الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدباء في مجالسهم

مهدي شاكر العبيدي

2021 / 4 / 4
الادب والفن


قال مارون عبود في كتاب الزوابع مصوراً حاله يوم أدركته حرفة الأدب ، “هي محنة ليس مثلها محنة ، يعيش صاحبها في اقلال و كأنه صاحب حور وقصور”.

و نضيف أنه مهما انتوى الافلات من هذه المحنة والخروج من شراكها ، فسرعان ما يجد نفسه ميالة للوقوع في أسرها ، و التهافت عليها ، بزعم من عدم قدرته على المغالبة ، و انه يشق عليه أن يعين حساده و منافسيه و معهم كل الشانئين و المدلين بالمخاصمة و العداوة ، لغير ما سبب داع أو مسوغ موجب ، على أن تتحقق رغباتهم الخسيسة في نفيه و نبذه خارج هذه الحلبة ، حلبة الأدب ، و كذا يستنفر طاقته معاوداً نشاطه و حيويته مجدداً ، بأفضل مما كانت عليه حاله و أكمل و أحسن ، و لكن من غير تطفيف من شقائه و عنائه و ما اعتاده و جرى عليه من حرمان و تنكيد و بوار ، متعللاً أن ذلك شأن الأديب الحقيقي و قدره ابداً ، لا المدعي و لا المدخول.

و قد شهدت الحياة الأدبية في عموم الوطن العربي ازماع غير واحد من أعلامها و أقطابها على اعتزالها و التلهي بغيرها من شؤون و أحوال. إما تدللاً ليروا بأعينهم مدى ما يتركونه من فراغ ، و إما نتيجة يأسهم و يقينهم من عبثية ما يشغلون أنفسهم به من هذا العمل غير النافع و لا المفيد ، أو الكفيل بضمان العيش المرفه الكريم لهم و لمن يعيلونهم من زوجات و بنين. حتى إذا انصرفوا إلى الحياة العملية و انسابوا في غمار الناس ، وجدوا أنفسهم قليلي الخبرة بأوضاعها و ما تحوج له من التجهز بقدر يسير أو موف من الختل و الكيد و المكر و النفاق و التعامل بوجهين ، و بالتدريج يتيسر لهم وصل ما انقطع و استئناف صلتهم بما أعفوا ذواتهم منه ، على فرط علمهم بقلة عدد القراء و شيوع أمية المتعلمين و غلبة نسبتهم في الجمهور العام ، و ما يلحظونه بأعينهم من استغراق الناس في دنيا الكدح و العمل المضني و تفننهم في انتزاع اللقمة من أفواه شتى لكل منها وسائلها و أحابيلها ، و يلتفتون فيلفون نسبتهم القلة التي يشيع بينها التنابذ و الاحتراب ، و أنهم أحوج إلى التصافي و الائتلاف و الاستجابة لنصح ذوي الرأي و الحكمة في مفارقة الزهو ، و التباعد عن الإغترار ، و مجانبة الادعاء بغير ما فيهم و لهم من قابليات و مواهب.

و مثلما يحتشد أصحاب الحرفة الواحدة في مجلس أو ندي و يلتئم شملهم و تدور بينهم أحاديث و شجون بشأن مستقبل حرفتهم و ما ينتظرها من انتعاش و ازدهار ، أو يتهددها من كساد و تدن ، كذلك يجد الأديب نفسه مسوقاً لغشيان مقاه يؤمها لداته و قرناؤه ، و ما أدري بعد كيف تنعقد الأواصر و الصلات بين أرباب الكلمة و تبدو الأمور أولاً قائمة على التآزر و الوفاق إلى أن تنكشف بمرور الأيام انها لا تستقر إلا على التحاسد و البغضاء و التراشق ، كأن هناك ضياعاً يشتجرون حولها ، أو عقاراً يعتركون بشأن توزيعه أو اقتسامه بينهم ، على انهم يعيشون في تقتير و اقلال و ليسوا من اصحاب الأطيان و القصور ، فلأمر ما ورد في الحديث الشريف: لا تعلموا أولاد السفلة العلم ، كما كان يكثر من ترديده و الاستشهاد به زكي مبارك ، و ذلك خشية أن يتيهوا و يتطاولوا إلى أبعد من المدى الذي يحتويهم.

و تسنى لي في ما مضى من أيام بله سنوات أن اتسامع ما يتردد على افواه بعض الأدباء و المتأدبين من رمي هذا المصنف الثبت أو هذا الكاتب المتمرس الذي قتل العمر خبرة و اجتهاداً ، انه محدود الفهم ، ضئيل الامكان ، قصير النظر ، و كذا شاع تعبير “ ما يفتهم “ خصوصاً في ستينيات القرن الماضي ، بل اشرأب غير واحد إلى اعلان رأيه بخصوص كتابات طه حسين التي بات يلفيها ، مشفقاً ، بحاجة إلى اعادة الاعتبار قبل أن يطويها النسيان و يعفي عليها الزمن ، كما انست بالحوار الدائر بين عبد الرحمن طهمازي و خالد علي مصطفى في أحد مقاهي شارع الخيام ذات مساء ، دون أن يضيرا أحداً أو يستلا منه ، على أساس الافادة و الاستفادة من قراءاتهما في كتب الصوفية ، و كانت ظروف المرحلة تحتم هذا التوجه و تغري به و تستوجبه ، و كل منهما يخاطب الاخر: “ شلونك مولانا “ فيرد عليه بالعبارة نفسها و بأحسن منها ، و غادرتهما و كلي ظن أن هذه هي الصوفية بعينها من شيخنا و مولانا.

هناك زمر من الأدباء لابد من التنويه بوسائلهم الجهنمية القبيحة في الازراء بقيمة غيرهم ممن يوما لهم بالأصالة و الابداع و يصح الاجماع على مثابرتهم و انصرافهم عن اللغو و المكابرة ، لكن يغيظهم أن تلمع أسماؤهم و تستثير اعجاب القراء و تستدعي ثناءهم لما تنماز به نتاجاتهم من جدة في التناول و عمق في التحليل و طراوة في الأسلوب ، و يخالون أن ذلك ما تم إلا على حساب انحسارهم و انكماشهم ، فحين يستعر غيظهم و يستشري حنقهم و لا يقوون على مواجهتك ، مفندين اراءك و منازعك ، بصدد مسائل الرأي و الفكر والاجتماع ، يكلون إلى واحد من طلبة الاعدادية من المتسللين في بدواتهم إلى الصفحات الثقافية في الجرائد ، بأن يتولى هذه المهمة عنهم ، و بأن يجترئ عليك و يسفه منطقك ، كونه ممتثلاً بمشيئة الأدباء الكبار الذين لا يرد لهم طلباً و يأنس إلى حديثهم الشائق و توجيههم السديد ، إلى أن يفطن اولئك المخدوعون و يتنبهوا على ما وقعوا فيه من شقاق و منازعة بشأن قضية لا تنفعهم و لا تضرهم أصلاً ، و ذلك بعد أن تستقيم سرائرهم و تستوي طبائعهم و يستقلوا بأنفسهم و يتيسر لوجدانهم من الآراء و النوازع الراسخة السليمة ما تجانب الغرض و لا تنطق عن الهوى.

أهذه هي المجالس الأدبية التي يتربى فيها الذوق ، و يزدهر الفكر ، و ينطلق العقل إلى رحاب و آفاق بعيدة من الخلق و الابتكار و الاستنباط ، و تراض النفس على الفطرة السليمة و الطبيعة السمحة ، أبهذا وصى عبد الحميد الكاتب قديماً و نصح لرفقة القلم بإطراح التنابذ و التخرص و إقامة علائقهم و صلاتهم على الوفاق و التعاضد. ؟

فما أدنى إلى الصحة و أقرب إلى الصواب ما قرأته في عدد قديم من مجلة المعرفة السورية عبر مقال ترجمه د. إبراهيم الكيلاني ، يلصق الذام و العيب و السوء بسلائق الأدباء و طوياتهم ، فبينهم كل مكابر و مغتاب و حاد الطبع بينا ينصب من نفسه داعياً للبساطة و التواضع و حفظ الذمام و حسن المعاشرة و اللياقة في المواجهة و التعامل ، و كل هذا قد يهون على فرط بشاعته و قبحه و مدعاته إلى الاستهجان ، بجانب ما يهرفون به و يطلقونه من دعوى أنهم من الصفوة أو النخبة و الأدباء الذين يشار إليهم بالبنان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا