الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبْت الجنسي والصورة الحسيّة في قصيدة - محروم - للشاعر العراقي البابلي محمد محسن.

غانم عمران المعموري

2021 / 3 / 30
الادب والفن


الكبْت الجنسي والصورة الحسيّة في قصيدة " محروم " للشاعر العراقي البابلي محمد محسن.
ينطلق الناص من وعي تام وادراك للموجودات الحسيّة والبصريّة التي تراكمت في الذات منذ نعومة أظافره, تركت سيّلاً من الأسئلة وعلامات الإستفهام التي تَلحّ عليه لإظهارها كونه عنصراً فعالاً وله الدور في إيصال رسالة صادقة يستطيع من خلالها تبيان مواطن الخلل والسلبيات وكل مظاهر الفساد والظلم المجتمعي في ظل انعدام العدل واشاعة الفوضى واباحة السرقات وكشف المستور وتعريّته أمام الناس بإعتباره مثقف مُتعلم ثائر ومتمرد على الواقع الاجتماعي المُزيّف لذلك كان للأثر البيئي والسياقات الخارجية الاجتماعية منها والنفسية التي لازمت الشاعر الدور الأساسي في تحريّك الفكرة حيث يقول الباحث سعد الساعدي " أنَّ الفكرة أسبق من الكتابة واللغة أسبق من الدلالة والدلالة الجزئية تتشكل من اتساق عام يعطي المعنى الكلي على اعتبار تحليل مضمون الرسالة الاتصالية لدلالة كلية ماهيتها جوهر النص حين تحليله وليس حصيله ناتجة عن لغات وثقافات أخرى"1.
يعتبر العنوان " المحروم " أحد البؤر النصيّة التي تحتاج إلى تحليل وهو الوهّج البصري الأول الّذي يستثير مُخيّلة القارىء ويوقظ شعوره من السبات إلى الحيّوية المفعمة بالتفكير والتأويل والتحليل ليّكون انطباعه الأولي على ما يُّمكن أن ترد عليه تفاصيل القصيدة وما تتضمنه من دلالات ومعانٍ واستعارات وانزياحات وتضادات..
لم يكن العنوان " المحروم " محصوراً في معناه اللغوي كما جاء في المنجد للغة
" حَرَم – حَرِمَ – حِرْماً وحَرِيماً وحِرْماناً وحَرِمًا. ومنه (حرم الاسقفُ فلاناً )اذا منعه من شركة المؤمنين فهو مَحْروم.2.
وعندما تتأمل العنوان " المحروم " مُفتتح القصيدة وكأنك تتهيء لرؤية فيلم أو مسلسل ولكن ليس بطريقة السّرد القصصي أو الروائي وإنما عن طريق بث موسيقى
بنغمات تُشَكل قُطعة شعرية منسجمة تجعل من المتلقى يستحضر كل خزانة معارفه حول تلك الكلمة الّتي لها صدى كبير في نفسه ولشموليتها في الحياة حيث للحرمان تيمة عامة تتفرع وتتشظى إلى مواضيع وعناويين وتيمات تشترك في المعنى العام ولكنها تختلف من دال إلى دال ومن مدلول إلى مدلول ...
ابتدأ الناص قصيدته بالإستفهام كما في نصه :
من أين لي حُسبانُ هذا ؟
خيبةٌ ثم قصيدةٌ أخرى
أفتحُ النافذةَ
بدلُ النسيمِ ،
يعد الاستفهام من الأساليب التي تُمارس دوراً فعالاً في تحريك مشاعر المتلقي
وحَثّه إلى التأمل وانتظار الجواب الذي يراه يتلائم من طبيعة السؤال ثم يتدرج الناص بإيقاع موسيقي داخلي ينقل الصورة من بُعْدها الصوري إلى البُعْد الحسّي والواقعي ليفتح أمام المتلقي فسحة وكأنه يتعقب أثر الشاعر خطوة تلو خطوة أي " ... أن يحمل المستمع على اعادة تكوينه في ذاكرته بنفس الطريقة التي نظم بها, أي أنه يحثنا على التذكر الذي لا يقتصر على الفكرة العامة ولا يقف عند المشاعر المبثوثة, بل يشمل نسق العبارة وكيفية تكوينها " 3.
فعندما ذكر الناص في نصه : أفتحُ النافذة – بدلُ النسيم , يطرح الناص من خلال ذلك عدة خيارات للمتلقي وعدة أجوبه, يا ترى ما يكون بدل النسيم ليتفاجأ وكأنه استلم أولى مشاهد العرض الشعري الذي كان شبيه بدراما حركية كما في :
كواغدُ تَصفعُ وجهي
واكياسُ طائرةٍ ،
تحملُ بين العيبِ والحرامِ
جعل الشاعر من النافذة الصغيرة نقطة انطلاق إلى عوالم عديده وكأنه ينظر من خلالها إلى مجتمع متناقض في مفاهيمه وقيّمه بعين مثقفٍ واعٍ كان هو أحد أفراده الذين أثرت به كل الظروف الاجتماعية والنفسية فتركت في مُخيّلته سيّلاً من الأسئلة التي ظلت عالقة في نفسه وأخذت منه مأخذاً وبثها بأسلوب غير مألوف حيث جعل من مفردة " كواغد " يّداً تصفع الوجه وجعل من كلمة " أكياس " التي تستعمل لحمل الأشياء إلى كائن حيّ يحمل العيب والحرام مما أعطى للصورة الشعرية جمالية لفظية في نسق منتظم حتى يسترسل الناص في نصه :
بيوتٌ مشوهةٌ بأرحامِهَا ،
وكأسُ نبيذٍ يتلفتُ بيدِ صاحبهِ يريدُ أن يترعَ نفسهُ ،
وطفلةٌ تنامُ في كفنٍ
على أملِ يومٍ ما تخلو المقابرَ ،
تتالت هذه المقاطع بموسيقى داخلية اعتمدت تنوع بؤر الإيقاع والتنغيم خارج إطار الوزن والقافية بحيث يحسه الناص بفطرته عن طريق موهبته وذوقه الغريزي كما تحقق الانزياح في كلمة " وكأسُ نبيذٍ يتلفتُ " وضع صفة التلفت للكأس التي تُنسب للإنسان بقطعة موسيقية مُثيرة للمتلقي حتى ينتقل بنا الشاعر إلى الشطر الثاني من قصيدته :

أغلقُ النافذةَ .
لا شيءَ يدعو لفتحِها ،
سوى دخانِ سجائري المسجونِ في فضاءِ غرفتي
لا نساءَ في الخارجِ أيضاً
الجنسُ يفضحُني ،
في المرحاضِ أمام أفلامِ (البورنو)
ويدي ترتعشُ دائماً
ابتدأ الناص قصيدته بفتح النافذة ليأخذ المتلقي جولة تفقديه على أحوال البلد الذي يعيش فيه ليشكو له سوء الأوضاع الاجتماعية والسياسية والظلم المجتمعي وعدم العدالة حتى يأخذ بيد القارىء ليرجع إلى مكانه في ذات الغرفة وهنا تبدأ المعاناة الحقيقية التي أراد الشاعر تسليط الضوء عليها بأسلوب سَردي بإعتباره صاحب رسالة سامية ينقلها بأسلوبه الشعري مضمر متَّكَأً على طريقة الشحن الفعال والمؤثر على
قارىء نخبوي وغير نخبوي لبساطة المفردات التي استعملها الشاعر لغرض إيصال الفكرة..
تناول الناص موضوعاً مُثيراً للجدل ويشمل فئة كبيرة جداً بل يشكل ظاهرة اجتماعية واسعة النطاق حيث يعيش الفرد العراقي بالخصوص والعربي بالعموم الكبت الجنسي في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية ونفسية صعبة وغير مُقننة وفق أسس سليمة يستطيع من خلالها الفرد تجنب الوقوع في شراك الجنس غير الشرعي فقد صور لنا الشاعر بلغة شعرية تتفرع من تيمة شاملة إلى تيمات بصور عديدة لكنها تجتمع تحت عنوان واحد كما في :
" نحو اثنينْ ،
الخبزُ والجنسُ .
تعلمتُ الكبتَ المقنعَ من أفواهِ المنابرِ
تعلمتُ العادةَ الحبريةَ ،
وهي تغضُ النظرَ
عن نُطفِ قصائدي
. لا ماءَ يغسلُ خوفي
ولا انا جاموسٌ يفركُ نفسهُ بالقصبِ "
لا يخفى على المتلقي بأن الناص أثار في المقطع " تعلمتُ الكبتَ المقنعَ من أفواهِ المنابرِ "
إن ذلك يتعلق بدور الأفكار المتولده من العقائد الدينية وما لها من سيطرة على تصرفات وأفعال الأفراد في المجتمع المتمسك بالأعراف والتقاليد النابعة من موروث ديني حيث يحاول الفرد ممارسة حريته الجنسية في الخفاء تحت جنح الظلام ويعود إلى سلوكه المُراقب في النهار وكأنه لم يرتكب أي ذنب فإن الكبت الجنسي يجعل الفرد يعيش عقدة تأنيب الضمير حيث يبقى متأرجحاً بين ما تربى عليه من تقاليد وقيود وبين غرائزه التي يحتاجها الجسد وتسحبه كلما حاول كبحها حيث أن في المجتمعات المكبوته كل شيء يتعلق بالجنس حرام في الظاهر لكنه يُمارس في الخفاء وكأنه حلال أو يُبرر له على أنه حلال وإن ذلك يُسبب انفصام في شخصية الفرد في الظاهر عنها في الخفاء وبذلك نكون أمام ظاهرة خطيرة تنعكس آثارها على المجتمع الذي يعيش فيه الفرد مما يجعله ينظر إلى المرأة أداة للمتعة فقط دون النظر إلى كيانها المستقل بإعتبارها شخصية تتمتع بكامل قدرتها في مشاركة الرجل في كل مفاصل الحياة وهذا ما أشار إليه الشاعر في نصه :
مُشيراً الى النهرِ
لهذا ارتبطتُ بالدمى
التي ترتدي ثوباً بلا ثوبٍ.
مستقبلُ يدي
تهشُ الذُبابَ عن حِلماتِ التماثيلِ
المعروضةُ لجائعي العالمِ الثالثْ
الذين تسيلُ نطفَهُم على سراويلِهم
وهم يسيرونَ إلى صلاةِ الفجرِ
يُسبب الكبت الجنسي الذي أشار إليه الناص بصورة شعرية تتضمن إيقاع موسيقي بنسقٍ عام منتظم إلى تشويه صورة الأنثى وتقزيم دورها الفاعل في المجتمع حيث أن الكبت الجنسي يجعل عنصر الشهوة والشعور بالنشوة يطغى على أي عنصر آخر وهذا بسبب السياسات الخاطئة وعدم رسمها لخطط تتيح للفرد العراقي بالخصوص والعربي بالعموم الوسائل الناجعة والظروف المعاشية وتوفير التسهيلات اللازمة لتشجيع الشباب على الزواج للحد من حالات العزوف عن الاقتران بمرأة بزواج شرعي, وكانت التفاته رائعة من الشاعر بأسلوب لغوي مؤثر في المتلقي من خلال بث صورة واقعية حسيّة في وصفه " الذين تسيلُ نطفَهُم على سراويلِهم
وهم يسيرونَ إلى صلاةِ الفجرِ"
وهذه اشاره إلى أن ظاهر الفرد المكبوت جنسياً الاستقامة بينما في الخفاء لا يستطيع السيطرة على غرائزه الجنسية بسبب عدم توفير سُبل الحصول على دَخَل يكفي للزواج والعيش في حياة كريمة ..

كما تطرق الشاعر إلى ظاهرة ارتفاع المهور ولما لها من آثار سلبية في زيادة نسبة العنوسة في البلاد وعزوف الشباب عن الزواج في ظل ظروف اقتصادية متردية كما في نصه :

يدعون بإمرأةٍ صالحةٍ ،
أو أيّ عاهرةٍ تقومِ بمُهمةِ الصنميةِ
. لماذا صنعتم منا تماثيل؟
لإرى العالم يقفزُ في أي ستيانةٍ تنبضُ بالنهودِ
لأرى الجميعَ يتضاجعُون
فوقَ حطامِ
المهورُ العاليةْ

لجأ الشاعر إلى السرد في قصيدته بهدف جمالي فني محض لخلق عنصر المفاجأه والتأثير على المتلقي بالإضافة إلى عناصر التشويق والمُتعة اللفظية الفنية المبثوثة في كل مفاصل وصور الإيقاعات الشعرية مما يضفي على النص جمالية التذوق بحيث يجعل القارىء وكأنه يسمع صوته وأنينه وبذلك فإنه يسهم في تحويل الصور الشعرية في النص إلى نص سمعي محسوس وبصري بحيث يتلذذ المتلقي بالنص وكأنه يُشاهد حركات الشاعر كبطل وهو يُمثل الدور في كل قطعة شعرية ..
لأرى العالمَ إمرأةً انسلخت من لعنةِ الجاريةْ
لأرى هذا التهميش
على وجهِ طفلٍ حديثِ الولادةْ
يلمسُ أي فتاةٍ بلا مقابل
يهمسَ لها : "تعالي نحضنُ بعضنا
كوجهٍ يهبطُ على وجهِ المرايا
تعالي نجرحُ صوتَنا
ليتذكرُ أرهاصات أسلافه الزجاجية
أستعمل الناص التكرار ليوطد الحالة الشعورية وبثها بهيّاج عاطفي نابع من الذات بكل طاقاتها المشحونة وبذلك يسهم تكرار الحروف في ربط الجمل، متجاوزاً دوره الإيقاعي النغمي الموسيقي ليدخل في بُنية القصيدة وتكوينها بحيث يلعب دوراً فعالاً في جمالية التنقل بين مقطع وآخر ويسهم في القضاء على الملل والرتابة في سيّلِ النصوص وتلاحقها..
تعالي نصمتُ الى الأبد"
من أجلِ هذا
كسرتُ النافذةَ.
ربط الناص بأسلوب فني تتابعي بين بداية القصيدة التي بدأها بفتح النافذة وغلقها وانتهى بكسر النافذة بإيقاع موسيقي نابع أولاً من عالم الذَّات الشاعرة والناتجة من التكرار والتوازي وتزاوج واقتران الحروف التي تبعث شّعلة متوهّجة تَبْهر المتلقي من خلال الجدل المحتدم بين داخل و خارج النافذة وبين اليقين والاحتمال وبين المهموس والمحسوس حتى تتصاعد وتيرة غليان النفس لتكشف لنا عُمق المعاناة التي يعيشها الفرد تحت تأثير الكبت الجنسي ..
نص القصيدة : المحروم
من أين لي حُسبانُ هذا ؟
خيبةٌ ثم قصيدةٌ أخرى
أفتحُ النافذةَ
بدلُ النسيمِ ،
كواغدُ تَصفعُ وجهي
واكياسُ طائرةٍ ،
تحملُ بين العيبِ والحرامِ
بيوتٌ مشوهةٌ بأرحامِهَا ،
وكأسُ نبيذٍ يتلفتُ بيدِ صاحبهِ يريدُ أن يترعَ نفسهُ ،
وطفلةٌ تنامُ في كفنٍ
على أملِ يومٍ ما تخلو المقابرَ ،
أغلقُ النافذةَ .
لا شيءَ يدعو لفتحِها ،
سوى دخانِ سجائري المسجونِ في فضاءِ غرفتي
لا نساءَ في الخارجِ أيضاً
الجنسُ يفضحُني ،
في المرحاضِ أمام أفلامِ (البورنو)
ويدي ترتعشُ دائماً
نحو اثنينْ ،
الخبزُ والجنسُ .
تعلمتُ الكبتَ المقنعَ من أفواهِ المنابرِ
تعلمتُ العادةَ الحبريةَ ،
وهي تغضُ النظرَ
عن نُطفِ قصائدي
. لا ماءَ يغسلُ خوفي
ولا انا جاموسٌ يفركُ نفسهُ بالقصبِ
مُشيراً الى النهرِ
لهذا ارتبطتُ بالدمى
التي ترتدي ثوباً بلا ثوبٍ.
مستقبلُ يدي
تهشُ الذُبابَ عن حِلماتِ التماثيلِ
المعروضةُ لجائعي العالمِ الثالثْ
الذين تسيلُ نطفَهُم على سراويلِهم
وهم يسيرونَ إلى صلاةِ الفجرِ
يدعون بإمرأةٍ صالحةٍ ،
أو أيّ عاهرةٍ تقومِ بمُهمةِ الصنميةِ
. لماذا صنعتم منا تماثيل؟
لإرى العالم يقفزُ في أي ستيانةٍ تنبضُ بالنهودِ
لأرى الجميعَ يتضاجعُون
فوقَ حطامِ
المهورُ العاليةْ
لأرى العالمَ إمرأةً انسلخت من لعنةِ الجاريةْ
لأرى هذا التهميش
على وجهِ طفلٍ حديثِ الولادةْ
يلمسُ أي فتاةٍ بلا مقابل
يهمسَ لها : "تعالي نحضنُ بعضنا
كوجهٍ يهبطُ على وجهِ المرايا
تعالي نجرحُ صوتَنا
ليتذكرُ أرهاصات أسلافه الزجاجية
تعالي نصمتُ الى الأبد"
من أجلِ هذا
كسرتُ النافذةَ .


المصادر
1- سعد الساعدي , نظرية التحليل والارتقاء , مدرسة النقد التجديدية , دار المتن 2020 , ص74.
2-المنجد في اللغة/ لويس معلوف – تهران: اسلام 1383.ط3, ص128.
3-د. صلاح فضل, انتاج الدلالة الادبية, مؤسسة مختار للنشر والتوزيع , القاهرة, ط1, 1978, ص35.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير