الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغائب أبداً كارل ماركس (2/1)

فؤاد النمري

2021 / 3 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إكتشف ماركس أهم أحكام الحياة، وكان أهم هذه الإكتشافات هو ما قاله في "أطروحات حول فيورباخ" ونقش على ضريحه ...
“The philosophers have only interpreted the world, in various ways. The point, however, is to change it.”
بمعنى "كل ما قام به الفلاسفة هو تفسير العالم بطرائق مختلفة، في حين أن القضية إنما هي في نهاية المطاف تغيير العالم " .
لا يداخاني أدنى اشتباه في أن فردريك إنجلز، الشريك والرفيق الأمين الوفي لكارل ماركس هو من اختار هذه الشهادة من بين آلاف الشهادات الحيوية التي شهد بها ماركس في كتبه الكثيرة لتنقش على ضريحه . يبدو لزائر الضريح أن إنجلز وهو بالطبع خير من عرف رفيقه ماركس أراد أن يقدم ماركس للعالم كفيلسوف قبل كل علومه الأخرى خاصة وهو من أنزل الفلسفة من عليائها المثالية إلى حقيقة وقائع الحياة، لكن الشهادة تقول بعمقها أن كل الفلسفات الأخرى التي لم تعنَ بتغيير العالم هي ليست من الفلسفة بشيء فالوظيفة الوحيدة للفلسفة هي تغيير العالم وهو ما يتم فقط عبر قراءة التاريخ كما هو، والإستدلال على اتجاه تطور تارخ العالم . وهكذا اكتشف ماركس علم التاريخ الذي تؤطره فلسفة "المادية التاريخية" من بناء ماركس . وعليه يمكن القول أن فردريك إنجلز عمد إلى تقديم ماركس للعالم كمؤرخ أكثر منه فيلسوفاً أو سياسياً ثورياً أو عالم إقتصاد كما هو في نظر عالم اليوم .

تقديم إنجلز لرفيقه وشريكه كارل ماركس للعالم كمؤرخ يعني فيما يعني القول بأن الماركسية بكل أغوارها الصعبة إنما هي في النهاية قراءة التاريخ كما هو ؛ وبناء عليه كنا قد أكدنا مراراً وتكراراً على أن الماركسية إنما هي قراءة التاريخ كما هو . ونحن عندما نكتب تحت عنوان "الغائب أبداً كارل ماركس" فذلك لنؤكد حقيقة صادمة جداً وهي أن جمبع الشيوعيين من أدعياء الماركسية ومنذ ارتداد الاتحاد السوفياتي عن الإشتراكية في خمسينيات القرن الماضي لا يقرؤون التاريخ بل ويرفضون قراءته وفي ذلك الغياب التام لكارل ماركس .
ألّا يقرأوا التاريخ فذلك أمر يمكن تفهمه والسكوت عليه باعتباره كسلاً فكرياً يعاني منه كثيرون، أما أن يرفضوا قراءة التاريخ فأمر غير إنساني وهو ما يستدعي التعليل .
يرفضون قراءة وقائع الحرب العالمية الثانية ونتائجها حتى وبعد أن أنتج الأمريكان مسلسلاً يسجل تلك الوقائع بالصوت والصورة تحت عنوان "الحرب المجهولة" (Unknown War) ؛ الأمريكيون قرأوا تاريخ الحرب ووقائعها وكانت أهم مفصل في تاريخ البشرية لكن شيوعيي ما بعد خمسينيات القرن العشرين يرفضون قراءته !!
يرفضون قراءة أعمال المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي قائد الثورة الإشتراكية العالمية وخاصة تلك الأخطار الحقيقية التي أحاقت بالثورة الإشتراكية آنذاك وحذّر منها ستالين بقوة، ومنها اقتراحه باعفاء كامل أعضاء قيادة الحزب من وظائفهم . لا يوازي المؤتمر التاسع عشر بالأهمية سوى المؤتمر العاشر في العام 1921 الذي أسس لقيام الاتحاد السوفياتي، ورغم ذلك تآمروا على حفظ مقرراته في سرية مطلقة .
يرفضون قراءة إغتيال ستالين بالسم من قبل أبرز الأعضاء في المكتب السياسي للحزب وأسباب ذلك ؛ ستالين الذي كان فعلاً لينين الذي لم يمت، قائد الثورة الإشتراكية العالمية وقد عبر بها أصعب الأزمات حتى باتت في منتصف القرن العشرين أقوى قوة في الأرض .
يرفضون فراءة الإجتماع غير الشرعي للجنة المركزية للحزب في سبتمبر 53 وقرارها التآمري والمخالف للقانون وللنظام وهو إلغاء أهم مقررات المؤتمر التاسع عشر للحزب المنعقد في أكتوبر 52، وهو الخطة الخمسية التي كانت ستنقل الاتحاد السوفياتي ليكون أغنى دولة في العالم في العام 55، إلغاؤها من أجل الإنصراف إلى التسلح كما أعلنوا بوقاحة فجّة رغم أن ستالين وقبل أن يمتلك الإتحاد السوفياتي السلاح النووي كان في العام 49، ورداً على تشكيل حلف شمال الأطلسي، قد قال .. "لن نحاربكم ولكننا سنتغلب عليكم بالمنافسة السلمية"، وهو ما يعني أن الاتحاد السوفياتي وحتى قبل امتلاك القنبلة الذرية لم يكن بحاجة لوسائل الحرب .
يرفضون قراءة الإنقلاب العسكري في نهاية يونيو 57 الذي قام به وزير الدفاع المارشال جوكوف، وهو من كان قبل العام 54 معفى من وظيفته بعد أن أدانته المحكمة بجرم السرقة، وانتهى الإنقلاب إلى طرد 7 من مجموع 9 أعضاء في المكتب السياسي للحزب وهم الذين كانوا من سحبوا الثقة من خروشتشوف، وكان ذلك مخالف للقواعد الأولية للحزب حيث يتمتع عضو المكتب السياسي بحصانة كاملة باستثنا إدانته بجرم في محاكمة علنية .
يرفضون قراءة قرار المؤتمر العام اثاني والعشرون في العام 1961 الذي قضى بإلغاء دولة دكنانورية البروليتاريا واستبدالها ب" دولة الشعب كله" وهو ما يعني التخلي المفضوح عن النظام الإشتراكي المرتكز على محو الطبقات تبعاً للينين . كان ماركس قد أكد في "نقد برنامج غوتا" أن لا اشتراكية بدون دولة دكتاتولابة البروليتاريا . الإتحاد السوفياتي لم يعد اشتراكياً فيما بعد العام 1961، لكن شيوعيي اليوم لا يقرؤون ذلك – كنت في العام 1965 قد نبّهت قيادة الحزب الشيوعي في الأردن إلى هذه الحقيقة في غاية الخطورة .
وأخيراً وليس آخراً فإنهم يرفضون قراءة الإنقلاب العسكري الثاني في أكتوبر 64 الذي أطاح بخروشتشوف وطرده من الحزب .

"شيوعيون" يحرنون في قراءة تاريخهم، تاريخ ثورتهم الإشتراكية، بل يحرنون في قراءة تاريخ الرأسمالية والإمبريالية التي أكد المؤتمر التاسع عشر للحزب بحضور ستالين أن النظام الإمبريالي سيتهاوى في وقت قريب، وكان قد تهاوى بفعل الحرب في بريطانيا وفرنسا وهما أكبر إمبراطوريتين إمبرياليتين ظهرتا في التاريخ، ولم يبقَ بعد الحرب الهتلرية سوى رأسمالية متنامية في الولايات المتحدة إلا أن السياسات الفاشية لمجرم الحرب هاري ترومان والتي قضت بتكريس كل موارد الولايات المتحدة ومنها عوائد النظام الرأسمالي الفتي لمقاومة الشيوعية . تلك السياسات الفاشية التي توارثتها الإدارات الأميركية المتعاقبة حتى إدارة ريتشارد نكسون 1969 كانت أثقل من أن تتحملها أميركا بثرواتها الضخمة وارتدت سلباً على النظام في أميركا فكان التراجع بدل التقدم وقصّرت الرأسمالية الأميركية في الوصول إلى مرحلة الإمبريالية . وجد الرئيس نكسون خزائن المال فارغة في العام 1970 وليس فيها ما يكفي للإنفاق على انسحاب الجيوش الأميؤكية من فيتنام، كما كان قد وعد في برنامجه الإنتخابي، فكان أن إضطر إلى الخروج من معاهدة بريتون وودز في العام 1971 التي تستوجب غطاء النقد الوطني بالذهب، فكان ذلك يعني حصراً أن الرأسمالية الأميركية لم تعد تنتج البضاعة وفائض الإنتاج . إنه الإنهيار التام للنظام الرأسمالي في أميركا مما استوجبها أن تبحث عن غطاء لنقدها فلم تجد غير مشاركة دول الخمسة الكبار (G 5) في الحفاظ على أسعار صرف عملاتها من خلال المضاربة في أسواق المال عوضاً عن البضاعة كما يقضي قانون النقد الدولي . وهكذا فقدت الولايات المتحدة العنصر الأول من عناصر سيادتها القومية وهو النقد المليء، وقد أخذ قصورها في الإنتاج يتفاقم منذ سبعينيات القرن الماضي .
بذات النهج المغيّب لماركس يقرأ "الشيوعيون" المرتدون وراء عرابهم الغبي نيكيتا خروشتشوف تاريخ الرأسمالية، ينكرون انهيار النظام الرأسمالي ويدعون بكل وقاحة فجة أن الولايات المتحدة ما زالت دولة رأسمالية إمبريالية بالرغم من أنها أكبر مدين في العالم إذ تستدين كل دقيقة مليون دولارا ليلاً نهاراً كما أكدت رئيسة الكونجرس السيدة نانسي بيلوسي (Nancy Pelosi) وتدفع سنويا فوائد على ديونها للصين واليابان وغيرهما أكثر من 500 مليار دولارا ؛ ناهيك عن أنها ومنذ عشرات السنين أكبر مستورد للبضائع ورؤوس الأموال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليسار العار
فؤاد النمري ( 2021 / 3 / 22 - 20:16 )
اليسار العار يقيمون وقائع التاريخ بالصفر !!
إنهم حقاً عار


2 - حوار
رائد محمد نوري ( 2021 / 3 / 25 - 00:49 )
أتمنى أن يجري الحوار المتمدن معك حواراً وأن يكون من يحاورك أحد البلاشفة كسعيد زارا أو عبد المطلب العلمي أو نجاة طلحة أو من تشاؤه أنت محاوراً على أن يكون الحوار عن أطروحتك : نظرية فوضى الهروب من الاستحقاق الاشتراكي وما يترتب عليها من وقائع.
تقبل عندي أسئلة كثيرة من الممكن أن تثار....
تقبل تحياتي البولشفية


3 - الرفيق العزيز رائد
فؤاد النمري ( 2021 / 3 / 25 - 07:38 )
طلب إلي الرفيق رزكار أن أعقد حواراً على اليوتيوب وحدد المواضيع التي يتم الحوار فيها وليس منها الماركسية
فكان جوابي له هو أنه ليس لدي ما أخطب فيه سوى الماركسية
وأما كماركسي ضد اليسار وضد حقوق المرأة

تحياتي البولشفية

اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري