الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوال السعداوي … عيناها في وهج الشمس

فاطمة ناعوت

2021 / 3 / 27
حقوق الانسان


(شرفُ الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، هو "الصدق"). هكذا قالت السيدةُ التي حاربت طيلة حياتها الكذبَ والنفاقَ والازدواجيةَ، فحاربها طيلةَ حياتها وبعد رحيلها، الكذبةُ والمنافقون والازدواجيون الذين يقولون ما لا يفعلون، وفي كل وادٍ يهيمون يسبّون المثقفين ويلعنون، ويوزعون الجنّة والنار والرحمة والعذاب وفق أهوائهم الشوهاء، صانعين من أنفسهم الضئيلة آلهةً من دون الله، حاشاه جلّ وعلا.
رحلتِ الجميلة وقد آن لها أن تستريح بعد سبعين عامًا من الكفاح الشاقّ من أجل حق الإنسان في الحياة الكريمة، وحق المرأة في احترام جسدها الذي كرّمه اللهُ لأنها صنعه وخلقه. أغمضت "نوال السعداوي" عينيها اللتين لم تغمضا في وهج الشمس تسعين عامًا. هي الطبيبةُ والروائية والمفكرة والحقوقيةُ المصريةُ النابهة، التي كرّمتها معظم دول العالم الأول، ومنحتها جامعاتٌ عالمية عديدة درجة الأستاذية الفخرية لقاء ما قدمت للإنسانية من علم وتنوير وارتقاء بقيمة الإنسان بوجه عام، وقيمة المرأة بوجه خاص. ونسي وطنُها أن يُكرِّمَها بسبب التشويه المتعمّد والاغتيال المعنوي الذي مارسه ضدَّها الإخوان والمتطرفون الذين لم يقرأوها أو لم يفهموا ما كتبتْ. ذاك أن التكفير أقربُ إليهم من التفكير. واللعنُ أقربُ إلى قلوبهم من الرحمة. والنقلُ الأعمى أقربُ إلى عقولهم من التعقُّل والتدبّر. هي النبيلةُ التي عاشت تمنحُ ولا تأخدُ مقابلا لما تمنح. طالبت بحقوق المُستضعفين، ودفعت هي فاتورةَ تلك الحقوق المُهدَرة، من سلامتها وأمنها وحريتها. هي الطبيبةُ التي أذبلتْ زهرةَ صباها في علاج الفقراء في نجوع مصر وقُراها، وأهرقتْ عُصارةَ روحها في مناهضة تمزيق أجساد الطفلات والصبايا وترويع أرواحهن تحت مِقصلة طقس الختان الوحشيّ؛ فتصدّى لها ذوو الذقون واللحى يُكفّرونها ويشوّهون تاريخَها ويخوضون في سيرتها، ويُحبطون أعمالَها. لكنها لم تخنع ولم تخف. وهل تخافُ مقاتلةٌ جسور؟! لم يتوقف نضالُها الفكري الجهور إلى أن تبنّى التشريعُ القضائي رسالتَها، وأمَّنتِ الدولةُ المصريةُ على وجاهة طرحها الفكري والطبيّ، ودعمها المجلسُ القومي للمرأة، وخرج إلى النور قانونٌ محترم يُجرِّمُ ختان الإناث. جاهرت نوال السعداوي برفض تلك العادة الأفريقية الفظّة، قبل سبعين عامًا، في وقت كان فيه مجردُ التفكير في منع ذلك الطقس الدموي، ضربًا من الخيال والكوميديا. تلك السيدةُ قالت "لا للختان"، حين قالتِ الجموعُ: “نعم"، في منتصف القرن الماضي. هي الكاتبةُ التنويرية التي دفعت من علمها ومالها وراحتها وسنوات عمرها الشيءَ الكثيرَ من أجل حقوق الإنسان، فكرّمها العالمُ بأسره، وأنكرها "أولادُ حارتنا"! لا، لم يُنكرُها جميعُ أولاد حارتنا، بل أنكرها أبناءُ ثقافة: “قالوا له": السمعيون الذين يسمعون ولا يتبصّرون، الذين ينقلون ولا يعقلون، الذين هم كسالى في القراءة، نشطاءُ في النقض والنقد، في الانتقاد والانقضاض كما تنقضُّ الوحوشُ على ظبية برية، في الهدم والتشويه، دون بيّنة، دون برهان، ودون إدراك. لكنَّ مثقفي هذا البلد الأمين، يعرفون قدرَ تلك السيدة العظيمة، ويُجلّون شأنها، ويذهبون إلى حيث تَحُطُّ رحالها، حتى يتعلّموا كيف يُفكرون خارج الصندوق، وكيف يرفضون ما يهدمُ الإنسانَ ويُهين العقل والجسد، ويأبون إلا أن يساهموا في صنع منظومة الجَّد المصري القديم: “الحق-الخير-الجمال"، مهما كلّفهم هذا من شقاء ودماء وتعاسة. عام 1980 وضعها الرئيسُ الساداتُ في السجن استرضاءً للتكفيريين الهائجين. وفي عتمة المعتقل كتبت كتابها الجميل: "مذكراتي في سجن النساء" بقلم حواجب على لفة من ورق التواليت تم تهريبها لها خلسة. وأطلق الرئيس مبارك سراحها عام 1981. لكن التهديد بالقتل لم يبرح قلوب َأهل الشر فاغتالوها معنويًّا كلّ يوم على مدى سبعين عامًا، حتى استراحت وذهبت إلى الرحمن الرحيم قبل أيام، وتبقى أعمالُها خالدة عصيةً على المحو.
رحلتِ الجميلةُ يوم عيد الأم 21 مارس 2021، يوم تصديق البرلمان المصري على تغليظ عقوبة جريمة الختان، ويوم إصدار الرئيس السيسي توصياته بإصدار قانون مستقل يُجرّم زواج الطفلات والقاصرات. فأيُّ مجدٍ أكثرُ من هذا؟! ما ناضلت من أجله سبعين عامًا يُسنُّ في قوانيَن يوم رحيلها، وأوقنُ أنها تنظرُ إلينا اليوم من فردوس الله راضيةً مرضيةً باسمةً قريرة القلب وعيناها مفتوحتان في وهج الشمس، وهي ترى كفاحها قد أوشك أن يؤتي ثمره.
تستحقُّ المفكرة الوطنية د. نوال السعداوي أن تُكرّم اليوم بما يليق بكفاحها التنويري الطويل. تستحقُّ أن تتقلّد "قلادةَ النيل"، تكريمًا على ما قدّمته لاسم مصرَ من أمجاد في المحافل الدولية، فكرّمتها الدولُ وكرّمت فيها اسمَ مصر الشريف. طوبى لكلّ من حمل لواءَ مصر خارج مصر وسلاما لروحك الطيبة. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”



***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط