الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بهلوانيات تورية الخطاب السياسي العالمي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هو برأيك المدلول الحقيقي لمصطلح «حماية الأمن القومي» الدائم الحضور في الخطاب السياسي العالمي؟

مصعب قاسم عزاوي: لا بد دائماً من التحلي بقاموس فكري حاضر بشكل سرمدي في عقل كل حصيف يقوم من خلاله بترجمة وتفسير وكشف ستار التورية عن أي مصطلح يتم استخدامه في سياق الخطاب السياسي للنظم السياسية على المستوى الكوني، وجلها نظم استبدادية بأشكال إخراجية متفاوتة بين الصريح الفج على طريقة النظم العربية، وذلك المزوق المنمق بهياكل ديموقراطية تمثيلية شكلية لا خيار للمواطن فيها سوى الاختيار من بين حفنة من الأثرياء الأقوياء المتنفذين أو وكلائهم من الممثلين المدربين على القيام بدورهم الوظيفي بحرفية و إتقان ويدلي بصوته لمصلحة أي منهم حسب مظهره أو أسلوبه الخطابي أو جودة تسويقه إعلامياً، دون أن يعني ذلك تمايزاً فعلياً في الخطاب السياسي لمن يختاره عن أقرانه في الحلبة السياسية.
وباستخدام قدرات قاموس «نزع التورية الاصطلاحية في السياقات السياسية»، يمكن تلمس أن مفهوم «الأمن القومي» لا يعني كثيراً أو قليلاً «أمن الوطن والمواطن» بأي شكل من الأشكال سوى اللفظية. ففي النظم الغربية ذات نموذج الاستبداد المزوق، فإن استخدام مصطلح حماية الأمن القومي يهدف أساساً لتحقيق هدفين استراتيجيين أساسيين، الأول منها يتعلق بتخليق وإدامة وجود المبرر التلفيقي لإدامة الإنفاق العسكري المهول، الذي يتناقض منطقياً مع واقع أن معظم النظم الغربية ليست في حالة حرب فعلية مع أي دولة أخرى، وأنها بالفعل في حالة انسجام وتعاون مع كل الدول التي يراد للمتلقي تخيل أنها تشكل تهديداً للنظم الغربية، كما هو الحال في حالتي الصين وروسيا الاتحادية. وهو الإنفاق العسكري من أموال دافعي الضرائب في الغرب، الذي دون إغداقه الفياض على شركات المجمعات الصناعية العسكرية التقانية العابرة للقارات في الغرب التي تمثل الحاكم الفعلي وناظم الخطى لصناعة معظم الاستراتيجيات السياسية في الغرب، لكانت قد اندثرت منذ عقود طويلة، لعدم وجود حاجة مجتمعية حقيقية لوجودها، وانعدام القنوات التصريفية لنتاجها التدميري الذي ليس هناك حاجة موضوعية تبرره في ظل حالة التعايش وتشاطر المصالح بين النظم الاستبدادية في الاقتصادات المتقدمة، ومراكز الثقل العالمية الأخرى في روسيا والصين واليابان التي يراد تصويرها في منظار الإعلام الكوني المستبد على أنها حالة تنافس و تناحر تسوغ ذلك الإنفاق العسكري المهول لحماية ذلك الأمن القومي الافتراضي.
ومن ناحية أخرى فإن هناك هدفاً مضمراً في مبدأ حماية الأمن القومي وفق القاموس السياسي الغربي، يتعلق بالتبرير الإعلامي والدعائي الضروري لتداخلات القوى الغربية في حماية النواطير المكلفين بشؤون «المفوضين السامين» في المستعمرات التي اضطروا للرحيل عنها، وتوطيد قدراتهم على ضبط شعوبهم، وضمان استيلاء الشركات الغربية العابرة للقارات على الموارد الخام في مجتمعات تلك المستعمرات السابقة بشكل شبه مجاني، واستمرار تلك المجتمعات في تقديم يد عاملة رخيصة بشروط أقرب للعبودية الصرفة، وتحولها إلى سوق منفتحة على أعنتها دون أي ضوابط لتصريف نتاج نفس تلك الشركات الغربية.
وكمثال على ذلك يمكن التطرق إلى تبرير القوى الغربية في انقلابها المدبر للإطاحة بنظام «محمد مصدق» في إيران في العام 1953، وللعدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، وانقلابها الدموي على سلفادور الليندي في تشيلي في العام 1976، وتهشيمها للدولة المجهرية نيكاراغوا عبر دعم متمردي الكونترا بدءاً من العام 1981، وغزو الجزيرة المجهرية غرانادا في العام 1983، والعدوان على ليبيا في العام 1986، وتهشيم العراق عقب غزه للكويت بضوء أخضر من تلك القوى نفسها في العام 1991، وصولاً إلى تذرية المجتمع العراقي بشكل يفوق كل تراجيديا عرفتها البشرية في العام 2003؛ وجميعها قد تم تقديمها وفق سياق قاموس تورية الخطاب السياسي العالمي، بأنها ضرورة حتمية لا بد من القيام بها لحماية «الأمن القومي» للمجتمعات الغربية.
وعلى مستوى مجتمعات المفقرين المقهورين في دول الجنوب، فإن انعدام الحاجة للتكيف مع متطلبات «اللعبة الديموقراطية الشكلية» بحسب أعرافها السائدة في في دول الشمال الغني، يجعل المهمة أكثر سهولة في ضوء عدم وجود كوابح تشترطها «الضرورات الإخراجية لمسرحيات الديموقراطيات التمثيلية»، وتقتضي التروي في استخدام الحديد والنار وغيرها من الأدوات الاستبدادية الفجة في ضبط طوفان المقهورين المفقرين المنهوبين في تلك الدول، وهو ما يعني تبسيطاً لمفهوم الأمن القومي ليعني وفق منطق وقاموس الاستبداد الصريح الفج «حماية للنظم الاستبدادية الحاكمة» من شعوبها المقهورة، دون أن يتسع ذلك لأي مواجهة مع أي عدو افتراضي أو حقيقي إلا ما قد يطلب التنطع لمواجهته والاحتراب معه بشكل عياني مشخص أو لفظياً حسب تعليمات السادة أولياء الأمر وأصحاب الحل والعقد الفعليين في الغرب وشركاته العابرة للقارات في صناعة «إدارات النواطير المكلفين بإدارة الاستبداد الفج في مجتمعات الجنوب المفقر»، كما كانت الحال عليه في حرب السنوات الثماني العجاف الدامية بين إيران والعراق بدءاً من العام 1982، والتي يقف على نقيض منها واقع عدم تحقيق أي تهديد فعلي للكيان الصهيوني يتجاوز هرج و مرج الخطابات الجوفاء من أي دولة عربية يلزم ذاك الكيان باجتراح حل ذي معنى للقضية الفلسطينية بأي شكل كان يرتضيه أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل إلا من ضعفه وَوِحْدَته.

*****
لقراءة النص الكامل للحوار الذي أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي بشكل كتاب إلكتروني مجاني يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن:

https://ar.academy.house








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة