الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة الشعريّة في نصوص - يا لَهذا - للشاعر العراقي البابلي عباس مزهر السلامي.

غانم عمران المعموري

2021 / 3 / 25
الادب والفن


تبلورت شخصية الناص عِبْر تمظهرات سياقية خارجية اجتماعية وتاريخية ونفسية خاصة وعامة من خلال المجتمع الذي يعيش فيه تركت سيّلاً من الذكريات والآلام في اللاوعي المخزون الذي ينهض ويتحول إلى صور ابداعية فنية متأتية من موهبة رافقت الشاعر بالإضافة إلى مرجعياته الثقافية ونهله من المعارف والعلوم عن دراية ومتابعة للأدب العربي والعالمي صقلت موهبته لذا نجد " أنَّ الذات المبدعة هي الفاعل الأول والمحرك التوليدي الاساس بامتلاك الموهبة وقدرة البعث والاشتقاق وتشكيل ألوان الابداع بوجود المؤثرات أو لا, اضافة لخلق بؤر نصية جانبية أو عامة كجزء متمم لفكرة الموضوع من خلال لغة النص؛ تساعد بإحالة المتلقي لجوانب عديدة في النص أهم من يقف عندها هو الناقد وربما يكون الأفضل بتحديد المسار الحقيقي لدلالة النص " 1.

ابتدأ الناص قصيدته بعنوان " يا لَهذا " التي تُعتبر أحدى العتبات الدلالية التي تحتاج إلى التأويل والتحليل وتمارس دورها التأثيري المشوق للمتلقي
حيث تتأرجح الذات الشاعرة بين التعجب والاستفهام بديناميكية تخلق تسجيل مرئيّ يحرّك ويُدغدغ مشاعر وعواطف القارىء..

-1-
يا لَهذا
يا لَهذا الجدار
يفتحُ في ذاكرتي
ثقباً
ويدعوني للخروج !
عندما تتأمل هذا المقطع تكون أمام صورة شعرية مبنية على ابتكارات وتقنيات غير مألوفة اعتمدت التكرار اللفظي الذي أضفى على النص قيمة جمالية ولإظهار مقصديته من خلال التكرار بشكل متجدد وإيقاع موسيقي متصاعد كما في النوتات الموسيقية التي تتدرج في مستوى الصوت ليكشف عن الصراع الداخلي المتأزم التي تُعانيه الذات من خلال تأثير العالم الذي يحيط بها بتناقضاته وسلبياته ومشاكله العالقة وأثرها البالغ فيه كونه أحد أفراد المنظومة الانسانية التي يُساهم في بنائها وحيث أنَّ " التكرار لا تقتصر وظيفته على تلخيص الغرض، أو توكيده بهدف التأثير في المتلقي وتنبيهه،ولا على اعتباره لازمة تفصل المقطع عما يليه، وإنما يؤدي التكرار دوراً بنائياً داخل بنية النص الشعري بوصفه يحمل وظيفة إيقاعية وتعبيرية؛ الغرض منها الإعلان عن حركة جديدة تكسر مسار القراءة التعاقبية،لأنها توقف جريانه داخل النص الشعري، وتقطع التسلسل المنطقي لمعانيه،وهذا كله يتطلب البحث عن عمق الدلالة النفسية لأثر التكرار في تحقيق جمالية النص وقوته البلاغية”2.
يا لَهذا المكان !
يجلدُ الذاكرة بسوط الحنين
ويعيد الجسد المنتصب – بالكاد –
لجادة الوجع

ومن خلال تكرار لفظي عالي الإيقاع نهل مفرداته من معجمه اللُّغوي الذي كان عن استذكار واستحضار لعبارات ومفردات مرتبطة بذكرياته العاطفيه وأحاسيسه ومشاعره بدلالة شعورية أو لا شعورية, خيالية أو حقيقية مخزونه في ذاكرته, فالجانب العاطفي سبّاقاً في إثارة مشاعر الناص سواء أكان ذلك في اتجاه سلبي أو ايجابي لذلك كان التأمل وسرعة استرجاع المعلومات المشحونة عاطفياً والتذكّر من المصادر التي تُساعد الناص في خلق الصورة الشعرية حيث تختزن الذاكرة و" يمكن اعتبارها خزانة الملفات التي تشعرك بالحزن أو الفرح أو غير ذلك من المشاعر وتعتبر المعلومات العاطفية أقوى أنواع المعلومات لذا فإن الدماغ يعطيها أولوية المرور على سائر المعلومات"3.

يا لَهذا الصباح !
- الذي انتظرناه طويلاً –
- أراه
- ينزف ضوءاً معتماً !
- ينتقل بنا الناص من خلال التكرار" يالهذا " بأسلوبين الأول تأملي بصيغة التعجب والجمع الذي يخرجه من الأنا الخاصة إلى العامة ثم يعود إلى خصوصيته المتفرده في رؤية الواقع بمنظار شاعر واعي يلتقط ما يقع عليه نظره من مظاهر سلبية أثرت فيه وبالمجتمع الذي يعيش فيه وذلك من خلال الشطر الثاني "
- -أراه
- ينزف ضوءاً معتماً !
الذي يمثل خيبة أمل لمستقبل كان يتأمل فيه الخير والصلاح لكنه تلمس عكس ذلك من ظلم واضطهاد وسلب الحرية الخاصة والعامة



يا لهَذا الحنين !
ينهش الروح بشراسة
ويخربش فوق جدران الذاكرة !
***
يا لَهذا الحظ !
الذي نفَضتُ جيوبي فوق عيونه
حتى شعرت بالخجل !
***
يا لَهذا الأمل !
أشاغِله, أتربص به,
أنصب له الشراك.
تلك الشراك التي يُسقِطني على غفلة فيها ويفرّ
***
يا لَهذا القلب
الذي
لا أعرف وجهته !
أراه يرتجف متى
ما بوغِتَ بنظرة حانية !
***
يا لَهذا الجسد .. يا لَجَسَدي
لطالما خذلتني ...
كنتُ كثيراً ما أراك تتوكأ
على روحي كي تقف بي !
***
وظف الناص بالإضافة إلى التكرار الذي أضفى جمالية في الصورة الشعرية المُعبَأة بالانزياحات اللّغوية التي تضمن الدال والمدلول في بنية القصيدة واستثمار اللغة ودلالاتها اللفظية داخل النص ليخلق لنا تيمة تتفرع وتتشظى إلى تيمات أخرى لكنها تصب في النهاية في هدف واحد يقصده الشاعر حيث جعل من الحنين/ ينهش الروح بشراسة
ويخربش / فوق جدران الذاكرة ! بأسلوب انزياحي لغوي مُثير للمتلقي وداعياً للتأمل والتفكير وبإيقاع موسيقي..

يا لَهذا الحظ ! , يا لَهذا الأمل ! , يا لَهذا القلب , يا لَهذا الجسد .. يا لَجَسَدي
بعث الناص من خلال هذا التكرار إيقاعاً لافتاً يُنبه القارىء ويُقظه من السبات إلى التأمل والتحليل وشّد انتباهه إلى العبارة أو الحرف المكرر وحقق توازن للقصيدة فنياً وساهم في تكاملها الإيحائي عن طريق صور مختلفة الدلالات لكنها تدور في مجال واحدة ..
أما في النصوص في تسلسل -2-


يا لَهذا
يا لَهذا الطيور
لا تجروء أن تفرَّ
حتى لو فتحنا لها باب القفص ؟
***
يا لَهذا الدار !
كلما دارَالزمان,
شّدّتكَ بالحنين
وسحبَتكَ طائعاً ملهوفاً إليها !!
***
يا لَهذا الشمعة !
ما عساها أنْ تفعل
وأبواب الليل مشرعة
والريح العاتية تصولْ
و" الضوء " بكامل قامته
يصغي ويضخ للعتمة ؟
***
يا لَهذا الأطلال !
التي أراها
لا تستفز الذاكرة ؟
***
يا لَهذا الأحزان !
كم مرة توسلتها أنْ نجلس معاً
لنتمرَّن على الفرح
حتى لو كان مِراننا على فرحٍ كاذب
لكنّها – الأحزان – يا لجرأتها
كانت في كل مرّة لا تصدّني فقط
بل كانت تجبرني على البكاء.

كانت ذاكرة المكان والزمان حاضرة في كل صورة شعرية بل هي عبارة عن هالة مُشعة بالأنوار تغذي روحه بوعي أو بلا وعي, تدخل له بإستئذان أو دون استئذان لتتزواج مع موهبته وثقافته المتنوعة لتسيل مع روحه على بياض الورق بموسيقى حزينة أو كأنها تراتيل قُدسيّة من نوعٍ خاص من عالم أسسه بنفسه حتى كان الماضي مُتربعاً بين ثنايا حاضره, يُغرد بلسان الحاضر, بصوت وبأوجاع الماضي, عندما تتأمل نصوص الشاعر كأنك تحس وتعيش الحزن من خلال تلك الصور المتحركة, ترى الدموع وهي تتساقط على وجنتيّه وتسمع دقات القلب وهو يعتصر من الألم والمرارة كما في نصه:

يا لَهذا الأحزان !
كم مرة توسلتها أنْ نجلس معاً
لنتمرَّن على الفرح
حتى لو كان مِراننا على فرحٍ كاذب
لكنّها – الأحزان – يا لجرأتها
كانت في كل مرّة لا تصدّني فقط
بل كانت تجبرني على البكاء.
لقد كان لهذا التدفق في الصور الشعرية المتناغمة من سمات النصوص الحديثة التجديدية التي دأب الشاعر في خلقها للخروج من المألوف والتمرد على التقليد و الموروث الشعري القديم من خلال استحضار تيمات متنوعة ومختلفة الدلالات تتوالد عِبْرها الأفكار وتتعانق المتضادات والانزياحات والتكرار لكنها في النهاية تلتحم لتُشكل لنا قطعة موسيقية بإيقاع شعري يوصل فيما بينها, استطاع الناص خلق صور شعرية كثيرة حسّية وبصريّة من خلال التعبير عن مشاعره الداخلية الخاصة به وبالمجتمع الذي ينتمي إليه بكل كيانة مع الواقع حيث كانت ذكرياته صرخة الماضي البعيد الذي يقفز ويتربع في الذاكرة واستطاع أن يوقظ مشاعر المتلقي ويجعله يستحضر ذكرياته...

-1-
يا لَهذا
يا لَهذا الجدار
يفتحُ في ذاكرتي
ثقباً
ويدعوني للخروج !
***
يا لَهذا المكان !
يجلدُ الذاكرة بسوط الحنين
ويعيد الجسد المنتصب – بالكاد –
لجادة الوجع
***
يا لَهذا الصباح !
- الذي انتظرناه طويلاً –
- أراه
- ينزف ضوءاً معتماً !
***
يا لهَذا الحنين !
ينهش الروح بشراسة
ويخربش فوق جدران الذاكرة !
***
يا لَهذا الحظ !
الذي نفَضتُ جيوبي فوق عيونه
حتى شعرت بالخجل !
***
يا لَهذا الأمل !
أشاغِله, أتربص به,
أنصب له الشراك.
تلك الشراك التي يُسقِطني على غفلة فيها ويفرّ
***
يا لَهذا القلب
الذي
لا أعرف وجهته !
أراه يرتجف متى
ما بوغِتَ بنظرة حانية !
***
يا لَهذا الجسد .. يا لَجَسَدي
لطالما خذلتني ...
كنتُ كثيراً ما أراك تتوكأ
على روحي كي تقف بي !
***
-2-
يا لَهذا
يا لَهذا الطيور
لا تجروء أن تفرَّ
حتى لو فتحنا لها باب القفص ؟
***
يا لَهذا الدار !
كلما دارَالزمان,
شّدّتكَ بالحنين
وسحبَتكَ طائعاً ملهوفاً إليها !!
***
يا لَهذا الشمعة !
ما عساها أنْ تفعل
وأبواب الليل مشرعة
والريح العاتية تصولْ
و" الضوء " بكامل قامته
يصغي ويضخ للعتمة ؟
***
يا لَهذا الأطلال !
التي أراها
لا تستفز الذاكرة ؟
***
يا لَهذا الأحزان !
كم مرة توسلتها أنْ نجلس معاً
لنتمرَّن على الفرح
حتى لو كان مِراننا على فرحٍ كاذب
لكنّها – الأحزان – يا لجرأتها
كانت في كل مرّة لا تصدّني فقط
بل كانت تجبرني على البكاء.

المصادر
1- سعد الساعدي , نظرية التحليل والارتقاء , مدرسة النقد التجديدية , دار المتن 2020 , ص74.
2- ترمانيني،خلود،2004- الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث،ص306
3-التَّفكير والتَّعلُّم والذَّاكرة في ضوء أبحاث الدماغ, إبراهيم الحارثي, مكتبة الشقري, الرّياض, ط1, 2001, ص 190.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81