الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نازك الملائكة - رؤية إنسانية متجددة (٤)

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2021 / 3 / 24
الادب والفن


فجرت الشاعرة نازك الملائكة ثورة تجديدية شاملة أحدثت نقلة كلية في الحركة الشعرية العراقية والعالمية بعد كتابتها أول قصيدة لها علي نمط "الشعر الحر او التفعيلة"؛ والتي نشرت في بيروت وإنتقلت إلي بغداد عام 1947م حسب ما ورد في كتاب "قضايا الشعر المعاصر" للشاعرة نازك الملائكة، والملاحظ، صدور ديوان "أزهار ذابلة" للشاعر شاكر السياب في ذات العام حاملاً قصيدة بعنوان "هل كان حباً" علي وزن الشعر الحر مما يوحي باستجابة العقول والقلوب للثورة الشعرية الجديدة التي أخذت مكانة رفيعة في العالم بتعابيرها المرنة والمعبرة التي تصور الأشياء بطرائق جاذبة للذهن ومثيرة لشغف القراء في عالمنا، وفيما يلي عرض لمختارات من أبيات القصيدتيين "نازك الملائكة وشاكر السياب".

تقول الشاعرة نازك الملائكة:

طلع الفجر
أصغ إلي وقع خطى الماشيين
في صمت الفجر، أصغ، أنظر ركب الباكيين
عشرة أموات، عشرونا
لا تحصِ، أصغ للباكينا
أسمع صوت الطفل المسكين
موتى، موتى، موتى، ضاع الغد
موتى، موتى، موتى، لم يبق غد

ويقول الشاعر شاكر السياب:

هل يكون الحب انــي
بت عبداً للتمني
أم هو الحب أطراح الأمنيات
وإلتقاء الثغر بالثغر ونسيان الحياة
وإختفاء العين في العين إنتشاء

هكذا، نازك وشاكر قد كتبا قصيدتان؛ جميلتان؛ مزدهرتان في كل مواسم الحركة الشعرية الجديدة الآخذة في توسعها الأفقي والرأسي الذي وضع طوق غليظ من مخاوف الذبول حول الأنماط الشعرية القديمة؛ الأمر الذي جعل العديد من النقاد يصوبون أسنة أقلامهم نحو كتابات الشعر الحر، وإحتدم وقتذاك صراع وجودي بين الشعراء الحداثويون والكلاسيكيون بلغ حد التشابك في العام 1950م حين صدر ديوان "ملائكة وشياطين" للشاعر عبدالوهاب البياتي، وديوان "المساء الأخير" للشاعر شاذل الطاقة، وديوان "أساطير" للشاعر بدر شاكر السياب، وكانت هذه الدواوين إبحار جديد في أنهر ثورة الشعر الحر باعتبارها لونية خفيفة الوزن؛ ذات مرونة، ولا تتقيد بقانون القافية الذي تعارف الشعراء عليه وحفظوه منذ عصور بعيدة؛ لكن أخذت ثورة الشعر الحر تتمدد وتتوسع رغم مقاومة البعض لها دون جدوى، والثورة في أي مكان وزمان تعتبر كسر حواجز وقوانيين النمطية وإفراز واقع جديد يغير مسار حركة المجتمع، وتحمل الثورة في عمائقها صورة تجديدية تعبر عن مشاعر وأفكار جيل جديد تتملكه تطلعات مشتركة فقط مجرد الضغط علي زر الكلمة تكفي لتوصيلها ببعضها؛ وبالتالي يحدث الإنفجار، وهنا نتوقف؛ ونواصل تتبع الثورة الشعرية الحرة المعاصرة بفتح أبواب جديدة للإطلاع علي نمازج مختارة من مدرسة شعر فريدة أنتجتها الملاك - نازك الملائكة؛ تلك المرأة المتمردة علي كافة قيود "الشعر المألوف والمقدس الشعري" بغية التحرر الكلي والصعود إلي عالم جديد.

تقول الشاعرة نازك الملائكة:

من أين يأتينا الألم
من أين يأتينا
أخي رؤانا من قدم
أمس إصطحبناه إلي لجج المياه
وهناك كسرنا؛ بددناه في موج البحيرة
لم نبقٍ منه آهة لم نبقٍ عبره
ولقد حسبنا أننا عدنا بمنجى من أذاه
ما عاد يلقي الحزن في بسماتنا
أول يخبئ الغصص المريرة خلف أغنياتنا
ثم إستلمنا وردة حمراء دافئة العبير
أحبابنا بعثوا بها عبر البحار
ماذا توقعناه؟ غبطة ورضا قرير
لكنها إنتفضت وسالت أدمعاً عطشى حرار
وسقت أصابعنا الحزينات النغم
أنا أحبك يا ألم

إن آلام الشاعرة نازك الملائكة تحمل في طياتها الكثير من القصص والمشاهد المؤثرة التي صاغتها وصنعتها سنوات الهجرة حول عواصم العالم من بغداد إلي الكويت ثم القاهرة التي غادرت منها إلي عالم الخلود، وفي هذه الرحلة الطويلة لم تفارق معاطفها الورق والأقلام حيث سطرت للبشرية شعراً حراً عبر عن أحلامهم وأشواقهم في حياة إنسانية وعالم آمن، وقد مسحت بمنديل شعرها الحريري شلال دموع ينبع من عين الكادحيين والمكافحيين في مناحي شتى ويصب في مجرى الحياة؛ حياة للإنسان، وكانت نازك الملائكة مرأة للإنسانية، كالحمائم تعشق الفضاء والتحليق بحرية ولا تقبل العيش في محابس الإستبداد والتسلط، وأعتقد أن هذا الأمر بائن في كتاباتها الشعرية التي حاول النقاد حشرها في زاوية مظلمة من غار التاريخ لكنهم نسوا أن الكلمة الحرة نبتة إنسانية لا تموت وإن طال غياب المطر؛ لذلك إستمرت تيارات الشعر الحر في إنسيابها وإنصبابها دون تعثر يذكر، ونعود إلي السياحة الشعرية، ومرة آخرى نتوقف قليلاً لمطالعة مختارات شعرية للشاعرة الجميلة نازك الملائكة.

تقول الشاعرة نازك الملائكة:

ﺍﻧﺘﺼﻒ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﻣﻠﺊ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺃﻣﻄﺎﺭ
ﻭﺳﻜﻮﻥ ﺭﻃﺐ ﻳﺼـﺮﺥ ﻓﻴﻪ ﺍﻹﻋﺼﺎﺭ
ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﻣﻬﺠﻮﺭ ﺗﻌﻀﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺮﻳـﺢ
ﺗﺘﻮﺟﻊ ﺃﻋﻤﺪﺓ ﻭﺗﻨﻮﺡ ﻣﺼﺎﺑﻴــﺢ
ﻭﺗﻈﻞ ﺍﻟﻄﻔﻠﺔ ﺭﺍﻋﺸﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻔـﺠﺮ
ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺒﻮ ﺍﻹﻋﺼـﺎﺭ ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﺪﺭﻱ
ﻓﻲ ﻣﻨﻌﻄﻒ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﻓﻲ ﺭﻛﻦ ﻣﻘــﺮﻭﺭ
ﺣﺮﺳﺖ ﻇﻠﻤﺔ ﺷﺮﻓﺔ ﺑﻴﺖ ﻣﻬــﺠﻮﺭ
ﻇﻤﺄ، ﻇﻤﺄ ﻟﻠﻨﻮﻡ ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻧﻮﻣﺎ
ﻣﺎﺫﺍ ﺗـﻨﺴﻰ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﺃﻡ ﺍﻟﺤﻤﻰ
ﺿﻤﺖ ﻛﻔﻴــﻬﺎ ﻓﻲ ﺟـــــﺰﻉ ﻓﻲ ﺇﻋﻴﺎﺀ
ﻭﺗﻮﺳﺪﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺮﻃﺒﺔ ﺩﻭﻥ ﻏــﻄﺎﺀ
ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻗﻨﺎﻉ ﻣﺼﻄﻨﻊ ﺍﻟﻠﻮﻥ ﻛﺬﻭﺏ
ﺧﻠﻒ ﻭﺩﺍﻋﺘﻬﺈ ﺍﺧﺘﺒﺄ ﺍﻟﺤﻘﺪ ﺍﻟﻤﺸﺒﻮﺏ
ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺻﺮﻳﻊ ﻛـﺆﻭﺱ
ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﻟﻔﻈﺎ ﻳﻘﺮﺍء ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻣﻮﺱ

قرأت مؤخراً؛ قبل وشهور، كلمات وعبارات مؤثرة جداً خطها الكاتب والناقد الفذ ماهر شرف الدين في مجلة "نـقـد"؛ إصدارة العام 2011م؛ متحدثاً عن مسيرة الشاعرة نازك الملائكة مع إستبيان جملة من الحقائق الموضوعية مسار الجدل في مجالس الشعراء والمهتميين بقضايا النقد والتنوير وظاهرة الشعر الحر في تجربة الثورة الشعرية التجديدية التي تعتبر نازك الملائكة من أعظم روادها؛ أغطانا الكاتب صورة متكاملة لهذه التجربة الفريدة التي تزينت بلونية متحررة من القيود وأضحت الأوسع إنتشاراً وقبولاً في العصر الحديث، وأعتقد أن هذه التجربة الثرة وبالنظر لعمقها وإنتشارها ينبغي إجراء المزيد من الكتابات التحليلية والنقاشات التثاقفية حولها؛ فما نطالعه الآن مجرد وميض من إقتباسات بسيطة في الشعر المخطوط بعناية علي دفاتر نازك الملائكية، وهنالك مئات المؤلفات الشعرية الحديثة بلونية الشعر الحر والكتب النقدية لنازك وغيرها تحتاج لقراءات أعمق، ويجب أن يعمل المثقفيين علي تنظيم ندوات ومنتديات تنويرية حول الشعر الحر وقضايا الثقافة وكافة التحولات المصاحبة للحركة الأدبية؛ فمن أكبر إستشكالات هذا العصر عدم تعبيد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب وغياب الإهتمام بقضايا الشعر وبل نجد الكثير من الشعراء الناطقيين بأحلام شعوبهم بعضهم يقبعون خلف أسوار المحابس والبعض الآخر يعانون من التهجير لإجهارهم بالقول الذي لا يسمح به حدث هذا مع شعراء كثر، لذلك نحتاج لمد الجسر الثقافي بالشعر الرصين وتطوير الحركة الأدبية وفتح مراكز الإشعاع الفكري وتفجير ينابيع الإبداع بالسير علي طريق تثوير النص الشعري أو النثري أو الروائي لتصوير حركة المجتمع كما فعل المجدديين من ثوار الحركة الأدبية في كوكبنا مثل الشاعرة الثائرة نازك الملائكة.

24 مارس - 2021م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي