الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أعرف الشّام

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 4 / 2
الادب والفن


لا أعرف أهلّ الشّام ، فمن تحدّث عنها ربما ليسوا أبناء المدينة . عشت في دمشق ، ولم أعرفها ، فعندما كنت طالبة كانت تمثّل لي النّضال، و النّضال كان يمثُل الاجتماع الحزبي ، و الاجتماع الحزبي كان يقود لا نتخاب المسؤول الذي لا يترشح أحد سواه.
عشت في دمشق عندما عملت في التعليم، وكنت أنظر من الحافلة إلى تلك الخضرة التي ترافقني إلى الغوطة الشّرقية، لكنّني رغمّ أنّني علّمت في الغوطة لكن عاداتهم وتقالبدهم كانت غريبة عني، فقط أحببت مهنة تطعيم الخشب.
ذكريات ضبابية تمرّ في خيالي عن دمشق الجمال ، لكن فيما بعد أتى من أقنعني بأنّها دمشق الياسمين ، فعدت إليها ناضجة كي أبحث عن الياسمين ، و الجمال الذي غاب عنّي، وجدت نفسي على جسر الرئيس ، حيث الأطفال يصرخون ، يتمسحون بك كي تشتري منهم علبة كبريت. قلت: لا ليست هذه دمشق ، لا شكّ أنّني أخطأت المسار.
في دمشق أنت غريب تماماً كما أهل الشّام الذين قد تجد بقاياهم في سوق الحمدية يمارسون التّجارة . في دمشق تضيع لأنك وحيد ، قد تحاول شراء الخبز المشروح من امرأة تجلس على زاوية ما، ثم تعود لتتغزّل في دمشق، وتقلد نزار قباني في كتابة الشّعر عن دمشق.، ورغم أنّك تبحث عن الياسمين، لكنّك لا تراه إلا في أحياء تبدو فارغة في الصباح ينهمر زهر الياسمين على سيارات المقيمين فيها.
أذكر أنّني في إحدى المرّات حاولت أن أنزل من الحافلة على الموقف، لكن السائق كان مستعجلاً ، فبقيت إحدى قدميّ في الحافلة ، وساق بسرعة جعلتني أقع أرضاً ويدخل الحصى إلى أجزاء من جسدي .
أذكر ذلك المكرو الذي كنت أركب فيه، ونوافذه مفتوحة ، فيتلبّد شعري، و تتناثر خصلاته حتى أبدو كأنني خارجة من معركة.
أذكر عندما كنت أقف قرب البرامكة كي أصطاد الباص ، لكنّ حدسي في أغلب الأحيان يخونني ، فعندما أترصد الباص قبل الموقف يمرّ مسرعاً ليقف بعد الموقف، أو العكس ، و أبقى أتجوّل بين الباعة حتى ينتهي وقت الذروة فيكون يومي قد انتهى.
في مرّة قلت أن دمشق مكان غير صالح للعيش ، سخرّ مني الجميع، وكلّهم كانوا قادمين من الريف، ليس لديهم سيارات، ولا وسائل رفاهية ، ولا مكانة سوى أنهم معجبون بزهر الياسمين .
أعتذر منكم لأنّني لم أر الياسمين بل رأيت الدجاج يسرح فوق السطوح، أو في
باحات البيوت الصغيرة في منطقة ال86
أتحدث عن دمشق التي كنت أبحث عنها في كل مرّة عشت فيها ، أو زرتها ، ثم أقلعت عن البحث عن الياسمين، وزرعت ياسمينة في حديقتي بعيداً عن دمشق ، زرعت دالية عنب، مسّها الجنون فاحتميت بها، كنت أسميها المجنونة ، وكانت ترقص على نغمات الأغاني عندما أسقيها من كفيّ.
لا أتحدّث عنكم . أعرفكم . كنتم مراهقين تجاوزوا الأربعين عندما كنتم تذهبون إلى الشام القديمة، بعد أن تكونوا قد سهرتم في الليلة الفائتة في المدينة الجامعية .
كنتم متنفذين لديكم سيارات وصلات، و أحاديث عن النفوذ و السلطة.
كنتم إما جنوداً جهلّهم الأسد كي يلمّعوا بوطه، أو مرغمين على الخدمة .
كنت لا أتجرّأ حتى على ذكر اسمكم بيني وبين نفسي حيث أعتقد أنّكم من كوكب آخر. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في