الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن لا تكون عميلا لن يجعلك بالضرورة وطنيا

جعفر المظفر

2021 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ما زلنا حقا بحاجة إلى تعريف حقيقي ودقيق لمعنى الوطنية ومعنى العمالة, إذ رغم كل المآسي التي مرت بنا, وعلى يد حكامنا الثوريين بالذات, فإننا ما زلنا نتداول تلك الثقافة التي تقول إن معنى الوطنية هو أن لا تكون عميلا للأجنبي, وهو تعريف يصلح لأن يكون شعارا مخابراتيا لا شعارا سياسيا, وبهذا التجريد والتحريف والتبسيط فقد سهل الفكر السياسي العربي لمجاميع اللصوص والمخادعين أن يكونوا وطنيين وحتى أن يكونوا قادة.
ولعل أكثر حكامنا الثوريين كانوا يؤكدون على المفهوم المخابراتي للكلمة حيث لاحاجة هناك لتحليتها أو تمليحها بمفردات مضافة كتلك التي لها علاقة بالأمانة والنزاهة والعفة والصدق أو أية مفردة أخرى من مفردات المنظومة الأخلاقية. إنه نفس مفهوم الإيمان بالله ومفهوم التدين ذلك الذي يشيعه الدجالون, إذ يكفيك أن تصلي الخمس لكي تكون مسلما بخمس نجوم, ثم تلحقها بنجوم أخرى لو إنك زكيت أو خمّسْت . ولن ينال من إيمانك ومن لمعان نجومه لو إنك كذبت ودجلت وأكلت مالا حرام.
إن الوطنية, هي بالتأكيد كلمة بلوازم وصفات مركبة ولكنها مع ذلك ليست معقدة التعريف أو عصية على الفهم. إنها ببساطة حب الوطن والسعي لتوفير حياة حرة كريمة وسعيدة لمواطنيه والحفاظ على حقوقهم وحقوق الأجيال القادمة. لذلك فان الوطنية ليست شعارات وأناشيد وخطب وتحية علم, وإنما هي مناهج مادية وبرامج اقتصادية واجتماعية وثقافية للنهوض بالمجتمع وحمايته من الأخطار الداخلية والخارجية. وإن كل ذلك لا يمكن تحقيقه بالتأكيد إذا لم يكن الحاكم نزيها وعادلا ونموذجا أخلاقيا رفيعا.
وأرى أن السلوك هو اختبار حقيقي للنوايا, فالحاكم الفاسد والمرتشي, والمترفع على شعبه, والعابد لذاته, والمنحاز لأهله وعشيرته, والمتجبر المتكبر على شعبه, والخائن لرفقته, والمغامر بدماء قومه, لا يمكن أن يكون وطنيا إلا إذا كانت الوطنية كلام أغاني وخطب وأناشيد ورفعة للعلم في ساحة المدرسة أو في عروض الثكنات.
لقد ذهب نوري السعيد ضحية ل ( عمالته ) لكن الوطن كله قد تعوق نتيجة ل ( وطنية ) صدام, فماذا نختار إذا خُيرنا ؟ . ومع أن خيارا بهذا المعنى هو خيار تنقصه العدالة, وهو دليل على استمرار متاهة وليس على اكتشاف طريق, إلا إنه من ناحية أخرى إشارة واضحة لما أحدثه التعريف المخابراتي للوطنية من تخريب وما أدى إليه من كوارث.
وبعد كل ما أدت إليه هذه الوطنية المخابراتية من خراب وتدمير فإن العديد من الكتاب ما زالوا يساهمون من جانبهم بإمداد تلك الثقافة بكل لوازم الحياة حينما يختزلون أسباب تلك الكوارث بمفردة إسمها العمالة وبالشكل الذي يتناغم والتعريف المخابراتي لمعنى الوطنية.
بطبيعة الحال سيكون تجنيا لو أننا قلنا أن صدام كان عميلا بالمعنى المخابراتي, وعلى العكس من ذلك سيكون تجنيا أيضا لو أننا حسبنا وطنية صدام بإعتباره لم يكن عميلا بالتعريف المخابراتي, كما وسيكون تجنيا أيضا لو أننا برأنا نوري السعيد من تهمة العمالة.
غير أن جردا لتاريخ مآسينا ولطبيعة البرامج والعناوين التي أدت إليها سوف تجعلنا نؤمن أن عميلا كنوري السعيد هو أفضل كثيرا من وطني كصدام حسين, كما وتجعلنا تلك الكوارث مطالبين بالعودة للوقوف أمام ذينك الشخصين من أجل مراجعة معنى الوطنية ومعنى العمالة, ليس لتحديد أيهما أفضل لنا كخيار, وليس لحصرنا في مساحة هذه الثنائية المجحفة دون أي خيار ثالث: أي أما أن تكون عميلا ذليلا أو أن تكون وطنيا ثوريا مدمرأ, وإنما للخروج بمفهوم يقول أن الوطنية ليس معناها أن لا تكون عميلا مخابراتيا فقط, وإنما أن تقدم في كل المواقف وطنك على نفسك وأن تضع الحالة الثانية في خدمة الأولى مع أعلى قدر من الصدق والنزاهة والعدالة وحسن التدبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال