الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد سنة من إعلان الحجر الصحي آذار/مارس 2020/2021

الطاهر المعز

2021 / 3 / 27
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


الجائحة فرصة الرأسمالية لإعادة هيكلة الإقتصاد العالمي
أم فرصة لإرساء أُسُس نظام عادل


أزمات متتالية، من 2008 إلى 2020:
عند تعميم الحجر الصحي، بسبب انتشار جائحة "كوفيد - 19"، التي صنفتها منظمة الصحة العالمية كجائحة عالمية، في آذار/مارس 2020، توقفت العديد من القطاعات الإقتصادية، وتوقف مئات الملايين من العاملين عن العمل، بقرار فَوْقِي، ليبقى معظمهم بدون دخل، خاصة العاملون بعقود هشة أو بدون عقود في القطاع الموازي، سواء في البلدان الغنية أو في البلدان الفقيرة...
غَيّرَ وباء "كوفيد 19"، بسرعة فائقة، أسلوب حياة المليارات من الأشخاص حول العالم، الذين اضطرّوا إلى التّكيُّف، ومواجهة ضغوطات الوضع الجديد، الذي فَرَضَ سُلُوكًا جديدًا، وقيمًا و"ثقافة" جديدة، وأدّى الحجر الصحي والحبس المنزلي إلى توقّف العديد من الفُقراء عن العمل وحشرهم داخل مساكن ضيقة، طيلة النهار والليل، ما زاد من العنف الأُسَرِي ضد النّساء والأطفال، ومن عُنف أجهزة القمع ضد كل من اضطرّ لمخالفة الأوامر الفَوْقِيّة للحبس المنزلي، في محاولة للبقاء على قيد الحياة، وزيادة عُنف المجتمعات الرأسمالية المتطورة ضد الفُقراء وفاقدي المأوى، والمهاجرين، كما أدّى تغيير طبيعة الرّوابط الإجتماعية داخل الأسرة ومؤسسات التعليم والعمل وفي الأحياء، وإلى زيادة حالات التّوتّر والإضطرابات العقلية والنّفسية لدى مختلف فئات المجتمعات...
على مستوى الدّول، زاد حجم وقيمة المضاربات في أسواق الأسهم، وزاد حجم تهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية، فيما بلغت قيمة الدّين العمومي (في آذار/مارس 2020) نحو 250 تريليون دولارا، وإلى 277 تريليون دولارا، بنهاية سنة 2020، ليرتفع بنحو 15 تريليون دولارا، مقارنة بالسنة السابقة 2019، فضلا عن دُيُون الشركات، التي تعلّلت بتوقف أو تباطؤ النشاط الإقتصادي والتّجاري، لتطلب من الدّولة - خلافًا لقواعد الرأسمالية التي تدعو إلى عدم تدخُّل الدّولة- دَعْمًا ضَخْمًا ( بالمال العام) بفائدة صِفْرِيّة، وهي مبالغ ترفض الحُكومات إنفاقها على المرافق العمومية، وعلى تحسين ظروف عيش وسكن ونَقل وصحة وتعليم الفقراء، كما استغل صندوق النقد الدّولي الجائحة، في بدايتها، أي في آذار/مارس 2020، لإعلان "تقديم" (أي إقراض بفائدة مرتفعة) تريليون دولارا "لمساعدة البلدان على درء الكارثة الاقتصادية"، وتعني "المُساعدة في لغة صندوق النقد الدّولي "تسليف"، بعد التّأكّد من قدرة الدّول على تسديد الدّين والفائدة، وهي "مساعدة" خاضعة لاعتبارات سياسية، إذ رفضت إدارة الصندوق (الخاضعة لأوامر الدّول الإمبريالية، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة) إقراض حكومة فنزويلا، لأن الصندوق لا يعترف بشرعية هذه الحكومة المنتخبة من قِبل شعب فنزويلا...
عندما انتشر الوباء بالصّين، سارعت الدولة إلى اتخاذ قرار الإغلاق والعزل وشَدّدت مراقبة تنقلات السّكّان، بالتوازي مع البحث عن ماهية الفيروس، وعن علاجات أو لقاحات، وأعلنت حكومات الصين وكوبا (رغم فقْر كوبا وحصارها من قِبَل الولايات المتحدة منذ ستة عقود) مساعدة كل البلدان التي تحتاج للمساعدة، وأرسلت كوبا والصين أطبّاء وفنِّيِّين إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا، وطورت الدّولتان علاجات ولقاحات واقترحتها على جميع الدّول، بسعر التكلفة، بينما كانت الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك معظم البلدان الفقيرة، تُعاني من انهيار منظوماتها الصّحّيّة، التي وقعت خصخصتها، وبدل تمويل البحث العلمي بالجامعات ومراكز بحث القطاع العام، لابتكار وتطوير العلاجات واللقاحات، ضخّت الدّول الأوروبية والولايات المتحدة المال العام لشركات المُختبرات والأدوية، العابرة للقارات، ومنحتها "تَسْبِقَة" على لقاح لم يقع إنتاجه بَعْدُ، ولم تهتم حكومات هذه الدّول بحماية صحة العاملين في قطاعات بقيت مفتوحة كالرعاية الصحية والأغذية والنقل، وما إلى ذلك.
كَسَرت الإجراءات السّلبية والقَمْعِيّة التي اتخذتها حكومات العالم، منذ آذار/مارس 2020، حركة احتجاجية واسعة انتشرت في عدد من بلدان العالم، وتذرّعت الحكومات بانتشار وباء "كوفيد 19"، لحظْر التجوال والخروج من البيوت، وبالتالي حَظْر الإحتجاجات الشعبية، ومن أهمها الإنتفاضة المناهضة لعنصرية المُؤسسات في الولايات المتحدة، فيما حاولت أجهزة الدّولة الإتحادية الأمريكية تحويل الأنظار نحو الصّين وإعلان الحرب التجارية، وتزامنت مع إضرابات عمال الصناعة في إيطاليا، الذين أُجبروا على العمل، في ظروف غير آمنة، واحتجاجات فرنسا وتشيلي والأرجنتين وإندونيسيا وتايلاند، وكذلك في المغرب وتونس والجزائر ولبنان والعراق... لذا فقد كانت الجائحة مُفيدة للحكومات، من هذا الجانب، ومُفيدة للشركات الكبرى التي حصلت على المال العام، بدون فائدة، وتمكنت في نفس الوقت من تجاوز قوانين العمل وحقوق العاملين، وحظْر النشاط النّقابي، بذريعة الوقاية من الفيروس...

ملاحظات واستخلاصات:
وفَّرت الحكومات تريليونات الدّولارات من المال العام، خلال أزمة 2008/2009، كما خلال أزمة 2020/2021، لإنقاذ المصارف والشركات الكبيرة، وهي شركات خاصة، على ملك المُستثمرين ومالكي الأسهم، وترفض نفس هذه الحكومات إنفاق المال العام على التعليم والصّحة والسّكن اللائق، وعلى سلامة البشر والمُحيط، وورّطت هذه الحكومات الأجيال القادمة، بإغراقها في كومة من الدّيون بلغت نسبتها حوالي 365% من الناتج الإجمالي العالمي، وإن كانت الدول الإمبريالية الكُبرى مثل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، لا تُسدّد الدّيون، لأنها مُقَوَّمَة بعملاتها، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تباطؤ الإقتصاد، والكساد في معظم الدول الغنية، في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي واليابان، إضافة إلى تشجيع المنظومة المالية (عبر معدّلات الفائدة المنخفضة) للمضاربة، بدل الإستثمار في القطاعات المُنْتِجَة، ليصبح اقتصاد الصين الوحيد، من بين الدّول الصناعية الكبرى، الذي يحقق نموًّا إيجابيا سنة 2020، وليزيد من قدرته الإنتاجية للتكنولوجيا الدّقيقة، ذات القيمة الزّائدة المُرتفعة، ما جعل الولايات المتحدة تُركّز هجومها على شركة "هواوي" الصينية للإتصالات التي تمكّنت من إنتاج تقنيات "الجيل الخامس" ( G 5 ) بجودة عالية وأسعار منخفضة، متجاوزة الشركات الأوروبية والأمريكية، كما أصبحت الصين مصنع العالم، وأكبر منتج وأكبر مُصَدِّر عالمي للسلع المُصنّعة...
تزامن الارتفاع الكبير في قِيَمِ أسهم سوق "وول ستريت" وأسواق المال الرئيسية بالعالم، بين آذار/مارس وكانون الأول/ديسمبر 2020 مع تزايد عدد ضحايا فيروس كورونا، لأن السياسات الحكومية قررت رَصْدَ تريليونات الدّولارات لإنقاذ الشركات الكبرى المُدْرَجَة في سوق "وول ستريت" المالية، ورفض تخصيص أموال لإنقاذ البشر، أو لتطوير وحدات العناية المركزة المكتظة بالمُصابين بفيروس كورونا، وكانت هذه المستشفيات – بعد سنوات من إضعاف وإهمال وتخريب القطاع العام – تُعاني من خَفْض عدد العاملين، وتفتقر إلى وسائل الوقاية (الكمامات والقفازات وأدوات التطهير) وإلى أجهزة التنفس، وأدّت السياسات التي أقَرّتْها حكومات الدّول الغنية، منذ بداية العام 2020، إلى زيادة ثروة أغنى خمسمائة شخص في العالم نحو 1,8 تريليون دولار، لتصل قيمة إجمالي ثرواتهم إلى 7,6 تريليونات دولارا، وارتفعت ثروة خمسة أثرياء بأكثر من مائة مليار دولار لكل منهم، وزادت ثروة شخصَيْن فقط بنحو 217 مليار دولار، سنة 2020، وهما الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيف بيزوس ( +190 مليار دولار) والرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك (+170 مليار دولار)، وما هذه الأمثلة سوى عَيّنَة من اتّساع الفجوة بين الأثرياء والفُقراء والعاملين بالأجر، وصغار المنتجين من فلاحين وحِرَفِيِّين...
اعتمدت زيادة ثروة الأثرياء الأمريكيِّين على تحويلات الإحتياطي الإتحادي (المصرف المركزي الأمريكي)، وهي مبالغ غير مرتبطة بالإنتاج، بل بأسواق المال، أو ما يُسمى "رأس المال الوهمي" غير المرتبط بإنتاج القيمة الحقيقية، ما زاد من أسعار أصول المضاربة، غير أن توزيع هذه المبالغ على الرأسماليين يُتَرْجَمُ إلى ارتفاع كبير في عجز ميزانية الدولة وارتفاع ديونها وديون الشركات التي تكثف من استغلال الطبقة العاملة، لتحقيق مستويات عالية من العائدات ومن الرّبْحية، ما يجعل الطبقة العاملة أولى ضحايا فقاعة المضاربة، وأولى ضحايا انتشار الوباء، حيث أُجْبِرَ العُمّال على التنقّل والعمل، في ظروف لا تتوفر بها السلامة، في المصانع ومواقع العمل الأخرى، رغم انتشار الفيروس، كما بقيت المدارس مفتوحة، لكي يتمكن الآباء والأمهات من الاستمرار في تأدية وظائفهم...
أشار تقرير نُشِرَ في مُدَوّنة البنك العالمي، خلال الأسبوع الأخير من شهر شباط/فبراير 2021، أن الحكومات وجّهت الدّعم للشركات الكبيرة، فيما لم تستفد الشركات الصغيرة من برامج التّمويل الحكومية، خلال جائحة "كوفيد 19"، ويتوقع نفس التقرير أن تُعيد الأزمة تشكيل اقتصاد العالم، عبر تحولات عميقة قد تؤدّي إلى بروز بعض الشركات الجديدة المهتمّة بالبحث والإبتكار، وخلق وظائف عالية الجودة (وعالية الرّواتب)، لتتعمّق الفجوة بين الأغلبية الساحقة من العاملين، من ذوي الرواتب المنخفضة، إذا وجدوا عملاً، ونخبة الباحثين والمُبتكِرِين والمُستشارين من ذوي الرواتب المرتفعة...
من جهة أخرى نشر موقع منظمة الأغذية والزراعة تقريرًا يُستشف منه (بطريقة غير مباشرة) تلاعب المضاربين والشركات الإحتكارية وصناديق التّحوّط بأسعار الغذاء، التي لا مُبَرِّرَ لارتفاعها، أما موقع "بزنس لاين" فقد أشار إلى بلوغ أسعار الغذاء أدنى مستوياتها في الأسواق العالمية (أسواق الجُملة وليس أسواق البيع بالتجزئة) منتصف سنة 2020، بسبب توقف حركة النّقل والتجارة العالمية، فاستغلت الشركات الإحتكارية انخفاض الأسعار، وجائحة "كوفيد 19" وانقطاع حركة التجارة والإمدادات، لتخزين المواد الغذائية، وإعادة بيعها بأسعار مرتفعة، رغم ارتفاع مخْزُون الإنتاج الغذائي، وبرّرت هذه الشركات الإحتكارية رفع الأسعار بتقلبات المناخ في بعض البلدان المُنتجة مثل الأرجنتين والبرازيل وأوكرانيا، وبفَرْض روسيا قيودًا على صادرات القمح، وفيتنام قيودًا على صادرات الأرز، ولكن الشركات الإحتكارية خزنت السلع قبل هذه الأحداث المذكورة، والتي كان تأثيرها مَحْدُودًا. كما تُبَرِّرُ الشركات الإحتكارية ارتفاع أسعار الغذاء بارتفاع تكاليف النّقل، وتُشير الوقائع إلى استغلال بعض شركات المُضاربة (مثل بعض صناديق التّحوّط الأمريكية) القيود التي فرضها انتشار جائحة "كوفيد 19"، للمضاربة في سوق الغذاء العالمية وتحقيق عائدات مرتفعة، بحسب تقرير صدر عن مصرف "ساكسو بنك"، في بداية آذار/مارس 2021، أشار إلى احتكار صناديق التحوط الأمريكية منتجات غذائية بلغت قيمة عقودها الصافية قرابة 145 مليار دولارا...
تُلخّصُ بيانات "مركز بيو" (مركز أمريكي للبحوث والدّراسات الإحصائية) الوضع، بعد سنة من إعلان انتشار الفيروس، ومن إقرار الحجر الصحي، كالتالي: ارتفع حجم البطالة والفَقْر نتيجة توقف الإنتاج والنشاط الإقتصادي، ونتيجة انخفاض مستوى الدّخل، بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، كما انخفض حجم الفئات الوسطى في العالم، خلال سنة 2020، ليقترب دخل جزء هام من مُستوى ذوي الدخل المنخفض والفقراء، بينما ارتفع عدد الفُقراء وعدد ذوي الدّخل المنخفض، وتعطّلت حركة الإرتقاء في درجات السُّلّم الإجتماعي، في جميع مناطق العالم، بل بدأت الشركات خفض الرواتب وزيادة ساعات العمل وإلغاء "الإمتيازات" والحوافز والمِنح وخفض فترة العُطَل...

تساؤلات واستخلاصات:
حوّلت معظم حكومات العالم، منذ قرابة أربعة عقود، العمل والغذاء والمسكن والصحة والتعليم، من حقوق وجب تأمينها للمواطنين، إلى "خدمات" أو سلعة، تُباع وتُشترى، تتحكم بها شركات رأسمالية خاصّة، لا يستفيد منها سوى من يتمكّن من تسديد ثمنها، وكأنها تَرَفٌ وليست ضرورة إنسانية...
أظْهَر انتشار وباء "كوفيد 19" خطورة غياب الرعاية الصحية في مختلف دول العالم، في ظل مَنْع الفُقراء من مزاولة الأعمال التي كانت تُمكّنهم من شراء الحدّ الأدنى من الغذاء والملابس، وتسديد ثمن إيجار المسكن، وفي بعض البلدان كالولايات المتحدة، قررت الدولة عدم الإغلاق وبقاء بعض أصناف العاملين في مواقع الإنتاج، بغض النظر عن التداعيات الصحية على العاملين وأُسَرِهم والمواطنين، والتساؤل المطروح هو: لماذا تُجْبَرُ الطبقة العاملة على تسديد الثمن مُضاعفًا ليستحوذ الرأسماليون على قيمة العمل، ويُراكِمون الثروات، عبر الإستغلال الفاحش للعاملين واستنزاف موارد الطبيعة، وتدمير البيئة؟ لماذا تعمّدت العديد من الحكومات عدم تنبيه المواطنين، عبر إعلام واضح، وعدم اتخاذ إجراءات وقائية، في غياب مرافق الصحة العمومية؟
من الذي فَوَّضَ السُّلُطات الحاكمة بتوزيع المال العام على الشركات وعلى الأثرياء، دون مقابل، فيما ترفض هذه السلطات (التي تُمثّل مصالح الأثرياء) تمويل حاجيات المواطنين من الغذاء ووسائل الوقاية والرعاية الصّحّية وإنقاذ البشر، بدَلَ إنقاذ رأس المال وأرباح الأثرياء؟
رفض مُمثّلو الإمبريالية الأمريكية التّعاون مع الدّول الأخرى، من أجل إنقاذ البشر، بل صعّدت حكومة الولايات المتحدة ( سنة 2020 كما سنة 2021) من إجراءات العداء ضد الصين وروسيا، ورفضت التنسيق مع الدّول الأخرى "الحليفة" (أوروبا أو اليابان) لمكافحة جائحة "كوفيد 19"، ما يُشير إلى عدم مبالاة الرأسمالية بحياة الإنسان، بل انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، ونفّذت الإنسحاب سنة 2020، لتنشُرَ الولايات المتحدة قيم العداء والكراهية، بدل قِيم "التعاون والتسامح"، بحسب تقرير المعهد الدّولي للدّراسات الإستراتيجية، بعنوان "المسح الاستراتيجي للعام 2020"... من يردع الولايات المتحدة، رأس حربة الإمبريالية العالمية؟
إن التهجمات الأمريكية المستمرة ضد روسيا والصين ، إلى جانب المناورات العسكرية الاستفزازية المتزايدة، قد تؤدّي إلى حرب مُدَمِّرَة، واسعة النّطاق، بين دول تمتلك الأسلحة النّوَوِيّة، بهدف تحويل الغضب الإجتماعي الدّاخلي إلى الخارج، وتحويل وجهة آليات الصراع الطّبقي في الدّاخل إلى عملية دعم شوفيني ضد عدو خارجي مُخْتَلَق.
عندما انتشرت الإحتجاجات ضد العنصرية واحتقار الفُقراء في معظم الولايات الأمريكية، اتجهت الطبقات السائدة نحو تعزيز وتطوير عمل الحركات الفاشية، ودعمت مهاجمة المؤسسات التقليدية للديمقراطية البرجوازية (مجلس النواب الأمريكي)، وأيّدَ وعَزَّزَ ودعم 75 مليون ناخب أمريكي التوجهات الفاشية للرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" (كرمز يُمثل شريحة من الرأسمالية المُضاربة)، وساندوه عندما رَفَضَ الإعتراف بنتائج الإنتخابات، وعدم احترام المؤسسات البرجوازية نفسها، عندما لم يتمكّن من تطويعها بنسبة 100%، في غياب معارضة جذرية أو اشتراكية، لتأطير الحركة الجماهيرية التي تواصلت طيلة سنة 2020 ضد عدم المساواة الاجتماعية (وعدم المساواة قيمة متأصّلة في المجتمع الأمريكي، لكنها استفحلت مؤخّرًا، وقضت على أوهام "الحُلم الأمريكي")، وضد القمع. إن دونالد ترامب ليس عنصرًا منفلتًا، بل إنه يُمثّل مصالح القطاع العقاري، وقطاع المضاربين وشركات الدّعاية الإعلامية.

ما العمل؟
استغلت الرأسمالية جائحة "كوفيد 19" لتجربة قيادة الشعوب كقطعان الحيوانات، ولِفَرْضِ الأوامر الفَوْقية دون نقاش، كما استغل الرأسماليون هذه الأزمة لزيادة ساعات العمل وخفض الرواتب وإلغاء المكتسبات التي تحققت بالنضالات، وطرد العُمال، بذريعة الأزمة...
يتطلب التّصدّي للرأسمالية الإمبريالية التي ضحّت بحياة البشر من أجل إنقاذ رأس المال، عملاً دؤُوبًا لتوحيد صفوف ضحايا رأس المال، وتنظيم صفوفهم، وتنسيقًا دوليّا بين الضحايا (الطبقة العاملة والفُقراء والمُنتجين والأُجَراء...) ليكون الرّدّ على قَدْر الهجوم، أو العدوان، ويمكن البدء بمطالب مثل:
أولوية صحة الإنسان، من خلال تخصيص المال العام للوقاية والعلاج ولتوفير الرعاية الصحية للجميع، وللإنفاق الإجتماعي، وتوفير الغذاء للفقراء، خلال فترات الحجر الصحي، واستثمار المال العام في القطاعات المنتجة، بدل توزيعه على الشركات والأثرياء، أو بدل إنفاقه على شراء السّلاح للعدوان على الشعوب المجاورة، مثلما يفعل صهاينة العرب بالخليج.
إلغاء دُيُون الفُقراء، دولاً وأفرادًا وفلاحين، وغيرهم من الفقراء والمنتجين الذين اقترضوا أموالاً لإنفاقها على الإنتاج أو على اقتناء ضروريات الحياة، وإلغاء ديون البلدان الفقيرة التي يبتزّها الدّائنون الذين يفرضون شروطًا مُجحفة أدّت إلى إرهاق الشُّعوب والعاملين بهذه الدّول، لأنه يتوجّب على العاملين إنتاج أحجام إضافية من السلع ومن القيمة الزائدة، التي لن يقع الإستفادة منها مَحلِّيًّا بل تذهب مباشرة إلى الدّائنين، فيما تلجأ الحكومات إلى اقتراض مبالغ جديدة، بصفة دَوْرِية، لسد عجز الميزانية، ولتسديد القروض القديمة، ما يزيد من حجم الدّيون ومن حصتها من الناتج المحلي الإجمالي، وما يجعل الدولة المُستَدِينة عاجزة عن الإستثمار في القطاعات الإنتاجية، كما يحصل في المغرب وتونس ومصر والأردن.
يُشكّل اتساع رقعة النضالات في بلد مثل تونس، إلى فئات صغار الفلاحين والأطباء، وغيرهم، وإلى مناطق عديدة من البلاد، فُرصةً مناسبةً لطرح مسائل مثل ضرورة توجيه الإنفاق الحكومي نحو توفير السكن اللائق بإيجارات منخفضة، وتوفير وسائل النقل العمومي، والماء والكهرباء وخدمات الإتصالات والمرافق بأسعار منخفضة، ودعم صغار الفلاحين، لتحقيق السيادة الغذائية، وتوفير العملات الأجنبية، وإنفاقها لدعم المُعطّلين عن العمل والفئات الهشة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة