الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نازك الملائكة - رؤية إنسانية متجددة (٣)

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2021 / 3 / 23
الادب والفن


حفلت حياة الشاعرة نازك الملائكة بنشاط إنساني كثيف دون صخب وضجيج إعلامي، وتنطلق من الشعر التحرري والرومانسي والفكر النقدي والتنويري ملموس الأثر علي مسارح مراكز الإستنارة وسوح الجامعات العراقية والدولية ومجالس الأدباء والقراء في المدن والأرياف من الذين عرفوها وعشقوا شعرها الدري، وكانت أعين الشمس تطلع وترمق عواصم العالم بنظراتها الضوئية من سماوات شعرها الرصين وفكرها المتوهج وقلبها المشرع للفقراء والكادحيين، ولكن ثمة جانب آخر إبداعي مهم جداً ينبغي أن يوضع قيد التحليل والدراسة وهو العزف علي آلات الموسيقى مثل العود الذي أطربت به نازك الملائكة زهور حديقة منزلها في ساعات مناجاة الروح للطبيعة وإنشاد الأوتار للحياة والحب، ويعتبر العزف بمثابة الجزء المكمل لشخصية نازك الملائكة وسطر أصيل في صفحات تاريخها كناقدة نوارانية وشاعرة متميزة وعازفة بارعة إنجذبت إليها الفراشات من كافة الحقول، وهنا كانت أنغام الموسيقى في تجاذب وتواشج إبداعي لا ينقطع في إتصاله مع أنهر الفكر والشعر كلوحة ذهبية تزين حياتها وتبعث فيها والمستمعيين مشاعر إنسانية متجددة تبدد غيوم حزن الأنفس وظلمات العقول وتفتح فضاءات فريدة للسلام والطمأنية، ومصاحبة الموسيقى للشعر والفكر جعل من نازك الملائكة ظاهرة إنسانية.


الإنسانية، نزعة ملازمة للكثير من الشعراء وغيرهم حول العالم، وهذا لا ينفي وجود شعراء مستبدين أو مناصرين للإستبداد، والمتتبع للحركة الأدبية السودانية سوف يجد أمثلة للنوعين "المستبد والإنساني" وهكذا الحال في تاريخ الكُون، ولكن نازك الملائكة لم تكن إنسانية فحسب؛ بل إنسانية حركية ترجمة نزعتها قولاً وفعلاً في خطها الفكري وشعرها ويتمظهر ذلك في دفاعها الواضح عن حقوق وحريات الإنسان - خاصة حقوق المرأة والطفل؛ ففي العام 1968م قدمت نازك الملائكة محاضرة شيقة وقيمة بجامعة البصرة ضمن المُوسم الثقافي الرابع للجامعة تحت عنوان "ﻣﺂﺧﺬ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ"، وقد شاهدت أجزاء منها وأكملت إطلاعي علي مضامينها في تقرير شامل نُشر بصحيفة الإتحاد الإمارتية المنشور بتاريخ؛ السبت، 4 أغسطس - 2007م حيث أبدت الشاعرة نازك الملائكة عن موقفها الثابت تجاه قضايا تحرر وإستقلال المرأة والتعبيير عن كينونتها وإسترداد حقوقها في المجتمع، وأستوحي من عبارات حرية المرأة المعبرة في خطابها بجامعة البصرة إلمامها التام بتفاصيل القضايا النسوية ومعادلات العدالة ومفاهيم المجتمعات الشرقية وسط تيار الحداثة الذي غير العالم وتلك إستشكالات كونية معاصرة معقدة للغاية وتحتاج لحوار شفيف قائم علي حقائق موضوعية، وهذا الإستشكال الكوني ما زال يتصدر أجندة مجالس المثقفيين والمدافعيين عن حقوق وحريات الإنسان في السودان والعراق وجميع دول العالم، وكانت تلك محاضرة مفتاحية بالغة الأهمية للباحثيين عن العدالة الإجتماعية وفتحت نافذة جديدة للحوار الإنساني الخلاق.

يقول الشاعر والرسام العظيم جبران خليل جبران "منبر الإنسانية عقلها الصامت لا قلبها الثرثار"، وهو رسام بارع وشاعر ذا نظرة وفكرة وإيمان بالإنسانية ويجيد تطويع الكلمات في وصف التحولات الفكرية الناجمة عن حركة المجتمع اليومية وإنعكاساتها المستقبلية، وهنا نأخذ عبارة جبران كرافعة مسنودة بالبلاغة لنضع عليها تجربة الشاعرة نازك الملائكة التي تمكنت من العبور الآمن من داخل مقولة شاعرنا العظيم جبران لتحول منابر الإنسانية إلي منصات محصنة بالإستنارة تنطق فيها العقول الصامتة بمتنوجها وتستجيب القلوب لها دون ثرثرة وتناقض يطبق عليها ويحيلها إلي منابر تتنافر وتتنازع عليها الفكرة والعاطفة، الحرية والتقاليد، السلام والحرب، وعندما تتناغم العواطف والأفكار وتنصهر في بوتقة واحدة تتبلور منها معزوفة إنسانية عميقة تحمل فيض من السكينة والسلام يعكس الإبداع في أروع صورة ترسخ في الأذهان وترتقي بالحياة، وجمعت ملاك عصرنا الشاعرة نازك الملائكة ألوان متعددة من موسيقى راقية وشعر حر وفكر متجدد سخرت كل ذلك لإستنهاض الفكر والشعور الإنساني محاورة من خلال ذلك جميع العقول والقلوب ومنشدة للحب وسلام العالم، وفي حياتها بحور متدفقة من الإبداع تحتاج لبحار ماهر يستطيع زورقه ركوب الموج وبلوغ الشاطئ من أجل كشف مكامن إبداع جديدة تساعد الأجيال علي إستفهام تجربتها كرائدة للشعر الحر وعازفة للموسيقى ومدافعة عن حقوق الإنسان.

23 مارس - 2021م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي