الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام والعنف

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2021 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خلفت جرائم الأرهاب لدى البعض إنطباعا بأن الإسلام، كدين، منتج تلقائي وبالضرورة للعنف والإرهاب والتمييز بين البشر، وانه لا يمكن ان يستجيب لروح العصر، ويتحول الى طاقة روحية إيجابية تحث على السلام والتعاون والمحبة.

ويستند أصحاب هذه التصورات على نصوص إسلامية مقدسة تستثير العنف، وعلى حوادث دموية طبعت أغلب مراحل التأريخ الأسلامي.

نقطة الضعف الخطيرة في هذا التصور ان أصحابه يغفلون ان الدين، أي دين، ليس كتلة سرمدية صلدة تختفظ بخصائصها بغض النظر عن المكان والزمان. بل هو ظاهرة اجتماعية، تأخذ بالإتجاهات العامة لتطور المجتمع الذي تنشط فيه. فأن ساده التخلف تخلفت معه، وان نشط المجتمع علميا وحضاريا، أضطرت لمجاراته والتطور معه.

تخلف المجتمعات الإسلامية العلمي والحضاري، لم يخلق ظروفا ملائمة لتطور الدين، باتجاه حضاري انساني. ويطبع هذا التخلف بطابعه حتى الديانات الأخرى في الشرق، إذا ما قارنا مسيحيته بمسيحية الغرب. وقد لا يجمع بين المسيحيتين المذكورتين سوى الأسم. وربما يكون المسيحي الشرقي أقرب الى المسلم الشرقي من حيث التزمت والتشدد منه الى المسيحي الغربي. وهنا يستثنى المسيحي الشرقي من الميل الى استخدام العنف الجماعي، ربما إرتباطا بكونه يعيش في مجتمعات لا يشكل المسيحيون فيها إلا أقلية. وأكدت تجربة الحرب اللبنانية في القرن الماضي ان المسيحي ليس أقل ميلا للعنف من مواطنه المسلم، ولا أقل قسوة منه، برهنت على ذلك (مجزرتي صبرا وشاتيلا). وذلك ارتباطا بالتكافوء الديموغرافي النسبي بين المسيحيين والمسلمين في لبنان السبعينات.

وهناك نقطة ضعف أخرى في الطرح الذي يربط العنف بالإسلام أستنادا الى نصوصه، تتمثل في أن أغلب أصحابه، ذوو إطلاع جيد على النصوص الإسلامية والفقه والتأريخ الإسلاميين، لكنهم يفتقرون الى اطلاع ومعرفة مماثلين على لنصوص المقدسة للديانات الأخرى، وخاصة الديانتين "الإبراهيميتين" الأخريين، وتأريخهما، ويبنون تصوراتهم وأحكامهم على الواقع الراهن للمجتمعات التي ارتبط تأريخها باليهودية والمسيحية، غافلين عن التشابه الكبير بين الدعوة الى استخدام العنف وتبريره في النصوص القرءآنية وبين نصوص العهد القديم في الكتاب المقدس، وربما كان الطرح القرءآني نسخ لها مع بعض التصرف. وغافلين أيضا عن ما شهدته المجتمعات المسيحية من صراعات وحركات تنوير وإصلاح هائلة، على خلفية ثورات علمية ومعرفية عظمى أفرزت مفاهيم وقيم سلوكية وأخلاقية، وأنماط ومناهج تفكير، لم يعرف العالم الاسلامي مثيلا لها في قرون السبات التسع الأخيرة.

ولا شك ان قرون السبات في العالم الإسلامي، وإقتصار حقول المعرفة خلالها، في مجتمعاته، على "العلوم" الدينية والفقه الديني، لم تساعد على بناء قاعدة معرفية، لمراجعة تلك "العلوم" وتطويرها، بما يساعد على تطوير النظرة الى الدين وأحكامه، وإكسابها مضامين ومحتويات جديدة. وجعلها تنفتح على مناهج تفكير إنسانية، تخرجها من التفسير الحرفي، وإعادة تحديث خطابها، كما جرى في المجتمعات ذات التأريخ "المسيحي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - راسمالي منتج وفيلسوف وامير مستنير صنعوا المعجزة
منير كريم ( 2021 / 3 / 25 - 20:31 )
تحية للاستاذ
شكرا على مقالك , المقال يتضمن نقاط صحيحة
في اوربا منذ عصر النهضة حدث تقدم مادي اقتصادي واجتماعي وتطور فكري وتوفر الامراء المستنيرون فحدثت المعجزة بالانتقال من المجتمعات المتاخرة الى المجتمعات الحديثة التي يحاول العالم اجمع الاقتداء بها
في البلدان العربية لاتطور مادي ولاتطور فكري ولا حكام مستنيرون فمن اين ناتي بالتقدم
شكرا لك


2 - العنف سنة اسلامية.اذا لم تكن معي فانت ضدي!
سمير آل طوق البحراني ( 2021 / 3 / 26 - 08:02 )
اخي الكريم بعد التحية.يعتقد المسلمون ان القرآن والسنة النبوية صالحة لكل زمان ومكان وهذا ما حدى بالمسلمين بالتمسك الحرفي بالنصوص ولو ان بعضها هي بنت زمانها علما ان كثيرا من التشريعات الاسلامية اصبحب في طي النسيان كـ الشهادة على السرقة او الزنى مع وجود كاميرات مراقبة وغيره الكثير كـ اوقات الصلاة والصوم في البلدان التي لا تطلع فيها الشمس او تغرب لاشهر كثيرة.اخي الكريم هذا المطب الذي اوقع فيه المسلمون انفسهم. هل الله يحتاج للدفاع عنه وهو من يقول للشيء كن فيكون؟؟. هل الاعتقاد بالغيبيات ياتي بالقوة او بالدليل؟؟. ان ما تقوم به المنظمات الارهابية هو تطبق حرفي لنصوص قرآنية ايمانا منهم بانها سارية المفعول والغريب في الامر ان كل علماء المسلمين يؤمنون بما تؤمن به تلك المنظمات مع خلاف في التطبيق ومستلزماته. اخي الكريم ليس هناك شيء ثابت في الحياة وتعدد الاديان سوى كانت ارضية او سماوية كما تسمى شاهد على ذالك الا بما يخدم البشرية كل البشرية بدون تفريق. اما بقاء الحال على هو عليه ماهو الا خدمة للمنتفذين.اليس تطبيق الوصايا العشر كافية لحماية الانسان والطقوس الدينية صلة بين الانسان ومعبوده؟؟؟.


3 - يرددون كالببغاوات أو يقلّدون كالقرود
صباح شقير ( 2021 / 3 / 26 - 12:44 )
تحياتي للفاضل الأستاذ عبد الله شناوة

ورد في المقال الجملة التالية

تخلف المجتمعات الإسلامية العلمي والحضاري لم يخلق ظروفا ملائمة لتطور الدين باتجاه حضاري انساني

اسمح لي بعد إذنك أن أخالفك فأقرأ الجملة حسب الواقع

تخلف المجتمعات الإسلامية( دينيا ) لم يخلق ظروفا ملائمة ليتطور الإنسان فيبدع قوانين وضعية إنسانية لا عنصرية ولا تمييزية ولا همجية ولا يتمكن بسبب قيود الدين أن يتحرر من رقابة السماء والخروج عن (النظريات العلمية والكونية الفذة الإعجازية) الواردة في الكتب المقدسة
حتى اليوم تعامل المرأة معاملة الجارية كما يوصي الدين
وحتى اليوم لا يعترض الشيوخ على قطع اليد ولا على آيات القتال بل يشجعوا قتل المرتد والملحد والكافر
بالأمس القريب سمعت شيخا على اليوتيوب يستشهد بحديث للنبي (ضعيف) ليؤكد أن ختان المرأة واجب وسنة
وحتى اليوم ما زال هنا في موقع الحوار المتمدن من يؤكد أن الأرض مسطحة
القصور العقلي والتعصب والتخلف الديني لا يفتح مجالا لعلم ولا فلسفة ولا فنون ولا رياضة

العقل العربي الحالي متجمد لا يستطيع الخروج ولا بحرف واحد عما هو مكتوب في كتاب الله
فمن أين يأتي الاجتهاد والابداع

احترامي


4 - الغنى المعرفي يساعد الناس على تظوير دينهم
عبدالله عطية شناوة ( 2021 / 3 / 26 - 16:17 )
أشكر كل من تفاعل مع المقال، وأود أن أوضح جوهر الموضوع الذي ربما عتمت عليه الأحكام المسبقة، هو أن الدين بشكل عام نتاج إجتماعي، يتحول باكتسابه قدسية السماء الى طاهرة أجتماعيه، تتكلس أو تتطور، إرتباطا بتكلس أو تطور الوضع المعرفي والعلمي للمجتمع الذي تنشط فيه، وبمقدار ما يحرز المجتمع من تقدم على الصعيد المعرفي، وما يتصل به من تقدم على مختلف مناحي الفكر والقيم والعلاقات السياسية، تتطور تلك الظاهرة أو تتكلس. الفهم السائد أن طبيعة الدين السائد هي ما يحدد إمكانيات التطور، ودون نفي علاقة التبادل الجدلي بين الجانبين بينت التجربة التأريخية أن التطور المادي، هو الأكثر تأثيرا في الوعي الجمعي بمعنى أن تظور العلوم وما يرتبط بها من مجالاات الحياة، هو ما يحمل الناس على أعادة تحديد موقفهم من الظواهر الأجتماعية، فلا ينتظر من مجتمع يغرق في التخلف المادي والمعرفي، أن يعيد النظر في المسلمات التي تخلقها الظاهر الأجتماعية، والعكس صحيح، أي أن المجتمع النامي ماديا ومعرفيا هو القادر على تجاوز تلك المسلمات، أي أن البشر هم من يطورون دينهم، ولا يشكل الدين عائقا للتطور إلا في حالة فقرهم المعرفي. أكرر شكري للجميع.