءٌ من مشروع التّفكيكِ والتّقسيم والتّذويب، وقد كانتْ قضيّةُ فلسطين التّحرّريّة وأرضها تجربة اختباريّة، المستفيدُ منها أصحابُ المشروعِ الاستعماريّ، ومن ترتبطُ مصالحهم به. منْ يُحبّ بلادَه وتهمُّه كرامتها وحرّيّتها، فليقرأْ التاريخَ القريب والبعيد ويتسلّحْ بالمعرفة السّياسيّة ويحاربْ بمبادىء وطنيّة من أجل تحرير بلاده. عليه أنْ ينبذَ الفرقة ونزاع الباطل، وألا يكون عوناً على شعبه بموالاة الأعداء. هؤلاء المعتدون، مهما بلغوا من قوة، مصيرهم الزوال بقوّة الشّعوب.
سوريا موحّدٌ قلبُها على محبّةِ بعضِها وعلى نضالِ الحقّ، تستطيع أنْ تكتبَ فجراً جديداً يبدّدُ ظلمةَ القهر. وإلا فلا مستقبل ولا نصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا