الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ان الموازنة بين الايرادات والمصاريف الحكومية امرا ضروريا؟

محمد رضا عباس

2021 / 3 / 24
الادارة و الاقتصاد


على الرغم من أخطار استمرار الدولة بالاعتماد على تمويل العجز المالي من خلال القروض الداخلية او الخارجية، الا ان الاقتصاديون قد اختلفوا اختلافا بينا حول هذا الموضوع، وهناك ثلاث فلسفات لهذا التباين، وهي:
1. لا حاجة للموازنة بين الإيرادات والمصروفات الحكومية. أصحاب هذا الرأي يقولون ان الهدف الأعلى والاسمي لجميع الحكومات هو رفع مستوى المعاشي للمواطنين ودعم الاقتصاد الوطني والازدهار الاقتصادي المستمر. وطالما وان المصاريف الحكومية المسؤولة تؤدي الى هذا الطريق، فلا ضير من ظهور العجز المالي المستمر. عبد الله يحتاج الى عمل من اجل توفير العيش الكريم لعائلته، وعليه ان ظهور العجز المالي في ميزانية الدولة لا يساوي معاناة عبد الله وعائلته، والاحسن بالحكومة الاهتمام بمواطنيها قبل الاهتمام والتفكير في قضية العجز المالي. العجز المالي سوف يؤدي الى افلاس مواطنين ان لم يستطيعوا الإيفاء بديونهم، فيما ان الدولة لا تفلس، لإن لديها الأدوات القانونية لحمايتها من الإفلاس، وهي وجود مطابع النقود. ففي أقسى الحالات تستطع الدولة التي تعاني من تراكم الديون تشغيل مكائن طبع النقود ودفع المستحقات عليها.
هذا الرأي ربما ينطبق الى حد بعيد على الدول الصناعية الكبيرة والتي لا تعاني من التضخم المالي وان عملتها من العملات التي تستعمل في التجارة العالمية مثل الدولار واليورو والباوند والين الياباني. على سبيل المثال تستطع الولايات المتحدة الامريكية بتشغيل مكائن طباعة النقود للإيفاء بديونها الخارجية. الا ان دول مثل العراق، لا تستطع زيادة طبع عملتها الورقية من اجل دفع ديونها الخارجية لان عملتها لا تستعمل في التعاملات الخارجية. وعليه فان اقتراض العراق الخارجي من اجل تمويل العجز المالي في ميزانيته يجب ان تسترد بالعملات الأجنبية مثل الدولار او اليورو. يضاف الى ذلك ان معظم مصاريف ميزانية العراق هي على رواتب الموظفين (تشغيلية وليس رأسمالية)، وبذلك فان الاقتراض الخارجي من اجل هذا الهدف (دفع رواتب الموظفين)، يصبح عبء إضافي على العراق، لإنه لا فائدة مرجوة منه مثل فائدة بناء جسر على نهر الفرات او انشاء طريق عام حديث من أربع خطوط بين كربلاء والنجف الاشرف او سد مائي يحفظ مياه العراق من الهدر.
2. الموازنة يجب ان توازن بين الإيرادات والمصاريف حتى لو ادعى الامر الى اصدار قانون او إضافة مادة في دستور الدولة. أصحاب هذا الرأي يقولون ان السياسيون بشر حالهم حال الاخرين يريدون المحافظة على وظيفتهم، وطالما ان المواطن أينما كان على الكرة الأرضية يرضى بالمزيد من الخدمات الحكومية ولا يرضى بزيادة الضرائب عليه، فان عدم وجود قانون يضبط المصاريف الحكومية سوف تشجع السياسيون في مجالس النواب من عدم الاكتراث بزيادة المصاريف الحكومية وربما يقومون بتشجيع الحكومة بصرف الكثير من اجل كسب مودة منتخبيهم. الا ان نتيجة هذه السياسة هو قيادة البلاد الى الإفلاس وعدم استطاعت الدولة من ايفاء قروضها، زيادة نسبة الفوائد على القروض، والتضخم المالي.
رأي هذه المجموعة من الاقتصاديين يعد معقولا ويوافق تجارب الأمم مع العجز المالي المستمر، حيث انه بضغط العازة المالية تقوم الدولة بالاقتراض المباشر من البنوك التجارية مما يؤدي الى زيادة سعر الفائدة وعدم استطاعة القطاع الخاص من الاستثمار. كما وان طبع النقود المفرط من اجل تغذية ميزانية الدولة لا ينتج منه الا ارتفاع في الأسعار كما هو معروف. الا انه يؤخذ على أصحاب هذا الرأي هو ان اصرارهم على مساوات المصاريف الحكومية بإيراداتها قد يضر الاقتصاد الوطني في زمن الحالات الاقتصادية الصعبة. على سبيل المثال، في زمن الركود الاقتصادي وانخفاض الطلب العام (Aggregate Demands) على السلع والخدمات يكون من المفروض على الحكومة القيام بتنشيط الطلب وتشغيل السوق مرة أخرى من خلال زيادة مصاريفها، الا ان عدم استطاعت الحكومة بالقيام في هذا الدور بسبب عدم مخالفة القانون او الدستور سوف يعمق من اثار التراجع الاقتصادي ويطول وقته ويتأثر أبناء الوطن بتأثيراته السلبية، وعلى الحياة المعاشية لهم. الدولة وبسبب القانون او الدستور لا تستطع زيادة مصاريفها من اجل إنعاش السوق ولا تستطع تخفيض الضرائب على المواطنين من اجل رفع قوتهم الشرائية. هذا الحديث ينطبق حتى عند مرور الاقتصاد الوطني في مرحلة التضخم المالي. في حالة مرور البلد في مرحلة التضخم المالي يتطلب من الدولة تقليص مصاريفها من اجل السيطرة على التضخم، ولكن عدم السماح لها بخفض مشتريتها بحجة عدم الاخلال بالموازنة، يزداد التضخم قوة في البلد.
3. الرأي الثالث أكثر عقلانية وأكثر عمليا، وأكثر فعالية، حيث يعطي الحرية للدولة باستخدام العجز المالي في إدارة اقتصاد البلاد، على امل ان يسد هذا العجز في أيام الازدهار الاقتصادي. على سبيل المثال، لو مرت البلاد بركود اقتصادي وأدى هذا الركود الى عجز مالي قدره 100 مليار دولار، فان الدولة تستطع سد هذا المبلغ، 100 مليار دولار عندما يرجع الاقتصاد الوطني الى عافيته. معقول جدا، تماما مثلما يضطر مواطن لشراء بيت من خلال قرض عقاري ويقوم بدفع أقساط القرض السنوية حتى نهاية مدة القرض ويصبح الملك ملكه. الا انه يؤخذ على هذا الرأي بان فترة الركود الاقتصادي والتعافي الاقتصادي لا تكون متساوية في اغلب الأحيان. فقد تطول فترة الركود الاقتصادي لمدة ثلاثة سنوات، فيما ان فترة التعافي قد تطول سنتين فقط، عليه فان عدم تساوي الفترتين ربما يؤدي الى عدم استطاعة الدولة الإيفاء بحجم العجز المالي. يضاف الى ذلك ان النمو الاقتصادي في زمن العافية قد لا يكون قويا جدا تستطع به الدولة من سد حجم العجز وخاصة في الدول المتقدمة صناعيا حيث من النادر ان ينمو اقتصادها أكثر من 5%. واخير، فان عدم التزام الدولة بالموازنة لفترة معينة قد يشجع قادة البلاد السياسيين بالتمادي في زيادة المصاريف كما يحدث في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية. لقد كانت فترة التعافي الاخيرة في الاقتصاد الأمريكي تزيد على 98 شهرا (بعد ركود عام 2008-2009)، ومع هذا فقد بقيت الميزانية الامريكية تعاني من العجز السنوي.
على اغلب الاحتمالات، ان الميزانية العراقية سوف تسير على نفس هذا الاتجاه، وهو استمرار العجز المالي وللأسباب التالية:
1. ان الاقتصاد العراقي ما زال يعتمد اعتمادا قويا على إيرادات بيع النفط، وطالما وان أسعار النفط سوف لن تتعافى في الأمد القصير، فان الميزانية العراقية هي الأخرى سوف تعاني من العجز المالي المستمر.
2. عدم استطاعة الدولة بعد التغيير إعادة الحياة الى قطاع الزراعي والصناعي يعني زيادة اعداد الفقراء ويدعوا الى استمرارها الصرف على مشاريع الرعاية الاجتماعية. الفقر في العراق لا ينتهي بدون النظر بجدية الى قطاع الزراعة والصناعة.
3. عدم استطاعت الدولة من جلب الاستثمارات الخارجية الى البلد يعني تجميد طاقات عاملة هائلة بدون عمل واعتماد متزايد على الوظائف الحكومية، وزيادة في حصة الميزانية التشغيلية على حساب الميزانية الرأسمالية.
على الدولة العراقية زيادة مصاريفها حتى في وقت تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ولكن هذه المصاريف يجب ان توجه الى المشاريع الاستثمارية. ان انشاء مستشفى عام في محافظة ديالى سوف يحتاج على الأقل 2000 من العاملين المنتجين، وحتى وان كانت خدمات هذه المستشفى بالمجان فان الفائدة من هذه المؤسسة ستكون عظيمة على الاقتصاد الوطني في الأمد الطويل. والاهم من ذلك يحرر دوائر الدولة من الاكتظاظ بالموظفين الذين يعانون من الفراغ. وان تأسيس سد في جنوب العراق يمنع المياه من الانسياب الى البحر بدون فائدة منه، سوف يطور العراق زراعيا ويقلص اعتماده على رحمة إيران وتركيا. انه من السهل مقارنة الفائدة من هذه المشاريع مع الفائدة على القروض المصرفة على هذه المشاريع. اعلى فائدة يدفعها العراق على قروضه هي 5% سنويا، ولكن الفائدة من تأسيس سد يحمي المياه العراقية من الهدر ربما تزيد على 20%سنويا، فقارن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024




.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام