الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخ!

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2021 / 3 / 23
الادب والفن


* إلى روح « آدم » فقيدي و ابن أخي .. نم في جنات الخلد يا صغيري!


ـ سردي واقعي ـ باريس الكبرى جنوبا:


في هذا اليوم من الفاتح من شباط من هذا العام كنت متواجدا لحضور موعد هام شخصي في الناحية أو المقاطعة الحضرية التاسعة بباريس: الناحية هذه بتسع حججها كنت أشعر أني الحجة العاشرة التي أضيفت إليها منذ أن وطأت أرضيات أمكنتها و شوارعها.. هنا ولدتُ بعد موتتي الألف في بلدي الأصلي في القرن الماضي كلاجئ أو كمنفي قصرا أحمل كفني في حقائب الروح و تلافيف القلب… أمكنة هذه « الشوارع الكبرى » ( مونت مارتر ) سابقا
Boulevard Montmartre
تعرفني جيدا و أعرفها .. حميمياتنا لا يمكن للزمن أن ينساها أو يتجاوزها .. أنفاق الميترو و عرباته كأنها ملَّت المساحيق التجميلية التي تضاف في كل مرة إليها باسم الموضا و التحضر و التحديث بعد رحيل الزمن الآخر و دخولنا هذه الألفية المجنونة!
و أنا واقف انتظر قطاري النفقي في وسط تلك النظرات المتضاربة فيما بينها على المرفئنين المتوازيين للنفق تسودها الأنانية و الفردية و الإنعزالية و النفاق ؛ تسألني بكل أعجوبة معتوهة أو متشردة كانت تجلس تزعج و تستفز صبر كل من حولها بأحاديث تثير صداع الرأس : « كيف الحال؟ أعتقد أن الطقس هناك بالجزائر العاصمة أفضل بكثير من هذا الطقس التعيس ؟! .. ». نظرت إليها و لم أفتح فمي بلفظ واحد و قلبي يتأفف بمعمق في أدغالي قائلا في صمتي : « ياربي ! ما شأن حظى.. أينما ولَّيتُ وجهي ، هنا أو هناك لا يستطيع هؤلاء المجانين تجاهلي فيستهويهم الحديث إليّ؟! عادة و في أغلب المناسبات ، أنصت إليهم و آخذ و أرد في الحديث معهم و أستطيع التعامل معهم و الإستفادة حتى منهم و أشفّر لغتهم الخاصة .. لكن هذا يوم لا ينفع فيه مجانيني صدقهم، فلي من الإنشغال بما ينتظرني من فحوص جد مهمة… الأغرب في الأمر الذي جعلني أتساءل كيف لهذه العجوز المخبولة الفرنسية معرفة أني « جزائري » ، من أخبرها بذلك؟ أوِ إلى هذه الدرجة و إلى هذا الحد وشم الوطن على نواصينا لا يمحوه الزمن مهما تقادمنا في أنفاق أسفارنا و ضياعنا بأنفسنا .. هل بدوت لها أشيما و قرأت كل الندوب الزمنية اللامرئية على وجهي أو على ناصيتي التي سيتعرف إلى تلافيفها الطبيب المختص بعد قليل ؟! .. قمت بالرد عليها على مضض و إيجاز أني لا أدرِ شيئا سيدتي و حاولت التملّص منها بمجرد وصول قطاري. لحسن حظي أن قطارات الأتفاق تأتي عند كل خمس دقائق من الإنتظار!
داخل عربتي لا شيء يبعث على التفاؤل ، فباريس الناس فيها يحبون الإنكماش على أنفسهم و ما زاد الطين بلة بعد ذهاب الألفية الأخرى سطوة و استفحال الإله الجديد على هذه المخلوقات، الهواتف الذكية و اللوحات الرقمية جعلت من الأفراد كباقي كُبرَيات عواصم و مدن العالم و ما دون ذلك كالنّعَام رؤوسهم مغروسة في شاشات صلواتهم في طقوس تعبدهم للإله الجديد!
الأفواه مكممة قصرا و العيون تائهة في عوالم رقمية افتراضية غير مكترثة بما يجري لهم من تدجين مقصود للوعي الجماعي !
أنا رجل لا أحب أن أتأخر عن المواعيد المضروبة إلي ! أفضل التنقل إليها بمتسع زمني سابق حتى أكون جاهزا ..تقتلني عبارة أن « الخضر أخلف الميعاد! » و أنا إنسان لا يطيق الإنتظار و لا الطوابير و لا الركون في مكان معيّن مغلق ، لهذا فضلت تفقد أحياء و أمكنة لها علاقة بمكان سكناي و عملي في ذلك القرن، في تلك الحياة التي مضت !
هذه الشوارع و الأمكنة عندما أتواجد فيها راجلا أشعر بشيء من « الرقة و التآنث في المشاعر » و الانتعاش و الإمتاع الداخلي ، لا أرَ شيئا غيرها رغم الضجيج.. أشعر أنها تهمس إلي و أهمس إليها .. تذكرني في كل مرة بلحظات حَبْوي كمقذوف به من العالم المتخلف في هذه المدينة العاصمة التي تَذْكرني .. استنشق عمرانها العالمي و خصوصيات انتصاب مبانيها .. كان المبني التاريخي لسينما « راكس » يعطيني أكبر قدر من الإطمئنان عندما أتوه في تلك الأزقة .. كانت في عمر مضى قمة السينما هذه تدلني على طريقي الذي أضعته ، كلما أراها أشعر أنها تحييني و تقول لي ـ لقد جئت يا صاحبي .. كيف أحوالك ؟ هل تعلمت الدرس جيدا في تشفير العناوين و المسافات و التنقل في أنفاق مدينتنا ؟ و هل تخلصت من أوزارك التي جئتنا بها أول مرة ؟ و هل كَبُر صغارك الذين ولدوا هنا و كيف صارت صغيرتك البكر التي ولدت في « تيفاست » العريقة هناك ؟ و هل حققت أمانيك و مشاريعك هنا؟
لهذا السبب فقط ، عندما أتردد على قلب باريس لدوافع عملية أو شخصية أجاهد نفسي ألا أمرّ بهذه الناحية ، فهي ترغمني على إقتفاء أثري و أثري هذا الصَّعب اقتفاؤه لأن « الملعون السامري » مازال قابض به و يُجهل مكان تواجده كي استردها بالشكل الذي لا يدمي قلبي بعد كل هذا السفر!
أذكر من خلال هذه الأمكنة أني رأيت السامري بأوجه مختلفة و فتنني فتونا بقسوة ممرات « باريس » الساحرة.. مخطئ هو من يعتقد أن « باريس » هي طبق من ذهب يوهب للقادمين الجدد من عوالم مقفرة يسودها الإجحاف والدكتاتوريات المختلفة و ألف ألف من الحيوف. الميتون هناك المحييونَ هنا بفعل الإصرار و حب البعث بصورٍ أقل بؤسا و بأكثر أمل ! يقال هنا بلغة باريسية لمن ارتفع من بعد سقطة أوعثرة أنه « صنع حياة ثانية » أو أخرى، كل ما سبق و تبعته عضرة كبيرة فهي موتة !
باريس في بداية نشأتك فيها مجددا و بعثك بصورة مخالفة للهزائم التي تركتها وراءك و دموع و جراح لا تضمّد جراحك فحسب ؛ فقد تفاجئك بين الفينة و الأخرى بصفعات قاسية أو بركلات متتالية لدُبرك و كأنها تتهمك بخيانتك لوطنك الأصلي و جبنك في الإستسلام و عدم مواصلة معارك الحرية و الحقوق و الكرامة، قد تهينك باريس و تعنِّفُك و تقسو عليك و تُجرِّحُك حتى و تنزع عنك معطفك و تشتهي رؤيتك تعاني بردها و جليدها و تلوثها .. كأنه يمتعها اصطكاك بقايا أسنانك المُسوسة بفعل إهمالك أو فقرك أو لسبب أولوية انشغالك بقضية جنس إنسانك المقهور هناك! ؛ خصوصا إذا كنت أسمر البشرة و تعلم أنك عربي فإنها تقسو عليك أكثر من أي جنس كأنها تحمّلك العبث الحاصل في هزيع سقوط الخلافة في الأندلس إلى غاية الحروب الحديثة الداخلية في أوطاننا المفتعلة بفعل باريس و شقيقاتها .. حروب المذاهب الدينية و السياسية .
حسن و سحر باريس و عظمة قوامها المترامي الفاتن يخفي الكثير من المطبات التي يقع فيها ـ السُّذج ـ و عشاق الجمال و الفن و الرومانسية و العطور المميزة .. لا يمكن أن تعرف باريس معرفة حقيقية معمّقة إلا إذا لم تسكنها لمدة أطول ، أن تكون عابر سبيل و سائحا لأيام أو أشهر ليس كافيا كي تتعرف عن مدينة الجن و الملائكة و الأنوار …
***
بعد الاستقرار و عندما انتهيت من مرحلة الحبو و المشي باستواء و تروّ إكتشفت أن « إرنست هيمينغواي » تم خداعه من قبل باريس و ضحكت على ذقنه هذه العاهرة الأنيقة الجميلة فاعتبرها « بالفرح » أو « بالحب و النور » و هو الذي بدأ بروائعه الأولى بفضح سوداوية عالمنا و ـ الصّراع الثنائي ـ المتجدد عبر كل الحقبات .. و قد يكون سبب انتحاره أنه اكتشف زيف « باريس » و أنه كل ما حاول كتابته من إيجابيات عالمنا و الإيمان بالفرد ما هو إلا هراء و لا جدوى من كل شيء ـ وجودا و موجودين ـ معا، و أنه ربما قبل أن يطلق نار بندقيته على نفسه استشعر ضحك باريس عليه كما ضحك عليه عالم الرأسمالية الشرس.. أعتقد أن « إرنست » كان مصابا بمرض « ثنائية القطب ».. فلو كان مؤمنا حقيقيا ربما لجَنَّبته عقيدته قتل نفسه ببندقيته التي أهداها له والده! بندقية « هيمينغواي » تذكرني ببندقية « محمد الصالح » والدي .. عجبا لقدر « الإرنست » هذا، شارك في الحرب العالمية الأولى و قسوتها مما ساعده بارتكاز شديد في بلورة إلهامه لكتابة « الوداع للأسلحة أو للسلاح» لم تقتله الحرب لكن الإحباط و الحزن و الإنطوائية دفعوا به إلى رفع السلاح ضد نفسه و إزهاقها! بطلقة واحدة .

ماذا كان سيفعل «هيمنوغواي » لو علم أنه باسم « باريس » ترسل قنابلا فتاكة لتُسقط في سماوات وطني العربي كـ: الشام و العراق و ليبيا ...
عن نفسي لم أرَ مدينة شرسة كما أسميها دائما بـ « مدينة متثعلبة » .. لا أدري . لستُ أراها كما يراها القاصي و الداني و الذاهب و العابر و السائح و المقيم و السياسي و الديبلوماسي و الحكومي و المحرومين من الأوراق و الوثائق ! .. أرى باريس كائنا حيا يختصر بصدق معظم سلوكيات البشر و كل التناقضات في الصفات البشرية . لا أخفي على أحد ؛ عندما أستاء منها في بعض الأحيان و نتخاصم؛ تأتيني أفكارا سادية و أتمنى أن أنكحها نكاح الغاضب الساخط دون رحمة و لا شفقة ربما سأشفي فيها غليل « مكبوتات أو مركبات نقص شرقية » ممتزجة بخلايا جسدي بعد فقد بوصلة العالم و
تصير باريس في منتهي العدائية لكل ما هو عربي!يلزمني جيشا من « اللاجئين العرب كي أصل إليها و أفعل فعلتي .. فدُبر « باريس » كبير و مترامي الأطراف !
فصام باريس ضاعف من حالة تعدد أقطابي ..
هي « مُتقَاسِحة » و « قَحْشَرِيفَة » و « عَاظالمة » و « مُتَّهْبَريئة » و « كاذقة » و «
بَشِعْمِيلة » و « خاَئِوفِيّة » و « ورَاقِياطَّية » و « وَسنَظيفة »، باريس « سكيرواعية » و مصليحدة » و القائمة طويلة…
الغريب في الأمر من كل هذه الإنطباعات و الصفات* التي وضعتها لها عندما نرتاح لها و نُسلّم بالأمر نشعر كأنه خلصنا إلى : ـ مانحن ـ إلا قيما مضافة إلى باريس و في نهاية المطاف هي تلك « الأكوام من الأسرار الخاصة الشخصية » العميقة دون محسنات بديعية و لا ماكياج مبالغ فيه و لا مزايدات المُخبّأة في أعماق أعماقنا و لا يعلم بتفاصيلها سوانا و عقولنا الباطنة أو خِلّ ما متواطئ معنا في سلوكنا الباطن ! و لهذا فهي قد تشبه جميع من يطأها و من يحبها و يشتهيها و يكرهها !
***
أذكر في طفولتي الأولى كانت مُربيتي « خالتي شويخة » رحمة الله عليها تفتخر بي أمام صديقاتها و جاراتها و ضيوفها و معارفنا عندما يتحدثون عن الدراسة فتقول لهم « ممّي* مُخ » لا أحد يصل إلى الذكاء الذي يتمتع به .. أتحداكم! .. كنت أشعر بفرح عارم يجتاحني و يغمرني و أنا استمتع إلى إطراءاتها و تشجيعاتها عندما يكون مزاجها في منتهى الإيجابية !… تفوقي في الدراسة و نجابتي مع مرّ الوقت لم يوقف انطباع خالتي شويخة عند باب دارنا .. بل عُنيتُ بهذه الإطراءات و المجاملات من طرف ناس كثر أولهم كل أساتذتي الذين عرفوني في كل الأطوار .. كلما زاد تشجيع محيطي لي و لجهدي و لتميزي زادت قسوتي على نفسي كي أجتهد أكثر و أكون متميزا .. : « خلفاوي شاب مخ ! » « سي خلفاوي ما شاء الله.. مخ نادر من طراز آخر ! » « النابغة » « خلفاوي مضروب على راسو .. مجنون من طراز فريد! » .. هي مختصر لانطباعات و شهادات من يعرفوني و يعرفون عائلتنا بالحي أو بالمدينة . عندما تجاوزت مرحلة المجاملات و التشجيعات و باغتني سن المسؤوليات و تشعب الحياة موازاة مع مساري كنت أشعر أحيانا بأن « مخي » فيه العجب العجاب من تطاحن العوالم فيما بينها .. كان مخي يهطل أفكارا و إبداعا؛ لكني في بعض الأحايين أشعر بالتعب الشديد في سلطاني و أشعر أن المعارك فيه ضروس لكنه في ذات الوقت أعي أنه مهما حدثتهم عن مدى ضراوة تطاحن أفكاري و غليانها لن يفقهوا درجتها و وقعها عليّ.

في حياتي الإعلامية كانت لي الفرصة لكي أكتب عمودا لفترة معنون بـ « أوجاع الرأس » كان العمود الصحفي رئة جديدة تعينني على التنفس في بيئة مريضة و لكي أتحدث عن واقعي كشاب و كمثقف و إعلامي و مواطن مهتم بحال أمته .. لم تتوقف أوجاع رأسي التي أحاول أن أرسمها على الورق إلا أنه حتى ذلك « العمود » ـ كما هو الحال لممارسة الفن التشكيلي ـ أو تلك الفكرة لم تعد تجدِ رضاي فعوضتها بعمود أكثر جرأة وأكثر طرحا ساخرا ناقدا واخزا للضمائر سُمّي بـ « خيبات آخر ساعة » و استمرت « أوجاع رأسي » في ممارسة طقوسها في صمت حتى وجدت نفسي في قلب باريس أبحث عن نفسي و عن وطن في آن … لما مرت السنون انتبهت بأني الوطن لم يغادر أبدا جغرافيته في قفصي الصدري. هنا في باريس لا يحبون كثيرا من يصحبون أوطانهم في قلوبهم!
أذكر في الأشهر الأولى من استقراري كانت لوحة بين اللوحات التشكيلية التي أنجزتها و عُرضت مع لوحات أخرى عمل زيتي « أوجاع الرأس » جسّدتُ فيها شخص ممسك برأسه بقوة لشدة الآلام التي يعاني منها !
****
اتجهت إلى عيادتي عند اقتراب توقيت الموعد مع الدكتور المختص في « التصوير بالرنين المغناطيسي » بأمر من طبيبي المختص بـ « الأعصاب » .. ففي السنوات الأخيرة كانت تأتيني حالة غريبة و مخيفة في فترات متباعدة من الزمن و بدأت تثير لدي القلق .. رغم ترددي كثيرا و إهمالي الزائد إلا أني عزمت على عيادة طبيب « الأعصاب » . تلك الصعقات الكهربائية المزلزلة في مخي التي كانت تأتيني بغتة ـ أثناء حديثي ـ أو دون ذلك مرعبة ، مؤلمة و غريبة جدا…
كانت عندي فكرة فيما يحدث لي مع كثير من التساؤلات، لكني لا استطيع أن أكون جازما بذلك دون تحاليل و أشعة خاصة.
كنت أريد معرفة ما يجري في مخي بالضبط و ما سبب نسياني المتفاقم و ضعف ذاكرتي بشكل مزعج إلى حد لا يطاق و خصوصا تلك الصعقات الكهربائية التي كانت تباغتني لأكثر من مرة و تفزعني ..
منذ زمن بعيد أردد في بعض سياقات الأحاديث للمقرّين و للأهل؛ أني لا أتحمّل و أتخيل يوما أن يصاب مخي بأي مكروه؛ لأنه رأس مالي الوحيد ، كل ما أملك فهو قوتي و سلطاني و جاهي و كل شيء ! . فإليه ألجأ و نتعارك و احتمي به و أذيقه كل أنواع التقطير و العصر و الإجهاد اليومي و منغصات السيادة الرأسمالية و المجتمعات الافتراضية اللاعقلانية و الاختلال المتواصل. طبعا هنا مجازا لا أتحدث عن المخ تشريحا بل عن « العقل ». كان والدي يجتهد أن يكون لقماني الخاص و أنا في عمر الشباب .. كان لا يمل في تذكيري و تكرار مثله على مسمعي كلما سنحت الفرصة .ـ « يا بني .. خذها نصيحة مني :أهل العقول في راحة! » ، كان أبي يعني بقوله « الألباب »؛ و لو خلافا للواقع أن أهل العقول يتعذبون عذابا شديدا في عدم انسجامهم مع مجتمعاتهم و قد يكون بعضهم معاقبا آليا بجهل و انحطاط مجتمعاتهم و مع ذلك فإن « الراحة » بالمعنى الباطن الذي يريد الوصول إليه أبي هي « راحة الضمير » الرضا بتصديق الفكر لسلوكيات الفرد و اتزانه مع نفسه و مع مجتمعه و في عقيدته إن شئنا! عذاب أهل « العقول » يكمن حصريا في غربتهم الفكرية الأبدية المعرفية الثقافية الدينية و في عنادهم و رغبتهم المتجددة في تغيير العالم
من ( المادي البائد إلى الإنسان المثالي القِيَمي النافع )؛ لكنهم لا يستطيعون و لو حرصوا!
***
عرفت من زمن بأني مريض بمرض مزمن يمس حسب الإحصاءات من واحد إلى إثنين بالمئة من الأشخاص في المجتمع و تحديدا حسب الدراسات و التقارير يصيب بشكل ملحوظ (الفنانين و الرسامين و الكتاب و العباقرة ..) أو بالأحرى هاذا المرض هو الذي يعطينا فنانين و كتاب متميزين .. هذه الشريحة من الناس تعاني الأمرين في حياتها بسبب فشلها الذريع في علاقاتها الخاصة و مع المجتمع بشكل عام على مختلف الأصعدة، ـ ( حسب منظور و اعتقاد العالم و المحيط الغربي العلماني ) ؛ كلما كان التعجيل و التبكير في تشخيص المرض كلما زادت حظوظ المريض المعني في الحد من هوس التفكير بالإنتحار كون هذا المرض يدفع كثيرا ضحاياه ـ نظرا لهشاشتهم ـ إلى الإنتحار و رمي المنشفة في منتصف الطريق على حلبة الحياة في قلب الصراع! . كثير من سلوكاتي في الماضي أو في الحاضر تأتي نتيجة استفحال أو تأثير هذا المرض المرتبط بالإبداع أحيانا ارتباطا وثيقا ؛ فأرضى على مضض و أقول : للتميّز ثمنه لا يعلمه إلا من هو ملمّ و عليم و دارس ! ثنائيو القطب أو متعددو الأقطاب لهم القدرة على تمزيق الآفاق و دفعها إلى أبعد و أبعد . قدرة التخيل الإبداع لديهم تتجاوز بكثير أحادي القطب ( عامة الناس) .. هم مصابون بهشاشة عصبية نفسية كبيرين مقارنة بالأشخاص العاديين .. الخيبات قد تسبب لهم كوارثا عصبية نفسية كبيرة قد تؤدي بعضهم إلى إجبارية الحجر و الحجز الصحي في مصحات خاصة .. أما النجاحات و التفوق تمدهم بأجنحة زيادة فوق اللزوم ! يحبون أو يميلون إلى العزلة و الإنطواء ، فيهم الإجتماعي في حدود ، و فيهم اللاإجتماعي إذا تدهورت حالته أو لم يحترم علاجه أو لم يتم تشخيص مرضه قبل نزوله في الدرك الأسفل من المرض و دخول عالم « المجانين » و فيهم الإنتحاري !
ـ من الأمراض التي يصعب تشخيصها إذا كان المُصاب لم يتابع من طرف مختصين في الأمراض الـ « عقلية » ! و يأتي حسب التقارير المختصة التشحيص متأخرا بمعدل عشرة سنوات بعد ظهور المرض …و عادة ما تبدأ أعراض الحالة المرضية في سن الثامنة عشر .. في فرنسا عددهم يقارب المليون و نصف حالة و التقارير تشير إلى إهمال 40 بالمئة من المصابين بهذا المرض و تفويت فرصة اكتشاف مرضهم و التكفل بهم أثناء عيادتهم لمراكز الإستعجال الصحي بسبب اضطرابات و تدهورات في حالتهم النفسية! لكن ليس هذا المرض اللصيق بي منذ زمن طويل سببا في تواجدي عند طبيب الأشعة .. فبعد مضي وقت كان يبدو لي دهرا في غرفة خاصة بداخل « السكينير » و عودتي إلى غرفة الانتظار حال ما يتم إعداد ملف نتائج الفحص بالأشعة التصويرية عن طريق الرنين المغناطيسي و مقابلة الدكتور المختص للتطرق معا إلى « النتيجة » أو الحكم و القول الفيصل…
عند مناداتي من قبل الممرضة لتعلن لي استعداد الطبيبة المختصة في استقبالي ، هرولت إلى المكتب داخلا ، فوجتها تنتطرني . بعد التحية طلبت مني الجلوس و بدأت تسألني عن صحتي و عن نظام حياتي اليومي و ماذا أعمل و كيف فكرت في عيادة طبيب « الأعصاب » الذي أرسلني إليها و ما الذي دفعني لإختيار طبيب الأعصاب بالضبط.. كانت لحظات تبادل بيننا إلا أني كنت لا استطيع مقاومة فضولي بمعرفة النتيجة و الأهم هو انبهاري برؤية صور « مخي » الذي صاحبني قرابة النصف قرن من « الوجود بكل مقاطعه … 90 مقطعا مختلفا ـ مصورا ـ لمخي العجيب . تنقصني تسعا كي أضاهي عدديا الأسماء الحسنى ! بالرغم من الموقف الحرج و الجلل إلا أني كنت أكثر فضولا و أقل ذعرا ؛ ربما لأن توقعاتي « التشخيصية » الشخصية التي دفعتني إلى هذا الإجراء هيأتني نفسيا لتقبل أي نتيجة. قبل مجيئي لهذا الموعد عندما فحصني طبيبي للأعصاب ؛ الذي كان يرى أن كل شيء على ما يرام ـ شكلا ـ و ما طلبه لهذه الأشعة الخاصة إلا لطمأتني ، فهمت من سلوكه أنه اعبترني أعاني من شيء له علاقة بالمرض النفسي العابر و قد أكون أتوهم كل ما حكيته له! لم أجادله كثيرا و عند دخولي من ذلك الموعد قلت للمقربين مني القلائل أني لا أثق في تشخيص أو رأي طبيب الأعصاب الذي أراه متسرعا!. لم أذهب إلى طبيب الأعصاب لكي أثبت أني مريض بشيء ما بل قمتُ بعيادته لأني أعاني بشيء ما ـ حدث مرارا ـ و يثير رعبي و لم اختلقه من عندي !
ـ عندما بدأت الطبيبة المختصة في الأشعة بتفوه ما عندي و شرح الأمر اختلط الأمر عندي بين الصدمة و بين الإطمئنان؛ أني لم أخطئ في تشخيص ما يحدث لي و أن طبيب الأعصاب كان مهوِّنا و مُيسِّرا ، أو ربما كان يتعمد ذلك لتفادي صدمتي و تأزمي نفسيا، فالرجل له من التجربة ما يشفع له ذلك، طبيب مختص من المغرب الأقصى الشقيق في جعبته أكثر من ثلاثين عاما من الممارسة في هذا التخصص.
ـ « لوكوباتي فاسكو سيريبرال » ؛ أي أن لمادة البيضاء لمخي فيها خلايا مصابة أو متلفة إن صحّ التعبير و ذلك لوجود عجز في إنتاج مادة « الميالين » التي تربط بين الفصوص الأربعة للمخ و تقوم أساسا بدور مهم له علاقة بالخلايا و الألياف العصبية الدماغية و بتدفق المعلومات و تسريع إرسال « الرسائل و استقبالها ». وجود مادة « الميالين » بشكل طبيعي و كاف يحمي الألياف العصبية من الدّمار و الإتلاف اللارجعي للخلايا ! هذا المرض يصنف من بين الأمراض « التنكُّسية » ـ تدهورية مع الوقت و تقدم في السّن ـ ؛ أي لا علاج لها إلى حد الساعة.. و يمرّ هذا المرض بمراحل أو برُتَب مقسمة إلى أربع . الرتبة أو الدرجة الرابعة هي من أسوأ المحطات التي يصل إليها المريض. التقرير يؤكد أن هذا المرض الخبيث وصل معي إلى الدرجة الثانية و ـ لله الحمد ـ من مرحلة تقدمه في إتلاف « مخي الغالي !» .
سألت الطبيبة المختصة في علم الأشعة: معنى ذلك أني لم أكن أتوهم في سرد الأعراض من « صعقات كهربائية » و نسيان معيق للحياة اليومية و أني مهدد في أي لحظة بذبحة « دماغية » أو جلطة كما يشاع تسميتها.. فأكدت لي ذلك و أن « مخي الجميل » صار أرضا خصبة مهيئة لحدوث مجازر فيه في أي لحظة و عليّ بدءً من ذلك اليوم إعادة كل « الإعتبارات » الحياتية و الصحية و الغذائية بما في ذلك « صديقتي العدو » الوفية المؤنسة و هي « السيجارة » .. لم تتوقف الطبيبة في إرشادي و توجيهي بعد تسلمي الملف كاملا للأشعة مع التقرير، بل نصحتني أن أقوم بحجز موعد مع طبيب مختص في « القلب » و هذا أمر بديهي نظرا لعلاقة الشعيرات الدموية و الجهاز العصبي و آلية الضعط الدموي. هذا التفصيل الثاني زادني استياء إلا أني مجبر على إجراء ما طلب مني من فحوصات و كشوف طبية. لم تشأ الطبيبة المختصة علاوة على « التهديد بالجلطات الدماغية » أن تتعمّق معي في سيناريوهات ما قد
يسببه لي مرضي هذا.. كالخرف و « الزهايمر » !
***
وأنا بصدد كتابة هذه التفاصيل السردية جاءني خبر إبن أخي « آدم » الطفل الذي توقفت معاناته مع المرض العضال في « رأسه » منذ ميلاده و أقعده طيلة 14 عاما ! ..
لم يُكتب لي و إخوته الصغار أن أتعرف عليهم عن قرب و لا رؤيته و لا تكليمه.. الغياب كما الحزن سفاح يفعل بنا ما يشاء ..
كم يحزنني هذا الخبر يا ابن « الشقّ الشَّقيق المشقوق » لفقدانك.. سيعطيك ربّك يا صغيري هناك فترضى .. فقط، ليتك تسمع رسالة قلبي توصلها إلى ربنا في سابع سماء ..: قل له « التَّحَيَّات لله .. الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ ، الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ .. الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ و أن عبدك عمّي الخضر الذي يموت هناااااك بالتقسيط المنكّل وراء البحار أن ملوحتها تستخرج من مناجم قلبه المطعون .. قل له أن عمّك الذي لم يكتب لك أن تراه مازال يجاهد في الدنيا دون هوادة و يحتاج من ربه العدة و المدد و العون .. قل له أن عبدك الخضر متعب .. متعب .. متعب جدا و أَعيتهُ كثيرا مَهَمّة مطاردة «آل السامري » في تلافيف المدن و مخّه كذلك.. فأبعث معه « كليمك » و أعده إلى « دار الحرب » ليشدد به أزره و يكون وزيرا له و اربط على قلبه و أحلل عُقد الدار الأولى . يا « آدم » : أسكن و براءتك الجنة و كل منها حيث شئت و لا جناح عليك إن وجدت الشجرة ، تذكرني جيدا و نصيحتي و تبوّل عليها و الشيطان معا فبولتك الطاهرة. أفضل منهما .. أتبع الله و أبخس و أهن كل ما فضَّله آدم الأول.. إن وجدت سيّدهم « آدم الأول » من الأفضل ألا ا تكلمه و لا تلقي عليه « السلام » فهو لا يستحق منك التبجيل و التقدير فبسبب طمعه و خياراته وُرّطنا جميعا بالإجبار الوراثي النسلي فوجدنا أنفسنا منفيين في دار « الحرب !» أليس الله بمحب وداع إلى دار السلام! » . يا سلام على هذه الدراما المتكررة مليارات المرات !يا « آدمي » الصغير إن سألك ذلك المذنب الضال قل له يا « صاحب حواء » حتى و إن غفر لك الرّب و تاب عليك فعمي « الخضر » في الدار الأولى ـ الزّفت ـ و سجن المؤمنين لم يغفر لك فعلتك و لن يسامحك أبدا حتى ينظر الله في خصومتكما يوم الدين !
ـ « آدم » يا ابن ابن أُمي لقد ذبحتني برحيلك في عمر الزهور .. لم ترَ شيئا و رأينا كل شيء .. من فينا بربّك أكثر حظا ؟! رحيلك قتلة أخرى و هل يجيد حزني غير قتلي تقتيلا ..! فبأي شكل سيبعثني الله في الحياة الدنيا في مشواري هذا المتبقي يا فقيد والديه! لكم أتمنى أن أبكي بحرا فما عاد بكاء ـ إبداعا ـ صديقي الكاتب المصري « محمد عزام » في « أنفوشياته الثلاث »؛ يكفي ! فمدى الرغبة عندي في توسيع سباخ العالم بعد جفاف الدمع كبيرة !
****
صراحة الطبيبة المختصة التي اكتشفت بعض الخراب في مخي و حثها لي بالإسراع في عيادة طبيب مختص القلب زادني توترا بعد تأكدي بأني مرشح لموت الفجأة و دخولي ضمن قائمة المهددين في أي لحظة بالذبح الدماغي المخي ـ حسب التوقعات اللائكية العلمانية الطبية ـ ..
عندئذ و التفكير أخذني بعيدا في آفاق مظلمة متشعبة قلت في نفسي : « يا ـ ويلي ـ ! قلبي هو أيضا تعب ؟ ! ثم استغفرت خالقي بذات الزمن قلت « الويل » للكفار و المشركين و الذين كذبوا على الله و المنافقين و الظالمين و أنا لست من زمرة هؤلاء ! سبحانك ربي لَكم تحبّني و أحبّك .. و هذه آيات حبنا المتبادل و علاقتنا الوطيدة منذ أن قمت بتربيتي و صنعي على مهل لما وجدت نفسي وحيدا قبل أكثر من أربعين عاما !
***
بعد أيام في الموعد الموالي مع مختص القلب كنت ـ شبه متوتراـ ، كنت أخشى أن هذا المختص أيضا سيجد قلبي في حالة كارثية أتعب من مخي ! رغم أني أعرف قلبي هذا جيدا؛ بغرور نفسي أراه الجنرال ـ ربما الأوحد ـ في تاريخ الإنسانية بعد « أيوب » الذي هزم الكروب وحده و تحدى العواصف و هو ينزف .. و قاوم الظلم و الظلمات و دافع عن المقهورين و هو ينزف و تلقى طعنات كثر، كثر من الصديق و القريب و البعيد .. لم أذكر أن قلبي توقف عن النَّزف يوما.. نساء كثر طَعَنّنَه و جَرَحّنَه.. بتره رجال و أطفال كذلك.. و جرّحه غُرب من بني إنس و بني كلب .. أما الجنّ فأترك لله عدتهم! بالتجربة عرفت أن قلبي لما ينزف فهو ينبض و ما ذلك النزيف إلا حيض جراحي المعّطرة التي تُزين فكري ..
كنت أقول هذه المرة هي الأخيرة و سيتوقف هذا القلب عندما تنفد مؤنة الآه و الندوب و عندما لا يجد ما ينزف به ، إلا أني أراه يتّسع أكثر لآلامي و آلام الآخرين .. ثم يعزف نزفا ! جراحي اللامنتهية الدائمة عندما تنزف تفرز « مسكا أحمرا » كلّ العطر الذي تتزينُ به كتاباتي المؤلمة و تفوح جمالا أنيقا آت من حزني و آلامي . فقط لا أريد أن ينتصر عليَّ الحزن و يصل إلى عالمي المحيط بي و قرائى و أصدقائي و متتبعي بشعا مخيفا .. أريده أن يُرى على أناقته وفاء و احتراما لمقام جراح « الخضر » ، أريد منه إكراها من بياني أن يُقرأ من قبل قرائي و أصحابي فيعيشون بعد ذلك حزني بإنتعاش فيبكون بفرح لأجل ما أكتب من أبعاد إنسانية !
***
لأول مرة عند طبيب القلب أوضع في مشهد خرافي لم أتوقعه يوما.. لقد كنت أرى قلبي ينبض و ينبض و ينبض و الطبيب يشرح لي من خلال الشاشة « الإيكوغرافيا » المباشرة ريتم قلبي الموصول بمعدات طبية متطورة و ما صاحبها من أجهزة لقياس الضغط و « إيقاع النبض » ،، رأيته بحذافره ذلك القلب كيف يضخ و يدير الإيقاع بين ضلوعي.
أحزنني الأمر أني لم أر كثرة الذين ماتوا فيه و دفنتهم تباعا طول عمر كامل من البعاد و الفقد !
بعد انتهاء الفحوص و التصوير و استنادا إلى التحاليل التي أحضرتها معي حاول طبيب القلب المختص أن يختصر الشروحات و التعليمات و أنه حسب ما تقدم فإن قلبي لا يشكو من أي شيء خطير ، عدا مراقبة الكوليسترول و الضغط و الاهتمام بالنظام الغذائي مع ضرورة العودة إليه في موعد لاحق لكي يتم إخضاعي إلى تثبيت جهاز محمول خاص بقياس الضغط خلال 24 ساعة…بالرغم أني أملك جهازا لقياس ضغط الدم إلا أنه ليس جهازا مخصصا للقياس المستمر لنشاطي اليومي …(لا أكذب عليكم .. لقد أهملت هذا الموعد و لم أعاوده لحد الساعة!).
ـ خرجت يومها من عند هذا الطبيب مطمئنا على قلبي أكثر من إطمئناني على مخي .. فقلبي أثق في مقاومته و أنه لن يخذلني بإذن الله و يتوقف في منتصف النزف و لن يصاب هو الآخر بذبحة أعظم فقد افتداه الله بصبر كبير الذي أودعه منذ أن طردتني أمي من بطنها !
لا يعتقد جاهل لي أني من الآسفين على الدنيا أو من الخائفين من الموت؛ لا يخشى الموت إلا كافر أو مشرك أو من أغوته الدنيا و لا يؤمن باليوم الآخر أو يخاف من اليوم الآخر لكثرة حيفه في الأرض و متهاون أو تارك لأهم ركائز دينه . لم أكن في أي وقت مضى من حياتي غير مكترث بقدوم الموت كهذه المرة منذ فحوصات شباط الفارط .. أليس لكل أجل كتاب معلوم عند الله .. كل ما يقلقني أني لم أنتهِ من تدوين الكتاب الذي أريده أن يُكتب و لا يفنى من بعدي حتى يرث الله كل ضعاف القلوب المتشبثون بملهاة « الأمل » دعهم يلهم الأمل ! لا أريد و لا يرضيني أن يتسبب حادث ما في حياتي يختطفني دون أن أعلم. عندما يكون الحادث سببا في ذبحي مُخَيّا و قتلي فورا أو يكون سببا في شللي و إن حدث ذلك فإني أعرف مسبقا « جُناتي جيدا » المرشحون المتوقعون في إحداث هذا الإجرام في حقي ! كل ما أتمناه من الله أن يعطيني فرصة تحضير نفسي للُقياه .. أريد أن أرحل بخاتمة حسناء .. أنيقا كما عهدني الناس فيلقاني ربي محبا دائما للقياه ..إن العزة لله و للمؤمنين فلا أسفا على دار الحروب و التطاحن !
ـ سابقا كنت دوما أعرف و أعي و أؤمن بأن الموت قد يطرق الباب في أي لحظة « فجأة » أو بغتة و هذا حكم الله في شكل حضور « الساعة » للرحلة الأخرى.. لكن هذا التفصيل المستجد في حياتي جعلني أعي بشكل أكثر حازم أن « الموت » هو ظلي و سيكون صاحبا ملازما لي يتأرجح بين قلبي و بين مخي بينما طائري عالق بعنقي دائما و ينتظر أولى الإشارات .. ملزم إذن بترويض نفسي على الصمود و التجلد و عدم السماح لأي مخلوق مهما كانت درجة قرابته بي أو بعده مني و عني أن يكون الأصبع أو الزناد الذي سيضغط على زر توقفي عن الحياة إذا سمح الله.. فالناس و المجتمع و المقربون يقتلون بعضهم يوميا بتعمّد أو عن جهالة و لا يحسنون الذبح أما الله فيتوفى الأنفس و يستقبلها عنده راضية مرضية .. من قال أن الله قاتل قتّال لعباده المؤمنين الذين يحبونه مثلي !
***
أيَا حزن ! يا أستاذي المهول .. قل لـ « نزار الشام » ماذا عرفت عن الحزن !؟ .. أنا كاتب لا يكتب لشَدِّ الانتباه و تسوّل « اللايكات » و التسويق لـ " سالفيات " خَرَف و هوس الافتراض و السَّراب .. حبري هذا أحشاء و أحماض باطنية حارقة و أقلامه أمعاء !
ـ نصوصي لا تحتاج إلى نُقَّاد تحت الطلب في خواص الغرف الزرقاء المغلقة ليعبثوا بالعبث المُنزّل على براءة و عذرية بياض الورق .. نصوصي بحاجة إلى مُختصين في علم التشريح الجنائي لمعرفة أصول « الجريمة » و سبب تحول الكتابة عندي إلى مشاريط (مباضع) تَقُصّ تقطيعا و تفصيلا اللغة على مقاس الوجع !.


***
نم قرير العين يا (ابن ابن أمي ) .. لم تراك عيني لا حيّا و لا متوفيا .. لو تعلم بحزني يا صغيري ! نهرا لا يكفي لرثائك و رثاء نفسي .. أأبكيك بحرا .. هل يكفي !! في جنات الخلد يا " آدم "..
ــــ
*) هومش لمصطلحات الكاتب:
ـ « مُتقَاسِحة »: (متسامحة و قاسحة).
ـ « قَحْشَرِيفَة » : (قحبة و شريفة).
ـ « عَاظالمة » : (عادلة و ظالمة)،
ـ « مُتَّهْبَريئة » : (مُتّهمة و بريئة).
ـ « كاذقة » : (كاذبة و صادقة).
ـ « بَشِعْمِيلة » : ( بشعة و جميلة).
ـ « خاَئِوفِيّة » : (خائنة و وفية).
ـ « ورَاقِياطَّية » : (راقية و واطية).
ـ « وَسنَظيفة » : (وسخة و نظيفة).
ـ « سكيرواعية » : (سكيرة و واعية).
ـ « مصليحدة » : ( مصلية و ملحدة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض