الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساطع الحصري والدفاع عن القومية من خلال كتابه العروبة بين دعاتها ومعاريضها

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2021 / 3 / 22
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


يعتبر ساطع الحصري مفكرا موسوعيا، ومهندس الفكر القومي المعاصر، ومن الأعلام المؤسسين له. ولد باليمن وتربى فيها وترعرع ( 1879ـ 1968م.). ثم تنقل بين عدد من البلدان الأخرى مصاحبا لأبيه. تلقى تعليمه في مجموعة من المدارس الحكومية العثمانية وأنهى دراسته في المعهد الملكي بإسطنبول. ثم أصبح أستاذا في المدارس العثمانية بكل من اليونان وبلغاريا، إلى أن عاد إلى المعهد المكي الذي تخرج منه. ثم صار مديرا لدار المعلمين بإسطنبول إبان الحرب العالمية الأولى، ثم انتقل إلى سوريا وصار مستشارا لتعليم بها واهتم بتطوير المناهج التعليمية . حيث خلف تركة واسعة حول الفكر القومي من مؤلفات دافع من خلالها على قضيته ومن بين مؤلفاته: آراء وأحاديث في أحاديث الوطنية والقومية و محاضرات في نشوء الفكرة القومية.....
بدأ المفكر ساطع الحصري فصل الأول المعنون" بين الخيالية والواقعية " باستفزاز المعارضين لفكر القومية، على أساس أنها فكرة طوباوية وخيالية من المستحيل تنزيلها على أرض الواقع. دون أن يشرحوا له ما يقصدون " بالواقعية" و "الخيالية"، لأن هذين المصطلحين يحتاجان إلى البحث والتعمق، والتأمل والتنقيب للتميز بينهما. ذلك أن الأفكار التي تكون خيالية بالأمس تصبح واقعا اليوم. لأنه لا توجد خيالات محضة، غير قابلة للتحقيق... بمعنى أن هناك خيالات خلاقة تسير قدما نحو التحقيق، فذهب إلى الأخذ بهذه الفكرة بنوع من التوكيد والتوصية.
" يجب أن لا ننسى أن كثيرا من "الواقعيات" اليوم، كانت من خيالات الأمس. ويجب أن لا نشك في أن كثيرا من " خيالات اليوم" قد تصبح من الواقعيات في الغد القريب أو البعيد" ص.7. أي أن كل المشاريع الكبرى، أو أي فكرة نهضوية إصلاحية تحققت، كانت فكرة تخيلية في أذهان الناس، أو كانت أملا في صدورهم. ورفض الكاتب دعوة رجال الواقعية التابعين للدول العربية، ورأى أن اعتراضهم على فكره غير مبرر. لكن يجب على هؤلاء المفكرين والكتاب أن ينسلخوا من أحكامهم الأولية، ومن آرائهم الخيالية، ويتحلوا بنوع من الواقعية. حيث نجد هذا الأمر واضحا عند المفكر ساطع الحصري، عندما عكس المسألة من جهة أخرى، حيث قال إن ثمة خيالا هو أشد حيوية من الواقع. ص.8 لأن " الواقع الحالي هو ما كان خيالا في "الماضي البالي" في حين أن " الخيال الحالي" قد يحمل في أحشائه " الاستقبال الحقيقي". ونفى حسب اعتقاده العروبة، والاتحاد العربي. وأفضل من هذا عنده التشبث بنوع من الخيال قصد تحقيقه.
ناقش الكاتب في الفصل الثاني كيفية نشأة وميلاد الدول العربية، منتقدا فيها كل من زعم أنها نشأت نتيجة الأطماع الأجنبية، أو الاختلاف الموجود بين طبائع أهلها الحضارية الموروثة. حيث كان رده استنكاريا واستفهاميا، فقال مستفهما: هل هناك فعلا اختلاف جوهري في الطبائع يجعل من الضروري أن تقوم في كل بلد منها دولة مستقلة عن غيرها؟ مستحضرا ومستشهدا بمجموعة من أمثلة الدول العربية، والعلاقة التي تجمع بينها. وفي هذا السياق استحضر بصيغة استفهامية تجربة القطر السوري والعراقي. منبها عليها كتجربة شخصية له بين هذين القطرين، بحكم تجواله وترحاله، وطبيعة عمله فيهما؛ ليجد أن هناك تشابها إلى حد التطابق في التواصل ونمط العيش، وليس هناك أي اختلاف، و لا أي فوارق جوهرية بين القطرين، وإن وجدت فهي فوارق سطحية. كما طرح أيضا في هذا المقام مسألة تكوين المملكة الأردنية، وبين أسباب قيامها.
ولكي ليبرهن على قناعاته، ويثبت أن موقفه كان صائبا، عارض إحدى الجرائد التي دافعت عن نظرية تعدد الدول العربية، التي سميت بنظرية الكيانات الواقعية. حيث نفى كل ما قدمته الجريدة من أدلة. ووصفها بأسطورة الكيانات الواقعية، بعد أن سأل الجريدة سؤالا، وهو كالتالي: لماذا كانت البلاد العربية منقسمة إلى ولايات وسناجق وإمارات؟ . ليفسر أن الجواب الذي أوردته الجريدة في المقالين اللذين نشرتها، ما هو إلا جواب فيه خلط، ولبس في المفاهيم. ذلك في الجواب خلطا بين الكيان المطلق وبين الكيان السياسي. ولم يميز كتاب الجريدة بين الوحدات الإدارية والوحدات السياسية. وهذا الأمر غير مقبول في مجال المفاهيم. ولهذا نجد الباحث رد على الجريدة بمجموعة من الأسئلة الاستفسارية حول نماذج عديدة من الدول العربية. وقارن بينها، لبين قصور الفهم والخلط لدى كتاب الجريدة في هذه المسألة. ولهذا نفى كليا، نظرية الكيانات الوضعية التي تحاول التعليل من خلال نموذج واحد.
كما أنكر أيضا " الشواهد التاريخية " التي أدرجها خصوم الوحدة والاتحاد، على حد تعبير المفكر ساطع الحصري، بالرغم من أنهم اتخذوها حجة، ودعموا بها آراءهم وأطروحاتهم مستعينين بأدلة من التاريخ. حيث إن الانفصال عن السلطنة العثمانية، وانقسام البلاد العربية إلى دول عديدة أمر طبيعي، بما أن امبراطوريات أخرى حصل فيها نفس الشيء. ومن أمثلة ذلك الإمبراطورية النمساوية. لكن ما أثارته الجريدة من قضايا وأمثلة، ومن شواهد تاريخية، ما هي إلا تضليل، حيث فسر الباحث هذا الأمر بدقة وبين خللها. بمثال النمسا التي انقسمت إلى خمس دول. فرغم أنها تعطي طابع الانفصال، إلا أنها في الوقت ذاته تشكل نموذج للاتحاد. كما أدرج أيضا مثال ألمانيا ليدلّ هو الآخر على خطأ أصحاب الجريدة، ويظهر أنهم بعيدون كل البعد عن تأييد طرحهم، وبهذا أعاد ساطع الحصري النظر في الوقائع والحقائق. ليختم قوله بخلاصة مفادها " أن وحدة الأمة، ووحدة الوطن، بل كل الخيالات التي كانت بعيدة عن الأذهان، وعن النفوس أصبحت واقعا معيشا بالرغم من ذلك. كما أن وحدة المصلحة أيضا كانت من الأمور التي لا يسلم بها أحد من رجال الحكم والسياسة، ولا يتفهمها أحد من الملوك والأمراء في أوائل القرن 19م. لأنها كانت تصطدم على الدوام بمصالحهم الإقليمية ومزاعمهم التقليدية إلا أنها صارت في الإمكان كذلك ." ص. 35.
أما في فصل " الفوائد والمضار" فقد أثاره بنوع من السخرية والاستغراب لما طرحته الجريدة أي الخصوم " ففكرة الاتحاد" في نظريتهم القائلة بفوائد التجزئة ومضار الاتحاد، التي طروحها بنوع من الجد والتأكيد ولم يقدموها على سبيل الهزل والتهكم. بل إيمانا منهم ومحاولة منهم لإقناع قرائهم بأن " التجزئة تفيد البلاد فوائد كبرى، وأما الاتحاد أو الوحدة فإنها تضر العرب أبلغ الأضرار" ص.37. حيث تتلخص فكرتهم الأساس في قولهم كلما صغرت الدولة، كلما ضمنت مصالح أكثر للشعوب. وأكثر من هذا تساعد على توفير إمكانيتها، أكثر من الدول الكبيرة. كما حطموا وشككوا في الفكرة الشائعة في أذهان الناس" أن الاتحاد قوة".... والأمثلة كثيرة.
وفي الختام يمكن القول إن المفكر السوري ساطع الحصري استطاع أن يدافع عن فكرة القومية، ويؤكد على إمكانية تحقيقها وتنزيلها. وهي ليست فكرة طوباوية ولاهي مستسقاة من المدينة الفاضلة، من خلال ضحده وإبطاله لنظرية الكيانات المتعددة من خلال استدلاله بمجموعة من الأدلة والشواهد التاريخية التي مرت في التاريخ. وبهذا يكون قد دافع عن القومية. لكن ما هو ملاحظ من خلال حديثه والدفاع عن أطروحته، هو استعماله لأسلوب العنصرية، في حين يدافع عن أطروحته بنوع من البيان والحبكة والتحليل. مفككا لغزها ومظهرا صلاحيتها لعامة الناس.
وبهذا يقصي كل الأقليات، و الدول المستقلة وحتى الأشخاص المخالفين لتياره. حيث يعتبر أن القومية هي الأصل، والباقي تقليد وفروع، ويظهر هذا القول من خلال استعماله لمجموعة من المصطلحات، تدل على ذلك مثل ( خصوم الوحدة والاتحاد ـ أعداء الوحدة ـ خصوم فكرة الاتحاد....) لنجد هذه المصطلحات تتكرر في مجموعة من صفحات الكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254