الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لولبية العبث

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 3 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٣١ - الإستمرار في اللعبة العبثية
ذلك أن الإنسان يعرف أن وجود الله أو عدمه لن يغير من الأمر شيئا على الإطلاق، ستضل الحياة بطعم التراب ورائحة الرماد، والرحلة بلا هدف وبلا معنى ولا ضرورة لها، وكان من الممكن ألا تكون، بل ربما من الأحسن ألا تكون. غير أن وجود الله أو عدم وجوده لا علاقة له بـ"الإيمان" بوجود الله أو عدم وجوده، ذلك أن الإيمان، والدين عموما يزحزح القضية من مناخها الطبيعي أي الفكري نحو مساحات جغرافية جديدة وهي صحراء التجريد والخيال واللاعقلانية والميتافيزيقا. وهذه الطريقة الملتوية سمحت للإعتقاديين بمبرر جديد للإيمان في حالة غياب الله، حيث يصبح كل شيء مباح بالضرورة في حالة غياب الحدود والقواعد والوصايا الإلهية ويعود الإنسان بالضرورة إلى حيوانتيه الأصلية، ذلك أن الله هو الذي منحه الإنسانية على شرط الإعتراف به والخضوع له ولقوانينه وعبادته ليل نهار، ولذلك وجود الله ضروري وإن لم يوجد وجب إفتراض وجوده. والعقل منذ البداية كان مصاحبا للأديان، بل يمكن القول أن الإنسان أخترع فكرة الله نتيجة التفكير في ضرورة سلطة عليها يخافها الناس موازية لسلطة الأب والحاكم والسلطان والملك، ومن ناحية أخرى للإطمئنان بوجود مهندس ومنظم لهذا العالم الفسيح بظواهره العجيبة. ولكن هل هذا يعني أن رفض فكرة الله يتضمن رفض فكرة العقل ؟ لقد أعتقد الكثير من المفكرين بقوة العقل كآلة أو بوصلة تمكنهم من رسم خارطة وهيكل جديد للعالم، أكثر علمية وأكثر دقة، غير أن السراب سرعان ما تبخر وأعلن البعض أن العقل خرافة بدوره ولا يمكن للعقل وحده أن يحل المعضلة، وأن المعرفة، مهما كان مصدرها لن تستطيع شيئا أمام الحقيقة البسيطة العارية : الحياة مجرد خدعة بصرية وفي أحسن الأحوال لعبة صبيانية لا معنى لها. نحن نولد بدون مبرر ونموت بدون مبرر، نولد ونموت من أجل لاشيء، لمجرد تقضية الوقت. العقل يعرف ذلك ويقبله، ولكنه في نفس الوقت يحاول أن يفهم قواعد هذه اللعبة، أو على الأقل أن يبرر إستمراره في ممارسة اللعب.
وهذا ما دفع منتقدوا الحداثة، المابعد حداثيين من دولوز وفوكو وديريدا وغيرهم، على نقد الفكر الحداثي بإعتبار"لاعقلانيتة" برغم إدعائه العقلانية وفلسفة التنوير واعتماد المنهج العقلي ورفض الماورائيات والفكر الغيبي. ذلك أنه وبشكل غريب يمكن أن نلاحظ أنه في أوروبا ، منبع فلسفة التنوير ومهد الحداثة، حدثت حربين عالميتين لقي فيها أكثر من ٦٠ مليون مواطن حتفه فضلاً عن الاصابات الخطيرة وملايين المعاقين، بالإضافة إلى تجارة الرق واستعباد البشر وبيعهم كالماشية، ثم الحروب الإستعمارية العديدة التي شردت بلدانا وقارات بأكملها، فكان لابد من طرح سؤال جوهري : أين العقلانية في كل هذه المجازر والكوارث البشرية ؟! فالإنسان برغم حداثته واعتماده على العقل ما زال وحشاً قادرا على القتل والتدمير وتفجير منازل عباد الله. ذلك أن الفكر البرجوازي ما بعد الحداثي نسي الجانب السياسي والإقتصادي من المعادلة، وإلا لعرف أن الحرب العالمية الأولى والثانية لم تكونا حروبا عبثية أو عشوائية، بل كان لها مبررات ودوافع العقل الإقتصادي والسياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة