الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدروس الفارسية - فيلم يسلط الضوء على استخدام اللغة والذاكرة من أجل البقاء على الحياة

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2021 / 3 / 29
الادب والفن


"الدروس الفارسية " فيلم يسلط الضوء على استخدام اللغة والذاكرة من أجل البقاء على الحياة
Persian Lessons

علي المسعود


تاريخ الحرب العالمية الثانية مليء بقصص لا حصر لها من المآسي وتمت توثيق العديد من الكتب والكثيرمن الأفلام التي التقطت الفظائع التي ارتكبها النازيون في معسكرات الاعتقال وكما رواها الناجون منها. تم الكشف الكثير من الحكايات المروعة من قبل قوات التحرير بعد نهاية الحرب وساعد العديد من الناجين السلطات في إدراج أسماء زملائهم السجناء الذين تم مسح سجلاتهم من السجلات النازية أو أحراقها . وعلى مر السنين قدمت لنا السينما العديد من الأفلام الرائعة التي توثق تلك الحروب والجرائم التي ارتكبت تحت ظلها ، ونشهد فيها ايضاً مرونة ومثابرة الروح الإنسانية التي ساعدت العديد من البشرعلى النجاة من الرعب . ومن هذه الاشرطة السينمائية فيلم "عازف البيانو" الذي أنتج عام 2002 ، وكان من إخراج "رومان بولانيسكي" ومن تأليف "رونالد هاورد"، و بطولة" أدريان برودي" . الفيلم مأخوذ عن كتاب يحمل نفس الاسم لعازف البيانو البولندي اليهودي "فلاديسلاف شبيلمان ". فاز الفيلم بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي ، كما فاز أيضا بأوسكار أفضل مخرج وأفضل ممثل وأفضل سيناريو مقتبس .
أحدث أفلام المخرج الكندي - الأوكراني المولد" فاديم بيرلمان" فيلم (دروس فارسية) سبق وان أخرج فاديم فيلمه الرائع ( بيت الرمل والضباب) عام 2003. " فيلم فاديم بيرلمان "دروس اللغة الفارسية" مستمد من قصة قصيرة كتبها المخرج والكاتب الالماني "ولفجانغ كوهلاس " - (من مواليد 13 مارس 1931) هو مخرج أفلام ألماني وكان أحد كتاب السيناريو الأكثر شهرة وغزارة في الإنتاج – القصة بعنوان (تعلم اللغة) . يسلط الفيلم الضوء على إستخدام التفكير الإبداعي والذاكرة والذكاء من قبل يهودي بلجيكي يدعى "جيل " يقوم بدورة باقتدار الممثل الأرجنتيني (ناهويل بيريز بيسكايارت) في تكتيكه للبقاء على قيد الحياة. يجد جيل نفسه مضطرًا إلى ابتكار لغة لا يعرفها ، ويدرك تمامًا أن خطوة واحدة خاطئة يمكن أن تفضح خداعه وبالتالي نهاية حياته . يبدأ الفيلم بعبارة "مستوحى من أحداث حقيقية" ، ولكن نظرًا لقضايا المعقولية هنا فمن المؤكد أنه من الآمن أن نبدأ القول أن هذا الادعاء بـ "غير محكم للغاية". " جيل " ابن حاخام ، يُنقل إلى معسكر مؤقت مع يهود آخرين ضبطوا وهم يحاولون الفرار إلى سويسرا .الفيلم يفتتح في عام 1942 بعد إعتقال جيل مع مجموعة من اليهود ويظهر محشورا في شاحنة كانت تنقل سجناء يهود ، وفي لحظات سريعة، يتبادل مع شابٍ آخر بعض الكلام، فيُقنعه الشاب بكتابٍ فارسيّ بطبعته الأولى الأصلية، قام جيل بعملية تبادل تبدوغريبة ، حين يشعر بالشفقة على زميل أسير وجائع ويعرض عليه صفقة تبادل الشطيرة مقابل كتاب أشعار باللغة الفارسية حصل عليه من جاره الفارسي وأسمه رضا ، يقبل جيل على هذه الصفقة وهو لا يعلم بأنها ستكون طوق النجاة بالنسبة له ، وبالفعل حصل على مكافأته بعد دقائق ، عندما تتوقف الشاحنة في الغابة ويتم إطلاق النار على الجميع - باستثناء جيل الذي يحتال على الجنود الالمان، وتنبثق في ذهنه فكرة رائعة وهي الادعاء بأنه (فارسي) وليس(بلجيكي) على أمل أن تنقذ حياته ، هذه المحاولة اليائسة للبقاء على قيد الحياة ترسخ قصة فيلم "دروس فارسية" . عندها يتذكر أحد الجنود إن ضابطا كبيرا في معسكر العمل القريب يبحث عن سجين يتحدث الفارسية حتى يتمكن من تعلم اللغة ، لان هذا الضابط الالماني (كوخ) يحلم بافتتاح مطعم ألماني في طهران بعد الحرب لأن شقيقه يعيش هناك . ويسعده جدًا أن يتلقى تعليمه على يد جيل ولكن الحقيقة هي أن السجين الجديد لا يعرف كلمة واحدة من اللغة الفارسية !! . "كلاوس كوخ" هذا هو إسم الضابط الالماني ويقوم بالدورالممثل الالماني (لارس إيدينجر) يطلب من جيل أن يعلمه اللغة الفارسية ولكن جيل لا يعرف كلمة واحدة من الفارسية ، كوخ (إيدينجر) ، طلب من أتباعه إحضار سجين يتحدث الفارسية إليه لانه يحلم بافتتاح مطعم في بلاد فارس (إيران) بمجرد انتهاء الحرب . لكن السجين " جيل " في الحقيقة لايعرف أي شئ عن اللغة الفارسية لذلك عليه أن يخترع لغة مزيفة كلمة بكلمة ويحفظها بنفسه أثناء تعليم كوخ . وفي الوقت نفسه ، هناك الحارس الشاب المتهور ماكس يقوم بدوره الممثل الالماني (جوناس ناي) يشكك بمزاعم جيل بإنتماءه الفارسي ويصمم على فضحه وكشف إحتياله ، قُتل اليهود الآخرون بالرصاص الذين كانوا معهم في الشاحنة ، لكنه تمكن من تفادي الرصاص ويتجنب الإعدام بصعوبة من خلال القسم للحراس أنه ليس يهوديًا بل فارسيًا ، بعد أن برز كتابًا فارسيًا كدليل على ذلك . هذه الكذبة تنقذه مؤقتًا ويتم إحضاره إلى معسكر إعتقال بواسطة حراس القوات الخاصة وتصبح مهمته تعليم اللغة الفارسية لكوخ (لارس إيدينجر) ، الضابط المسؤول عن مطبخ السجن . في لقائه الأول بالضابط النازي"كوخ" يؤلف جيل بيتاً شعرياً بلغة مجهولة بالنسبة إليه وبفارسية مزيفة ،"أنت يا من رأى غروب الشمس، ومع هذا تدهشك الظلمة"، ويقوم بترجمته إلى الألمانية. تأليف لغة أمر في غاية السهولة ، ولكن عندما تدرك بانك محاصر بالخوف وبالمتربصين لك لكل زلة يصبح وضع السجين"جيل " أكثر خطورة . تعطي المكائد الخلفية في المعسكر النازي أضافة الى الدراما الحقيقية على الرغم من أنها مصممة كمؤامرة فرعية لتضخيم التهديد في القصة الرئيسية. يبدأون من القمة مع كوخ (لارس إيدينجر) المسؤول عن المطابخ وإبعاد معلمه السجين عنه ، وحتى السجين جيل الذي يعمل في المطبخ في النهار وفي الليل يعطي دروسه ( الفارسية ) الى سجانه الضابط الالماني هو الآخر لم يسلم من المؤامرات للايقاع به أوالتخلص منه ، والشكوك التي لا أساس لها من الصحة والمظالم جميعها بشكل مخيف على قرارات الحياة والموت وفي بعض الأحيان على الأقل تلقي بظلالها على جهود جيل للبقاء على قيد الحياة .
في فيلم تلعب فيه اللغة دورًا حاسمًا فإن نهاية حياة جيل تدور في فلك الكلمات وعددها اواللغة التي يسعى سجانه إكتسابها . كما أنها تساعد في محو ذكريات الجوانب غير المحتملة في القصة ، مع تركيز الكاميرا على ملامح الممثل"بيسكايارت" البائسة والهشة ، مما يدل على قربه المستمر من الموت ، لكن مشاكل جيل بدأت للتو بسبب حرمانه من النوم وسوء التغذية والرعب الذي يعيشه ، ويجب أن يجد طريقة لتعليم لغة غير موجودة باستمرار لرجل سيقتله على الفور إذا انزلق أو وقع بالخطأ ، . تتحول إقامة "جيل" في المعتقل النازي إلى كابوس يومي من تمارين التذكر، والرعب من زلة واحدة ، فالنسيان يعني الموت، وأمام كل وجه يعيد تكرار الكلمة لنفسه ومعناها، ومع كل موت لأحد السجناء تصبح الكلمة وثيقة للبربرية والمذبحة ، يبتكر جيل نظام كود يستخدم المفردات الاساسية والوحيدة الموثوقة المتاحة له هي أسماء النزلاء من حوله حيث يخزن اسماءهم في ذاكرته ومن ثم يخلق المفردة الفارسية الاسم ويعطيها معنى لها . استنادًا إلى قصة حقيقية غير عادية من فرنسا التي احتلها النازيون عام 1942 هذه الدراما هي قصة مثيرة تجذب المشاهد إلى القصة. ابتكر المخرج فاديم بيرلمان أسلوب غير مألوف في سرد القصة و تطويرها بمهارة ، متجنباً كليشيهات الجاهزة ، بل عمل على للتركيز على الشخصيات التي تم إحياءها بدقة من خلال فريق عمل ممتاز . مدة العرض طويلة بعض الشيء ، لكن القصة حية لدرجة أنها تظل رائعة ومشوقة . "دروس الفارسية" هو فيلم مثير وكئيب في اجواءة وصورة بطله البائسة ومحورها البقاء على قيد الحياة مع تحقيق العدالة على الرغم من الصعاب . والفيلم يميز نفسه عن الآخرين في هذا النوع من حيث أنه يضع وجهًا إنسانيًا عميقًا ليس فقط على الضحايا ، ولكن على الجناة أيضًا . قدمت بيلاروسيا الفيلم لمسابقة الأوسكار لأنه تم تصويره هناك ، ولكن تم استبعاده من المنافسة لأنه لا يتعلق في الواقع بهذا البلد ، تم إنتاج فيلم "دروس بالفارسية" بشكل مشترك بين روسيا وألمانيا وبيلاروسيا، حيث جرى أيضاً تصوير الفيلم على أراضي تلك البلدان . أحد مستشاري الفيلم هو المؤرخ والكاتب الألماني الشهير إيغور مولنير .
في مقابة مع مجلة ( ميتال) قال المخرج بيرلمان: "الشر ليس بالشيء الذي ولدت فيه ، إنما تنشأ من مجموعة من الخيارات ، بعضها صغير جدًا في البداية". في قلب هذه "الدروس الفارسية" الرائعة والبسيطة ، يوجد الممثلون ومنهم الأرجنتينيي ذو العيون الواسعة " ناهويل بيريز بيسكايارت" ، الذي يلعب دور جيل أو رضا والنجم الألماني" لارس إيدينجر" . وكثنائي فإنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بمهمة، بالخوف والشك والاشمئزاز ، ولكن أيضًا بالحنان والرعاية غير المتوقعة . يمكن لأيدينجر أن يتخذ إجراءات صارمة ويضرب بوحشية عندما يرى نفسه يتعرض للخيانة أو يكتشف كذب معلمه . هذه قصة رائعة يصعب تصديقها. حين أحضر الحراس السجين "جيل " الى الضابط الالماني "كوخ" حاول تأكيد ما إذا كان جيل فارسيًا وليس يهوديًا ، سأله أسئلة بسيطة إلى حد ما ، مثل "ما هي عاصمة بلاد فارس؟" و "ما هي اللغة المحكية في بلاد فارس؟". يعتقد كوخ أيضًا أن ترجمة "جيل " الألمانية الخاطئة للكلمات "الفارسية" المكتوبة في الكتاب الفارسي صحيحة. أول عقبة من عدم التصديق في الحكاية ، إنه كان بإمكان الضابط الالماني" كوخ" من الحصول على قاموس ألماني- فارسي أو كتاب تفسير العبارات الشائعة للتحقق من اللغة التي استخدمها السجين اليهودي"جيل "، من المؤكد أن هذه استراتيجيات فعالة لبناء القصة ، لكن كاتب السيناريو " زافين" و المخرج "بيرلمان" يتجاهلان حقيقة أن تعليم أي لغة يتطلب أكثر من اختراع الكلمات غير المنطقية وحفظها. (يبدو الأمر كما لو أن كوخ أراد تعلم العزف على الكمان وكان جيل ينقل الحركات على آلة بدون أوتار) ، في فيلم "دروس فارسية" تحدث أشياء مروعة وعنيفة للسجناء في المعسكر، لكن من المفترض أن نضحك عندما يقرأ كوخ مفردات جيل التي اخترعها ، وفي وقت لاحق يقرأ قصيدة كتبها باللغة الفارسية المزيفة ، والنتيجة هي مزيج متلاعب وغير قابل للتصديق إلى حد كبير من المأساة الإنسانية المؤلمة والكوميديا العبثية ، أما ألادعاء بأنه مستوحى من الأحداث الحقيقية ، فإن قصة الشاب اليهودي الذي بقي على قيد الحياة بالتظاهر بأنه نصف إيراني تثير الشك والريبة في موضوع المصداقية . من المثير للإعجاب أيضًا العمل الذي تم إدخاله إلى لغة الفيلم بالإضافة إلى اللغة المزيفة . تمت كتابة النص باللغة الروسية ، وقام بيرلمان بترجمته إلى الإنجليزية ، وخلال التصوير فقط تمت ترجمته إلى الألمانية ، وهي لغة لا يتحدثها بيرلمان . استأجر الإنتاج لغويًا لمساعدتهم على تطوير "الفارسية". بشكل عام يُنظر إلى اللغة هنا على أنها أداة للنقل والتوجيه الخاطئ أكثر من كونها كائنًا حيًا حقيقيًا يتنفس معقدًا للغاية ، ومن الغريب بالنسبة للميل اللغوي أن يلاحظ أن السجين "جيل "يبدو أنه يقوم بتدريس المفردات فقط ، وليس بناء الجملة أو القواعد . هناك شذوذ لغوية أخرى ، مثل حقيقة أن الناس من أنتويرب يتحدثون اللغة الهولندية في الغالب ، بينما يتحدث جيل الفرنسية بطلاقة (بدون لكنة بلجيكية) ولكن من الواضح أنه لا يتحدث الهولندية . هذه الأنواع من الأخطاء الصغيرة لن تكون ذات أهمية كبيرة إذا لم تكن الانشغالات المركزية للفيلم تتعلق باللغة ، دافعا كل من المخرج فاديم بيرلمان والنجم السينمائي المتكرر في البرلينالة" لارس إيدينجر" عن الفيلم "دروس الفارسية" باعتبارها حكاية ألمانية في الوقت المناسب وكيف أن هذا التاريخ المظلم أقرب إلينا مما يبدو ، والذي أصبح ممكنًا بشكل فريد من خلال حقيقة أن معظم من فريق إنتاج الفيلم ليس ألمانيًا ، يأتي العرض الأول للفيلم في العالم بعد أيام من إطلاق النار الجماعي المتطرف اليميني بدوافع عنصرية في مدينة هاناو الألمانية والذي خلف تسعة قتلى - وهو أحد أكثر الحوادث دموية في ألمانيا في السنوات الأخيرة . قال الممثل الرئيسي إيدينجر ، الذي يلعب دور البطولة في الفيلم "إن حقيقة قيام مخرج أمريكي من مواليد أوكرانيا ويعيش في كندا بإخراج هذا المشروع الروسي باللغة الألمانية أعطت الفيلم صوتًا فريدًا" ، وأضاف : من المهم جدًا أن يكون شخص من الخارج يروي هذه القصة ؛ يمكنهم أن يفعلوا ذلك بشكل أفضل من الألمان ، حيث لا تزال البلاد تخشى مواجهة الكثير من ذلك الماضي" ، كما قال "وأوضح أنه انجذب إلى المشروع لأنه نشأ في بيئة كان الجميع يصرون فيها دائمًا على أن الهولوكوست كانت في الماضي وليس لها علاقة بـ جيلهم الجديد . قلنا لأنفسنا دائمًا أننا لسنا مذنبين لكن والدي ولد أثناء الحرب وجدي قاتل في الحرب مما يجعل الأمر مباشرًا بالنسبة لي بصفتي ألماني ، ما زلت أشعر بصدمة شديدة من هذا ، و من مصلحتي معالجة تلك الصدمة ". أما المخرج فاديم بيرلمان يتحدث عن الدراما التاريخية "دروس فارسية "أعتقد أن هذه القصة يجب أن تُروى طوال الوقت ، وخاصة الآن ، هناك تجدد واضح للكراهية في هذا العالم ولم يفت الأوان أبداً " . تم التفكير في اللغة المخترعة من قبل أستاذ جامعي خبير في اللغات. يوضح بيرلمان: "أردت أن تبدو شرقية بوضوح ، وأن تكون صحيحة نحويًا ومتناسقة ، وهذا أمر مهم . وذهبنا إلى عالم فقه اللغة في جامعة موسكو الحكومية الذي وضع هذه اللغة معًا استنادًا إلى الأسماء الحقيقية للضحايا الفرنسيين في أوشفيتز". المخرج لديه قاموس يحتوي على 300 كلمة ، بما في ذلك جميع اللواحق والبادئات. ويضيف: "قد أنشرها ذات يوم ". يستكشف الفيلم (حرفياً) الذاكرة والترابط بين الهوية واللغة وقوة المرونة والأخوة البشرية. لا يُظهر المخرج بيرلمان النازيين على أنهم قساة أو روبوتات ، أوشخصيات أحادية البعد. كانوا أيضًا أناسًا محبوبين ،غيورين وخائفين - لديهم كل الصفات الإنسانية. العرض الأول للفيلم إتسم بأجواءً غريبة عندما مشيت الممثلة لويزا سيلين غافرون على السجادة الحمراء وعلى راحتي يديها قد كتبت عليها أسماء الضحايا التسعة لقاتل جماعي يميني ارتكب مذبحة دموية ذات دوافع سياسية في فرانكفورت قبل يومين من افتتاح مهرجان برلين الصامت. يختنق المشاهد على الصدى المخيف خلال المشهد الأخير من الفيلم . حين يخبره قائد الحلفاء بان الالمان قد أحرقوا كل السجلات وباتوا السجناء والضحايا مجهوليين ، يرد عليه" جيل": "إنهم مجهولين فقط بالنسبة لك لأنك لا تعرف أسمائهم ". ويبدا بذكر اسماءهم وسط دهشة الجميع ، لان اسماءهم كانت هي اساس بناء لغته الفارسية المزيفة. يرسم بيرلمان علاقة معقدة ومتغيرة بشكل مذهل بين الرجلين ( الضابط الالماني والسجين) بناءً على اختلال في توازن القوة يبدو بسيطًا وواضحًا. يتحول الأمر إلى لعبة القط والفأر ، مع تطور العلاقة الحميمة و "الثقة" التي تبقي جيل على قيد الحياة . وعلق الممثل الالماني "إيدينجر " في المؤتمر الصحفي قائلاً: "إن جلوس نازي ويهودي معًا في غرفة ، ويتحدثان لغة مزيفة ، هو أفضل صورة لقوة الفن والتواصل" . يعتبر فيلم "دروس فارسية" أكثر مصداقية كدراسة نفسية - وإذا كان الأداء يمكن أن ينقذ فيلمًا ، فهو تصوير الممثل الارجنتيني (بيسكايارت) لشخصية "جيل "بوجهه الهزيل وتعبيره المذهول على الدوام ، لكن بيرلمان يسلط الضوء على الجمهور. إنه يمتنع عن تصوير أي شيء مروع للغاية - لا يوجد شيء هنا وحشي للغاية أو مزعج بحيث يجعلك تنظر بعيدًا عن الشاشة . هذه الحكاية عن اللغة والذاكرة ، واكتسبت بشكل غير متوقع عمقًا وجدية كبيرة في الهدف ، رحلة سينمائية كبيرة ذات شاشة عريضة تمزج ببراعة بين التشويق والضحك والدموع ، يمثل فيلم "دروس فارسية" عودة للمخرج الكندي- الأوكراني المولد فاديم بيرلمان ، بعد 17 عامًا من ظهوره الأول الذي رشح لجائزة الأوسكار ، في فيلم (بيت الرمل والضباب ) ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى كيفية تعامل النص بذكاء مع فرضية عالية المفهوم ، لكنها تنحى جانبًا أثناء الدراما المتوترة التي تتميز أيضًا بروح الدعابة لأنها تتتبع الإبداع اليائس لرجل ضعيف ولكنه واسع الحيلة ، متوتر تقريبًا إلى نقطة الانهيار بسبب الجهد المبذول للحفاظ على سره والذي يشكل مصيره وعلى الاستمرار في لعب اللعبة الخطيرة التي ابتكرها . الممثل الأرجنتيني " ناهويل بيريز بيسكايارت" كان بارعًا جدًا في الدور المركزي مثل دور "جيل " ابن حاخام من أنتويرب ، الذي أفلت في غابة فرنسية عام 1942 من الإعدام بزعم أنه ليس يهوديًا بل فارسيًا . وعند سؤال المخرج عن سبب اختياره للممثل الارجنتيني "ناهويل بيريز بيسكايرت" في الدور الرئيسي؟ ، أجاب قائلا: "أن يكون مناسبًا للدور يعتمد بنسبة 100٪ على وجهة نظري الشخصية ، أشعر أن هذا هو الشخص الذي أراه يلعب هذا الدور ، إنه شعور رائع عندما اتضح أنني كنت على حق. في تلك المرحلة وفي هذه الحالة ، أعتقد أنني كنت على حق لأن ناهويل قام بعمل رائع وكان مناسبًا تمامًا لهذا الدور. وبالنسبة لي ، كان من السهل جدًا اتخاذ هذا القرار. لم أكن أعرفه قبل أن أبدأ بالتمثيل لهذا الفيلم ، وأخيراً رأيته يمثل و كان قرارا سهلا للغاية". وعند سؤال المخرج : لماذا التركيز على موضوع اللغة ، ولماذا الفارسية على وجه التحديد؟ ، كانت إجابته "السبب الوحيد لاستخدامنا للغة الفارسية هو أن القصة التي استندت إليها كانت تحتوي على الفارسية ، لذلك لم يكن أي نوع من الاختيار الواعي ، ربما كانت هندية أو سنسكريتية أو يابانية ، لم يكن الأمر مهمًا حقًا ولكن الشيء المهم كان موضوع اللغة ، أعتقد أنه مهم جدًا لأن اللغة بالنسبة لي تعني التواصل والهوية . وكان على بطل الرواية تغيير هويته من أجل البقاء. غير نفسه. وقد أثر ذلك عليه حقًا طوال القصة . أما كيف شرعت في تطوير نسخة مزيفة من لغة حالية بطريقة تتناسب أيضًا مع رواية الفيلم؟ ،أتذكر أننا كنا بحاجة إلى لغة ، لذلك وجدنا أستاذًا في فقه اللغة في جامعة موسكو الحكومية وقمنا بتوظيفه للقيام بذلك من أجلنا . في الأساس ، كانت مهمته هي اختراع لغة تبدو هندية إيرانية لها أشكال نحوية وملاحق و مقدمات صحيحة، والتي من شأنها أن تبدو طبيعية مع الأسماء اليهودية الحقيقية ، لأنني اخترت أسماء حقيقية لضحايا من فرنسا ، لأن المعسكر كان موجودًا هناك . وأخذ أجزاء من الأسماء في صنع لغة جميلة لا يزال لدينا قاموس لها ، على ما أعتقد . ولا تزال هناك قائمة طويلة من هذه الأسماء ، وكلها مدروسة جيدًا ". بينما يستخدم الضابط الالماني كوخ الأسير "الفارسي" لتحسين فرصته في الهروب بعد الحرب دون عواقب على إيران. لكن الغرور اللغوي للحبكة فشل في أن يصمد أمام تدقيق ومصداقية القصة. اللغة هي أكثر من مجرد أسماء ، ولكنها أيضًا أفعال وتنوعات نحوية تسمح بالتواصل . وبالتالي، فإن الدروس "الفارسية" محدودة للغاية . ومن المخيب للآمال أيضًا أن الفارسية الحقيقية الوحيدة في الفيلم هي دعامة لا صوت لها مثل كتاب الشعر الفارسي الذي أنقذ حياة جيل في البداية . بشكل عام ، يُنظر إلى اللغة هنا على أنها أداة للنقل والتوجيه الخاطئ أكثر من كونها كائنًا حيًا حقيقيًا يتنفس .
في الختام :فيلم " دروس فارسية " حكاية طريفة (في جوانب منها) رغم المأساة، ونصّ سينمائي عاديّ رغم أهمية القصّة وطرافتها . مسار هادئ لحبكةٍ تُروى تفاصيلها بهدوء بصري غير متكلّف، مع لقطات تُظهر آثار الخوف والألم والقهر والإذلال، الواضحة على أجساد يهودٍ معتقلين في سجنٍ نازيّ، وتُفرض عليهم أعمال السخرة، بانتظار تصفيتهم لاحقاً . وما يميز الفيلم نفسه عن أفلام الهولوكوست الأخرى في تعامله مع الحياة اليومية للجنود النازيين الذين يديرون المعسكر ، مثل الرومانسية بين الحراس الإناث والذكور ، والتنافس والسياسة بين الضباط ، جادل بيرلمان بأن "القيام بذلك يعد لائحة اتهام أقوى ضد النازيين من تجريدهم من الإنسانية بشكل متكرر ، وإظهارهم كوحوش في صناعة السينما ، ما أردت فعله في الغالب هو أن أظهر للألمان إنسانيتهم . لإظهار أنهم مثلنا تمامًا ، ليسوا مختلفين على الإطلاق". ومع ذلك ، فإن رسالة الفيلم أهم من الوسائل ، واللغة السينمائية لقصة بيرلمان تعبر عن الحقيقة لهذا الألم حتى عندما تكون هي حبل النجاة .
الممثلون: ناهويل بيريز بيسكايرت ، لارس إيدينجر ، جوناس ناي ، ليوني بينيش ، ألكسندر باير ، لويزا سيلين جافرون ، ديفيد شويتر ، المخرج: فاديم بيرلمان ، كاتب السيناريو: إيليا زوفين ، مقتبس عن قصة قصيرة بعنوان ( أختراع لغة ) للمخرج والكاتب "ولفجانغ كوهلاس" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق