الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصلاح الاستبداد من الداخل

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 3 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ملخص حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بأن هناك أملاً في تبني أي من المستبدين لرؤى إصلاحية على نسق رؤى غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفيتي في البيرسترويكا والغلاسنوست، بحيث يمكن أن يقود ذلك إلى إصلاح نظام استبدادي من الداخل بشكل سلمي، أو أن ذلك لا بد أن يقود إلى تفكك المنظومة الاستبدادية كما حدث في الاتحاد السوفيتي؟

مصعب قاسم عزاوي: أعتقد بأن ذلك الطموح لتغيير الأنظمة الاستبدادية من الداخل عبر رؤى واجتهادات لتوطيد الديمقراطية وخلع الصفة الاستبدادية عن نظام ما، طموح مشروع وينطوي على شحنة أخلاقية عالية، نظراً لأخذه بعين الاعتبار الكلفة البشرية المهولة المحتملة في سياق أي تغيير للنظم الاستبدادية لا ينبع من داخلها.
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن نظرة مدققة إلى جل التغييرات السياسية والاجتماعية الجذرية على المستوى الكون لا تشي باحتمالية تحقق ذلك الطموح الأخلاقي والموضوعي. وذلك قد يكون السبب الذي قاد إلى عدم تمكن غورباتشوف من إصلاح نظام سياسي قائم على الاستبداد - حتى لو كان ذلك تحت شعار «الاشتراكية والعدالة الاجتماعية» - من داخله على الرغم من تقلده لأعلى منصب في الاتحاد السوفيتي قبيل انهياره. والواقع المبسط أن نظام الاتحاد السوفيتي الذي كان قائماً، كما هو الحال راهناً في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، على سيطرة القبضة الحديدية للمؤسسات الأمنية التابعة للحزب الوحيد الحاكم، و هو ما تناقض بنيوياً ووظيفياً مع جوهر فلسفة البيرسترويكا الذي تمحور حول تخفيف القبضة الأمنية على مفاصل المجتمع، وإعادة الاعتبار الجزئي والتدريجي للحريات المدنية الأساسية، وهو ما عنى فعلياً انفراط «العقد العسكري الأمني» الذي جمع بالقوة مجتمعات واسعة في كيان سياسي مختلق في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى أطلق على نفسه اسم الاتحاد السوفيتي، و هي في الواقع مجتمعات لا يربطها أي رابط تاريخي فيما بينها سوى كونها كانت خاضعة لاستعمار روسيا القيصرية سابقاً، والجيش الأحمر لاحقاً. وهو الانفراط الذي أفصح عن نفسه بشكل عياني مشخص حينما رفض غورباتشوف، في خطوة يستحق الثناء والتقدير التاريخي عليها، نزول الدبابات لقمع المواطنين المنتفضين في ألمانيا الديموقراطية السابقة والزاحفين لتهشيم جدار برلين الذي مثل حدود النفوذ السوفيتي في شرق القارة الأوربية، في رمز لانتفاضتهم، وإعلانهم الانعتاق من ذلك النفوذ. وهو ما عنى فعلياً بداية النهاية للاتحاد السوفيتي التي حدثت لاحقاً وبإخراج لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي حدث في دول حلف وارسو من قبل.
ولكن الطريف والجدير بالإشارة إليه، هو الانقلاب البهلواني الذي قامت به قيادات الصف الأول في الحزب الشيوعي الرديفة لغورباتشوف إبان فترة حكمه، و التي ضمت قيادات عقائدية مؤمنة آنذاك «بالاشتراكية العلمية القائمة بالفعل» في الاتحاد السوفيتي من قمة رأسها إلى أخمص قدميها مروراً بنقي عظمها ، لتصبح بين عشية وضحاها حاملة مشعل الرأسمالية الليبرالية الجديدة المتوحشة التي لا قيمة لديها تعلو عن قيمة الربح السريع بغض النظر عن أي أضرار جانبية قد يحدثها ذلك السعي المحموم لتحقيق أرباح صاروخية بأقصر الآجال على البشر أو المجتمع أو البيئة؛ وأنه لا قيمة للإنسان في مجتمعه سوى ما يمكن له أن يجترحه وفق قانون «اقتصاد الغابة» الذي لا بقاء فيه إلا للأكثر «فتكاً وبأساً ووحشية». والمثال الأكثر وصفية عن تلك القيادات هو الرئيس الأول لروسيا الاتحادية «بوريس يلتسن»، ومن لف لفه من قيادات حزبية وأمنية وعسكرية ضمت القيادي في جهاز مخابرات الاتحاد السوفييتي آنذاك «فلاديمير بوتين»؛ في تجل صارخ لتغيير قناع الكتلة البيروقراطية الأمنية التي مثلت «أس الطليعة الثورية التلفيقية» في حقبة الاتحاد السوفييتي، والتي لم تجد ضيراً في سلخ و تغيير جلدها العقائدي بين عشية وضحاها لتعيد إنتاج نفسها بلبوس رأسمالي صارخ بعد أن كان شيوعياً في الليلة السالفة.
واستعادة ذلك التاريخ تشي بصعوبة تحقق ذلك الطموح الأخلاقي بالتغيير التدريجي للنظم الاستبدادية من الداخل عبر استدماج الإرادات الخيرة في خطة ونموذج عمل أصحاب الحل والعقد في تلك النظم، نظراً لأن غالبية النظم الاستبدادية تقوم في آليات عملها الداخلية بالاستناد على مجموعة من «المرتزقة الانتهازيين الطفيليين المؤدلجين» على شاكلة «وعاظ السلاطين»، والذين ينظرون إلى موقعهم القيادي بأنه مفتاح لتحقيق «مآربهم الانتهازية»، وأن الحفاظ على سلامة «الجسد الاستبدادي» الذي يستمدون منه قدرتهم على النهب الطفيلي للمجتمعات التي يستأسدون عليها واجب لا بد من القيام به كضامن وحيد لاستمرار وضعهم ومكانتهم «الانتهازية المرموقة» في بنيان ذلك الجسد. وإن استدعت شروط خارجية تغييراً بنيوياً أو وظيفياً في آليات عمل «النظام الاستبدادي» فإنهم سوف لن يدخروا جهداً لإعادة تحوير وتوجيه تلك التغييرات إلى نسق لا يهدد «ميزاتهم الطفيلية»، وقدرتهم على الحفاظ على مكتسباتهم الانتهازية؛ وهو ما قد يعني من الناحية العملية استحالة تغيير النظم الاستبدادية من داخلها لعدم وجود أرضية يمكنها تقبل أي تغيير حقيقي ذي معنى في بنيان ووظيفة «النظم الاستبدادية»، وهو ما يعني بشكل واقعي أن إزاحة الاستبداد والمستبدين تمثل مهمة اجتماعية يرجح أن تكون حصيلة مخاض ونضال تراكمي عسير وشاق في غالب الأحيان.

*****
لقراءة النص الكامل للحوار الذي أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي بشكل كتاب إلكتروني مجاني يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن:

https://ar.academy.house








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا