الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نازك الملائكة - رؤية إنسانية متجددة (٦---------------)

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2021 / 3 / 26
الادب والفن


بالعودة إلي الإطلاع علي المنجزات الأدبية للشاعرة نازك الملائكة سوف نخلص إلي أنها فتحت حوار فكري عميق مع الأدباء والقراء حول قضية الحرية؛ منظرة لمشروع الثورة التجديدية ونورانية الحركة الشعرية الحرة، وأيضاً كانت تسخدم الشعر كلغة روح في تصوير الحياة ومخاطبة معادلة العدالة للنساء والأطفال والإنسانية جمعاً، ويعتبر الجمع بين قضايا الثورة الشعرية والنسوية التحررية ميزة أعطت رسالتها الإنسانية كافة صفات العالمية والخلود؛ فقد جعلت الشعر وسيلة للتعبير عن الفكر الحر والدفاع عن حقوق وحريات الإنسان وتحرير العقل الجمعي باعادة ضبط الكلمة الشعرية الرسالية المنثورة علي الفضاء العمومي العراقي بغية تجديدها لتكون أداء إنسانية فعالة لكسر جدران النمط الشعري التقليدي وتفكيك قيود الخنوع والخضوع لسطوة وسيطرة الإستبداد وإسترداد الحرية لأبناء وبنات دجلة والفرات، وقد ساهمت الشاعرة النورانية النبيلة نازك الملائكة بكتبها ومحاضراتها الثرة في إنتاج وبلورة رؤية تحرر متكاملة لجيل جديد أشرقت شمسه بعد أن كان يعيش في حالة الإظلام المعرفي والفكري ونزوح الأرواح من مواطن السلام؛ لذلك ينبغي أن نقرأ السيرة الشعرية لنازك الملائكة مقرونة بمطالعة تلك المسيرة الثورية الممتدة دون إفلات إهتماماتها بالموسيقى ومساهماتها التنويرية بين مراكز الثقافة ومنابر العلوم والمعارف الداخلية والخارجية؛ فنازك الملائكة - تعتبر شاعرة ثائرة ومفكرة مجددة مثيرة للإعجاب، والشعر في حياتها رسالة إنسانية تستخدمها لتحرير العقول وتطييب القلوب وبناء حياة جديدة راقية من صلصال السلام والمحبة والإستنارة.

تقول الشاعرة نازك الملائكة:

قد يكونُ الشِعر بالنّسبة للإنسان السّعيد ترفاً ذهنياً محضاً، غير أنه بالنّسبة للمحزُون وسِيلة حياة.

يقال أن الأصل في الإنسان هو السعادة والضحك؛ أما الحزن والبكاء فهو مكتسب، والإنسان دوماً في مسيرة الحياة الطويلة مُعرض لمواجهة المتاعب بكل أشكالها وأنواعها ويحتاج للقيام برحلة عودة إلي الجذور والأصل والعيش بسلام في حياته الكونية، والشعر واحدة من أنجع الوسائل التي تعيد الإنسان إلي دوح السعادة مهما بلغ الحزن مداه؛ ذلك لآن الشعر يلامس دواخله المحزونة ويعبر عن كينونته ويعالج تشوهاتها ويحمله إلي فضاءات جديدة تشعره بانسانيته المفقودة، والإنسان السعيد في الحياة والخالٍ من الهموم قد يجد من الشعر وسيلة ترف ذهني محض ومساحة للسياحة الروحية اللحظية حول الكلمات الرنانة سواء ملفوظة بحلاوة صوت الشاعر أو مُبصرة بعين القارئ "سائح الشعر" والذي يقرأ أو يسمع القصيدة ثم يتركها دون التذود اللازم بالبريق المشع من جواهر كلماتها ومعانيها، وتمثل مقولة الشاعرة نازك الملائكة مرأة تعكس صورة تجربتها العميقة وشعورها النبيل تجاه الإنسان، وتلك المقولة عبرت عن حالة إنسانية ملحوظة عاشها الكثير من الناس في العالم، ونازك نفسها عاشت الحزن في سنوات الهجير والإبتعاد عن الوطن والأحبة وما ضربها سِتار العزلة العزلة علي نفسها إلا إنعكاس واضح لذلك الحزن الكامن في روحها الطاهرة والبارز في قصائدها المنسوجة بخيوط الأمل رغم ما تحمل من شُحن وشُهب الأخزان، وإنسان هذا العصر يعيش في بحور جارفة من الحزن الذي يتولد من الصدمات التي يواجها طوال الليل والنهار وسوء العمل والغلاء وشذف الحياة بشكل عام مع غياب الخطاب الثقافي الذي يزرع الأمل في الأنفس ويحرر العقول من محابس الإستبداد ويزيل حالة الهروب من الحياة برمتها والهجرة إلي أمكنة مجهولة وأزمنة غير مرئية حيث اللا شيئ.

تقول الشاعرة نازك الملائكة:

كم تّغنى بالسِلم والحُبّ والرحمة، من شاعر ومن فيلسوف، أسفاً ضاعت الأغاني ولم تبق، سوى ضجة القِتال والعُنف.

إننا ننشد السلم، وقد خط الشعراء والفلاسفة كلمات وعبارات تمجد السلام، وثارت الشعوب تدق طبول وتُغني لسلام العالم؛ سلام يطهر الروح والفكر والأرض، لكن الإستبداد الدخان العصي صعب الإختراق والذي كلما بددناه وخلناه إنتهى جمع بعض الأوباش أجزاءه وعاد متشكلاً من جديد، ولكن الكلمات والعبارات الصادقة التي تحمل أرواح شفيفة وأفكار نورانية ستبقى سداً أمام الإستبداد والعنف في صراع مستميم بين العدل والظلم والضوء والظلام، وكل حركة تجديد تخوضها أقلام الأدباء تنتج ثورة شاملة تعبر عن كافة مناحي الحياة وتصنع مستقبل جميل للأجيال الآتية من رحاب الزمن، والإنسان بحاجة لمحاربة نزعات الإستبداد ومشاعر العنف بداخله أولاً بتوفير الإيمان القاطع بالسلام، ويتولد السلام النفسي من خلال تجريب وتطبيق سلوكيات إنسانية سلمية في التعاملات اليومية مع الآخريين؛ أما السلم العام فيتطلب ترسيخ ثقافة السلام الإجتماعي وتساق من خلال صياغات المناهج التعليمية وتمتد بالندوات والمنتديات والمحاضرات ومبثوثات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والناظر لحال المجتمعات في العالم المعاصر يجدها غارقة في لجج بحور الخوف والقلق ومنكسرة ومكبلة بالأساطير تقبع في غياهب الحزن وقاع الإستبداد تصارع الآلام بالآمال وتحلم بخلع سُترة اليأس وحرق قبعات الوصايا المفروضة عليها بالقوانيين المقيدة للحريات والمعيقة لحركة التجديد والتطور في عالم سريع التحول علي مدار الساعة، والشعر بوصلة للتغيير والتحرر، والشاعرة نازك الملائكة كانت تدرك أهمية وقوة ثورتها الشعرية؛ لذلك كانت قوية، ومتسلحة بأبيات شعرها الرصين تحاجج وتجادل عنف تيارات النقد العنيف، وكانت تبث الأمل وتنثر التفاؤل في عمائق المجتمعات بمخاطبتها الشعرية لمشاعرهم، ونجحت ثورة الشعر.

تقول الشاعرة مازك الملائكة:

وتمضي الليالي إلي قبرها
وتمشي الحياةُ مع الموكب
أسير أنا في شعاب الوجود
أفتش عن حملمي المُتعب

إن مسيرة الإنسان المثقل بالهموم والمتاعب لا تنتهي بمجرد محاولة البعض جعلها تسير كما هي؛ فالإنسان كائن حركي متصل بواقع الكون والطبيعة ولا ينفصل عن أنهر الحركة الثقافية المستمرة في تدفقها، وينبغي مد الإنسان بلوازم السير دون إنحراف سلوكي عن مساره عبر فتح مساحات أوسع للتثاقف والحوار وترسيخ قيم السلام والتسامح وزرع زهور الحب والسعادة في بساتين العقول والقلوب رغم ما يعيشه الناس من إستشكالات وجودية جمة، وقد عبرت الشاعرة نازك الملائكة عن أحزان المجتمعات وصورت عمق الإستكانة الفكرية وحالة جمود العقل المعاصر في شعرها المحفوف بفيض من مشاعر شاعرة تمتلك أدوات خاصة لإستكشاف مكامن الجرح وكيفية فحص ذلك ومعالجته، وربما نلاحظ ذلك متجلياً بوضوح في قصائدها، ونحن اليوم نبحث عن الحياة، والحياة في الشعر الذي يجسد واقعنا ويصور نزعتنا للحرية والسلام والمحبة؛ ذلك الشعر نحتاجه لعبور دروب وعرة وممتدة تحيط بها أشواك الخوف والريبة مما نعرفه وما لا نعرفه، وبين أيدينا تجربة شعرية مليئة بالقيم الأخلاقية والإنسانية يتوجب علينا إستبصارها بعين مجردة من شوائب هذه الحياة للتذود بها والسير المستقيم كمجتمع إنساني تعاوني ماضٍ نحو عالم جديد، ولا بد من إستصحاب كافة أجزاء الأدب الذي تركته لنا الشاعرة نازك الملائكة؛ فلا يكفي النظر في شعرها فقط دون المرور علي تنظيرها البديع للشعر الحر والتحديق جيداً في حدائق عشقها للموسيقى والإستماع لمحاضراتها الشعرية وقرأة صفحات تاريخها النضالي من أجل إسترداد حقوق وحريات الإنسان، لأن نازك الملائكة ليست مجرد شاعرة فحسب؛ إنما هي أوسع وأضخم مدرسة للعلوم والمعارف وثورة متكاملة للتجديد الشعري والثقافي التاريخي والمعاصر.

26 مارس - 2021م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى