الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
يا طالع الشجرة
حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)
2021 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما الفرق بين الصاعد إلى شجرة، وبين النازل منها؟
يمكن تحديد الفرق، بمعرفة أن جذور الشجرة في التراب ، في الأسفل. بينما فروعها في السماء.
ويمكن تحديد ذلك، بمعرفة أن قوة الجاذبية الأرضية هي التي تشد جرم الإنسان نحو جرم الأرض.
ويمكن تحديد ذلك، بمعرفة أن ديكارت لم يكن أعلى الشجرة!
وبذلك... لا مجد في الصعود إلى الشجرة وقطف الثمار.
ولا سوء أيضاً في النزول من الشجرة إلى التراب، حيث الديدان والطين والحشرات.
لقد كان ديكارت أسفل الشجرة طوال حياته. وما تلك المقولة المنسوبة إلى نيوتن بأنه عملاق لأنه واقف على أكتاف العمالقة ، سوى مادة ضحك دسمة لرينيه ديكارت العظيم.
شكُّ ديكارت، هو تنقيب في الأسفل ، في المناجم، في البواطن، في الظلمات. هو شك غامض، ولو كان واضحاً ، لصار يقيناً. تماماً مثل ثمار الشجرة.
لا مجد ولا بطولة ولا اكتشاف، في أن الصاعد إلى الشجرة سيقطف تينها أو برتقالها، أو أنه ربما يكون هارباً من مفترس ما، أو ربما يريد رؤية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته.
لذلك ، فالمريح أن تضع سلّماً. لتفعل ذلك. استفدْ من انجاز شك ديكارت الذي استطاع انجاز يقين التكنولوجيا.
أغلب الأشجار مريضة برومانسية الشعراء والعشاق ، وبراغماتية صانعي التوابيت، ومريضة بهواجس العلماء حول الحفاظ على البيئة ، ومتخمة بجوع الإنسان وهوسه بجعل كومة فضلاته أكبر من فضلات الديناصور.
لو سمع الديناصور صوت ديكارت، وهو في الأعماق، يتحدث حول اضطراب الظواهر الفلكية المفاجىء ، لنجا ربما من الانقراض بفعل النيزك الذي هبط من الشجرة.
ولو تطور الديناصور ، بناء على نصيحة السنجاب الرشيق الذي نصحه باتباع الحمية الديكارتية، والشك بمصادر الطعام الضخمة كالغابات أو الحيوانات الأخرى ، لنجا أيضاً من تبعات ارتطام النيزك.
السنجاب حيوان ديكارتي بامتياز، يرفع رأسه قليلاً، ينظر بعينيه الرشقتين، ويشم رائحة عدوه، فيصعد إلى الشجرة.
الشك إذاً هو ما يجعل الصعود إلى الشجرة منجاة.( البحث عن الله الموجود وفق المنهج الديكارتي)
أما اليقين بوجود الثمار والظلال فهو حتف المؤمن الشاعر أو الكاتب، والذي هو غالباً يعتمد على حواسه المتغيرة في الحصول على المعرفة. أو على حواس غيره من الكتاّب. فالروائي العربي مثلاً ، يكتب فصلاً كاملاً عن علاقته بامرأة متحولة جنسياً. لكنه طوال حياته لم ير مثل هذه المرأة في الشارع، والروائي العربي يخصص رواية لتجربة اعتقاله السياسي، وهو يعمل بالأصل كاتب خطابات السيد الوزير.
أما الفلاح المسكين، والذي يزرع الأشجار، فلا يستطيع سوى رفع الشعارات عن جنة الأشجار وعن متعة الصعود إليها.
وفي الحقيقة ، هي جنة ديكارات وليست جنة الشجرة. لأن ديكارت يقبع قرب جذور الشجرة عميقاً، وهو يتساءل عن سبب تحول الماء والتربة إلى ثمرة ، ويتساءل عن تلك الصداقة الوثيقة بين بعض الفطريات وجذوع الأشجار، ويتساءل عن شعور الجذور بالماء الباطني ، فتلحق به حيثما كان.
ويبدو ذلك منطقياً متوافقاً مع نظرية التطور. لقد خرج الكائن الأول من ظلام المحيط. قضى هناك ملايين الأعوام وهو يفكر ويتساءل، ويرغب في استكشاف ما رآه مرة حين قيض له الصعود إلى السطح.
لقد دفعه الفضول ، ليخطو أولى الخطوات فوق البر. ثم تطور بعدها عبر ملايين السنين الأخرى ، لينتج لنا ديكارت حقيقي، استنبط أن الشجرة تحتاج إلى تأمل وفلسفة ليكون لها معنى.
وهذا بالتأكيد ما لا يعجب العديد من الكتاب الذين يصعدون إلى الشجرة بحثاً عن الثمار أو فضلاتهم المستقبلية كريهة الرائحة بتعبير غير أنيق.
إن الفلسفة عدو الكاتب العربي. فهو لديه سلّم ويقين وإجابات ومرواغات لفظية وألعاب لغوية، أما الشك الديكارتي فموضوع محرم، وهذا يجعل إقدام العامة على إنكاره، بسبب تعارض المصلحة الدينية معه، أمراً عربياً بامتياز ومفهوماً بامتياز.
يا طالع الشجرة، خذ الشك معك، فهناك سفينة وغمر وفضاء وحقول أرجنتينية مخصصة لأصدقاء بورخيس.
يا لحظه السيء!
بل يا لحظه الجيد!
لقد عمي ، فلم يستطع الصعود إلى الشجرة
لكنه سمع ديكارت في الأعماق، وهو يرطن بجميع لغات الأرض سوى العربية المعاصرة، التي لا تنتج سوى روايات الشعارات والأيدلوجيات وقصص (ستي وستك). حيث الفلسفة مولدة المعرفة، تصبح فسفسة وفصفصة بزر تتسلى به دور النشر أعلى الشجرة
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كيف نفذت المقاومة الإسلامية في لبنان بعملية في عرب العرامشة؟
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تصعد عملياتها النوع
.. ما قصّة قبائل الإيغبو التي يعتبر أفرادها أنفسهم يهودا لكن إس
.. 22222222222222
.. VODCAST الميادين | مع وئام وهاب - رئيس حزب التوحيد العربي |