الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقاطعات بين الأديان 20 غشكاليات الرسل والأنبياء 5 إسحق

عبد المجيد حمدان

2021 / 3 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقاطعات بين الأديان
20
إشكاليات الرسل والأنبياء
5
إسحق

1
اسحق ، كما بتنا نعرف من الحلقات السابقة ، هو ابن إبراهيم من زوجته سارة . ونبوة إسحق موضع إجماع للديانات السماوية - الإبراهيمية ، أو التوحيدية - الثلاث . لكن سيرته ، كما ترويها الكتب المقدسة ؛ التوراة والقرآن ، تعتورها ، أسوة بسير من سبقوه من الأنبياء والرسل ، سلسلة من الإشكاليات التي تحفز قارئ هذه السيرة على تجديد طرح العديد من الأسئلة والتساؤلات ، ربما بسبب خلفيته الثقافية المستندة إلى الرؤية الإيمانية الإسلامية بعصمة هؤلاء الرسل والأنبياء . والعصمة ، كما هو معروف ، وكما تقول معاجم اللغة ، تعني التنزيه عن الوقوع في الأخطاء البشرية ، سواء كانت زلات ، أخطاء ، أو خطايا كبيرة . لكن قارئ سير الرسل والأنبياء المعصومين ، يفاجأ بسلسلة من الإشكاليات اعتورت تلك السير ، كما ثَبَّتتها نصوص الكتب المقدسة ذاتها ….
وهنا ، وفي هذه الحلقة ، دفعتني الإشكاليات التي اعتورت سيرة إسحق لتبديل المنهج الذي اعتمدته في كتابة الحلقات السابقة ، والتي اعتمدت فيها التسلسل التاريخي ، أي البدء من عرض التوراة للسيرة ، فَالانتقال إلى القرآن . إشكاليات سيرة إسحق حفزتني كي أفعل العكس ، أي البدء من القرآن ، فاَلانتقال من بعده إلى التوراة ، أو العهد القديم في الكتاب المقدس .
2
إذاً ، وفي القرآن ورد ذكر إسحق في عشر سور هي : الأنعام ، هود ، إبراهيم ، الحجر ، مريم ، الأنبياء ، العنكبوت ، الصافات ، الذاريات ، والبقرة ، وَفي العديد من الآيات .
أما الآيات فيمكن تصنيفها إلى : 1- آيات الهبة ، وتبدأ بعبارة ووهبنا له - لِإبراهيم - .2- آيات البشرى ، وتبدأ ب : وبشرناه ، نبشره ، بشرناها .و 3- آية الأضحية .
ولأن آيات الهبة والبشرى قصيرة ، وعددها قليل ، اسمحوا لي بعرضها كاملة ، بادئا بآيات الهبة .
{ ووهبنا له إسحق ويعقوب كلاً هدينا ونوحا هدينا ……} 84 الأنعام
{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب وكلاً جعلنا نبيا } 49 مريم
{ ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين } 72 الأنبياء
{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب …..} 27 العنكبوت
وعلى عكس الآيات السالفة تنص الآية 39 من سورة إبراهيم على ما يلي : { ...الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وَإسحق إن ربي لسميع الدعاء }
هذه الآية ، كما نرى ، تحمل اختلافا عن الآيات الأربع السابقة ، بورودها على لسان إبراهيم . وأكثر من ذلك تبدو وكأنها حشرت حشرا ، وبغرض أن يكون لإسماعيل ، الإبن الذي كان إبراهيم قد أبعده عن حضنه ورعايته ، نزولا عند أمر زوجته سارة ، كما سبق وَأوضحنا في الحلقة 18 الخاصة بإبراهيم ، ليكون له ذكر يرتبط بأخيه إسحق ، الإبن المفضل عند الله ، قبل أن يكون مفضلا عند أبيه إبراهيم .
وبالعودة للآيات الأربع نلاحظ أن الله هو من يكرر ذكر الهبة لِإبراهيم ، وبذات العبارات ، ودون تغيير في المحتوى أو إضافة له ، توجب هذا التكرار ، ودون إشارة لإسماعيل الذي سبق وطرد هو وأمه من جنة إبراهيم وسارة ، وحيث ينبهنا لهذا التمييز الصارخ بين الأخوين ، وَيحفزنا للتساؤل عن أسباب فَمبررات هذا التمييز ، بالرغم من ملاحظة أن الأم ونسبها ، وموقعها الاجتماعي هي كل الفارق بين الأخوين . كما نلاحظ حشر يعقوب في الهبة دون مبرر ، كما سنرى من عرض التوراة ، وحيث وصفته الآية الثالثة بالنافلة ، لتعود الآية الرابعة لتذكرنا بِجعل الله النبوة والكتاب في ذريته - ذرية يعقوب ، ولكن ….
ولكن ، دعونا نتجاوز موضوع يعقوب الآن لِنشير أن الآيات تدفعنا لِتساؤل سابق على التساؤل الأول . ذلك أن هبة من الله العظيم ، تطالعنا بهذا التكرار ، لا بد وأن تكون فوق عظيمة ، فوق متميزة . ولأن إسحق هو الهبة ، ولندع إضافة يعقوب الذي كان هبة لإِسحق لا لِإبراهيم ، وأن لا ذكر في الكتابين المقدسين لعلاقة ما لإبراهيم بهذا الحفيد ، نسأل : هل كان لِإسحق كشخص ، كإنسان ، كنبي ، من الميزات ، من السمات ، من الصفات ما يتفق ، والأدق يتلاءم ، مع مبادرة الله جل جلاله لتكرار القول بهبته إسحق لإِبراهيم ؟
لكن ، قبل الجواب ، تعالوا نطالع آيات البشرى .
3
تقول الآيات :
{ وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بِإسحق ومن بعده يعقوب } 71 هود
{ قالوا لا تَوْجَل إنا نبشرك بغلام عليم 53 قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فيمَ تبشرون 54 قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين 55 } .
{ فبشرناه بغلام حليم 101 وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين 112 وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين 113 } الصافات
{ فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم 28 فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم 29 } الذاريات
نلاحظ في هذه الآيات أن البشرى بِإسحق جاءت على لسان الله ثلاث مرات وعلى لسان الملائكة مثلها . كما نلاحظ أن الآيات أسبغت ميزات الحلم على ما سَيكونه ذلك الغلام المبشر به مرة ، وميزة العلم مرتين . ولنعود ونسأل : هل كان النبي إسحق على تلك الدرجات من التميز ، كي يستحق أن يتحدث الله مرات عن هذه الهبة ، ومرات أخرى عن البشرى به ؟
لا يسعفنا القرآن بما يساعدنا على الإجابة عن هذا السؤال . ولأن سياق البحث يوجب علينا تأجيل عرض آية الأضحية ، تعالوا نبحث عن إجابة في التوراة ، والتي من السياق القرآني ذاته ، تبدو أنها الأصل لهذه السيرة .
4
في التوراة ، أو العهد القديم من الكتاب المقدس :
يطل علينا ذكر إسحق في التوراة بدءا من الآية 15 ، الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين ، وكما يلي : [ وقال الله لإبراهيم ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي بل اسمها سارة 15 وأباركها وأعطيك منها ابنا . أباركها فتكون أمما ملوك شعوب منها يكونون 16 فسقط إبراهيم على وجهه وضحك . وقال في قلبه هل يولد لابن مئة سنة وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة 17 وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك 18 فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده 19 وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا . اثني عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة 20 ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية 21 فلما فرغ من الكلام معه صعد الله عن إبراهيم 22 ] .
تزودنا هذه الآيات بجزء من الإجابة على سؤالنا السابق . إبراهيم هنا يحاول تذكير الله بقاعدة البكورة الخاصة بِميراث الإبن البكر لأبيه ، وهو هنا إسماعيل الذي كان قد بلغ من العمر ثلاثة عشر عاما . لكن الله يعلم إبراهيم باستبدال قاعدة البكورة بقاعدة جديدة تقوم على صفاء العرق ، وتميز الحالة الاجتماعية واللذان يتحققان بالأم .
صحيح هنا أن كلا من إسماعيل وإسحق يتساويان في مشاركة العرق والمكانة الاجتماعية من ناحية الأب ، لكنهما يختلفان من ناحية الأم . إسماعيل البكر هو ابن هاجر المصرية من ناحية العرق ، وابن الأمة العبدة الخادمة من ناحية المكانة الاجتماعية ، وإسحق ابن سارة شريكة إبراهيم في العرق ، وهي السيدة المالكة لهاجر ، وصاحبة المكانة الاجتماعية الرفيعة ، وفي المحصلة لا يتساوى الأخوان عرقا واجتماعيا ، وَحيث الأفضلية لِإسحق ، وهذه الأفضلية هي التي قضت بتجريد إسماعيل من البكورية ، ومنحها لِإسحق ، وَلِيقيم الله عهده معه ومع نسله الصافي عرقيا من بعده . هل نستعجل ونستنتج أن هذه كانت البداية ، في الديانات السماوية ، لوضع قواعد المفاضلة بين البشر ، وتقنين التمييز على أساس العرق والطبقة الاجتماعية ؟ ولكن …
5
ولكن ، درءا للتسرع في الإجابة دعونا نتابع .
يطالعنا الإصحاح الثامن عشر بحكاية مرور الرب ، مصحوبا بملاكين ، ببيت إبراهيم في طريقهم لإنزال العقاب بسدوم وعمورة ، والتي كنا قد عرضناها في الحلقة السابقة . وفيها ، وبدءا من الآية 10 وحتى الآية 16 يسأل الرب عن سارة كي يبشرها بأن يكون لها ابن بعد انقضاء الحول . سارة العجوز التي انقطع طمثها ضحكت في قلبها ، لكنها أنكرت حين سألها الرب عن سبب ضحكها لأنها خافت . لكن الرب يسألها : [ هل يستحيل على الرب شيء . في الميعاد أرجع إليك - يا إبراهيم - ويكون لسارة ابن ] الأية 14 .
ويعود الإصحاح الحادي والعشرون ، وبدءا من الآية الأولى ليخبرنا أن وعد الرب لسارة قد تم . حبلت سارة وأنجبت ابنا ، وفي الوقت الذي حدده الرب ، سماه إبراهيم بإسحق ، وختنه إبراهيم وعمره ثمانية أيام وقالت سارة أمه :[ قد صنع إليَّ الله ضحكا . كل من يسمع يضحك لي ] الآية 6 و [ وَقالت من قال لِإبراهيم سارة ترضع بنين حتى ولدت ابنا في شيخوخته 7 فكبر الولد وفُطم . وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحق 8 ] .
عقب فطام إسحق فطنت سارة لوجود إسماعيل في البيت . أمرت إبراهيم بطرده وأمه [ لأن إبن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق ] الآية 10 . لم يستسغ إبراهيم مطلب حرمان ابن له من وراثته ، ونحا إلى رفضه . لكن الرب حضر وتدخل .[ فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك . في كل ما تقرر لك سارة اسمع لقولها . لأنه بإسحق يدعى لك نسل 11 وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك 12 ] .
إذاً هي العنصرية القائمة على صفاء العرق من ناحية والمرتبة الاجتماعية من ناحية أخرى وتقررها الأم .
صدع إبراهيم لأمر الرب ، كما ثبتنا في الحلقة 18، وذهب بإسماعيل وأمه ليرمي بِهما في برية بئر السبع ، وَلتنقطع علاقته ومجرى أبوته لإسماعيل بعدها ، حيث يكبر ويتزوج بعيدا عن حضن ورعاية هذا الأب .
6
ولأن الإصحاح الثاني والعشرين يُبادئنا بعرض قصة الأضحية ، نعود ، انسجاما مع منهج عرض هذه الحلقة ، لِنطالعها في القرآن أولا .
سورة الصافات تحكي لنا قصة الأضحية في خمس عشرة آية بدءا من الآية 99 ، وِختاما بالآية 113، وكما يلي :{ وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين * رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتِ افعل ما تؤمر به ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * فَناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء العظيم * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه بِإسحق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } .
تعمدت الإطالة على القارئ بنقل كامل الآيات ، بدل الإشارة عليه بالرجوع لها ، وقبل الانتقال لرواية التوراة ، لأوضح ، أن هذه الآيات ، وإن لم تذكر صراحة اسم الذبيح ، فإنها تشير بوضوح إلى أنه إسحق ، وليس إسماعيل كما تجمع الأدبيات الإسلامية . لأن القرآن نفسه ، وفي عديد الآيات التي أسلفنا ذكرها ، خص إسحق ، دون إسماعيل ، بأمري الهبة والبشرى ، كما بِوصف الغلام الحليم تارة والغلام العليم تارة أخرى . وإسحق هنا هو من بلغ مع أبيه السعي ، أي من وصل سن مرافقة أبيه عند الخروج من البيت ، وفي وقت كان إسماعيل قد بلغ مرحلة الشباب . كما أن القرآن نفسه ، وفي الآية 37 من سورة إبراهيم ، وبعده الأدبيات الإسلامية ، يحكي قصة تخلي إبراهيم عن تربية إسماعيل ، بتركه وأمه في الوادي غير ذي الزرع ، وأن إسماعيل نما ، كبر ، تعلم العربية ، تزوج ، دون أن يكون لإبراهيم الأب حضور ما في حياته فَدور في تربيته . وأنه من غير المعقول أن يحلم إبراهيم بالذبح في فلسطين ، وفي حضنه إسحق الذي بلغ السعي ، أي قارب السابعة من العمر ، وَيتكبد مشقة السفر إلى مكة لِمشاورة الإبن المهجور ، الإبن الذي كان قد تجاوز مرحلة الطفولة كما الصبا ، ودخل مرحلة الشباب لتنفيذ أمر الذبح . كما لفتنا النظر ، في الحلقة 18 الخاصة بإبراهيم ، إلى تقليد التضحية بالأطفال في الديانات القديمة ، وفي بلد منشئه ، أور الكلدانيين ، التقليد الذي كانت الديانة الكلدانية قد تجاوزته مستبدلة الطفل بالخروف تحديدا .
7
وإذاً ، تعالوا نعود للتوراة ، نستنطق حكاية الذبيح - الأضحية - ، ونقف منها على الحدثين اللذين ترجمهما القرآن بِ :" فلما بلغ معه السعي "، و" فلما أسلما وتله للجبين " .
يبدأ الإصحاح الثاني والعشرون السرد ، وَمن الآية الأولى . تقول الآيات الخمس الأولى أن الله أراد امتحان إبراهيم . أمره أن يأخذ ابنه ، وحيده الذي يحب ، إسحق ، ويصعده محرقة للرب ، في مكان عينه له - أرض المُرْيا - . انصاع إبراهيم للأمر . شد على حماره . اصطحب اثنين من عبيده ، أخذ إسحق الذي بلغ معه السعي . جمعوا الحطب وبعد أن جهزوا المكان أمر العبدين بالبقاء مع الحمار، ربما حتى لا يكونا شاهدي عيان على الترتيبات الأخيرة للحدث ، وبدأ التنفيذ : [ فأخذ إبراهيم الحطب ووضعه على إسحق ابنه . وأخذ بيده النار والسكين فذهبا كلاهما معا 6 وكلم إسحق إبراهيم أباه وقال يا أبي . فقال هأنذا يا بني . فقال هوذا النار والحطب فأين الخروف للمحرقة 7 فقال إبراهيم الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني فذهبا كلاهما معا 8 ] .
لن أستعجل هنا لأشير في هذا الجزء إلى الاختلاف بين الرِواتين القرآنية والتوراتية . الرواية القرآنية تقول أن إبراهيم عرض الأمر على ابنه " الراشد " الذي رد بالقول افعل ما تؤمر به وستجدني إن شاء الله من الصابرين . أما هنا في الرواية التوراتية ، فكان هذا الطفل لا يفهم ما يجري حوله . وببراءة الطفولة سأل أباه عن الخروف . والقارئ ، لو كان لا يعرف النتيجة ، كان سيصاب بالقشعريرة وهو يتابع سرد الحدث . . [ فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب وربط إسحق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب .9 ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه 10 ] ، أي لما أسلما وتله للجبين .
بقية الآيات تحكي أن ملاك الرب ، في هذه اللحظة ، ناداه آمرا بعدم الذبح ، لأنه علم الآن مخافة إبراهيم للرب إذ لم يمسك عنه ابنه وحيده ، وأن إبراهيم نظر حوله فرأى كبشا مربوطا من قرنيه ، أخذه إبراهيم وصعده محرقة .
8
وفي العادة ، لا يرى المؤمن ، وهو يقرأ هذا الحدث ، غير خشية إبراهيم لله ، طاعته ، عمق إيمانه ، شدة تقواه .. الخ . ودائما لا يقف ، لا يلتفت ، ولا يرى الجوانب الأخرى ، وخصوصا ما يتعلق منها بهول ، قسوة ووحشية الخطوات ، وبالتالي لا يسأل أو يتساءل عنها ولا عن الحكمة في الحدث ومنه . لكنني ، في كل مرة قرأت فيها هذا النص ، وبالرغم من معرفتي بالنتيجة وإنقاذ الضحية ، لم أنجح في كبح القشعريرة التي ظلت تعصف بروحي .
الحكاية تقول أن الله أراد من امتحان إبراهيم ، هذا الامتحان الرهيب ، بالغ أقصى درجات القسوة ، أن يختبر ، أن يعرف مدى خشية إبراهيم له . والمؤمن بداهة لا يتساءل : هل كان الله الذي يعرف كل دخائل النفس البشرية لا يعرف مخافة إبراهيم له ؟ وإذا كان لا يعرف فلماذا اختار لِامتحانه هذه النسخة القائمة على أقصى درجات الوحشية ؟ وقبل السؤال : وماذا عن الأطراف الأخرى المشاركة في هذا الامتحان ، وفي مقدمتهم الطفل ذاته بكل ما تجلت فيه براءة الطفولة وهو يسأل أباه عن خروف حفلة الشواء هذه ، نسأل : ماذا عن المشاعر التي كانت تعتمل في نفس إبراهيم وهو يُحَمٍّل ابنه الحطب الذي سيحرقه به ؟ وماذا عن هذه المشاعر وهو يقيد ابنه ويحكم تربيطه ، ثم وهو يضعه فوق الحطب إعدادا لذبحه فحرقه ؟ ماذا عن هذه المشاعر وهو يستل سكينه ويهم بذبحه ؟ ألم تحركها مشاعر الأبوة ؟ ألم يحركها ذلك الرعب المتجلي في عيني ابنه ؟ ألم تهيج دموع الرجاء وهي تسيل على خدي الإبن ، وشهقات الخوف ، وارتعاشات البدن ، وتوسلات الرخمة مشاعر ذلك الأب ؟ أم أن خشية الله ووجوب طاعته تحل البلادة لتلك المشاعر والأحاسيس محل الرهافة وتجفف فيضها البديهي عند كل أب ؟ ثم ترى كيف تعايش إبراهيم مع هذه التجربة الوحشية بعد ذلك ؟
بعد ذلك نأتي لأطراف الحدث الأخرى ، وفي البداية الطفل موضع التجربة الوحشية . وَلنتجاوز سبيكة المشاعر ، التي يقف الرعب على رأسها ، وخيبة الأمل والرجاء من أبيه ، وقراءة القسوة في عيني هذا الأب ، وهو يقوم بتربيطه ووضعه فوق الحطب وتهيئته للذبح والحرق . لنتساءل ألم تترك هذه التجربة المروعة جروحا ، أو حتى ندوبا في روح هذا الطفل ؟ وترى كيف كان ينظر في عيني أبيه بعدها ؟
وماذا عن الأم ؟ الحكاية تشير إلى أن إبراهيم لم يطلع سارة على ما انتوى فعله . وفي حال إذا كان قد فعل فعرفت، فكيف اجْتازت هذا الامتحان ؟ وكيف فهمت تخصيص الله لها بالبشرى ليليها انتزاع المبشر به وتصعيده أضحية ؟ ماذا فعلت بها مشاعر الأمومة ، أم أن تقوى الله وطاعته حولت مشاعرها هي الأخرى من الرهافة إلى البلادة ؟
وأخير ا لا نسأل عن وقع هذا الامتحان على العبدين اللَذبن رافقا إبراهيم ، ثم أوكل لهما العناية بالحمار كي لا يكونا شاهدي عيان ، ولربما على ما كان قد سبق ترتيبه .لا نسأل لأن العبيد يفقدون ،لا يمتلكون مشاعر إنسانية في عرف الديانات الإبراهيمية . ولكن …
ولكن في ختام هذه الأسئلة ، التي لا يمكن أن تدور في رأس المؤمن ، نصل إلى السؤال الأهم : لماذا نسبت التوراة ، ومن بعدها القرآن ، فضل تخليص البشرية من عرف التضحية ببكور الأطفال ، واستبدالها بالخروف ، وغيره من الحيوانات ، إلى إسحق ؟ لماذا جُحِدَ فضل أصحاب الفضل ؟
إبراهيم ، كما تقول التوراة خرج مهاجرا من أور الكلدانيين . وخرج هاربا ، بعد رفض قومه لرسالته بترك عبادة الأوثان ، وعبادة الله ، وحرقه بالنار التي تحولت بردا وسلاما عليه بإرادة الله حسب القرآن . إذاً كان إبراهيم يعرف أن قومه تخلصوا من التضحية بالأطفال وأنهم استبدلوها بالخروف على وجه التحديد . كان يعرف أن قومه هم أصحاب الفضل . فلماذا كانت كل هذه الحكاية ونسبتها إلى إسحق ؟
الجواب قدمه ذات الإصحاح ، تكملة لرواية الحدث وكما يلي : [ ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء 15 وقال بذاتي أقسمت يقول الرب إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك 16 أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وَكالرمل الذي على شاطئ البحر . ويرث نسلك باب أعدائه 17 ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض . من أجل أنك سمعت لقولي 18 ] والسؤال هنا : من هم أعداؤه الذين سيرث نسله بابهم ، أي أرضهم ، وطنهم ؟ هل يحتاج الجواب إلى ذكاء خاص ؟ إنهم الكنعانيون وأرضهم ، أرض كنعان . هي فلسطين وهؤلاء الأعداء الذين آووه وَاحتضنوه هم أهل فلسطين . إذاً أليس هذا هو بيت القصيد من كل هذه الحكاية العجيبة ، بكل ما احتوت عليه من بشاعة وقسوة ، وسرقة فضل الكلدانيين ونسبته إلى إسحق الذي ينحصر فيه نسل إبراهيم الذي سَتتبارك به سائر الأمم ؟ ثم أليست هي العنصرية بكل بشاعتها ؟
9
وفي خاتمة الإصحاح ، خاتمة حكاية الذبيح، يفاجأ القارئ بموضوع لا رابط له بما سبقه . موضوع يقول بأن إبراهيم أُخْبِرَ بأن أخاه ، شقيقه ناحور الذي تخلف في أرض موطنهما ، ولد له أبناء من زوجته الحرة ملكة ، ومنهم ولد اسمه بتوئيل يسكن آرام فدان . كما ولد له أبناء من أمته رؤومة ، وأنه ولد لبتوئيل ابنة اسمها رفقة ولها أخ شقيق اسمه لابان .
ويغيب ذكر إسحق عن الإصحاح الثالث والعشرين ليعود في الإصحاح الرابع والعشرين . وكان إسحق قد بلغ من العمر أربعين عاما ، وإبراهيم مائة وأربعين ، وبعد ثلاث سنوات من رحيل سارة عن مائة وسبعة وعشرين ، ودون أن تظهر لإسحق ، مع كل هذه السنوات ، ميزة واحدة .
يلتفت إبراهيم الذي جمع ثروة طائلة ، ومعها بلغ مكانة اجتماعية عالية ، لتزويج إسحق , يعهد بمهمة البحث عن العروس المناسبة لِكبير عَبيده ، القائم على كامل شؤون بيته . ويلفت انتباه القارئ تكريس هذا الإصحاح المكون من 67 آية ، لمسألة التزويج هذه .
يبدأ الإصحاح بأخذ إبراهيم عهدا من كبير عبيده ، قائلا :[ ضع يدك تحت فخذي فَأستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض أن لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن بينهم 3 بل إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني إسحق 4 ] . كبير العبيد يجادل بأن من المحتمل أن لا تقبل المرأة بالقدوم ، فهل يأخذ إسحق معه ؟ ينهره إبراهيم بأن لا يفعل ، ويقول له بأن الرب الذي وعده بمحنه ونسله هذه الأرض سيرسل ملاكه أمامه وَسييسر مهمته . وإن لم يحصل هذا يعفيه من عهده ، ويعيد تحذيره من مغبة أخذ إسحق إلى هناك .
باقي الإصحاح يتحدث عن إعداد ومسيرة رحلة كبير العبيد هذا ، وعن الصدفة التي أوصلته لأهل رفقة ، وعرضه طلب إبراهيم وموافقة أبيها وأخيها ، بتوئيل ولابان ، وقبولها هي بالقدوم إلى أرض كنعان ، ومن ثم استكمال زواجها من إسحق .
ما يلفت الانتباه في هذا الإصحاح تصميم إبراهيم على منع اختلاط نسب ابنه اسحق بنسب الكنعانيين أهل البلاد الذين وعده الرب بتجريدهم من أرضهم ومنحها له وَلنسله . وأيضا البحث عن نقاوة العرق من أهله .فالآيات تؤكد على أن رفقة هي بنت بتوئيل ابن ملكة الحرة ، وليست ابنة رؤومة الأمة ، السرية أو العبدة . وليعود السؤال : ألم يكن ذلك كله تأصيل لنقاء الدم ، لسمو العرق الذي هو العنصرية بكل ما احتوته وتحتويه من بشاعات ؟
10
أما الإصحاح السادس والعشرون فيحكي لنا حكاية تكشف عن تميز صفات إسحق من جهة ، وعن كيفية أن الابن سر أبيه .
تقول الحكاية أن البلاد أصابها القحط من جديد ، وانتشر فيها الجوع . فكر إسحق في التغرب دفعاً لِغائلة الجوع . نزل له الرب وحذره من التغرب في أرض مصر ، آمرا إياه بالتغرب في أرض فلسطين ، الأرض الذي جدد له عهده مع إبراهيم بمنحه ونسله الذي سَيكثره كرمل البحر وعدد نجوم السماء . تغرب إسحق في أرض مملكة جرار الفلسطينية التي سبق وتغرب فيها أبوه قبله . وكرر إسحق ذات فعل أبيه ، بتقديم زوجته رفقة لملك جرار الذي كان اسمه أبيمالك أيضا .
[ فأقام إسحق في جرار 6 وسأله أهل المكان عن امرأته فقال هي أختي . لأنه خاف أن يقول امرأتي لعل أهل المكان يقتلونني من أَجل رفقة لِأنها كانت حسنة المظهر 7 وحدث إِذ طالت له الأَيام هناك أَن أبيمالك ملك الفلسطينيين أَشرف من الكوة ونظر وإذا إسحق يلاعب رفقة امرأته 8 فدعا أبيمالك إسحق وقال إنما هي امرأتك . فكيف قلت هي أختي . فقال له إسحق لأني قلت لعلي أموت بسببها 9 فقال أبيمالك ما هذا الذي صنعت بنا . لولا قليل لاضطجع أَحد الشعب مع امرأتك فجلبت علينا ذنبا 10 فأوصى أبيمالك جميع الشعب قائلا الذي يمس هذا الرجل أو امرأته موتا يموت 11] .
لم يطرد أبيمالك إسحق من أرضه ، كما فعل سلفه مع إبراهيم ، ولم يعطه مالا وغنما وبقرا .. الخ . يقول الإصحاح أن إسحق زرع أرضا فأصاب في تلك السنة مائة ضعف - قالوا شو عرفك إنها كذبة ؟ قال من عظمها - . [ وزرع إسحق في تلك الأرض فأصاب في تلك السنة مئة ضعف وباركه الرب 12 فتعاظم الرجل وكان يتزايد في التعاظم حتى صار عظيما جدا 13 فكان له مواشي من الغنم ومواشي من البقر وعبيد كثيرون فحسده الفلسطينيون 14 وجميع الآبار التي حفرها عبيد أبيه في أيام إبراهيم أبيه طمها الفلسطينيون وَملأوها ترابا 15 وقال أبيمالك لِإسخق اذهب من عندنا لأنك صرت أقوى منا جدا 16 فمضى إسحق من هناك ونزل في وادي جرار 17 ]
والمرء حين يقرأ هذا تمسك به الدهشة وهو يتساءل : هل هناك نذالة أدنى من هذه ؟ وهل هناك تبرير وَتغطية على النذالة أَوقح وأقبح من هذه ؟
11
ونصل إلى السؤال : ولكن أين هو يعقوب الذي قرن القرآن اسمه ، في آيات الهبة ، ياسم أبيه إسحق ؟
يحكي الإصحاح الخامس والعشرون ، وبدءاً من الآية 21 أن إسحق بلغ الستين ، أي عشرين سنة بعد الزواج ، دون خلفة ، وذلك لأن رفقة كانت عاقرا كأمة سارة ، وأن الأمر إِحتاج لتدخل الرب من جديد . [ وصلى إسحق إلى الرب لأجل امرأته لأنها كانت عاقرا . فاستجاب له الرب َوَحبلت رفقة امرأته 21 ] .حملت رفقة بتوأم . وعند الولادة خرج الأول أحمر كفروة الشعر ، سموه عيسو ، وَخرج أخوه ويده قابضة على عقب عيسو فَأسموه يعقوب . وحين كبر الغلامان امتهن عيسو الصيد وَليصفه الإصحاح بإنسان البرية ، فيما سكن يعقوب الخيام وَليغدق عليه الإصحاح وصف الإنسان الكامل . الآية 27 . ولكن …
وترينا الآية التالية أن الأب انحاز لعيسو ، لِتخلقه بأخلاق الصياد : الكرم ، الشجاعة ، الشهامة .. الخ ، وإن اختصرتها الآية بعبارة " لأن في فمه صيد " . وَانحازت رفقة لِيعقوب الذي اتصف بالدهاء ، بِالمكر وبسعة الحيلة .
يفاجئنا الإصحاح بأن عين يعقوب كانت من البداية على خطف البكورية من أخيه عيسو . إذ يقول الإصحاح : [ وطبخ يعقوب طبخا فأتى عيسو من الحقل وهو قد أعيا 29 فقال عيسو ليعقوب أطعمني من هذا الأحمر لأني قد أعييت . لذلك دعي اسمه أدوم 30 فقال يعقوب بعني اليوم بكوريتك 31 فقال عيسو ها أنا ماض إلى الموت . فلماذا لي بكورية 32 فقال يعقوب احلف لي اليوم . فحلف له . فباع بكوريته ليعقوب .33 فأعطى يعقوب عيسو خبزا وطبيخ عدس . فأكل وشرب ونام ومضى .فاحتقر عيسو البكورية 34 ] .
لكن الإصحاح السابع والعشرين يفاجئنا أن عيسو لم يحتقر البكورية ، وأن الأمر كله كان أمر حيلة من حيل يعقوب . فَإسحق حين شاخ وَأحس باقتراب الموت دعا عيسو وطلب منه أن يخرج للصيد وأن يصنع له من صيده الطعام الذي يحب وحتى يباركه قبل أن يموت . وخرج عيسو لتنفيذ طلب أبيه .
ويضيف الإصحاح أن الأم ، رفقة ، سمعت كل الحديث ، وأنها نقلته لابنها يعقوب ، ثم حاكا خطة لسرقة البكورية من عيسو . قالت : [ فالآن يا ابني اسمع لقولي فيما أنا آمرك به 8 إذهب إلى الغنم وخذ لي من هناك جديين جيدين من المعزى فَأصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب 9 فَتحضرهما إلى أَبيك لِيأكل حتى يباركك قبل وفاته 10 ] . هنا يُذَكِّر يعقوب أمه بالفوارق بينه وبين أخيه . هو أملس ، وعيسو يغطي الشعر جسده ، وأن الأب الضرير سيكتشف اللعبة بمجرد أن يضع يده عليه ، وبالتالي سيلعنه بدل أن يباركه . لكن رفقة دعته كي يترك تدبير الأمر لها . ذهب يعقوب وعمل حسب طلب أمه التي صنعت الأطعمة كما يحب أبوه . [ وأخذت ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة وألبست يعقوب ابنها الأصغر 15 وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديي المعزى 16 وأخذت الأطعمة والخبز التي صنعت في يد يعقوب ابنها 17 ] .
سأل إسحق ابنه الداخل عليه من أنت ؟ رد يعقوب [ أنا عيسو بكرك ] . عرفه إسحق من صوته أنه يعقوب . ومع أنه فطن إلى سرعة الطبح لا تتفق مع وقت الصياد ذلك تحسسه إسحق لكي يتأكد إن كان هو عيسو أم لا . قال إسحق [ الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو 23 ] . هكذا تفهنا الآيات أن الحيلة انطلت على إسحق فبارك يعقوب .
وبعد اكتمال المباركة ، وبعد أن أكل وشرب خمرا ، جاء عيسو من رحلة صيده . صنع الطعام لأبيه ودخل عليه وقال [ ليقم أبي ويأكل من صيد ابنه حتى تباركني نفسك 31 ] . صعق إسحق وسأل ابنه من أنت فرد بأنه عيسو ابنه البكر . وعرف إسحق أن حيلة يعقوب جازت عليه ، وأنه أخذ مباركته بالمكر ، ومع ذلك لم يتراجع ، أكد بركته ليعقوب المخاتل المحتال قائلا : [ نعم يكون مباركا ] وفوق هذا غضب من عيسو الذي صعقته حيلة أخيه ، ولم يكتف إسحق برفض مباركته ، بل وأبلغه أنه جعل يعقوب سيدا له ، وباقي أخوته - من الأمهات السراري - عبيدا له . لم ييأس عيسو وأعاد طلب المباركة ، فرد إسحق :[ فأجاب إسحق أبوه وقال له هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك . وبلا ندى السماء من فوق 39 وبسيفك تعيش وَلأخيك تستعبد ولكن جين يكون أنك تجمح تكسر نيره عن عنقك ] . ولكن مرة أخرى وأخيرة
12
خاتمة
ولكن قبل أن تتساءل أي عدل هذا ، واي مساواة بين الأشقاء ، يطبقها هذا النبي الذي استحق أن يذكره القرآن في خمس آيات تبدأ بكلمة ووهبنا ، وبمثلها من آيات البشرى ، قبل أن نتساءل تعالوا نسأل : كان واضحا من سرد الآيات أن الحيلة لم تنطل على إسحق ، وأنه عرف يعقوب من صوته ، وأنه ، مثل أي إنسان آخر ، يفرق بين ملمس شعر الجدي وشعر ابنه ، ورائحة جلد الجدي ورائحة ابنه . هو عرف أن المتقدم ، والذي جهز الأطعمة بهذه السرعة ، هو يعقوب وليس عيسو ، ومع ذلك بارك المحتال وهو يعرف أنه محتال ، وعاقب المغدور وهو يعرف أنه مغدور . إذأً ، ماذا كانت حقيقة الأمر ؟
الإصحاح السادس والعشرون قدم لنا الجواب ، وفي آيتين عَابرتين خَتمتاه : [ ولما كان عيسو ابن أَربعين سنة اتخذ زوجة . يهوديت ابنة بيري الحثي وبسمة ابنة إِيلون الحثي 34 فَكانت مرارة نفس لِإسحق ورفقة 35 ] .
إذا، فالأمر أن عيسو لوث الدم النقي في نسله. دنس العرق الطاهر . وزاد في الأمر أنه بعد هذا ، وبعد معرفته كره أمه وأبيه لزوجاته الكنعانيات ذهب إلى بيت عمه إسماعيل وتزوج واحدة من بناته . وهكذا ، ولكل ذلك استحق الطرد من جنة أصحاب العرق السامي والدم النقي . واستحق تبعا لذلك أن يكون عبدا لأخيه الذي التزم بوصية الأب والأم وحافظ على نقاوة الدم وصفاء العرق ، كما سنرى في الحلقة القادمة . هي سمات وميزات الأنبياء والرسل إذن .
ويستغرب المؤرخون ، ومعهم المثقفون ، أن العنصرية ، بطبعاتها النازية والفاشية ، نبتت ، نمت ، ترعرعت ، نفث سمومها في المجتمعات التي دانت بهذا الكتاب المقدس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اضفاء القدسية على النهج العقآئدي هي السد المن
سمير آل طوق البحراني ( 2021 / 3 / 28 - 12:12 )
اضفاء القدسية على النهج العقآئدي هي السد المنيع من التفكير المستقل اي (نفذ ثم اسال). لو جردنا المقتقدات الدينية من التقدييس ووضعناها على طاولة التشريح بدون اي تحيز لوجدنا ان الكثير منها ونسبتها الى خالق الاكوان وكلي القدرة لا تليق بعظمته وعلمه المطلق كشتم انسان هو خالقه وهو من خلق عقله ووعيه وهو العالم بافعاله لانه هو صنعته وليس من الحكمة ان يتحدى مخلوقه او ان ياخذ اصدقاء وهو من يصلي عليهم وكانهم شركاءه في الخلق.اخي الكريم ان اختلاف الاديان التي تسى سماوية في الجوهر والاصل دليل دامغ على انها من صنع الانسان كبقية الاديان التي تسى ارضيه ولكن الانسان حر في اعتناق اي دين يريح ضميره بعيدا عن الادعاء ان دينه هو الصحيح ودين غيره هو الخطا وهو يعلم علم اليقين ان دينه وراثة من البيئة التي خلق فيها وليس دراسة.المسلم مثلا يرجم اسطوانة تمثل الشيطان والهندوسي يقف امام تمثال يمثل الاهه الذي لا يراه فاي فرق بين الاثنين؟؟.اخي الكريم ان الدفاع المستميت عن الاديان في مواقع التواصل الاجتماعي والمحطات التلفزيونية وغيرها وكل يروج لمعتقده دليل دامغ على عدم اليقين بالحقيقة المطلقة.لكن اعبد حجرا ولا تضربني به


2 - المعضله
على سالم ( 2021 / 3 / 28 - 16:03 )
اشكاليه الاديان عموما هى التوارث عبر الاجيال والقرون , بجانب ذلك هو القدسيه الخرافيه التى اسقطت على هذه الاديان الغامضه المنشأ واصبح الاقتراب منها والشك فى اصولها ضربا من الجنون , لذلك فأهم شئ هنا هو تنحيه القدسيه جانبا وتحليل محتوى كلام هذا الدين بشئ من الموضوعيه والمنطق والجرأه , يعتبر الاسلام خاصه خط احمر ويصاحبه عباره ممنوع الاقتراب والتصوير والا , لذلك اصاب جموع المسلمين مزيج من الخوف والجبن والبلاده العقليه والرعب من عواقب الخوض فى تحليل هذه المنظومه الاسلاميه البدويه المخربطه العقيمه , حان الوقت


3 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2021 / 3 / 29 - 10:45 )
تحياتي أخي سمير . كل الشكر لك على مرورك وعلى هذه الإضاءة الجميلة


4 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2021 / 3 / 29 - 10:46 )
تحياتي أخي سمير . كل الشكر لك على مرورك وعلى هذه الإضاءة الجميلة


5 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2021 / 3 / 29 - 10:58 )
تحياتي أخي علي سالم . شكرا على مرورك . أوافقك على ما ذكرت مما أصاب ، ليس جموع المسلمين ، وإنما من يعتبرون أنفسهم علمانيين ، يملكون شيئا من المعرفة ، وما توفره لهم من حرية التفكير . نعم صحيح هناك إرهاب فكري هائل ، كبر وتطور في ظروف قمع الحريات وفي مقدمتها حرية البحث والتفكير . في مناخ سيطرة الاستبداد والاستفاده من تقييد العقل . أوافقك أن ظروفا نشأت ، أوضاعا تطورت ، تسمح بتخلص المفكرين والمثقفين من حالة الرعب التي عاشوها ويعيشونها . نعم حان الوقت لفضح الزيف وتفكيك الخرافات والخروج من كهوف الغيبيات . جزيل الشكر لك يا أخي

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح