الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثيقة صحفية تعود إلى العام 1957 الصحفي الرائد الأستاذ عادل عوني يتحدّث إلى الشعب الأمريكي

شكيب كاظم

2021 / 4 / 3
الادب والفن


لقد حصلتُ على وثيقة مهمة من وثائق العمل الصحفي في العراق، تعود إلى يوم العاشر من تموز من عام 1957، اليوم الذي ألقى فيه أحد رواد الصحافة في العراق الأستاذ عادل عوني، صاحب الجريدة المعروفة في الوسط الصحفي العراقي في العهدين الملكي والجمهوري (الحوادث)، ألقى محاضرة خاطب فيها الشعب الأمريكي وخاصة رجال الصحافة الأمريكيين، ومن خلالهم أراد توضيح وجهة النظر العراقية والعربية، إزاء العديد من المشكلات التي كان يعانيها العراق، وأجزاء عديدة من الوطن العربي، مؤكداً وهو في عقر البلاد الأمريكية أنَّ تنكر الغربيين لحقوقنا في الحياة الكريمة، في كثير من المجالات يضطرنا – بحكم شريعة الدفاع عن النفس- أنْ نتّجه اتجاهات خطرة، وفي هذا خسارة للغرب وللعراق لا يمكن تعويضها، كما أنّه يتمنى لو كانت له أموال روكفلر أو فورد، ليجلب الشعب الأمريكي تباعاً إلى البلاد العربية، ليشهدوا بأنفسهم، أنّنا شعب له تاريخ عريق في المدنية، وأننا لا نقل الآن مدنية عن العالم المتمدن، كما أنّه يتميّز بحسّ سياسي سابق لزمنه، إذْ في المحاضرة إشارة واضحة إلى إمكان استخدام سلاح النفط من أجل تحقيق أهداف العراق ولا سيّما العربية.
المحاضرة قصيرة لكنها غنية بالمعلومات عن العراق والمنطقة العربية، وباقي الأديان الإلهية فيها، لأنَّ تلك الشعوب لا ترغب في الحديث المطول، فالأصل العمل لا القول، لكن هذه الوثيقة تغفل المكان الذي ألقيت فيه، واسم المدينة والمنتدى، إلا أنَّ إشارة في ظهر الورقة الأخيرة تشير إلى أنّها ألقيت في العاشر من شهر تموز عام 1957، وأهمية هذه الوثيقة تأتي من قدمها، فضلاً عن أنَّ تضاريس الزمان والمكان لم تترك آثارها المؤذية عليها، عدا بعض العبارات القليلة التي ذهبت بسبب اقتطاع جزء من الورقة قبل الأخيرة، فضلاً عن سطر تأثر بسبب طي الورقة وتقادمها الزمني.
يسرني أنْ أضع بين أيادي القراء هذه الوثيقة الصحفية التي أراها مهمة كونها تعود لصحفي رائد، أمضى عقوداً من حياته في محراب صاحبة الجلالة فضلاً عن طريقة تفكيره، وآرائه في السياسة والحياة العامة، كذلك أهدف الى إعادة الحياة، لذكرى الصحفي عادل عوني، صاحب جريدة (الحوادث) التي كانت رابعة ثلاث صحف مهمة صدرت في تلك العقود من التأريخ العراقي، وأعني بتلك الصحف:
1- البلاد لصاحبها روفائيل بطي. 2- الزمان لصاحبها توفيق السمعاني. 3- الأخبار لصاحبها جبران ملكون، وكلهم مسيحيون، مما يؤكد خصيصة المحبة والتعايش بين الأديان الإلهية في العراق.
كما أودّ أنْ أشير إلى خصيصة مهمة من خصائص الصحافة العراقية في العهد الملكي، اختفت من الحياة الصحفية بعد ذلك وحتى قبل صدور قانون المؤسسة العامة للصحافة الذي أصدر في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف في شهر كانون الأوّل من عام 1967، وفيه أمّمت الصحافة وأنيطت بالحكومة مهمة إصدارها، لتتلاشى حرية الصحافة إذ تحوّل الصحفيون إلى موظفين يأتمرون بأوامر الدولة وتوجيهاتها، وقتل الإبداع والتنافس الشريف بحثاً عن الحقائق، إذ بقي هؤلاء ينتظرون ما ترسله إليهم وكالة الأنباء العراقية، لتظهر صحفنا وكأنها صحيفة واحدة، لا يفرق بينها سوى الاسم.
الأستاذ عادل عوني.. صاحب جريدة الحوادث العراقية.. وهي جريدة يومية سياسية تصدر مساء كلّ يوم.
هو من مواليد 1909، ولد بمدينة الموصل تلك المدينة العريقة بآثارها، كان أبوه مديراً للبوليس فيها، وكان يعيش حياة ترف في بيت أبيه الكبير، لكن القدر لم يمهله فتوفي أبوه وهو ما يزال في الخامسة من عمره.
أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في الموصل ثم سافر إلى بيروت ليكمل دراسته العالية هناك، ولكن ضيق الحال ونفاد ما خلفه له أبوه، اضطره إلى أنْ يعود إلى الموصل عام 1924.
كان يعشق الصحافة ولهذا كان فرحه عظيما، حين نشرت له إحدى الصحف المحلية وصفاً للاستعراض الرياضي، الذي أقيم لمدارس العراق في ساحة الكشافة ببغداد، ويصف الأستاذ عادل عوني فرحته الكبرى حين نشر له ذلك المقال فيقول (ولقد طرت فرحا وخيل إليّ يوم صدرت الجريدة للأسواق وفيها مقالي، خيل إليّ أنَّ الناس كلّهم قرأوا ذلك المقال) وكان نشر ذلك المقال بداية تحول عملي في حياته، جرفه تيار الصحافة فاتخذ منها مهنة، بعد أنْ كان محررها ومن هواتها.
كان يكره السياسة ولهذا فإنَّ أوّل مجلة أصدرها باسم (الميثاق)، كانت مجلة أدبية فنية، واعتبرت وقت صدورها فتحاً في ميدان الفن الصحفي بالعراق، وقد عاشت هذه المجلة سنتين أصدر بعدها مجلة أخرى باسم (الحديث)، وكانت أدبية فنية أيضاً لكنها تعطلت بعد ستة أشهر.
وجاءت نقطة التحول الأخرى في حياته، عندما طلب امتيازاً (رخصة) بإصدار جريدة ولكنهم أفهموه أنهم لن يسمحوا له بإصدار جريدة، إلا إذا وافق أنْ تكون الجريدة لسان حال (حزب الوحدة الوطنية)، الذي كان يرأسه السيد علي جودة الأيوبي، وكان رئيساً للوزارة آنذاك.
وهكذا أرغم على الاشتراك في المعترك السياسي، وصدرت جريدة (الوحدة) لساناً لذلك الحزب، واندفع الأستاذ عادل يهاجم خصوم الوزارة وحزبها، هجوماً عنيفاً بلا رحمة ولا هوادة، وكان قلمه لاذعاً شديداً.
ولهذا ما كاد الحزب يتخلى عن الحكم، حتى كانت جريدة (الوحدة) أول جريدة تغلقها الحكومة الجديدة، وكانت النقمة عليه شديدة، بحيث باءت بالفشل كلّ محاولاته لإصدار جريدة جديدة.
وهنا اضطر للاشتغال محرراً في جريدة البلاد، التي كان يصدرها معالي روفائيل بطي، وفي نفس الوقت كان مراسلاً لجريدة الأهرام المصرية، وجريدة الدفاع بفلسطين، ووكالة أناضولي التركية، ثم عمل محرراً في جريدة الزمان، حتى سنة 1939 حيث أصدر جريدة فكاهية باسم (أبي نؤاس)، ولكن الحكومة ألغت امتيازها بعد ستة أسابيع.
وفي عام 1940 أصدر جريدته (الحوادث) وكان تبويبها مبتكراً، بحيث قلدتها جميع صحف بغداد.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، عانى هذا الرجل الكثير من الويلات والمتاعب، وتحكم الرقابة، وسيطرة السلطات الحاكمة، ومع هذا فقد استطاع أنْ يسير بالجريدة في هذا الجو المضطرب، واستمرت الحوادث في خطتها القويمة حتى الآن، حيث تعد من الصحف المحترمة المعدودة في العراق.
والحوادث جريدة سياسية مستقلة، ولكن صاحبها يعلن أنّه من المؤمنين بسياسة فخامة السيد نوري السعيد، وبهذا الإيمان يندفع في تأييده بالدفاع، عن سياسته التي يجد فيها خدمة للقومية العربية ولوحدة العرب.
هذا الرجل العصامي الذي يسري حب الصحافة في دمه منذ نعومة أظفاره، رغم أنَّه لم يكمل دراسته العالية، لأنَّ الظروف التي أحاطت به لم تهيِّئ له ما هيأت لأولئك الذين نجحوا في حياتهم الدراسية، وفشلوا في ميدان العمل محكّ الرجال.
ولكنه بتلك القابليات التي منحها له الله، استطاع أنْ يجعل من هذه الحياة الواسعة، أكبر جامعة دراسية لقد تخرج من جامعة الحياة التي تخرج منها الكثيرون من أبطال التاريخ.
لقد درس الناس، ودرس الحياة واختط لنفسه الطريق الذي يرضي فيها ميوله الصحفية، ويخدم منها ذلك المبدأ الذي آمن به منذ فتحت عيناه للنور، إنّه يؤمن بوحدة العرب، وبقومية العرب، لقد استخدم في خدمة مبدئه هذا، تلك الميول الفنية التي دفعته لإصدار صحيفتين فنيتين. لقد جند كلّ إمكانياته للخدمة في الميدان السياسي الذي دفع إليه مضطرّاً.
هذا الرجل متزوج وله ولد واحد وثلاث بنات، ويقيم في بيت يوحي إليك كلّ ركن فيه، أنّه بيت شاعر وليس بيت صحفي له مكانة في ميدان الصحافة السياسية بالعراق.
عادل عوني يريد أنْ يتحدث ليس لزملائه من رجال الصحافة، كان يخاطب الشعب الذي ينتمي إليه ومن حقه أيضاً أنْ يخاطب كلّ شعوب العالم.
إنَّ الشعب العربي يستمع إلى ما يحدثه به رجال الصحافة الأمريكان في كلّ جزء من أجزاء العالم العربي، ويريد عوني صاحب جريدة الحوادث العراقية، أنْ يتحدث اليوم إلى الشعب الأمريكي.
إنّني أسجل الآن ما يقوله الأستاذ عوني:
(لقد تعرفت على الكثيرين من الأمريكان في حياتي الصحفية، ومنهم ساسة بارزون ودبلوماسيون ورجال صحافة، أذكر منهم المستر ويندل ويلكي، الذي طاف العالم بعد فشله في الانتخابات الأمريكية ووضع كتاباً عن تجواله.
والمستر لوي هندرسون، الذي كان وزيراً مفوضاً لبلاده في العراق، ثم تولى منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون آسيا والشرق الأوسط، وأبعدته الأصابع الصهيونية عن منصبه هذا، لأنّه عرف العرب على حقيقتهم، ولمس عدالة قضيتهم، ودافع عنهم بإخلاص وحماس، وعرفت أشخاصاً آخرين لا أجد من الوقت متسعاً لذكرهم، فلمست منهم أنّهم جميعاً كانوا يجهلون كل شيء عن العرب، وأنهم دهشوا عندما لمسوا حقائقهم بأيديهم، فقد كانوا يظنون أنَّ العرب شعب لا يختلف في شيء عن النَوَر (أي الغجر، الكاولية)، أو البدو الرحل، يتخبط في ظلام الجهل ويعيش حياةً بدائية، كما كان يعيشها الإنسان قبل ألفي عام.
وكنت كلما سمعت شيئاً من هذا القبيل من أحد الأمريكيين، كنت أتمنى أنْ أملك ثروة روكفلر أو فورد، لأجلب الشعب الأمريكي، تباعاً إلى البلاد العربية، ليشهدوا بأنفسهم أننا شعب له تاريخ عريق في المدنية، وأننا لا نقل الآن مدنية عن العالم المتمدن، ولا أبالغ إنْ قلت إننا نمتاز عن هذا العالم بالصدق، والوفاء والأخلاق والأمانة وجميع الخصال والمزايا، التي بشرت بها الأديان جميعاً، ولكن عيبنا الوحيد أنّنا مقصرون كثيراً في مجال الدعاية لأنفسنا، وخصومنا يتفوقون علينا في هذا الميدان مع الأسف، مع أننا نملك من الإمكانيات والثروات والذكاء، ما نستطيع معه أنْ نتغلب به على هؤلاء الخصوم، لدينا مثلاً النفط إنْ قطعناه عن العالم الغربي فإنّه يتوقف حالاً عن العمل، كما يتوقف محرك السيارة عندما ينضب منها البترول مثلاً.
وعندنا من الأنفس والثروات ما لا يستطيع العالم الغربي أنْ يستغني عنه، وإن استغنى عنه فإنه يرجع إلى حالة البداوة التي يصفوننا بها ظلما وعدوانا.
ونحن أمة لنا من تأريخنا في الماضي، ومن مدنيتنا وثقافاتنا في الحاضر، ما نستطيع به أنْ نكون عضواً ضرورياً في المجموعة الدولية، عضواً يساهم بالنصيب الأوفى، من تكملة هذه المدنية وتأمين الرفاه والسلام للعالم.
يضاف إلى هذا أننا بحكم الدين الذي نعتنقه؛ المسيحيون منا (والمسلمون) ديمقراطيون بطبعنا وخلقنا (....) نؤمن بالديمقراطية وندافع عنها كما ندافع عن كياننا واستقلالنا وممتلكاتنا، ولا نقل ديمقراطية في هذا الباب (....) الظلم في المجالات الدولية يضطرنا – بحكم شريعة الدفاع عن النفس- أنْ نتجه اتجاهات خطرة، (....) هذا بالطبع خسارة للغرب المؤمن، (....) بالديمقراطية لا يمكن تعويضها فالغرب يعدون (....) والمسلمون يعدون بنحو 400 مليون نسمة، وجميعهم يميلون إلى المبادئ والمثل العليا التي يؤمن بها الغربيون، واستشهد من هذا بأنَّ روسيا السوفيتية على الرغم من مرور نحو أربعين عاماً على وجودها، (مما يؤكد أنَّ المحاضرة ألقيت عام 1957 إذ إنَّ ثورة أكتوبر الروسية حصلت في 7/11/1917)، فإنها لم تستطع، ولن تستطيع أنْ تقضي على الروح الديمقراطية الصحيحة التي يؤمن بها المسلمون، في داخل الاتحاد السوفيتي نفسه، وسبب ذلك بسيط، أنّ التعاليم الإسلامية التي يعتبر النظام الديمقراطي، جزءا منها تعاليم عميقة الجذور راسخة في النفوس لا يمكن لأية مبادئ مغايرة لها أنْ تزيلها من تلك النفوس المؤمنة.
إنني على هذا الأساس وبهذه الروح، أخاطب الشعب الأمريكي كفرد يقدر، هذا الشعب ويقدر أهمية وضرورة وجوده لمدنية القرن العشرين والسلام العالمي، فأطلب إليه أنْ يهتم بهذا الجزء من العالم، ويسأل عنه الأمريكيين الذي درسوا أوضاعه عن كثب، ليعرف مدى أهميته للمدنية الحاضرة وأنْ يقف هذا الشعب لمساندتنا في تحقيق أهدافنا في الحياة وهي لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن أهداف الشعب الأمريكي نفسه في الحياة.
إنني أسكن في ضاحية فيها أربعون داراً يشغل تسعا وثلاثين منها مهندسون وخبراء أمريكيون يقيمون مع عائلاتهم وأطفالهم، وقد اختلط أولادي بهم كما اختلطت أنا بهم جميعاً، فأقمت لهم حفلة تعارف عندما انتقلوا إلى جوار داري، وتوطدت أواصر الصداقة بيننا فصرنا كما لو كنا من شعب واحد أو أمة واحدة، تجمعنا الإنسانية النبيلة بحيث إنَّ بعض هذه العوائل عندما كانوا يسافرون إلى أمريكا في إجازات وأشغال، كنت أجدهم يبكون في المطار عندما كنت أذهب أنا وزوجتي وأولادي لوداعهم.
ولا بدَّ لأحد هؤلاء الأمريكان الذين جاورونا، أنْ يقرأ هذه الحقيقة في أمريكا فيبعث إلى الصحف الأمريكية بتأييده لما أقول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا