الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 263) المدرسة الاستخبارية المصرية

بشير الوندي

2021 / 3 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات ( 263)
المدرسة الاستخبارية المصرية
----------
مدخل
----------
استكمالاً للمباحث التي تناولنا فيها نماذج هامة دولية واقليمية من الاجهزة الاستخبارية ومدارسها , سنتناول في هذا المبحث واحدة من المدارس الاستخبارية العربية البارزة , وهي المدرسة الاستخبارية المصرية وسنلقي الضوء على ابرز محطاتها والتحديات التي واجهتها وتواجهها ونقاط القوة والضعف فيها .
--------------------
فذلكة تاريخية
--------------------
ان قصه الفرعون وفتح مدينة يافا من اقدم القصص الاستخبارية في ارض الكنانة , فقد اهتم الفراعنة بالمراقبة للحدود وكانوا يضعون نقاط حدودية لمراقبة الداخلين الى دولتهم ويسالون المسافرين عن مقصدهم وسبب سفرهم وفتحوا سجل او ديوان لكل شخص يدخل الى الدولة الفرعونية , ويرى الباحثون ان أول من مارس أعمال المخابرات والتجسس في الحرب هو الفرعون تحوتمس الثالث (1550 – 1292 ق.م.)وقائد جيشه «توت»، في أثناء حصاره بلدة يافا الساحلية , فقد أدخل مجموعة من جنده إلى ميناء البلدة داخل الأسوار في أكياس القمح، لإشاعة الفوضى والارتباك في صفوف السكان وفتح ما يمكن من أبواب الحصن للجيش المرابط خارجها , كما ورد في «التوراة» أن النبي موسى عندما خرج من مصر ووصل إلى شمال سيناء، جمع رجاله واختار منهم سبعين رجلًا وطلب منهم التوجه إلى أرض كنعان واستطلاعها والتجسّس عليها، وعاد جواسيس موسى ليقولوا: «إن أرض كنعان يتدفق منها اللبن والعسل، وإن سكانها من العمالقة الجبابرة الضخام».
---------------------
تحديات خطيرة
---------------------
تعد مصر اكبر بلد عربي من حيث عدد السكان الذي تعدى ال100 مليون نسمة يعيشون في وادي النيل اي في 7% من الارض المصرية , مما يشكل تحديين مزدوجين , تحدي العمل في زحام عال وكثيف يصعب فيه الرصد , وتحدي القفار والاراضي الواسعة في بلد يحيطه التهريب في كل اتجاه ومن كل شكل ولون , من تهريب البشر في رحلة من الجنوب الافريقي الى السواحل الشمالية المقابلة لاوروبا , الى تهريب الاسلحة والمخدرات والممنوعات كافة من الغرب الى الشرق , اي من ليبيا في الغرب الى سيناء في الشرق .
كما عانت مصر من خطورة موقعها الاستراتيجي وربطها اسيا وافريقيا باوروبا عبر قناة السويس التي كانت السبب الرئيسي في العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي عليها عام 1956 , وقد عانت مصر لعقود من الصراع المصري الاسرائيلي الذي دخلت فيه مصر اربعة حروب بسببه في الاعوام 1948 و1956 و1967 و1973 .
وعانت مصر من الصراعات الايديولوجية على اراضيها بحكم عوامل داخلية وخارجية يمكن اختصارها بمحاولة انور السادات الذي حكم مصر للفترة من 1970 – 1981 ) حيث عمد الى اطلاق يد السلفيين في مصر لمحاربة اليسار المصري الذي كان يرفض سياساته الرأسمالية المسماة بالانفتاح , وكانت النتيجة ان تنمرت السلفية وقتلت السادات الذي اطلقها لضرب اليسار لتغتاله في العرض العسكري في 6اكتوبر 1981 .
اما التحديات المعاصرة لمصر فتتمثل بالتحديات الاقتصادية الشديدة والبطالة والصراع مع الاخوان المسلمين الذي اتخذوا من تركيا وقطر واوروبا مقراً اعلامياً للصراع مع السلطة المصرية ومع سلطة الازهر , بالاضافة الى تحديات الارهاب لاسيما في شبه جزيرة سيناء , والذي نشط كأحد المواقع البديلة لشضايا داعش التي فقدت دولتها في العراق وسوريا ابتداءاً من منتصف عام 2014 , والذي يتخذ في صراعاته اشكالاً متعددة منها ماهو عسكري بالضد من الجيش المصري , ومنها ماهو بشكل عمليات ارهابية لاسيما بالضد من الكنائس المصرية ومقرات الاجهزة الاستخبارية والامنية بالاضافة الى الاغتيالات التي طالت عدداً من القيادات العسكرية ومسؤولي الدولة .
-------------------------------------
مخاطر التشتت الاستخباري
-------------------------------------
بعد اسقاط الحكم الملكي في 23 يوليو عام 1952 , برز الى الواجهة الرجل الاول في التنظيم العسكري الذي اطاح بالملكية وهو جمال عبد الناصر رئيس تنظيم الضباط الاحرار , وكانت للرجل كاريزما قوية اججتها تمكنه من تأميم قناة السويس وانتصاره في حرب العدوان الثلاثي عام 1956 بمساعدة السوفيت الذي اطلقوا وقتها انذاراً للدول المعتدية سمي بانذار بولغانين الشهير .
وبسبب الاحباطات التي كان تمر بها الدول العربية اثر الحرب العالمية الثانية , كان نجم ثورة وقوة عبد الناصر تكبر ويصل صداها الى دول عربية كثيرة , فقامت تنظيمات قومية في الكثير من الدول العربية اعتبرت زعيمها الاعلى هو جمال عبد الناصر , مما اتاح الى الاجهزة الاستخبارية المصرية الى ان يكون لها تأثيرات وامتدادات في الكثير من الدول العربية كسوريا والعراق ودول شمال افريقيا , ووصلت الامور الى ذروتها في الوحدة الهشة بين مصر وسوريا والى التدخلات المصرية في اليمن وليبيا ودول افريقيا .
ومع سقوط الملكية في العراق على يد الزعيم عبد الكريم قاسم , ابتدأت صفحة من الصراع بين عبد الناصر الذي كان يسعى لسييطرة القوميين في العراق – خط عبد السلام محمد عارف وحزب البعث – على مقاليد الحكم , الامر الذي ادى الى ان تتدخل المخابرات الناصرية في حركة الشواف وفي محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم واخيراً في دعم انقلاب 1963 في العراق .
كانت من نقاط الخلل الشديدة , ان زعامة جمال عبد الناصر وزعامة مصر , ادت الى ارهاق الاجهزة الاستخبارية المصرية بمهام في الكثير من الدول العربية والافريقية الامر الذي اضعفها في جبهتها الاساسية مع العدو الصهيوني مما ادى الى نكسة حزيران في عام 1967 وانكسار الجيش المصري وانتحار عبد الحكيم عامر الرجل الثاني في سلسلة السلطة في مصر .
وما ان ركزت مصر على تقوية جيشها وعلى مهامها الاستخبارية الاساسية , حتى انقلبت النكسة الى نجاح باهر وانتصار على اسرائيل عام 1973 وعبور خط بارليف الذي بناه الاسرائيليون شرق قناة السويس كأعظم خط دفاعي في العالم , فبدلاً عن الفشل والتشت الاستخباري الذي ادى الى هجوم اسرائيلي مباغت عام 1967 , تحول تركيز الاجهزة الاستخبارية الى احد اكبر عمليات التمويه والخداع الاستراتيجي عام 1973 لتصبح الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية اضحوكة امام استغفال الاجهزة المصرية لها .
------------------------
تشكيلات محكمة
------------------------
يعد جهاز الاستخبارات الشُرَطوي من اقدم الاجهزة الامنية الاستخبارية حيث تأسس عام 1922 , والذي تحول الى جهاز امن الدولة , وتم حل الاخير اثر ثورة يناير 2011 ليتأسس على انقاضه جهاز الامن الوطني , ومع استيلاء الجيش على السلطة في ثورة يوليو 1952 تم تأسيس المخابرات الحربية في نفس العام , ثم تبعه تأسيس المخابرات العامة عام 1954 مع بروز نجم جمال عبد الناصر .
وتعتبر المخابرات الحربية , الإدارة التي تختص بمتابعة القضايا المتصلة بالأمن القومي من الناحية العسكرية، ومتابعة وقراءة واستطلاع تحركات العدو وجمع المعلومات الخاصة بتشكيلاته القتالية واستعداداته في حالة السلم والحرب، ومسح الواقع الميداني للعمليات العسكرية بما فيها المسح الجغرافي ومطابقتها مع الخرائط العسكرية التفصيلية وتقديم هذه المعلومات إلى القيادة العسكرية والسياسية لتقدير الموقف على الأرض، ولذلك يُعد عملها حاسما في تقدير الموقف الإستراتيجي. تقوم الإدارة أيضاً بالتخطيط والتنسيق مع الشرطة العسكرية لضمان أمن المنشآت العسكرية والثكنات ومراقبة مستوي الأمن في المنشآت العسكرية بما في ذلك أمن الوثائق والأفراد والأسلحة ، كما تستخدم مصادر المعلومات المتوفرة لمراقبة نشاطات العدو العسكرية، وتختص بالتأكد من حسن انضباط وولاء الضباط والأفراد، وتتعاون الإدارة مع أجهزة الاستخبارات الأخرى بالدولة لتبادل المعلومات وإنجاز المهمات بما يضمن تحقيق الأمن الوطني , وتتبع المخابرات الحربية كل من : جهاز الأمن الحربي , جهاز الاستطلاع , جهاز المخابرات البحرية , جهاز الأمن للبحوث والتطوير.
ولعل اغتيال السادات على يد عناصر متطرفة عسكرية من داخل الجيش كان الضربة الكبرى الثانية التي تلقتها المخابرات الحربية بعد إخفاقها الاول في قراءة المعطيات الاستخباراتية حول قيام إسرائيل بشن حرب على الجبهتين السورية والمصرية صبيحة الخامس من يونيو/ حزيران 1967ما اكبر علامات المخابرات الحربية المضيئة فتتمثل بخطة الخداع الاستراتيجي التي مكنت الجيش المصري من الانتصار في حرب 1973 وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف .
اما الجهاز الاستخباري الثاني الهام فهو جهاز المخابرات العامة , والمخابرات العامة هي هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية ويتكون الجهاز من رئيس بدرجة وزير ونائب رئيس بدرجة نائب وزير وعدد من الوكلاء , وقد أُنشئ الجهاز بعد ثورة يوليو 1925 لكي ينهض بحال الاستخبارات المصرية، حيث أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً رسمياً بإنشاء جهاز استخباري حمل اسم "المخابرات العامة" في عام 1954 وأسند إلى زكريا محيي الدين مهمة إنشائه بحيث يكون جهاز مخابرات قوي لديه القدرة على حماية الأمن القومي المصري .
إلا أن الانطلاقة الحقيقية للجهاز كانت مع تولي صلاح نصر رئاسته عام 1957 حيث قام بتأسيس فعلي لمخابرات قوية واعتمد على منهجه من جاء بعده، فقد قام بإنشاء مبنى منفصل للجهاز وإنشاء وحدات منفصلة للراديو والكمبيوتر والتزوير والخداع، ولتغطية نفقات عمل الجهاز الباهظة قام صلاح نصر ومن بعده بانشاء شركات تتولى تمويل الجهاز كي لاترهق موازنة الدولة .
ويعد جهاز المخابرات المصري من الاجهزة النشطة والحاسمة في مجال الاختراقات وفي مكافحة التجسس ويمتاز بالانضباط العالي , ومن امثلة ذلك انه في وقت انهيار حكم حسني مبارك وفي قمة التظاهرات وشلل مؤسسات الدولة كافة , الا ان المخابرات استطاعت الايقاع بشبكة جاسوسية يترأسها ضابط في الموساد في وسط كل تلك الظروف الشاذة .
يشكل هذان الجهازان (المخابرات الحربية والمخابرات العامة ) العمود الفقري للاذرع الاستخبارية الخارجية , فيما يتولى جهاز الامن الوطني مهمة الامن الداخلي بالاضافة الى تشكيلات وزارة الداخلية الاخرى .
ولعل الملاحظ ان نجاح الاجهزة الاستخبارية المصرية كان يتناسب طردياً مع تعاونها وتنسيقها فيما بينها , فيما كان تشتتها في المهام الاقليمية وضعف التنسيق فيما بينها كان سبباً في محطات ضعفها , ويتحدث الفريق أول محمد صادق الذي كان مديرا للمخابرات الحربية عام 1967 أن من أهم أسباب الهزيمة في حرب 1967 هو فصل المخابرات العامة عن المخابرات الحربية، وعدم وجود التنسيق بينهما في أمور الاستطلاع ومعرفة نوايا العدو وعقد اجتماعات تنسيقية بينهما وتوحيد تقاريرهما، وتقديم دراسات معمقة متناسقة عن "كل الاحتمالات".
------------------
عوامل داعمة
------------------
من العوامل الداعمة للعمل الاستخباري المصري هو ان مصر من الدول الرائدة في مجال العسكرة وبناء الجيش , حتى ان الكثير من البلدان العربية ارسلت ضباطها وعناصرها للتدريب في مصر , وتمتلك مصر اكبر جيش عربي عدديا وتمتلك صناعات حربية لابأس بها ولها تصدير لبعض الاسلحة الخفيفه والمتوسطة لدول عربية افريقية , كما قامت بتنويع مصادر التسليح من دول مختلفة شرقا وغربا وهذه ميزة لصالحها , كما ان لديها اتفاقيات عسكرية مختلفة .
كما ان هنالك ملايين من الكوادر والعمال في الخارج ولديهم جاليات في الخليج واوروبا , وهي من العوامل المساعدة لتفعيل النشاط الاستخباري الخارجي , فمعدل الشباب في مصر عال جداً ولهم مهارات كبيرة ومتنوعة , مما دعا عدة ملايين منهم للهجرة والتحصل على عقود عمل في الخليج وليبيا والدول الاوروبية .
ان الاستخبارات المصرية استخبارات اقليمية قويه لها اذرع طويلة في دول الجوار والمنطقة و تعمل باسلوب متضخم على اساس نقل كل شيء وكتابة كل شيء وتهتم في نفوذها ضمن دول الجوار وشمال افريقيا , وتسعى الى مزيد من التكنلوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي , كما ان لها باع طويل في عمليات الكشف عن جواسيس في مصر, الامر الذي جعل المصريين متميزين في عمليات مكافحة التجسس والمراقبة الداخلية , حيث يعد تحقيق الامن الداخلي واستقرار الداخل هو من هواجس واهداف المؤسسة الامنية والاستخبارية بشكل شديد للغاية ووجود حكم دكتاتوري ناعم هو بيئة مناسبة لمزيد من النشاط الاستخباري , كما تمتاز الاجهزة الاستخبارية بالصمت وتتبع في ذلك حكمة فرعونيه قديمة هي محور عمل اجهزة الاستخبارات المصريه وهي (ان هناك اسئلة لا يجاب عنها الا بالصمت!!!).
------------
خلاصة
------------
بالرغم من ان الانظمة الحاكمة في الدول العربية هي انظمة لاتزال متعثرة وفتية في مجال ممارسة الديموقراطية , ومن هنا تبقى الامور المتعلقة بالحريات ملتبسة في كافة دولنا العربية ودول العالم الثالث , مع ذلك استطاعت اجهزة استخبارية عربية ان تجد لها مكان ومكانة تزاحم بها الكثير من الاجهزة المحترفة وان تحقق انتصارات على اجهزة هامة كالموساد , ومن تلك الاجهزة التي ترسخت في مجال مكافحة التجسس والعمل الصامت الفعال ومجال الاختراق هي المخابرات المصرية بالرغم من التداخل العسكري السياسي , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس