الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الولايات المتحدة (12) – اغتيال الرئيس لنكولن

محمد زكريا توفيق

2021 / 4 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اغتيال الرئيس لينكولن

في ليلة 13 أبريل عام 1865، انتقل ازدحام كبير خلال شوارع واشنطن المضاءة بالأنوار لكي يحتفلوا باستسلام قائد الكونفدراليين الجنرال لي في أبوماتوكس، فيرجينيا. كتب أحد الحاضرين في مفكرته: "انطلقت الأعيرة النارية، دقت الأجراس، وقرعت الطبول ورفرفت الأعلام. الرجال يضحكون والأطفال يهتفون، والجميع مبتهجون.

اليوم التالي كان الجمعة العظيمة. في المساء، ذهب الرئيس لينكولن وزوجته إلى مسرح فورد في مدينة واشنطن، لمشاهدة مسرحية بعنوان "ابن عمنا الأمريكي". المسرح كان ممتلئا والحاضرون يهتفون للرئيس لنكولن وهو يجلس في مقعده بكابينة بجوار المسرح.

بعد أن جلس الرئيس لنكولن بأمان في مقعده، ذهب حراسه بعيدا لمشاهدة المسرحية مع باقي الحضور. في تمام الساعة 10:13مساء، عندما كانت المسرحية تعرض فصولها، والناس منهمكون في تتبع أحداثها، دوت طلقة بندقية، واخترق صداها ظلام المسرح.

عندما مال الرئيس لنكون في مقعده إلى الأمام، قفز رجل يرتدي قبعة سودا وحذاء عالي إلى الركبة، من كابينته إلى خشبة المسرح. لوح ببندقيته في الهواء وهو يصيح باللاتينية، "هكذا دائما إلى الطغاة". ثم فر هاربا من المسرح.

لقد اكتشف في وقت لاحق أن الرجل كان ممثلا يدعى، جون ويلكيس بوث. تم القبض عليه في غضون أيام قليلة، وهو يختبئ في حظيرة في ريف بولاية فرجينيا.

حمل لينكولن عبر الشارع إلى منزل خياط. توفي هناك في غرفة نوم بالطابق الأول في اليوم التالي. كل الناس، رجال ونساء، كانوا يبكون لينكولن في الشوارع عندما سمعوا الأخبار. الشاعر جيمس راسل لويل كتب يقول: "لم يسبق من قبل أن بكى الناس وذرفوا الدموع لوفاة أحد، مثل لنكولن. بالرغم من أنهم لم يسبق لهم أن رأوه، بكوه كأنه صديقا يعرفوه، أخذ منهم فجأة."

خلف لينكولن نائبه أندرو جونسن. مشكلة الرئيس الجديد هي كيفية التعامل مع ولايات الجنوب المنكسرة بعد الحرب. لم يكن يخفي لينكولن خطته بالنسبة لهذا الموضوع. قبل وفاته بأسابيع قليلة، كان قد بدأ فترته الثانية كرئيس للولايات المتحدة. في خطاب حفل تنصيبه الثاني، طلب من الشعب الأمريكي مساعدته في لم الشمل وتضميد الجراح، وإعادة بناء الوطن الذي دمرته الحرب.

ألقى لنكولن باللوم على قادة الجنوب، واتهمهم بأنهم هم السبب في الانفصال والحرب. كان ينوي معاقبة هؤلاء فقط، ويترك الباقي يحيا حياته الطبيعية كمواطنين.

كان لدى جونسون أفكارا مماثلة. بدأ في التخطيط لإعادة توحيد الجنوب مع بقية الأمة. قال، إذا وعد مواطني الانفصال بالولاء لحكومة الولايات المتحدة، يمكنهم انتخاب مجالس نيابية جديدة لولاياتهم، وإدارة شئونهم بأنفسهم. وإن صوتت ولاية بأنها تقبل البند 13 المعدل في الدستور، الخاص بإلغاء الرق تماما، فإن الولاية ستقبل مرة أخرى في الاتحاد كعضو كامل.

لكن الجنوبيين البيض كانوا لا يزالون عازمين على مقاومة أي تغيير يهدد حياتهم. كانوا مرعوبين من مجرد فكرة أنهم متساوون في الحقوق مع عبيدهم السود سابقا. المجلس النيابي لولاية ميسيسبي أعرب عن تخوفه في هذه الكلمات الفظة المليئة بالعنصرية:

"تحت ضغط أسنة الرماح وحراب الاتحادية، ألغى شعب ولاية ميسيسبي الرق مجبرا. لقد أصبح الزنوج اليوم أحرارا شئنا ذلك أم أبينا. لكن أن يكون الزنجي حرا، هذا لا يجعله مواطنا، أو يمنحه المساواة الاجتماعية أو السياسية مع الرجل الأبيض."

الدول الكونفدرالية السابقة الأخرى، كان لديها نفس الشعور. كل مجالسها النيابية مررت قوانين تبقي السود في وضع متدني. مثل هذه القوانين أطلق عليها "الأكواد السوداء"، أو "التعليمات السوداء. "

الرماح الفيدرالية، لعلها تكون قد حررت السود، لكن الحكام البيض في الجنوب أرادوا بقاءهم عبيدا، غير مهرة، بدون تعليم، بدون أرض وبدون حماية قانونية.

الأكواد السوداء، تمنع السود من التصويت في الانتخابات. وتقول إنهم لن يقبلوا كمحلفين في القضايا القانونية. ولن تقبل شهادتهم ضد الرجل الأبيض. في ولاية المسيسيبي، غير مسموح للأسود أن يشتري أو يؤجر أراض زراعية.

في لويزيانا كان محكوما على الرجل الأسود بالعمل عند الرجل الأبيض لمدة سنة كاملة، وإذا رفض، يسجن ويحكم عليه بالأشغال الشاقة. الرجل الأسود، بدون امتلاك أرض، وبدون نقود، وبدون حماية قانونية، يظل عبدا.

في عام 1865 حذرت صحيفة شيكاغو تريبيون الجنوبيين من الغضب المتصاعد في الشمال حول قوانين الأكواد سوداء، فكتبت تقول: "نقول للرجال البيض في ولاية مسيسيبي، إن الرجال في الشمال سوف يقومون بتحويل ولاية ميسيسيبي إلى بركة تسبح فيها الضفادع، قبل أن يسمح لمثل هذه القوانين أن تدنس شبر واحد من التربة المدفون فيها عظام جدودنا بعد أن ماتوا وهم يدافعون عن الحرية."

مشاعر الصحيفة كانت تشبه مشاعر العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي. مجموعة من الأعضاء تسمى الجمهوريون الراديكاليون، كانت تعتقد أن قضية تحرير العبيد، هي السبب الرئيسي في اشتعال الحرب الأهلية.

ما دمنا قد كسبنا الحرب، إذن لا يجب أن نخدع الآن، أو يخدع الزنوج الأمريكيون. لقد كان الرئيس جونسن، يعامل البيض المهزومين بلطف شديد، مما شجعهم على أفعالهم. حقا إنهم لم يعاقبوا بما فيه الكفاية.

في يوليو 1866، على الرغم من معارضة الرئيس الأمريكي، أقر الكونغرس قانون حق مدني، وأنشأ أيضا منظمة تسمى "مكتب الأحرار"، بهدف حماية السود في الجنوب من العنصرية والخداع. ثم قدم الكونجرس التعديل 14 للدستور، الذي يعطي حق المواطنة الكاملة للسود، بما في ذلك حق الانتخاب.

رفضت كل الولايات الكونفدرالية السابقة قبول التعديل 14، باستثناء تينيسي. في مارس عام 1867، رد الكونغرس عن بتمرير قانون "إعادة الإعمار".

بمقتضى القانون، تلغى حكومات الولايات الجنوبية، وتستبدل بحكم عسكري. لكن إذا قبلت الولاية التعديل 14، وسمحت للسود بالتصويت، يمكنها إرجاع الوضع إلى ما كان عليه.

بحلول عام 1870، كانت كل الولايات الجنوبية، لها حكومات "إعادة إعمار" جديدة. معظمها تتكون من أفراد سود، وعدد قليل من الجنوبيين البيض، الذين كانوا على استعداد للعمل معهم ومع الرجال البيض من الشمال.

الشماليون الوافدون حديثاً إلى الجنوب، كان يطلق عليهم الجنوبيون المعارضون " كاربت باجرز"، وتعني الحقيبة الكبيرة الرخيصة المصنوعة من الخيش. والتي يضع فيها الشماليون أشياءهم. أما البيض الجنوبيون المتعاونون مع الشمال، فكان يطلق عليهم "سكالاواجس" وتعني الأوغاد. يتهمونهم بأنهم نهازين للفرص لا مبادئ لهم.

معظم الجنوبيين البيض يدعمون الحزب الديمقراطي. ادعوا أن ان حكومات إعادة الإعمار، غير كفء وغير شريفة. كان هناك بعض الصحة في هذا الادعاء. العديد من الأعضاء السود الجدد في المجالس النيابية، كانوا غير متعلمين، وعديمي الخبرة.

بعض ال "كابت باجرز"، كانوا لصوصا في لويزيانا، قبل انتقالهم إلى الجنوب. أحدهم، كان متهما بسرقة 100 ألف دولار من أموال الولاية في أول سنة له في الوظيفة.

لكن حكومات "إعادة الإعمار"، كان بها أيضا رجال شرفاء، حاولوا تحسين وضع الجنوب. قاموا بتمرير قوانين لتوفير الرعاية للأيتام والعمي. وقوانين تشجع الصناعات الجديدة، ومد خطوط السكك الحديدية، وبناء المدارس لكل من البيض والأطفال السود على السواء.

لم تشفع هذه الاصلاحات في القضاء على كره البيض في الجنوب لحكومات "إعادة الاعمار". ليس بسبب عدم الكفاءة وعدم الأمانة فقط، ولكن لأن "إعادة الإعمار" تعطي السود نفس الحقوق التي كانت لدى البيض.

كانوا مصممين على منع ذلك بأي ثمن. لذلك، قاموا بتنظيم جماعات إرهابية، لفرض سيادة الجنس الأبيض مرة أخرى. الهدف الرئيسي لهذه الجماعات، هو تهديد وإرهاب الناس السود، ومنعهم من ممارسة أو المطالبة بحقوقهم المدنية.

كانت أكبر الجماعات الإرهابية وأكثرها إجراما، هي جمعية سرية تسمى كلي كلوكس كلان. يرتدي العضو فيها جلبابا أبيض بحزام من الوسط. ويلبس فوق رأسه زعبوطا أبيض مخروطي الشكل. كما أنه منقب يغطي وجهه بوشاح أبيض.

يركبون خيولهم ليلا، ويطوفون في شوارع المدن والقرى والريف، يضربون ويقتلون السود الذين يحاولون تحسين أوضاعهم الاجتماعية. شعارهم هو صليب خشب يحترق. يضعونه خارج بيوت من أرادوا الانتقام منهم. عن طريق استخدام العنف والإرهاب، استعاد العنصريون البيض السيطرة على حكومات الجنوب كلها تقريبا.

بقدوم عام 1876، الجمهوريون المؤيدون ل "إعادة الإعمار"، لم يكن يسيطرون إلا على 3 ولايات بالجنوب فقط. وعندما سحب الكونجرس القوات الاتحادية من الجنوب عام 1877، وفاز البيض الديموقراطيون، انتهى موضوع "إعادة الاعمار".

من هذا الوقت فصاعداً، تم معاملة السود الجنوبيين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. يعني لم يكونوا يعاملون معاملة متساوية بموجب القانون. الأخطر من كل هذا، أنهم منعوا من التصويت.

منعت بعض الولايات الجنوبية السود من التصويت، بحجة أن حق الانتخاب، يكون فقط لدافعي ضرائب الانتخاب. ثم رفعوا ضرائب الانتخاب، بحيث لا يستطيع السود سدادها. كما أن جامعي الضرائب، كانوا يرفضون أخذها من السود، إن استطاعوا توفيرها.

ثم يأتي شرط الجدّ. وهو شرط كان يستخدم أيضا وعلى نطاق واسع لمنع السود من التصويت. هذه الشروط، أو القواعد، تسمح بالتصويت فقط لمن كان أجدادهم سبق لهم حق التصويت عام 1865. معظم السود، كانوا قد حصلوا على حق التصويت بعد هذا التاريخ بعام، أي في 1866. يعني شرط الجد، سلب حق السود في التصويت بالجملة والقطاعي.

يمكن رؤية آثار تطبيق شرط الجد في ولاية لويزيانا. قبل عام 1898، كانت أصوات البيض التي لها حق الانتخاب 164,088 ناخب، وأصوات السود 130,344 ناخب. بعد شروط الجد، ظلت أصوات البيض كما هي 125,437 ناخب، لكن انخفضت أصوات السود إلى 5،320 ناخب.

عندما يخسر الأسود حقه في التصويت، يصبح من السهل سلبه حقوقه الأخرى. كل ولايات الجنوب، قامت بتمرير قوانين تفرض الفصل العنصري الصارم، في كل المجالات. في القطارات، في الحدائق، المدارس، المطاعم، المسارح، حمامات السباحة وأيضا في المدافن.

أي أسود يتجرأ على كسر قوانين الفصل العنصري هذه، ينتهي به الأمر، إما إلى السجن، أو إلى القتل. حتى عام 1890، كان قتلى السود بسبب العنصرية على أيدي الغوغاء البيض 150 شخص في المتوسط. كان يبدو أن كل المكاسب التي جاءت بها الحرب الأهلية بخصوص تحرير العبيد، قد تبخرت في الهواء وفقدت للأبد.

لكن إعادة الإعمار لم تذهب هباء. لقد كانت محاولة جريئة لتحقيق العدالة والمساواة العنصرية في الولايات المتحدة. لم تذهب هباء. التعديل الدستوري 14، له أهمية خاصة. لقد كان الأساس لحركة الحقوق المدنية في الخمسينيات والستينيات. جعلت من الممكن لمارتن لوثر كينج أن يصرخ ملء فيه معبرا عن كل زنوج أمريكا:

"أخيرا أحرار! أخيرا أحرار! شكرا لله تعالى، لقد أصبحنا أخيرا أحرارا"

بليسي ضد فيرجسون

في عام 1896، أعلنت المحكمة العليا حكمها في قضية تعرف ب بليسي ضد فيرجسون. قضت المحكمة بأن الدستور يسمح بتسهيلات وخدمات منفصلة يمكن توفيرها للسود والبيض، طالما كانت هذه الخدمات متساوية في القيمة بالنسبة للبيض والسود. هذا الحكم جعل الفصل بين البيض والسود من الناحية القانونية ممكنا. وظل هذا الفصل، جزءا من الحياة الأمريكية لمدة نصف قرن.

أسرعت الولايات الجنوبية، وبدأت بالفصل العنصري، ولكن بدون مساواة. ثم قاموا بتمرير قوانين تفصل بين البيض والسود في كل جوانب الحياة. في وسائل النقل العامة، والمسارح، والفنادق، وأماكن الاستماع، والحدائق العامة والمدارس.

قرار الفصل، ولكن بالتساوي، الذي حكمت به المحكمة في قضية بليسي ضد فيرجسون، تم إلغاؤه بحكم آخر من المحكمة الدستورية العليا عام 1954، عندما نظرت قضية برون ضد توبيكا.

لقد حكمت المحكمة، أنه من المستحيل حصول الأطفال السود على تعليم عادل في مدارس تطبق نظام الفصل العنصري. ثم أمرت المحكمة، كل مدارس الولايات المتحدة بقبول كل الأطفال من جميع الأعراق.

هذا القرار، عام 1954، بالتخلي عن الفصل العنصري المتساوي، كان معلما هاما في حركة الحقوق المدنية للزنوج في أمريكا في الخمسينيات. يعتبر نقطة بداية لحملة إنهاء كل أشكال قوانين الفصل العنصري في الحياة الأمريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر