الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التثوّر، و الثورجية

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


عندما أفقد الأمل أنكفئ إلى ذاتي ، أغادر العالم الطبيعي، و الافتراضي، لأنّ نفس القيود تكبّلني فيهما و لا أرغب بالشّعور بالإهانة، أو الاضطهاد. لدي باب واسع أدخل منه إلى محراب العزلة الطوعية، أنعم به بالحرّية، ونظافة ذهني من القيل و القال. كأنني لم أعش بينهم ، و لم أختبر تنمّرهم!
أسأل نفسي كل يوم : هل يوجد فكر تنويري؟
يأتي الجواب: لا . ليس في بلاد العرب أوطاني لا يفكرون ، بل يتناقلون الكلام القديم، يضعونه في إطار، أو علبة ، يقدسونه حتى إن كان جاهلاً .
في مرّة سألت أحدهم : هل تعتقد أنّك وحدك المؤمن على هذا الكوكب الموحش؟
أجابني أن الإيمان مختلف ، وهؤلاء ليسوا بمؤمنين ، فقط هو على دين الحق، ودين الحق له أطر، وعبادات من حاد عنها فهو كافر. حاولت أن أنقل له تجربتي مع البوذيين و إيمانهم ، أجابني أنّني مرتدة ، هربت خوفاً من أن يطبق عليّ حدّ الردة.
في مرّة تحدثت أنا وثوري عن مفهوم الوطن، قال لي أنّه يمثل الأمة العربية، وعندما سألته إن كان يضم أشخاصاً، أو مجموعات غير عربية اتهمني بالخيانة للقضية فهربت خوفاً.
في مرّة زرت صديقتي التي جمعتني معها ذكريات الطفولة، و التي اختبأت في بيتي عندما هددها والدها بالقتل ، وكانت قد عادت في زيارة إلى الوطن بعد أن عاشت في أمريكا وتزوجت، وجمعت المال من الفضائيات . رأيت عائلتها تحتفل بقدومها ، و طباخها يضع القدور على النار يطبخ للجميع . أتت سكرتيرتها، وسلمت عليّ ، وقدمت لي هدية منها، اعتذرت عن الجلوس معي لأنها مشغولة بالشّأن العام. شعرت أنها جزء ثوري من الوطن المهزوم ، فهربت من الالتحاق بالثورات.
في مرة امتنعت عن الكتابة في موقع الكتروني نسبته أحرار، أعادوا تواصلهم معي. صدقتهم. لم لا أصدقهم ، فأقل واحد فيهم مكث في السجن عشر سنوات، و بعد أن نشوا لي عدة مرات تجاهلوا فيما بعد. يريدونني أن أسأل ، و أنا الهاربة أبداً، المتعالية على جميع الترهات.
في مرّة كتبت لي صديقتي الافتراضية : روعاتك، رائعة، عظيمة، اختارت من كلمات القاموس ما لا يرضيني ، لكنني لم أملك الوقت لأمر على صفحتها ، و أعلق على بعض كتاباتها التافهة، حذفتني من صداقتها، هي اليوم تقود رتلاً من الأدباء.
مجموعات المتثورين نشيطة على وسائل التواصل يباركون لبعضهم نجاحاتهم في قيادة الثورة، فهذا له دكان مدفوع الأجر في حقوق الإنسان يحدثنا عن بطولاته، وذلك سجين سابق يثور ، وعلى صفحته أقوال رغد صدام حسين، وذلك بذقن يريدها إسلامية ، وذالك يترأس مجموعة علمانية، يخرج على البث المباشر ، يبيده كأسه ، ثم يتشدّق إلى أن نفقد صبرنا، و أحدهم ليس مسلماً يضع على موقعه أخبار المتفوقين شريطة أن تكون المرأة محجبة، و الشاب بذقن إسلامية ، كان صديقي سألته
لدي الكثير لأقول، لكنّني أكتفي بهذا القدر، و أسأل: أين يذهب الإنسان في هذه الحالة؟
بالنسبة لي: استطعت أن أبني باباُ عريضاً أدخل منه إلى معتزل يريحني، ويجعل ذهني غير مقيد بفلان أو علان.
لست مرغمة على قبول أحد، ولا أطمح أن يقبلني أحد خلقت لأكون أنا .
لن أحاورك لأنّك تريدني نسخة عنك، و أنا لست أنت.
لو أدخل معك في جدال لأنّني قرأتك، حفظتك عن ظهر قلب.
لن أثق فيك، لأنّك تبحث عن طريق التّثور عن الثروة ، و لو أتت من مالك رقيق.
لا أحد عظيماً، لا أحد أيقونة . جميعنا بشر ، لكنّ أغلبنا مظلومين ، وظالمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا